آية المتعة.. وشبهاتها
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج1 ، ص 95 ـ 161
________________________________________ الصفحة 95 ________________________________________
الفصل الثاني
آية المتعة.. وشبهاتهم
________________________________________ الصفحة 96 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 97 ________________________________________
الصحابة لم يرووا نزول الآية في المتعة:
وقد ذكر بعضهم: «أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لم يقولوا فيما يروونه عن الرسول (صلى الله عليه وآله): أن الآية نزلت في المتعة، وخير مثال نضربه، ونلقم المخالف حجراً قول الإمام علي رضي الله عنه الذي يعتبره أتباع المتعة حجة، وأنه الإمام المعصوم، والوصي الأول، وكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل، ومعرفة التنزيل، فإن السنة والشيعة لم يرووا عنه بأن هذه الآية نازلة في المتعة، مع أنه كان يعلم نزول كل آية زماناً ومكاناً(1)».
ثم ذكر أن عمر قال: إن المقصود بالآية هو النكاح الأول..
وأن ابن مسعود قال: إنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح، وقول ابن مسعود «إلى أجل مسمى يعني به المهر دون
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 76.
________________________________________ الصفحة 98 ________________________________________
العقد»(1).
ونقول:
أولاً:
لماذا هذه الحدة التي يظهرها هؤلاء في مناقشاتهم لهذه المسألة، حتى يبلغ بهم الأمر إلى حدّ أنهم يريدون أن يلقموا المخالف حجراً؟!!
مع أنهم غير قادرين على تقديم أي شيء يفيد الإقناع، بما يلزمون أنفسهم به. حتى إن دعواهم العريضة ـ هنا ـ تدحضها الأدلة القاطعة الكثيرة.. ما دام أن عدداً من الصحابة قد رووا نزول هذه الآية في زواج المتعة. فابن عباس.. يقول: إنهم كانوا يقرؤون آية المتعة بإضافة كلمة «إلى أجل»، حسبما تقدم.
وسيأتي في فصل النصوص والآثار: أن عمران بن حصين ـ وهو من الصحابة ـ قد ذكر أن هذه الآية قد نزلت في المتعة، ولم تنزل آية تنسخها، وأنه (صلى الله عليه وآله) مات ولم ينههم عنها، قال رجل برأيه ما شاء..
وروي ذلك أيضاً عن أبي بن كعب، كما أسلفنا. وعن ابن مسعود..
____________
(1) المصدر السابق ص 77.
________________________________________ الصفحة 99 ________________________________________
وأما علي (عليه السلام) فقوله في المتعة أشهر من أن يذكر، ومن ذلك الذي ما عرف أوسمع: كلمته «لولا أن عمر نهى عن المتعة لأمرت بها ثم ما زنى إلا شقي».
ثانياً:
إن استدلاله بقول عمر بن الخطاب: إن آية المتعة يراد بها النكاح الـدائــم لا يصح، لأن عمر هـو الذي حرم المتعة ـ كما سيأتي في نصوص كثيرة جداً ـ فلا نتوقع منه أن يفسر الآية الشريفة بها، لأن ذلك معناه أنه يدين نفسه.
ثالثاً:
ما ذكره عن ابن مسعود من أنه يفسر الآية بالنكاح الدائم، لا يصح أيضاً، فإن قراءته الآية بإضافة كلمة «إلى أجل» خير شاهد على أن نسبة هذا التفسير إليه غير صحيحة. وتبرير ذلك بأن كلمة «إلى أجل مسمى، يعني به المهر، دون العقد» غير صحيح أيضاً؛ إذ إن ذلك لا يستقيم من الناحية اللغوية، حيث لم يتقدم ذكر للمهر لتكون هذه الكلمة قيداً له..
الرسول لم يفسر آية المتعة:
وقد استدل بعضهم على عدم كون آية (فما استمتعتم به
________________________________________ الصفحة 100 ________________________________________
منهن..) قد نزلت في زواج المتعة، بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) «لم يقل: إنها نزلت في نكاح المتعة» (1).
ونقول:
أولاً:
إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. فكيف صح له نفي أن يكون (صلى الله عليه وآله) قد قال بنزول الآية في نكاح المتعة؟
ثانياً:
إن ما ذكره ابن عباس، وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وغيرهم، وقراءتهم الآية بإضافة كلمة «إلى أجل» التي لم يكونوا ليتفتئتوها من عند أنفسهم، بل هو علم أخذوه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكد: على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أعلمهم بنزولها في هذا الزواج بالذات، وأنهم قد أخذوا تفسيرها بكلمة «إلى أجل» منه (صلى الله عليه وآله).
القرطبي وآية المتعة
قال القرطبي: «ولا يجوز أن تحمل الآية يعني آية: (فما
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 75.
________________________________________ الصفحة 101 ________________________________________
استمتعتم به منهن..) على جواز المتعة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن نكاح المتعة، وحرّمه، لأن الله تعالى قال: (فانكحوهن بإذن أهلهن) ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي، بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك(1).
ونقول:
أولاً:
إن نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن نكاح المتعة، لا يدل على عدم كون المقصود بالآية هو ذلك، فإن النهي لا يلازم التحريم، فلعله كان نهي تنزيه، أو لعله كان نهياً تدبيرياً حين رأى أنهم لا يمارسون هذا الزواج وفق الضوابط والشرائط.
هذا بالإضافة إلى عدم ثبوت هذا النهي كما سيتضح في الفصول الآتية، لأن الآية قد نزلت في أوائل الهجرة، والنهي المزعوم قد كان في عام خيبر، أو الفتح أو بعد ذلك.. وقد زعموا أن هذا النهي نسخ لذلك التحليل الثابت بالآية وغيرها..
وإن كان سيأتي: أن القرآن لا ينسخ بالسنة عندهم:
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 129 و 130.
________________________________________ الصفحة 102 ________________________________________
فكيف ينسخ بخبر الواحد..
وثانياً:
إن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) لهذا الزواج ـ لو صح ـ فإنما كان بعد الإذن فيه بلا ريب، وبإجماع الأمة..
وثالثاً:
لا ربط لإذن الأهل بشرعية الزواج وعدمه، فإنه لا بد من استئذان ولي البكر، سواء أكان الزواج دائماً أو منقطعاً، أما الثّيب فلا ولاية لأحد عليها، سواء في الدائم أو في المنقطع..
ورابعاً:
يفهم من كلام القرطبي: أن عدم مشروعية زواج المتعة تستند إلى أنه ليس بولي وشاهدين.. وعلى هذا الأساس يرد عليه:
1 ـ إن كان مراده أن طبيعة زواج المتعة هي ذلك، فيرد سؤال: كيف أذن النبي (صلى الله عليه وآله) به وشرّعه في أول الإسلام، قبل النسخ المدعى؟ وهل إن إذنه (صلى الله عليه وآله) به، وتشريعه له، لم يجعله شرعيا؟!.
وإن كان مراده: أنه زواج صحيح ومشروع لو كان بولي وشاهدين.. فإن القرطبي يكون بذلك من القائلين ببقاء مشروعية هذا الزواج. مع أنه لا يرضى بنسبة ذلك إليه.
________________________________________ الصفحة 103 ________________________________________
2 ـ إن الولي والشاهدين، إن كان مشترطاً في النكاح، فلا فرق فيه بين الدائم والمنقطع، وإن لم يكن مشترطاً فيه، فهو فيهما على حدّ سواء أيضاً..
وقد أشرنا آنفاً إلى أننا نشترط إذن الولي بالنسبة للبكر، سواء في الدائم أو المنقطع..
وأما بالنسبة للإشهاد على النكاح، فقد دل الدليل على عدم اشتراطه في الدائم(1) فضلاً عن المنقطع أيضاً.
نعم قد دلّ الدليل أيضاً على استحباب ذلك.
ولو سلمنا أنه شرط فيهما.. عند هذا القائل.. فلا ضير في ذلك بل يكون من القائلين بمشروعية زواج المتعة إذا أشهدا على هذا النكاح!!
____________
(1) راجع: مجلة الهادي الصادرة في قم سنة 1392هـ. ق ـ السنة الثانية، العدد الأول، ص 110 ـ 124 والعدد الثاني من ص 25حتى 37، فهناك مقالان للسيد محمد بحر العلوم بعنوان: المذاهب الإسلامية السبعة ووجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة، مقارناً بالقوانين الوضعية.
________________________________________ الصفحة 104 ________________________________________
آية الاستمتاع تفيد النكاح الدائم لوجوه أربعة:
روى مجاهد(1) والحسن(2)، في قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن..)(3) قالوا: النكاح، وقالوا: إن مرادهما به هو خصوص الدائم.
ونقول:
لا يمكن الجزم بذلك، لأن الاستمتاع أيضاً نكاح كما سترى.
غير أن الأمر لا ينحصر بهؤلاء، فإن البعض من غيرهم أيضاً(4) قد ذهبوا إلى إرادة النكاح الدائم، استناداً إلى قرينة السياق.. قبلها وبعدها، حيث إنه تعالى: إنما يتحدث عن الزواج الدائم مع ملاحظة التفريع بالفاء، ثم ترتيب الإحصان على الاستمتاع.
____________
(1) التمهيد ج 9 ص 122، وفتح القدير ج 1 ص 449.
(2) فتح القدير ج 1 ص 449.
(3) سورة النساء / الآية 24.
(4) هو الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 179 و 180 وقال في البحر الزخار ج 4 ص 22 حول الآية: «قلنا: أراد النكاح، جمعاً بين الأدلة» ونسب الرازي ذلك في التفسير الكبير ج 10 ص 49 إلى أكثر علماء الأمة، وراجع شرح الموطأ للرزقاني ج 4 ص 47، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 201، وزاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، وروح المعاني ج 5 ص 7.
________________________________________ الصفحة 105 ________________________________________
وقد بينوا مرادهم بوجوه أربعة، أجاب الرازي في تفسيره عن أكثرها.. وتقدم، وسيأتي في مطاوي كلامنا ما يفيد في توضيح الجواب عنها أيضاً، ولكننا نذكرها هنا أيضاً، ونشير إلى أجوبتها على النحو التالي:
1 ـ الاستمتاع هو التلذذ:
قالوا: الاستمتاع في الآية يراد به معناه اللغوي وهو التلذذ.
والأخذ بظاهر الآية يقتضي أن يعطي المرأة أجراً على كل تلذذ، وذلك لا يجوز إجماعاً.. حيث لابد من لفظ عقد يصحّح ذلك، فتحتاج الآية إلى إضمار ما يشير إلى العقد، أي فما استمتعتم به منهن بعقد النكاح فآتوهن أجورهن.. ولو كان المراد نكاح المتعة لاحتاج إلى إضمار ثان وهو كلمة «إلى أجل» والإضمار الأول مجمع عليه، والإضمار الثاني مختلف فيه، فيؤخذ بالقدر المتيقن، فمن ادعى الزيادة فعليه الدليل(1).
وقالوا: إن الذي اقتضى هذا الاضمار أمور:
الأول:
إن المذكور في أول الآيات وآخرها هو النكاح فهو
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 88 و89. وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص301 و302.
________________________________________ الصفحة 106 ________________________________________
ينتقل من حكم إلى حكم، فالآيات منصبة على بيان حكم النكاح الصحيح، وليس للمتعة فيها ذكر(1).
الثاني:
إن هناك فرقاً بين قولك «نكح فلان متعة» فينصرف إلى النكاح الموقت، وبين قولك «استمتع فلان بالنكاح» فيراد به معنى الاستلذاذ والانتفاع والآية من قبيل الثاني لا من قبيل الأول.
الثالث:
إنه لا بد والحالة هذه من إضمار كلمة «عقد» ليتقيد به الانتفاع والالتذاذ لئلا يقتضي ظاهر الآية جواز كل تلذذ بأجر، ولو بدون عقد، وهذا باطل جزماً(2).
والجواب:
1 ـ إن الدليل على أن المراد بالآية هو عقد المتعة موجود، وهو قراءة أبي بن كعب، وابن عباس، وغيرهما مما تقدم، ومجرد المكابرة في إنكاره لا يجعله مختلفاً فيه، فإن الميزان هو قيام الحجة عليه.
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص302 عن أحمد الحصري في كتاب: النكاح والقضايا المتعلقة به ص178 و179.
(2) راجع فيما تقدم: نكاح المتعة للأهدل ص301 و302.
________________________________________ الصفحة 107 ________________________________________
ولا يعتد بالإنكار بلا مبرر بل على المنكر أن يقدم ما يبرر إنكاره مما هو مقبول ومعتد به في الاحتجاج العلمي.
2 ـ إنه يلزم من إرادة النكاح الدائم في قوله: (فما استمتعتم) تكرار النكاح الدائم في الآية كما سيأتي بيانه.
3 ـ قولهم: إن الآيات أولاً وآخراً تتحدث عن النكاح الصحيح، وهو خصوص الدائم.. غير صحيح.. فإن عقد المتعة أيضاً نكاح صحيح شرعه الله تعالى.. فلماذا هذا الإصرار على الباطل؟
4 ـ قولهم: إن الآيات ناظرة أولاً وآخراً إلى الدائم هو محل النزاع فكيف تصبح الدعوى دليلاً على نفسها؟
5 ـ إن أول الآيات يتحدث عن الدائم وآخرها يتحدث عن نكاح الإماء، ووسطها يتحدث عن زواج المتعة، بقرينة السياق الدال على أن مقدار ما يحصل من الاستمتاع وتفي به من المدة، فإنه يجب إعطاء مقابله من المهر؛ فإن قوله (فما استمتعتم به منهن) بمثابة قولك أي مقدار حصل من الاستمتاع
________________________________________ الصفحة 108 ________________________________________
فيجب إعطاء مقابله من الأجور.. وهذا إنما يكون في نكاح المتعة، كما بيناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
6 ـ إن ما ذكره من الفرق بين كلمة التمتع ونكح متعة، لا أثر له في ما نحن فيه. إذ لا بد من تقدير كلمة عقد على كل حال. وكلمة استمتع حتى لو أريد به الانتفاع والالتذاذ فإن طبيعة تركيب الجملة إنما تناسب عقد المتعة حسبما أوضحناه في الفقرة الخامسة الآنفة الذكر.
7 ـ إن المضمر إذا كان هو عقد النكاح، فهو عام يشمل الدائم والمنقطع، فيحتاج تعيين أحد القسمين وإخراج ما عداه إلى قرينة، مثل كلمة «الدائم»، أو كلمة «إلى أجل».
ومع كون النكاح إلى أجل له قرينة، وهو أنه بمقدار ما تفي به من المدة يجب إعطاء ما يقابله من المهر.. كان هذا قرينة على أن المراد خصوص المتعة. وعلى أن الآية لا تشمل حتى النكاح الدائم ولو من خلال الإطلاق.. هذا بالإضافة إلى قراءة إلى أجل التي زادت الأمر وضوحاً. فمن أين عرفوا أن الآية منحصرة في النكاح الدائم؟ فإن الانحصار يحتاج إلى دليل.
________________________________________ الصفحة 109 ________________________________________
2 ـ قرائن على أن الاستمتاع هو النكاح الدائم:
قال أحمد بن عيسى بن زيد حول الآية: «الاستمتاع هو الدخول بهن على وجه النكاح الصحيح. و [إيتاؤهن أجورهن] هو إعطاؤهن مهورهن، إلا ما وهبن بطيبة من أنفسهن. والتراضي هو التعاطي»(1).
وقال غيره: إن قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) معناه: أحل لكم النكاح الدائم، والمراد به النكاح الحلال، للإشارة إلى أن المدخول بها تستحق تمام المهر، لاستمتاعه المتعة الكاملة، فإن طلق قبل الدخول فلها نصف المهر(2).
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن(3).
____________
(1) كتاب العلوم ج 3 ص 14، وأحكام الأسرة في الإسلام لمصطفى شلبي ص 148 دار النهضة العربية.
(2) راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وراجع أيضا: التفسير الكبير للرازي ج 10 ص 49، والتمهيد ج 9 ص 118 و 119، ولسان العرب ج 8 ص 329 عن الزجاج وزاد المسير ج 2 ص 54.
(3) راجع: التمهيد ج 9 ص 118 و 119، والاستذكار ج 16 ص 298.
________________________________________ الصفحة 110 ________________________________________
بل روي ذلك عن ابن عباس أيضاً(1).
إذن: المراد بالاستمتاع هو: الكناية عن الوطء، والمراد بالأجر هو: المهر، وليس أمراً آخر(2).
ونقول في الجواب:
1 ـ إن البعض يقول: «إن المهر ليس مقابل الوطء فقط، وإنما هو لتوطيد الميثاق الزوجي بصورة عامة، فإن المفسرين جميعهم أرادوا الكلام في سياق الآية على نكاح المتعة»(3).
2 ـ إن الأستاذ عبد الهادي مسعود، رفض القول بأن المراد بالآية المشار إليها هو النكاح الدائم فقد قال: «يحاول بعض الدارسين من معتنقي مذاهب أهل السنة أن يقول: بأن المتعة هنا هي الزواج الدائم.
ومثل هذا الكلام مردود، إذ من المحقق أن اصطلاح المتعة معروف ومقرر ومن المقطوع به أنه أبيح على عهد رسول الله
____________
(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 120، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والاستذكار ج 16 ص 299.
(2) راجع المرأة في القرآن والسنة ص 178 والتفسير الحديث ج 9 ص 52.
(3) المرأة في القرآن والسنة ص 178 و 179، والتفسير الحديث ج 9 ص52.
________________________________________ الصفحة 111 ________________________________________
(صلى الله عليه وآله) وعلى عهد أبي بكر، وجانب من خلافة عمر، وهو عند الشيعة لا يزال مباحاً إلى اليوم».
إلى أن يقول: «نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة أن أكثر من تسعين في المائة من المجتهدين من سنة وشيعة أجمعوا على أن المتعة المذكورة في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة.
أما النسخ فالمجتهدون من السنة يقررون:
أنه ورد بحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى فيه عن ممارسة هذا الحق الذي منحه القرآن الكريم. وقد عودنا القرآن حين يحرِّم شيئا أن يفصِّله ويكرِّره، ويؤكده، بل غالباً ما يضع العقوبات للمخالفين: قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرّم عليكم).
وترتيباً على ذلك: محال أن يحرم الله علينا ما لم يبينه لنا، وما لم يفصله على حد تعبيره تعالى في هذه الآية المحكمة.
وإذا كانت المتعة أبيحت بنص القرآن، فلا بد أن تحرم ـ
________________________________________ الصفحة 112 ________________________________________
إذا كان ثمة تحريم ـ بهذه الطريقة من البيان والتفصيل»(1).انتهى.
3 ـ وبعد ما تقدم نقول: إن ما استدلوا به على أن المقصود بالآية هو النكاح الدائم لا يصح وذلك لما يلي:
أ ـ أنه يلزم منه تكرار ذكر النكاح الدائم في الآية، كما أشار إليه جماعة(2) وسيأتي بيانه.
ب ـ من أين ثبت لهم أن المراد هنا هوخصوص النكاح الدائم؟ فإن الحديث عن النكاح جاء مطلقاً ولم يقيد بشيء، أي أن الآية قد قررّت أن مطلق النكاح لتلك النساء حرام، ومطلق النكاح لمن عداهن جائز.
ج ـ ولو كان المراد بالآية العقد الدائم لاستحقت المرأة تمام المهر بمجرد العقد، مع أنها لو طلقها قبل الدخول إنما تستحق نصفه فقط.. وأما إذا كان المراد نكاح المتعة بالآية فالمرأة تستحق تمام المهر بنفس العقد، سواء دخل أو لم
____________
(1) مقدمة كتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي ص 12.
(2) نصب الراية ج 3 ص 178 وغيره.
________________________________________ الصفحة 113 ________________________________________
يدخل(1).
ولهم على هذا الكلام إشكال سوف نورده تحت عنوان: المراد بآية الاستمتاع: الزوجة المدخول بها.
د ـ إن المراد بالاستمتاع التزويج، كما ورد في رواية سبرة في حجة الوداع، فراجع، وليس المراد به مجرد الالتذاذ ليكون هذا التعبير إشارة إلى استحقاق تمام المهر بحصول الدخول.
هـ ـ قال الفاضل المقداد: «لو لم يكن المراد المتعة المذكورة، لم يلزم شيء من المهر، من لا ينتفع من المرأة الدائمة بشيء، واللازم باطل، فكذا الملزوم. وأما بطلان اللازم، فللإجماع على أنه لو طلقها قبل أن يراها، وجب نصف مهرها، وأما بيان الملازمة، فإنه علق وجوب إيتاء الأجرة بالاستمتاع، فلا يجب بدونه..»(2).
والحاصل:
أن الاستمتاع إنما يوجب تمام المهر، إذا صاحبه الدخول، فإذا استمتع بها دون ذلك لم تستحق إلا النصف.
____________
(1) مجمع البيان ج 3 ص 32.
(2) راجع كنز العرفان ج 2 ص 149 و 150.
________________________________________ الصفحة 114 ________________________________________
ويوضح ذلك:
أن المرأة تستحق من المهر في عقد المتعة بمقدار المدة التي منحته إياها، فإذا أخلت بنصف المدة مثلاً استحقت نصف المهر وإن أخلت بثلثها ذهب من المهر بمقدار ذلك، وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وليس الأمر كذلك في الزواج الدائم حسبما أوضحه الفاضل المقداد رحمه الله.
إن قلت:
إن الآية قد جاءت لتؤكد حق الزوجة في تمام المهر إن استمتع بها الزوج(1).
فالجواب:
إن ذلك معناه أن تستحق الزوجة تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة وهو باطل.
وقد يقال:
المراد المهر المستقر، وهو إنما استقر بالدخول، فعبر عن الدخول بالاستمتاع.
فالجواب أيضاً:
أولاً:
ليس في الآية حديث عن الاستقرار بل الحديث عن
____________
(1) أحكام الأسرة في الإسلام ص 148.
________________________________________ الصفحة 115 ________________________________________
لزوم الإيتاء للمهر فقط.
ثانياً:
الآية تحدثت عن الاستمتاع ولم تذكر الدخول. والاستمتاع أعم من الدخول، والعام لا دلالة له على الخاص. ويكون تقدير الآية حينئذ فالذي استمتعتم به منهن فآتوهن مجموع أجورهن لأن الأجرة في الكل حقيقة وفي البعض مجاز فيجب تمام المهر ولو لأجل قبلة كما قلنا(1).
3 ـ غير مسافحين:
إن الاستدلال الثاني لهم على أن المراد بالآية هو النكاح الدائم هو قوله تعالى في الآية: (.. غير مسافحين) فسمي الزنا سفاحاً، لانتفاء أحكام النكاح عنده من ثبوت النسب، والعدة، والفراش، وكذلك المتعة.
كما أن سفح الماء مشترك بين المتعة والزنا، لأن المقصود في كل منهما قضاء الشهوة وسفح الماء، فإذا حرم الزنا حرمت
____________
(1) راجع كنز العمال ج 2 ص 150 وراجع تفسير النيسابوري المطبوع بهامش جامع البيان للطبري ج 5 ص 18.
________________________________________ الصفحة 116 ________________________________________
المتعة(1).
ونقول:
1 ـ قد تحدثنا فيما سبق وفي القسم الأخير من هذا الكتاب:
أن النسب والعدة، وغيرهما يثبتان في الزواج المنقطع كالدائم فلا يكون سفاحاً.
2 ـ قد عرفت أن الإسلام قد شرّع هذا الزواج بالإجماع لكن الخلاف إنما هو في نسخه وناسخه، فهل يصح القول: إنه قد شرّع السفاح؟!! أو إنه قد شرّعه بدون أحكام؟!! فإن كان قد جعل له أحكاماً؟!! فإننا نلزم أنفسنا بكل ما قرره والتزم وألزم به الشارع المقدس في صدر الإسلام حيث شرع هذا الزواج.
3 ـ قولهم: إن المقصود بالمتعة هو مجرد سفح الماء قد أجبنا عنه أكثر من مرة وقلنا:
أ ـ إن الزواج الدائم باليائس والعقيم وبالتي استأصل الطبيب رحمها أو المبيض، والزواج بالصغيرة، والزواج الدائم
____________
(1) وراجع أيضاً: التفسير الكبير ج 10 ص 53 والمتعة للفكيكي ص 49. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 97 و98.
________________________________________ الصفحة 117 ________________________________________
مع نية الطلاق قبل الدخول، والدائم المقصود به مجرد إطفاء الشهوة ـ إن ذلك كله ـ جائز مع أنه لا استيلاد فيه كما أن المقصود في بعضه مجرد سفح الماء.
ب ـ إن المراد بالسفاح هو النكاح دون عقد في مقابل النكاح بعقد لا أن سفح الماء هو علة الحلية والحرمة، والمتعة نكاح بعقد شرعي وليست سفاحاً.
ج ـ قد أجاب الرازي عن هذا الدليل أيضاً فقال:
المتعة ليست كذلك فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع، مأذون فيه من قبل الله، فإن قلتم، المتعة محرمة، قلنا: هذا أول البحث، فلم قلتم: «إن الأمر كذلك؟ فظهر أن الكلام رخو»(1).
4 ـ المتعة لا توجب إحصاناً:
ومما استدلوا به على إرادة النكاح الدائم: قوله تعالى: (محصنين) فإن الإحصان لا يكون إلا في نكاح دائم، لأن المتمتع، لا يكون محصناً، فوجب حمل الآية على الدائم لتصريحها بثبوت
____________
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 55.
________________________________________ الصفحة 118 ________________________________________
الإحصان.
وبعبارة أخرى:
لو زنى متمتع لا يرجم، ولا يعامل معاملة المحصن فهو غير متزوج.
وقد نسبوا إلى ابن عباس قوله: «كانت المتعة في أول الإسلام متعة، فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته، ويضم إليه متاعه، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته، وقد كانت تقرأ: (فما استمتعتم به منهن ـ إلى أجل مسمى ـ فآتوهن أجورهن) الآية.. حتى نزلت (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم..) وتلى إلى قوله: (محصنين غير مسافحين) فتركت المتعة، وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك، ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء»(1).
والمراد بالإحصان: صفة تحصل للمتزوج توجب إجراء
____________
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178، التفسير الكبير ج 10 ص 53، وراجع الجامع الصحيح للترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 269، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والمنار في المختار ج 11 ص 461 وراجع روح المعاني ج 5 ص6. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96 و97 ونكاح المتعة للأهدل ص 303 وفي هامشه عن زاد المسير لابن الجوزي ج 2 ص 53 و54.
________________________________________ الصفحة 119 ________________________________________
حد الرجم عليه لو ارتكب الزنا.. ولا رجم للمتمتع إذا زنا.
ونقول:
قد تقدم تحت عنوان: الإحصان في زواج المتعة.
أولاً:
قد أجاب الرازي عن ذلك بقوله: من أين ثبت: أن الإحصان خاص بالنكاح الدائم؟ بل هو موجود في المنقطع أيضاً، من غير فرق، لأن المراد بالإحصان حفظ الفرج عن ارتكاب الحرام، أي الزنا، دون النكاح مطلقاً(1).
ومن الواضح:
أن الاستمتاع من المرأة مدة معينة قد يقع بدون إنشاء العلقة الزوجية، فيكون الغرض منه مجرد سفح الماء وقضاء الشهوة وهو السفاح المحرم.
وقد يقع مع إنشاء الزواج المؤقت فيراد منه بالإضافة إلى قضاء الشهوة تحصين النفس عن الوقوع في الحرام، وهذا هو معنى الإحصان، أي تحصين النفس من الوقوع في الإثم، ويحصل بذلك السكن لهما ولو في هذه المدة القليلة جداً.
والحاصل:
أن المراد بالإحصان في الآية ليس هو ثبوت الرجم للزاني الذي هو اصطلاح فقهي.. بل له معنى آخر.. وهو
____________
(1) تفسير الرازي ج 10 ص 53.
________________________________________ الصفحة 120 ________________________________________
حصول التعفف.
قال البغوي في تفسير الآية: «محصنين أي متزوجين أو متعففين»(1).
وقال ابن جزي: «محصنين: هنا العفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا»(2).
وكذا قال: السيد المرتضى رحمه الله (3).
وثانياً:
قولهم: إن الإحصان ملازم للزوجية ممنوع، إذ لا يثبت الإحصان قبل الدخول(4)، سواء في الدائمة، أو في المتمتع بها مع أن الزوجية صادقة، وثابتة في هذا الحال أيضاً، ومن وطأ زوجته في دبرها فليس بمحصن، وكذا النكاح بملك اليمين فإنه لا يوجب الإحصان بمعنى ثبوت الرجم، حتى لو وطأ جاريته في قبلها.
____________
(1) راجع تفسير البغوي ج 1 ص 413 ط دار المعرفة ـ بيروت.
(2) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.
(3) الإنتصار ص 113.
(4) الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص 58.
________________________________________ الصفحة 121 ________________________________________
وقد يقال: إن المحصن هو من كان عنده فرج يغدو عليه ويروح، ولا يتحقق ذلك في المتعة.
وهو ممنوع صغرى وكبرى، أما صغرى فقد عرفت أن المراد بالإحصان هو مجرد التعفف.
وأما قولهم لا يتحقق ذلك في المتعة فهو ممنوع أيضاً فإنه يتحقق فيها في أحيان كثيرة.. وأيضاً هو متحقق في ملك اليمين مع أنه لا يوجب الرجم، كما قلنا.
وثالثاً:
قال الرازي: أما قوله ثانياً: الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح(1) فلم يذكر عليه دليلاً(2).
ورابعاً:
لنفرض أن المراد هو الإحصان بالمعنى المصطلح. لا بمعنى التعفف، فلماذا لا نعتبر المتمتع محصناً أيضاً، لكن الأدلة خصصت الحكم بالإحصان في الدائم فيه وأسقطته من المنقطع.
خامساً:
قال العلامة الطباطبائي: «لو كان المراد إحصان
____________
(1) الظاهر أنه يقصد النكاح الدائم وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص97.
(2) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
________________________________________ الصفحة 122 ________________________________________
التزويج لا إحصان التعفف، فلا بد من القول بعدم شمول الآية لملك اليمين لعدم تحقق إحصان التزويج والرجم فيه، مع أن كلمة «ما» في قوله تعالى: (أحل لكم ما وراء ذلكم)، بمعنى الموصول، وهي شاملة لنكاح الدائم وملك اليمين»(1).
سادساً:
إن صاحبنا فيما يذكره في معنى الآية، إنما يصادر كل ما نقل عن الصحابة والتابعين في معناها، ويتجاهل كل قراءاتهم التفسيرية المتواترة عنهم بإضافة كلمة: «إلى أجل مسمى» ويرى نفسه أعرف منهم بالمقصود والمراد منها، رغم أنهم قد عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وتلقوا معارفهم بهذا الخصوص عنه (صلى الله عليه وآله) ومارسوا العمل بمضمون هذه الآية تحت سمعه وبصره، وتوجيهاته ثم استمروا على ذلك عشرات السنين من بعده.
سابعاً:
إن المتعة قد كانت موجودة على عهد رسول الله، وهي التي نقول ببقاء تشريعها، فإن كان زواج المتعة الذي كان على عهد رسول الله يوجب إحصاناً فنحن نقول به. وإن كان لا
____________
(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 275.
________________________________________ الصفحة 123 ________________________________________
يوجب الإحصان الشرعي، فنحن أيضاً نقول به.
معاني الإحصان في الآيات:
وقد ذكر بعضهم: أن الإحصان في القرآن الكريم يقع على أربعة معانٍ هي: الزواج، والحرية، والإسلام، والعفاف.
والمراد بالإحصان في آية المتعة، في قوله: (محصنين غير مسافحين) هو العفة، أي متناكحين نكاحاً شرعياً صحيحاً يحصنهم، والاحصان لا يكون إلا في نكاح دائم.
ولو سلم أن المراد بالإحصان هو المعنى الأول أي إحصان التزوج. فلا بد أن ينحصر في الدائم وملك اليمين، لأن إمام الشيعة يقول: إن الإحصان والرجم لا يكون في المتعة، فلو كان نكاح المتعة صحيحاً لوجب الرجم فيها.. فبطلت المتعة. ولا بد أن يفسروا الاحصان بالنكاح الصحيح الدائم.
أضف إلى ذلك: أن الإحصان هو الدخول في الحصن، أي ما يوجب العفة ويمنع من الزنا. ولا تعف المرأة في المتعة، بل هي كل شهر تحت صاحب، وكل يوم في حجر ملاعب.
كما أن رجل المتعة لا يقصد الإحصان والعفة بل يقصد
________________________________________ الصفحة 124 ________________________________________
المسافحة فقط ولا يقصد إحصان المرأة وحفظها من أن ينالها أحد سواه..
وصاحب المتعة لا يستغني عن امرأة المتعة، ولا امرأة المتعة تستغني عن غيره. فليس هناك استغناء كل منهما بالآخر عن طلب الاستمتاع المحرم، فأي نوع من الإحصان هذا؟(1).
ونقول:
إن ذلك غير مقبول ولا معقول، وذلك للأمور التالية:
1 ـ من الذي قال لهذا البعض: إن الإحصان بمعنى العفة لا يكون إلا في نكاح دائم.. بل يكون التعفف بالدائم، و بالمنقطع، وبالوطء بملك اليمين أيضاً.
2 ـ إذا كان المراد بالإحصان إحصان التزوج، فكيف يشمل ملك اليمين؟! فإنه لا عقد زواج في ملك اليمين.
3 ـ إذا كان يوجد في المتعة عقد يحدث الزوجية، وفي الزواج الدائم عقد يحدثها كذلك، مع الاعتراف بأن المقصود بالإحصان هو الزوجية في الآية. وهي الجامع المشترك بينهما، فإذا قيل: إنهما يشتركان في إيجابهما العفة والحصانة، لم يكن
____________
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص149 و150.
________________________________________ الصفحة 125 ________________________________________
ذلك أمراً مستهجناً.
أما أن يقال بصورة قاطعة: إن الدائم يشارك ملك اليمين في إيجاد العفة والحصانة، ثم القول بأن الزواج المنقطع الموجد للزوجية لا يوجب الحصانة، فإن ذلك بعيد عن الإنصاف جداً.
4 ـ وفي جميع الأحوال نقول: هل كان هذا العقد في المتعة موجباً للإحصان في زمن الرسول أم لا.. فما تقولونه هناك نقوله هنا.
5 ـ ما نقله هذا المعترض عن أئمة الشيعة، من أن المتعة لا توجب إحصاناً ليس معناه أنها لا توجد زواجاً.. ولا معناه: أنها لا توجد عفة.. بل المراد به أنها لا توجد الاحصان بمعنى استحقاق الرجم.. لأن الاحصان الموجب لذلك هو خصوص الاحصان في النكاح الدائم لا مطلقاً.. فالأئمة يتحدثون عن معنى.. والمستشكل يتحدث عن معنى آخر..
6 ـ إن الإحصان إذا كان بمعنى الزوجية، فإن مطلق الزوجية لا تستلزم الرجم، بل الذي يستوجب ذلك هو الزوجية بشرط الدوام..
7 ـ قول المستشكل بأن العفة عن الزنا لا تتحقق في المتعة،
________________________________________ الصفحة 126 ________________________________________
لا عفة الرجل ولا عفة المرأة لأنها في كل شهر عند صاحب وكل يوم عند ملاعب.
غير صحيح.. لأن العفة تتحقق في المدة المحددة، وفي زمن العدة، تماماً كما هو الحال حين حصول الطلاق في الدائم، والتحرير للأمة، فإنهما بعد انقضاء عدتهما يمكنهما التزوج بمن شاءتا.. فليست هي كل يوم ولا كل شهر عند صاحب أو ملاعب.
كما أنه لو صح هذا لورد الإشكال على تحليل المتعة حتى في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله).
8 ـ وعدم استغناء المتمتعة برجل المتعة غير صحيح، بل هي تستغني به مدة العقد، وإلى حين انقضاء العدة.. تماماً كما هو الحال في المطلقة وفي الأمة المحررة.
9 ـ ولماذا فرض في مورد المتعة عدم الاستغناء عن الاستمتاع المحرم الذي هو الزنا؟!. فهل العاقد بالدائم، الذي يريد الطلاق بعد ساعة مستغن عن الاستمتاع المحرم والزنا أم لا؟!
ولماذا فرض الحاجة إلى الزنا المحرم، دون سواه من أوجه
________________________________________ الصفحة 127 ________________________________________
الاستمتاع المحلل كملك اليمين مثلاً؟ فهل الحاجة إلى الجنس تفرض أن يكون زناً محرماً؟!..
من لم يستطع منكم طولاً:
وقد أورد البعض شبهة هنا مفادها: أن الله سبحانه يقول: (من لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم..) ومن يكون عاجزاً عن كفٍ من بر كيف يشتري جارية ينكحها بملك اليمين.. فقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن..) قبل هذه الآية لا يمكن أن يكون المراد بها الاستمتاع، ولو بكف من بر، بل المراد بها والحالة هذه هو النكاح الدائم ـ الذي يحتاج إلى تكاليف كثيرة حتى إذا عجز عنها، فإنه يشتري جارية يعف بها نفسه(1).
وعلى حد تعبير بعضهم:
«لو كانت المتعة جائزة لما نصت الآية التي بعدها صراحة على التزوج من الإماء، ولما اضطر الناس إلى ذلك, ولما جعل
____________
(1) الوشيعة لموسى جار الله ص 163.
________________________________________ الصفحة 128 ________________________________________
الشارع عن ترك نكاح الإماء خيراً من نكاحهن، ولكان في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك».
وقال: «إن الله أمر بالاكتفاء بنكاح الإماء عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر، فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق، لما قال سبحانه بعده: (ومن لم يستطع) لأن المتعة في صورة عدم الطول. فمجرد نزول هذه الآية بعد قوله تعالى: (فما استمتعتم) يكفي في تحريم المتعة، فإن الآية نقلت من لا يستطيع أن ينكح الحرة المحصنة إلى ملك اليمين، ولم يذكر له ما هو عليه أقدر من ملك اليمين، فلو كان التمتع بكف من بر جائز [كذا] لذكره»(1).
ونقول:
أولاً:
الزواج الدائم أيضاً قد يكون المهر فيه كفاً من بر.. وحديث ذلك الرجل الذي لم يكن يملك شيئاً يعطيه مهراً لزوجته، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): زوجتكها بما معك من القرآن، معروف ومشهور.
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 98.
________________________________________ الصفحة 129 ________________________________________
ثانياً:
لا دليل على أن المراد بالطول هو المهر، بل لعل المراد الأعم منه، ومن الزيادة والسعة في المال، الذي يحتاج إليه للسكن، وللنفقة، أو الأعم منهما ومن عدم التمكن من الزواج ـ لا متعة ولا دائماً ـ بسبب ظروف اجتماعية أو حياتية، أو حيث لا ترضى الدائمة ولا المنقطعة بالمهر القليل. فإن جواز جعل المهر كفاً من بر ـ في الدائم والمنقطع ـ لا يلازم وجود من تقبل بهذا القليل..
وقد يكون السبب في عدم التمكن من الدائم والمنقطع هو عدم تيسّر من ترضى بالزواج الدائم أو المؤقت لعيب تراه في الرجل، أو لأي سبب آخر.. فإنه إذا عجز عن الزواج والحالة هذه ـ بقسميه المؤقت والدائم ـ فلا جناح عليه أن يتخذ سرية يتعفف بها..
وهكذا يتضح: أن هذه الآية لا تتنافى مع الزواج المنقطع بل هي منسجمة معه ومع الدائم تمام الانسجام..
تفسير آخر للآية الشريفة:
وقالوا في تفسير الآية: إن حقيقة الاستمتاع هي تحصيل المتعة واللذة، من الوطي والتقبيل وغيرهما، وقد فرعه: «بالفاء»
________________________________________ الصفحة 130 ________________________________________
على عقد زواج معهود اقتضاء.. والمعنى: (فما استمتعتم به منهن..) بوطي وتقبيل أو غيره، ممن تزوجتموهن، فقد وجب إعطاؤهن مهورهن كاملة، فالآية دليل على لزوم المهر بالاستمتاع، لا بمجرد إجراء العقد..
ويرد عليه:
أولاً:
يحتمل أن يراد بالاستمتاع معناه اللغوي، وهو اللذة والمتعة، ويحتمل إرادة عقد النكاح الدائم..
ويحتمل إرادة عقد النكاح المنقطع والأخير هو المتعين، وذلك لما يلي:
أ ـ إن المتتبع للأخبار التي تعد بالعشرات يجد أنهم يستعملون لفظ المتعة والاستمتاع في هذا المعنى المعروف وهو زواج المتعة من دون نصب أي قرينة وعليه: فما هو الدليل على حمل هذا اللفظ في الآية الكريمة على المعنى اللغوي دون المعنى الاصطلاحي المتداول فيما بينهم، وليكن حاله حال كلمة: الحج، والصلاة، والصوم، والزكاة، والبيع، والربا، وما إلى ذلك.
ب ـ سلمنا أن استعمال هذه الكلمة في زمن الرسول لم يكن بتلك المثابة، ولكن ذلك لا يجدي نفعاً هنا، إذ لا يمكن حمل
________________________________________ الصفحة 131 ________________________________________
الاستمتاع في الآية على المعنى اللغوي ـ إذ إن ذلك معناه: أن يجب المهر كله لمجرد قبلة أو لمسة بشهوة وهو ما لم يقل به أحد..
إن قلت:
الاستمتاع هنا استعمل كناية عن خصوص الوطء(1).
أجبتك:
هذا تحكم واضح، وهو ليس بأولى من حمل الكلمة على الاستمتاع بمعناه الشائع المعروف وهو زواج المتعة، ويكون ذلك الشياع قرينة على إرادة ذلك منه.
وإن عدت فقلت:
نحمل الاستمتاع على معناه اللغوي، ثم نقيده بالأدلة الدالة على إرادة خصوص الوطء.
فالجواب:
أن هذا تخصيص للأكثر، وهو غير مستساغ عند أهل اللغة.
ثانياً:
إن الضمير في كلمة: «منهن» يرجع إلى النساء، فإن كان مرجعه هو مطلق النساء، كان معنى الآية لزوم إعطاء المهر لكل امرأة تلذذ معها، واستمتع بها سواء كان ذلك مع عقد أو
____________
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص99.
________________________________________ الصفحة 132 ________________________________________
بدونه. وهذا غير معقول.
وإن كان المراد بالاستمتاع التلذذ، وكان الضمير يرجع إلى خصوص النساء المعقود عليهن بالدائم، فيرد عليه:
أنه لم يتقدم ذكر لهن من هذه الحيثية، فإرادة المعقود عليهن من الضمير تقييد بلا مقيد، إلا على سبيل الاستخدام حيث يراد بالمرجع المعنى العام، والضمير يرجع إليه بما هو مقيد، لأن مرجع الضمير هو قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) من دون ذلك القيد، وهو: «العقد عليهن».
ثالثاً:
إن قراءة: «إلى أجل» قرينة على أن المراد هو النكاح المنقطع دون سواه.
الفرق بين استمتعتم والمتعة:
وقد حاول بعضهم أن يتهرب من دلالة الآية على المتعة بطريقة أخرى، فقال ما ملخصه:
إن الآية لم تعبر بلفظ المصدر «الاستمتاع» ولا بكلمة «المتعة» بل استعملت كلمة: «استمتعتم» التي هي فعل ماضٍ. والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع.. والقول بأنه يدل على
________________________________________ الصفحة 133 ________________________________________
زواج المتعة يدل على جهل باللغة العربية. ثم أورد آيات جاء التعبير فيها بصيغة الفعل؛ للدلالة على معنى الالتذاذ.
قال: «فهذا دليل قاطع على أن لفظ «الاستمتاع» و «التمتع» لم يقتصر في عرف الشرع على هذا العقد المعين، كما زعموا(1).
ونقول:
أولاً:
إن ذلك لا يجدي نفعاً، إذ إن الصحابة قد نقلوا لنا: أن الآية قد نزلت للدلالة على هذا الزواج، وقرأوا الآية ـ ولا شك أنهم ينقلون ذلك عن رسول الله على سبيل التفسير والتوضيح ـ هكذا: (فما استمتعتم به منهن ـ إلى أجل ـ..).
ثانياً:
إن في الآية قرائن تأبى أن يكون المراد بالاستمتاع مجرد الالتذاذ، فإن ذلك يؤدي إلى إثبات تمام المهر على المتزوج ولو بقبلة أو لمسة.. وهو غير مقبول حتى عند القائلين بنسخ هذا الزواج.
هذا بالإضافة إلى القرائن الأخرى التي ذكرناها في هذا
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 102 و 103 ونكاح المتعة للأهدل ص302.
________________________________________ الصفحة 134 ________________________________________
الفصل.
ثالثاً:
لم يدع أحد أن لفظ الاستمتاع والتمتع قد اقتصرا في عرف الشرع على هذا العقد المعين..
سياق الآيات لا يناسب المتعة:
يقول البعض: وبناء على ما تقدم؛ فإن النفس تطمئن بما أجمع عليه أهل السنة. ولا سيما أن الآية التي جاءت فيها العبارة والآيات السابقة لها منصبة على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية، وتوطيدها ووجوب الاحتفاظ بالزوجات وعدم معاشرتهن، وتحمل ما يكره منهن والإحصان، والأولاد، والمواريث، والمهور، وما يحل التزوج به من النساء، وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب والجمع بين الأختين.
وننبه على أن الزواج هو للإحصان وليس للشهوة فحسب وتنهى عن قصد السفاح والمخادنة. والمتعة على كل حال ليست زواجاً ولا إحصاناً في معناهما ومداهما الصحيحين، ولا تخرج عن كونها نوعاً من أنواع المخادنة، وليس فيها قصد تأسيس
________________________________________ الصفحة 135 ________________________________________
علاقة زوجية ثابتة، وإقامة كيان أسروي، وإنجاب ذرية مما هو منطوٍ في الآيات.
ويتبادر لنا من كل ما روي وقيل أن مسألة المتعة وحلها وتحريمها متصلة بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية، وأن من المحتمل أن تكون مما أباحها رسول الله في ظرف ثم نهى عنها، وأن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) لها ووفاته على ذلك هو الأقوى والأوثق(1).
ونقول:
إن هذا الرجل قد أنكر نزول هذه الآية الشريفة في زواج المتعة، بالاستناد إلى الأمور التالية:
إن سياق الآيات قد بيّن لنا الأمور التالية:
إن الآيات قد انصبت على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية.
وتوطيدها.
ووجوب الاحتفاظ بالزوجات.
____________
(1) المرأة في القرآن والسنة ص 183 والتفسير الحديث ج 9 ص 54 و 55.
________________________________________ الصفحة 136 ________________________________________
وعدم معاشرتهن(1).
وتحمل ما يكره منهن.
والإحصان.
والأولاد.
والمواريث.
والمهور.
وما يحل التزوج به من النساء.
وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب. والجمع بين الأختين. [ثم نبه هذا الرجل على أن الزواج هو للإحصان، وليس للشهوة وحسب].
وتنهى ـ أي الآيات ـ:
عن قصد السفاح.
والمخادنة.
____________
(1) لعله يقصد: أن لا يتخذها عشيقة لمجرد سفح الماء.
________________________________________ الصفحة 137 ________________________________________
فإذا كان هذا هو مفاد الآيات فهي لا تناسب المتعة ولا تنطبق عليها بنظره، وذلك للأمور التالية:
1 ـ إن المتعة ليست زواجاً في معناه ومداه الصحيح.
2 ـ إن المتعة ليست إحصاناً في معناه ومداه الصحيح أيضاً.
3 ـ إن المتعة لا تخرج عن كونها نوعاً من أنواع المخادنة.
4 ـ ليس في المتعة قصد تأسيس علاقة زوجية ثابتة.
5 ـ ليس فيها قصد إقامة كيان أسروي، وإنجاب ذرية، وهذا ما هو منطوٍ في الآيات.
ثم هو يخلص إلى القول:
إن حل المتعة وتحريمها متصل بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية.
ثم احتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد أباحها في ظرف، ثم نهى عنها.. وأنه (صلى الله عليه وآله) توفي وهي على ذلك.. واعتبر هذا الرأي هو الأقوى والأوثق.
________________________________________ الصفحة 138 ________________________________________
ونقول:
لقد ادعى هذا الرجل كما ترى أن الأمور الخمسة الأخيرة قد انطوت الآيات الشريفة عليها.
وقد عرفنا ولسوف يأتي المزيد من الحديث عن أن المتعة زواج في معناه ومداه الصحيح.
وعرفنا المراد بالإحصان في الآية الشريفة، وأن المتعة إحصان بهذا المعنى في معناه ومداه الصحيح..
ولسوف يأتي في هذا الكتاب لا سيما في القسم الأخير منه، الكثير من الشواهد والدلائل الدالة على أن زواج المتعة ليس من المخادنة، ولا هو نوع من أنواعها لا من قريب ولا من بعيد.
ويكفي اعتراف هذا الرجل نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أحل هذا الزواج، فهل يصح لمسلم أن يقول: إنه قد أحل الزنا والمخادنة للأمة؟!.
وأما الأمران الأخيران.. فقد تقدم بعض الكلام فيهما وسيأتي في القسم الأخير من هذا الكتاب ما يدفع كل شبهة، ويزيل كل ريب إن شاء الله تعالى. ولولا حب الإبتعاد عن التكرار الموجب للملال لذكرنا ذلك
________________________________________ الصفحة 139 ________________________________________
هنا وهناك.. وما على القارئ إن أراد استعجال الإجابة إلا أن يراجع القسم الأخير من هذا الكتاب، ليجد فيه بغيته. ويحصل على طلبته، فالأمر إليه، ونحن نلقي بالعهدة في ذلك عليه..
تقرير آخر لسياق الآية:
يقول البعض: إن السياق يمنع من أن تكون الآية ناظرة إلى المتعة، لأن الله سبحانه عدّد المحرمات بقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم..) أي التزوج بهن ذلك الزواج الدائم المعهود في الإسلام. ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم..) أي أحل لكم التزوج بالدائم بما عدا المذكورات قبل أن تبتغوا بأموالكم على طبق ما شرّع الله تعالى النكاح لأجله، من الإحصان والتناسل، دون مجرد سفح الماء ـ كما يفعل الزناة ـ فالآية تدل على المنع عن وضع المرأة موضع المخانة بأن يجعلها لمجرد سفح الماء.
وبعبارة أخرى:
قد حرم الزواج الدائم بالمذكورات، وأحل
________________________________________ الصفحة 140 ________________________________________
الزواج الدائم بمن عداهن فإن المراد بالتحليل هنا نفس ما أريد بالتحريم هناك(1).
ويقول مصطفى شلبي أيضاً:
[إن الفاء] تجعل ما بعدها مربوطاً بما قبلها، والآية من أولها في النكاح المشروع.
وهذا يجعل قوله تعالى: (فما استمتعتم به..) في التمتع بالنساء بطريق النكاح لا بالمتعة(2).
وقال يوسف جابر المحمدي ما ملخصه: إن السياق في الآية خاص بالنكاح الدائم، فلا يعقل أن يقحم نكاح المتعة في وسطها، لأن الله سبحانه ذكر لفظة النكاح ثلاث مرات: (لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) و (من لم يستطع منكم طولاً أن ينكح) و (فانكحوهن بإذن أهلهن) فيصرف قوله: (فما استمتعتم) إلى النكاح الدائم «لأن العطف بالفاء من قطع المعنى
____________
(1) راجع التفسير الكبير ج 10 ص 53.
(2) أحكام الأسرة في الإسلام ص 147.
________________________________________ الصفحة 141 ________________________________________
بعدها عما قبلها»(1).
ونقول:
إن سياق الآيات الشريفة يحتّم إرادة زواج المتعة، ونحن نذكر ذلك في سياق مناقشة الكلام المتقدم، فنقول:
إننا نسلم أن الفاء تعبر عن انسجام ما بعدها مع ما قبلها، لكننا نقول: إن هذا الإنسجام ليس كما ذكرتم.
فأولاً:
من الذي قال: إن المقدر في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم و..) هو خصوص النكاح الدائم؟.
ويشهد لذلك قول الرازي: «فكأنه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن، ثم قال: وأحل لكم ما وراء هذه الأصناف، فأي فساد في هذا الكلام»(2).
ثانياً:
إننا نقول: إن الآية لا بد أن تتحدث عن مطلق
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96.
(2) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
________________________________________ الصفحة 142 ________________________________________
النكاح، الشامل للمنقطع وللدائم على حد سواء. أي أن قوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم). وقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح). وقوله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن) لا يختص بالدائم.. وإلا فهل يصح القول إن التمتع بالأم والبنت كان حلالاً؟!.
أو أن نقول:
إن التمتع بما نكح الآباء كان حلالاً في زمن الرسول؟!.
أو أن نقول:
إن التمتع بالبكر في زمن الرسول كان جائزاً ولو من دون إذن الأب؟!.
ثالثاً:
إن المراد بالإحصان هو حصن العفاف عن المآثم من خلال عقد الزواج، وهذا الأمر محقق في المتعة إذ يريد العاقد أن يجعل نفسه في حصن يمنعها من الوقوع في الحرام، ولا يريد مجرد سفح الماء ـ ولو من دون عفة ـ فإن نفس إرادة الوطء عن عقد هو دخول في دائرة التحصين عن الحرام.
رابعاً:
بالنسبة لما قاله مصطفى شلبي نقول: إنه يكفي لتحقيق التناسب فيما بين ما قبل الفاء، وما بعدها أن يكون
________________________________________ الصفحة 143 ________________________________________
أحدهما عاماً وكلياً، مع كون الآخر خاصاً، ومن أفراد ذلك العام، فقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم يراد به الأعم من الدائم والمنقطع، ثم فرع المنقطع الذي هو الخاص على ما سبق أي على ذلك العام(1).
خامساً:
لو كان المراد بما بعد الفاء هو النكاح الدائم، فلا بد من الحكم بأن الزوجة تستحق تمام المهر والعقد حسبما تقدم مع أنها إنما تستحق نصفه فقط بخلاف ما لو قلنا بأنه يكفي في التناسب أن يكون ما بعد الفاء من أفراد ما قبلها.
سادساً:
إن سياق الآيات يؤيد إرادة خصوص المتعة، إذ إن الآيات قد تحدثت في أوائل سورة النساء عن حكم الزنا، وعن النكاح الدائم، وعن ملك اليمين.. وقد شرع بقوله: (فما استمتعتم به منهن..) ببيان حكم زواج المتعة.
وحمل هذه الفقرة على النكاح الدائم يلزم منه التكرار بدون سبب.
____________
(1) الإنتصار ص 113.
________________________________________ الصفحة 144 ________________________________________
السياق يدل على المتعة فقط:
إن الآيات تحدثت أولاً، عن النكاح الدائم، حيث قالت: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (1) ثم بينت حكم الزواج المؤقت، فقالت: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)(2) ثم بينت حكم التزويج بالإماء فقالت: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم)(3) كما أنه سبحانه وتعالى قد ذكر: المحرمات من النساء(4) ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم)(5).
وعبر عن المهر هنا: مرة بالصداق وبالنحلة تكريماً للنكاح الدائم، وتفضيلاً له، ومرة بالأجر فيما يرتبط بالمتعة ونكاح الإماء، وإن كان قد عبر عنه في موارد أخرى بالأجر حتى
____________
(1) سورة النساء / الآية 3.
(2) سورة النساء / الآية 24.
(3) سورة النساء / الآية 25.
(4) راجع: الآيات من سورة النساء (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) الآية 22 والآية 23 إلخ..
(5) سورة النساء / الآية 24.
________________________________________ الصفحة 145 ________________________________________
بالنسبة للزواج الدائم أيضاً، وذلك كما في سورتي الممتحنة الآية [10]، والأحزاب الآية [50]، لكن لم يكن هناك ذكر لسائر أقسام النكاح، أما هنا فلعله من أجل أنه أراد أن يظهر فضل الدائم على غيره من أقسام النكاح، وإن كانت حلالاً فاختار كلمتي: صداق، ونحلة.
وهذا الأمر يوضح:
مدى انسجام الآيات فيما بينها، أما لو كان المراد بآية الاستمتاع النكاح الدائم، فيلزم التكرار في الحديث عن هذه الأمور، بالإضافة إلى محاذير أخرى تظهر من خلال ما يأتي من مطالب..
الاستمتاع لا يدل على إنشاء عقد المتعة
وقال بعضهم أيضاً: إن القرآن قد استعمل لفظ الاستمتاع في غير عقد المتعة في العديد من الموارد.
«وأن حقيقة «الاستمتاع» في القرآن الكريم، وفي عرفه الاستعمالي لا تدل على «إنشاء عقد المتعة» أصلاً، في أي موضع من آي القرآن. ومن ذهب إلى أن المقصود بالاستمتاع هنا هو
________________________________________ الصفحة 146 ________________________________________
إنشاء عقد المتعة فعليه بالدليل، وإلا كان تقولاً على الله تعالى.
وإنما يعبر القرآن عن إنشاء «العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة» إما بلفظ «النكاح» ومشتقاته، وهو الكثير الغالب، وإما بلفظ «التزويج»، فيبقى الاستمتاع إذن على معناه الحقيقي اللغوي والشرعي، حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي إلخ(1).
وبتقرير آخر:
إن لفظ المتعة لم يرد في القرآن بل ورد لفظ «استمتعتم» ولم يُرَد بها في تلك الموارد المتعة اتفاقاً، ولذا اتفق جمهور المفسرين على أن المراد بالاستمتاع الانتفاع، كقوله (أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها)(1) وليس المراد مطلق الانتفاع، بل المراد الانتفاع بالوطء المباح بالعقد الدائم(2).
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 103، وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص302 و303.
(2) سورة الأحقاف، الآية 20.
(3) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص304 و305.
________________________________________ الصفحة 147 ________________________________________
ونقول:
إن هذا الكلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إن عقد المتعة لا يحتاج إلى كلمة «متعت»، لأن المتعة تزويج ينشأ عقده بلفظي «زوجت» و «أنكحت» كما يمكن إنشاؤه بلفظ «متعت» من دون أي فرق.. فلفظا التزويج والنكاح ينشأ بهما عقد الزواج الدائم والمتعة على حد سواء..
ثانياً:
إن التعبير عن إنشاء العلاقة الدائمة بلفظي «التزويج» و «النكاح» لا يدل على عدم صحة إنشاء العلاقة في المنقطع بلفظ الاستمتاع، كما اعترف به هذا المستدل.. وذلك لأن عدم صحة أمر في مورد لا يعني عدم صحته في غيره، لجواز أن تكون ثمة خصوصية في ذلك الغير اقتضت صحة فيه..
ثالثاً:
إن قراءة عدد من الصحابة وغيرهم للآية الكريمة، بإضافة كلمة «إلى أجل» واستفادتهم مشروعية هذا الزواج منها خير دليل على أن المراد بالاستمتاع فيها عقد المتعة، فضلاً عن أن الصحابة، وغيرهم قد مارسوا هذا الزواج برهة من الزمان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده. وصرحوا في كثير من النصوص بأن المراد من الآية هو هذا الزواج بالذات.
________________________________________ الصفحة 148 ________________________________________
فقول هذا المستدل: «.. فيبقى الاستمتاع على معناه الحقيقي اللغوي والشرعي حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي..».
إن هذا القول يبقى بلا معنى، لأن الدليل على هذا الصرف موجود..
رابعاً:
إن الحديث في هذه الآية الكريمة إنما هو عن أصل تشريع زواج المتعة، لا عن الألفاظ التي يصح إنشاؤه بها، ولا عن أي من شرائط هذا الزواج وأحكامه الأخرى.. والفرق بين هذين الأمرين لا يخفى على ذي مسكة.
خامساً:
إن استعمال كلمة «استمتع» في مواضع أخرى من القرآن بمعنى الإلتذاذ، كقوله تعالى: (استمتعتم بخلاقكم) لا بمعنى عقد المتعة، لا يوجب أن يكون قد استعملها في نفس هذا المعنى في هذا المورد أيضاً. ولا يجعل ذلك حقيقة قرآنية أو عرفية، تمنع من استعماله في سائر المعاني.
سادساً:
إن لفظ استمتعتم أدل على إرادة زواج المتعة من غيره حيث دلت طريقة استعماله في الآية الشريفة على أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقداراً من المهر. وهو أمر لا يكون
________________________________________ الصفحة 149 ________________________________________
إلا في زواج المتعة كما أشرنا إليه غير مرة.
سابعاً:
لو سلمنا أن الآية لم تقيد النكاح بكونه دائماً أو منقطعاً فمن أين عرف أن القيد هو العقد الدائم؟!. فلماذا لا يكون القيد هو كلمة «العقد» التي تصلح للدائم وللمنقطع على حد سواء؟! ثم تأتي الروايات والقرائن الداخلية فتبين المراد وأنه خصوص المنقطع.
الآية لا تختص بالمتعة:
وقد حاول البعض أن يقول:
إن من أحكام المتعة: أنه لو وهبها المدة قبل الدخول، استحقت نصف المهر.. وإذا انقضت المدة بعد الدخول فلها تمام المهر..
ومن أحكام الزواج الدائم أيضاً: أنه إذا طلقها قبل الدخول استحقت نصف المهر أما بعد الدخول فلها تمام المهر.
قال: «.. وبهذا ينعدم الفرق بين المتعة والنكاح المشروع في هذه الحالة. ويصبح فهم الآية على أنها خاصة بالمتعة لا أساس له».
________________________________________ الصفحة 150 ________________________________________
وهو كلام غير دقيق وغير مقبول..
فأولاً:
إن مجرد التشابه في هذا الأمر بين الزواج الدائم والمتعة لا يخرج الآية عن كونها خاصة بالمتعة، لأن اختصاصها بالمتعة منشؤه قراءة إلى أجل واشتهار أنها خاصة بهذا الزواج، الأمر الذي لا يدل على أن الصحابة قد أخذوه عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولم ينشأ من عدم التشابه في الأحكام..
ثانياً:
إن غاية ما يدل عليه كلام المستدل هنا هو عدم اختصاص الآية بالمتعة، ولا ينفي شمولها لها بل هو يكاد يصرح بالشمول، فكيف إذا دل الدليل على هذا الشمول كفى ذلك. والمستدل إنما يريد أن ينفي دلالة الآية على زواج المتعة من الأساس.
ثالثاً:
إن من يقول بأن الآية خاصة بالمتعة، يؤكد قوله هذا بأن إرادة الدائم منها يقتضي استحقاق تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة؛ لأن الآية تقول: إن أي استمتاع منهن يوجب إعطاء أجورهن لهن..
هذا بالإضافة إلى محاذير وحيثيات أخرى تفرض إرادة
________________________________________ الصفحة 151 ________________________________________
خصوص المتعة من الآية.
المراد بالآية: الزوجة المدخول بها.
وقد ادعى البعض، وهو ابن تيمية: «أن قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) متناول لكل من دخل بها. أما غير المدخول بها فإنها لا تستحق إلا نصفه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة وهي المطلقة قبل الدخول المسمى لها بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)(1).
فأما الآية: (فما استمتعتم به منهن) فهي كقوله سبحانه: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
____________
(1) سورة البقرة، الآية 237.
________________________________________ الصفحة 152 ________________________________________
فجعل الإفضاء مع العقد موجباً لاستقرار الصداق.
فتبين بذلك: أنه ليس لتخصيص المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى. بل إعطاء الصداق كاملاً في المؤبد أولى»(1).
وهو كلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إن هذا اجتهاد في مقابل النص. فإن قراءة «إلى أجل» نص صريح في خلاف دعوى إرادة النكاح الدائم بل هي خلاف دعوى احتماله أيضاً، إذ من المعلوم: أن هذه القراءة ليست اختراعاً منهم، وإنما هي مأخوذة من مصدر التشريع..
ثانياً:
إن تخصيص الآية بالزوجة المدخول بها يحتاج إلى قرينة. وهي مفقودة.. وأما الآية التي تحدثت عن أن الطلاق قبل الدخول يوجب استحقاقها لنصف المهر. فهي قد فرضت وجود نكاح دائم وطلاق. وليس في آية الاستمتاع لا حديث عن طلاق، ولا حديث عن الدخول أو عدمه.. فدعوى كون آية الطلاق قبل الدخول ناظرة لآية الاستمتاع ومخصصة لها ليس
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي ص 106 ومنهاج السنة ج2 ص155 وراجع نكاح المتعة للأهدل ص306.
________________________________________ الصفحة 153 ________________________________________
بأولى من القول بأن آية الاستمتاع ناظرة لزواج المتعة بل هذا المعنى هو المتعين لوجود هذا الزواج في عصر نزول الآية. ولأجل القراءة التفسيرية لها بإضافة «إلى أجل».
ثالثاً:
إن أحداً لم يدع بأن النكاح الدائم لا يعطى الأجر بل يعطى الأجر في خصوص المنقطع. كما ادعاه هذا المستدل..
بل المدعى هو أن هذه الآية قد تحدثت عن خصوص المنقطع، ولم تتعرض لحكم الدائم لا بنفي ولا إثبات. فهي لا تمنع من ثبوت الأجر في الدائم بآية أخرى أو رواية..
رابعاً:
ولو تنزلنا وسلمنا بشمول الآية للدائم، فإنها تشمله مع المنقطع أيضاً فما هو الوجه في أولوية الدائم على المنقطع فيما يرتبط بإعطاء الصداق؟!
والغريب في الأمر:
أن هذا المستدل نفسه قد صرح بأن الأمر في المتعة لا يختلف عنه في الدائم فيما يرتبط بالمهر، وذكر عن تحرير الوسيلة وزبدة الأحكام في أحكام المتعة: أنه «لو وهبها المدة، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده لزمه الجميع».
وذكر مثل ذلك عن كتاب: المتعة ومشروعيتها في الإسلام
________________________________________ الصفحة 154 ________________________________________
وعن الروضة البهية. فراجع كلامه ص 107 و108.
خامساً:
إن ثبوت الحكم بتنصيف المهر حين الطلاق قبل الدخول في آية أخرى.. أو في رواية.. لا يجعل آية (فما استمتعتم به منهن) خاصة بالنكاح الدائم، فإن هذه الآية قد بينت حكم المهر في زواج المتعة، وبينت أيضاً مشروعية هذا الزواج، وتلك الآية،و ذلك الحديث قد بين حكماً آخر في مورد آخر، وهو تنصيف المهر في الطلاق قبل الدخول.. ولا منافاة بين الحكمين، ولا بين الآيتين.
سادساً:
إن آية: (فما استمتعتم به منهن) تقول: إن أي مقدار حصل من الاستمتاع فيجب إعطاء ما يقابله من المهر.. وهذا إنما يتحقق في خصوص زواج المتعة من حيث إن ما تفي به من المدة يوجب إعطاء ما يقابله من المهر.
إذ لو كانت هذه الآية شاملة للزواج الدائم، أو كانت فيه خاصة، فإنها ستكون منافية لقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من
________________________________________ الصفحة 155 ________________________________________
قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم)(1).
سابعاً:
قوله: «ليس لتخصيص الموقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى.. إلخ».
غير صحيح، إذ إن إعطاء الأجر في الدائم قد أثبته القرآن، وبين أحكامه في أكثر من آية، ومنها آية سورة البقرة المذكورة آنفاً.. وقد بقي المهر في نكاح المتعة بحاجة إلى بيان وتفصيل، وقد جاء التعبير في الآية الشريفة بكيفية بينت فيها لزوم المهر، ولزوم أن يكون بمقدار الاستمتاع كما بيناه في الايراد السادس المتقدم. فهو إذن بيان لحكم تأسيسي وليس فيه إعادة لبيان ما هو مذكور في موارد أخرى، ففائدة بيانه هنا أتم، ونفعها أعم.
الآية تؤكد حق المرأة بالمهر بالدخول:
وفي مقام الإصرار على أن آية: (فما استمتعتم به منهن) خاصة بالنكاح الدائم، نجد البعض يعلل ذلك بأن عقد الزواج
____________
(1) سورة البقرة، الآية 237.
________________________________________ الصفحة 156 ________________________________________
وإن كان يثبت به المهر كاملاً إثر إبرامه، وتستحقه الزوجة بنفس العقد، لكنه يثبت ثبوتاً قابلاً لسقوط بعضه كالطلاق قبل الدخول.
فالآية تفيد: «أن المهر يتأكد وجوبه كاملاً بالاستمتاع، لا بعقد الزواج وحده لأنه عرضة لأن يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول. فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول»(1).
ونقول:
إنه كلام لا يصح وذلك لما يلي:
أولاً:
إن الآية الكريمة قد قالت (فما استمتعتم به منهن). ولم تقل: فإن استمتعتم منهن. وذلك للإشارة إلى درجة الاستمتاع.. وأن قلته وكثرته، وكونه بالدخول أو بغير الدخول.. لا يؤثر في لزوم إعطاء أجورهن إليهن كاملة غير منقوصة..
وبما أن ذلك غير متيسر في الدائم فلا بد من حملها على خصوص المنقطع، ويكون المراد كما قلنا أكثر من مرة أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقداراً من المهر، والحكم في المتعة
____________
(1) راجع: تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر ص 109.
________________________________________ الصفحة 157 ________________________________________
هو ذاك فإنها تستحق من المهر بمقدار ما تفي به من المدة.
ثانياً:
كيف عرف هذا المستدل أن المراد بما استمتعتم به منهن هو خصوص الدخول.. فإنه لو قبلها أو استمتع منها بما دون الدخول فإنه مشمول بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) فكيف أخرجه من هذا الشمول يا ترى؟!
ثالثاً:
إن تخصيصه الآية بالدائم لا شاهد له.. بل الشاهد على خلافه، وهو قراءة إلى أجل وذهاب كثيرين من علماء الأمة إلى إرادة نكاح المتعة بغض النظر عن هذه القراءة قرينة على ذلك أيضاً.
مسألة تنصيف المهر كيف تحل؟
يقول بعض من ألف في المتعة: «إذا كان أصحاب المتعة يرون عدم صلتها بالنكاح المعتاد لعدم إشارتها إلى تشطير المهر، فإننا نقول لهم: وهي بهذا الشرط لا علاقة لها بالمتعة؛ لأنها لا تختلف عن الزواج في هذا الحكم.
________________________________________ الصفحة 158 ________________________________________
وهل لأن الآية لم تشر إلى تشطير المهر تصبح دليلاً على المتعة؟! فماذا تقولون في قوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وهي لم تشر إلى تقسيم الصداق، فهل هذا أيضاً في المتعة؟!
إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح، ولا علاقة له بمسألة الأجر المتفق عليه في المتعة موضوع البحث»(1).
ونقول: إن في ما ذكره مآخذ عدة:
فأولاً:
إن الأجر كما يعبر به عن المهر في المتعة، فإنه يعبر به عن المهر أيضاً في النكاح الدائم، فقد قال تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف، محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)(2).
وقال: (والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 108.
(2) سورة النساء، الآية 25.
________________________________________ الصفحة 159 ________________________________________
متخذي أخدان)(1).
وقال: (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن)(2).
وقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللائي آتيت أجورهن)(3).
وكلمة صداق إنما تعني المهر، سواء أعطي هذا المهر في نكاح دائم، أو منقطع. فالمهر في المنقطع يقال له: صداق. والمهر في الدائم يقال له: صداق. فلا معنى للتفريق بين الأمرين، وجعل ذلك منشأً لأحكام وآثار تختلف وتتخالف.
ثانياً:
إن آية (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)، لا تختص بالنكاح الدائم، بل عامة لكل نكاح جعل فيه مهر دائماً كان أو منقطعاً. فلا معنى لقوله: إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص
____________
(1) سورة المائدة، الآية 5.
(2) سورة الممتحنة، الآية 10.
(3) سورة الأحزاب، الآية 50.
________________________________________ الصفحة 160 ________________________________________
النكاح..
ثالثاً:
إن قوله: إن آية: وآتوا النساء صدقاتهن.. تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح يعطي: أن النكاح فقط ما كان دائماً.. وأن المتعة ليست نكاحاً مع أن المتعة من أقسام النكاح.. فإن النكاح مفهوم عام يشمل الدائم والمنقطع كما قلناه غير مرة..
رابعاً:
إن آية (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إنما تتحدث عن لزوم الوفاء بالعقد وعدم جواز الانتقاص مما ثبت للزوجات في ذمم أزواجهن.. وذلك بقرينة بقية الآية التي تقول: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)(1).
فهي على حد قوله تعالى: (.. وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً).
وقوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن).
____________
(1) سورة النساء، الآية 4.
________________________________________ الصفحة 161 ________________________________________
وقوله: (وآتوهن أجورهن بالمعروف).
وأما آية المتعة.. فقد أشارت إلى مقدار من الاستمتاع يوجب تمام المهر وذلك لأنها تقول: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)..
أي أنها تقول: إن الأجر ثابت بتمامه للمستمتع بها حتى ولو استمتع بها بأقل درجات الاستمتاع. ولا ينظر فيه إلى الدخول وعدمه بل إنه لو انقضت المدة أو وهبها إياها ولم يشأ أن يستمتع بها أصلاً فإن المهر كله ثابت عليه كما اعترف به هو نفسه(1) مع أن الأمر في النكاح الدائم على خلاف ذلك، حيث إن الطلاق إذا كان قبل الدخول، فإنه يوجب تنصيف المهر.
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 117.
التعلیقات