محاذير لا تصح في بعض أخبارالمتعة
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج2 ، ص 237 ـ 281
________________________________________ الصفحة 237 ________________________________________
الفصل الخامس
محاذير لا تصح في روايات
ابن عباس، وعلي (عليه السلام)، وابن عمر.. و..
________________________________________ الصفحة 238 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 239 ________________________________________
سل أمك:
قد ورد في فصل النصوص والآثار [حديث 27 و 28]: أن ابن عباس قال لابن الزبير: سل أمك.. الخ، فسألها، فأقرت بأنها ما ولدته إلا في المتعة.
وثمة أحاديث كثيرة أخرى ذكرناها في ذلك الفصل تدخل في هذا السياق فراجع.
وقد ناقش البعض في هذه الرواية: بإستبعاد أن يكون المراد هو متعة النساء، فقال ما ملخصه:.. قلت: وهذا أضعف ناصر، وأوهى دليل، وأدل على ضعف المستدل به، وقلة علمه بأحكام الشريعة، وأخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيرة أصحابه، حين ترك الظواهر الصحاح من ذلك، وعدل إلى ما لا نفع له فيه..
وذلك أن أصحاب السيرة والتاريخ نقلوا أن الزبير تزوج
________________________________________ الصفحة 240 ________________________________________
أسماء بكراً، ثم مات عنها، ولم تتزوج غيره..
وما ذكره المخالف: لا أصل له، ولم يعرف في كتاب أحد من أئمة الحديث، وأصحاب التصانيف، وحافظي الصحاح.
والذي يدل على صحة ذلك: أن الحجاج لما حصر عبد الله بن الزبير بمكة كان أصحابه يعيرون عبد الله فيقولون: يا ابن ذات النطاقين، فذكر ذلك لأمه أسماء فقالت: وتلك شكاة زائل عنك عارها، وأخبرته أنها سميت بذات النطاقين لأنهم لما صفوا سفرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين هاجر هو وأبو بكر لم يحضرهم ما يشدون به السفرة، فأمرها أبو بكر أن تشق نطاقها إثنتين، وربطت بأحدهما السفرة، والسقاء بالآخر.
فلو كان هذا الذي ادعاه المخالف صحيحاً: لم يجد الحجاج وأصحابه مع مخالفتهم في جواز المتعة وإعتقادهم لبطلانها عيباً لعبد الله بن الزبير مثل أن يعيروه بأن أمه تزوجت متعة، وذلك لا يجوز عندنا وعندك، فهذا عيب فيك..
وكان ذلك أبلغ من ذكر النطاقين الذي هو مدح له، وهم يعرفون ذلك، فلما لم يذكروا ذلك دل على أنه لا أصل له..
وعلى أنه لو أورده المخالف في كتاب وإسناد ـ ولا يقدر
________________________________________ الصفحة 241 ________________________________________
عليه صحيحاً أبداً ـ فإنا ننظر في إسناده، ونبين بطلانه ـ إن قدر عليه ـ بضعف ناقليه، وفساد طرقه الخ..(1).
ويقول المسعودي: «.. الزبير قد تزوج أسماء بكراً في الإسلام، وزوجه أبو بكر معلناً، فكيف تكون متعة النساء؟!»(2).
أي فلا بد أن يكون المراد: أنها ولدته في متعة الحج..
وقالوا أيضاً ما يلي:
أ ـ لو كانت أسماء ولدت ابن الزبير في المتعة لكان على الزبير أن يخلي أسماء ويفارقها عندما قال النبي (صلى الله عليه وآله): «فمن كان عنده شيء فليخل سبيلها».
ب ـ إن رواية الراغب في محاضرات الأدباء ليس لها سند فلا تعارض الروايات المسندة.
ج ـ إن ابن عباس يصف ابن الزبير بأنه عفيف في الإسلام، قارىء القرآن، أبوه حواري رسول الله، أمه بنت
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 118 و 120.
(2) مروج الذهب ج 3 ص 82.
________________________________________ الصفحة 242 ________________________________________
الصديق إلخ..
فلا يعقل إذن: أن يقوله في وجهه، وفي إمارته، وعلى ملأ من الناس: «سل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة..» الخ.
د ـ إن حديث سطوع المجامر أخرجه أحمد في مسنده ج6 ص344 و 345 وذكر أن سطوع المجامر إنما كان في حج التمتع لا في متعة النساء.
ولكن هذه المناقشة غير واردة وذلك لما يلي:
أولاً:
إن كان المقصود أنها إنما ولدته في متعة الحج فإن ابن الزبير قد ولد في أوائل الهجرة، ولم تكن أسماء ولا الزبير قد أحرما للحج، ولا أرادا مكة.
وحتى لو فرض أنها كانت قد حملت به في مكة في موسم الحج فإنه ليس على المقيم في مكة حج تمتع.
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن قد تحدث عن هذا الأمر.
ولا كانت آية متعة الحج قد نزلت بعد..
وثانياً:
إن زواج المتعة لا ينافي الإعلان، ولا البكارة، إذ أن
________________________________________ الصفحة 243 ________________________________________
ذلك ـ فيما يظهر ـ كان أول الإسلام لا مانع منه، إذ يظهر من النصوص أنهم كانوا آنئذٍ يعلنون زواج المتعة، فراجع فصل النصوص، والآثار لتجد: أن بعض النساء قد شهدت أمها، واختها على تمتعها، وبعضهن شهد وليهن على ذلك، وفي بعض ثالث: شهد على ذلك العدول، وشهد في بعض المواضع أيضاً الأخ والأم.. وهكذا..
وعليه.. فلم يكن ثمة مانع من الإعلان، ولا من إذن الأب لابنته في التزوج متعة، فضلاً عن عدم مانعية البكارة من ذلك، فإنه يجوز التمتع بالبكر كما يجوز بالثيب، تماماً كما هو الحال في النكاح الدائم.
وثالثاً:
قد صرحت بعض نصوص هذه القضية بأن الحديث بين ابن عباس وابن الزبير قد كان عن خصوص متعة النساء حيث يذكر ابن عبد ربه مثلاً: «أن ابن الزبير عيّره بقتال أم المؤمنين، وبأنه يفتي بزواج المتعة..».
فكان من جواب ابن عباس له قوله: «.. وأول مجمر سطع
________________________________________ الصفحة 244 ________________________________________
في المتعة مجمر آل الزبير»(1).
ورابعاً:
قد ذكرنا في ذلك الفصل حديث مسلم القرى قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر، فسألناها عن متعة النساء فقالت: فعلناها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)(2). وهي رواية صحيحة السند.
وخامساً:
إن مدة المتعة قد تطول إلى عشرين، وثلاثين سنة، أو أكثر، ولولم تطل، فإن ذلك لا يمنع من التمتع لمدة، فيولد لهن من المتعة أولاد ـ كما حصل ذلك في زمن عمر، بالنسبة لابن أم أراكة، وغيره.. وقد يدعوهم ذلك إلى تجديد عقد زواج دائم، إما لحفظ المولود الجديد، أو لتحقق القناعة والانسجام بين الزوجين، أو لغير ذلك من أسباب.
وسادساً:
قوله: إن تعييره بأنه ولد في المتعة، أبلغ من تعييره بأنه ابن ذات النطاقين «الذي هو مدح له، وهم يعرفون ذلك».
________________________________________ الصفحة 245 ________________________________________
عجيب، إذ كيف يعيرونه بما يعرفون أنه مدح له.
أضف إلى ذلك: أن ولادته من المتعة في أول الإسلام ليس فيها ما يوجب التعيير، لأنه ولد من نكاح شرعي صحيح.
وسابعاً:
قوله: إن ابن الزبير سأل عن أمر النطاقين، فأخبرته بشقها لنطاقها حين الهجرة لأجل زاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر.. يفيد: أن ابن الزبير لم يكن إلى ذلك الوقت على علم بأعظم فضيلة تنسب إلى أمه، ويناله شرفها، وفضلها رغم مرور عشرات السنين قد تصل إلى ما يقارب السبعة عقودمن الزمن.. فهل يعقل أن يعرف الناس لهم هذه الفضيلة، ثم لا يعرف بها من تعنيه أكثر من أي إنسان آخر على وجه الأرض؟!.
وثامناً:
إن قضية النطاقين يشك في صحتها من الأساس، وقد تحدثنا عن ذلك في كتاب الصحيح في سيرة النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) حيث ذكرنا هناك.
________________________________________ الصفحة 246 ________________________________________
1 ـ إن رواياته متناقضة(1).
2 ـ يقول المقدسي: «ويقال: لما نزلت آية الخمار ضربت يدها إلى نطاقها، فشقته نصفين، واختمرت بنصفه»(2).
3 ـ يقال: إنها قالت للحجاج: «كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله (صلى الله عليه وآله) من النحل، ونطاق لا بد للنساء منه»(3).
فأي ذلك هو الصحيح يا ترى؟.
وتاسعاً:
قولهم: إنه لو كان الزبير قد تزوج أسماء متعة لكان عليه تخلية سبيلها كما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
لا يصح، وذلك لما يلي:
أ ـ إنه قد يكون تزوجها متعة لفترة سنة أو أكثر فولدت له، ثم تزوجها زواجاً دائماً بعد ذلك..
____________
(1) راجع لبعض موارد التناقض: الإصابة ج 4 ص 230، والاستيعاب المطبوع مع الإصابة ج 4 ص 233.
(2) البدء والتاريخ ج 5 ص 78.
(3) الإصابة ج 4 ص 230، والاستيعاب المطبوع مع الإصابة ج 4 ص 233.
________________________________________ الصفحة 247 ________________________________________
ب ـ إن الأمر بتخلية سبيل المتمتع بهن لم يثبت صحته.. وهو محل النزاع، فكيف يصح إستدلالهم بما هو مورد النزاع؟!.
ج ـ لو صح أنه (صلى الله عليه وآله) قد أمر بذلك، فإنما يكون قد أمر الذين تمتعوا في الغزو وأرادوا الرجوع إلى بلادهم، حيث لا معنى لإبقاء العلقة بينهم وبين أزواج قد لا يرونهم ولا يتيسر لهم اللقاء بهم بعد ذلك.
عاشراً:
بالنسبة لسند رواية الراغب نقول: إننا لم نستدل بها وحدها بل هي تمثل مفردة تضاف إلى عشرات أمثالها ليشكل المجموع تواتراً على بقاء هذا التشريع.
على أن هذه الرواية لا تختص بما أورده الراغب، فهناك ما أورده الطحاوي أيضاً وغيره، فراجع فصل النصوص والآثار في مصادر أهل السنة.
حادي عشر:
وحول وصف ابن عباس لابن الزبير هو الآخر لا يصح، كيف، وقد حاربه في الجمل.. وأراد ابن الزبير أن يحرق بني هاشم في مكة.. وقد قطع الصلاة على النبي أربعين جمعة بغضاً ببني هاشم.. وقال عن ابن عباس: إنه أعمى الله قلبه كما أعمى بصره كما في الصحاح.
________________________________________ الصفحة 248 ________________________________________
وأما عن اعتراض ابن عباس على الزبير في إمارته، فذلك مروي بطرق مختلفة ومتنوعة في كتب الصحاح: مسلم وغيره، كما يظهر بالمراجعة إلى فصل النصوص المتقدم.
وأما حديث سطوع المجامر فإننا نقول:
أ ـ لماذا لا يقال بتكرر القصة في متعة النساء تارة ومتعة الحج أخرى.
ب ـ إن الحساسية إنما كانت شديدة في قضية متعة النساء.. وهي التي كان ابن الزبير يتهدد ويتوعد فاعلها بالرجم.
ج ـ من الذي قال: إن القضية لم تحرف من متعة النساء إلى متعة الحج لوجود دواع قوية لهذا التحريف.
المتعة قبل الهجرة حلال أم حرام؟!
ولكن يبقى أن نشير: إلى أن تشريع المتعة إذا كان في المدينة، فهذه الرواية أعني زواج الزبير بأسماء متعة إنما تصح على قول الواقدي، وغيره من أن ولادة ابن الزبير، قد كانت في
________________________________________ الصفحة 249 ________________________________________
السنة الثانية للهجرة(1)، بحيث يكون التشريع قد حصل قبل ذلك في أوائل الهجرة، وإذا كان التشريع قد حصل في مكة فلا يبقى إشكال..
ويقول العلامة الطباطبائي رحمه الله: «من المعلوم بالضرورة: أن التمتع كان معمولاً به في مكة قبل الهجرة في الجملة، وكذا في المدينة بعد الهجرة في الجملة..»(2).
ولعل ملاحظة أقوال القائلين بالتحريم تؤيد هذا المعنى.. لا سيما رواية ابن مسعود القائلة: «إن تشريع المتعة إنما كان في أول الإسلام».
ولا مانع من صحة ذلك: فإن التشريع لا ينحصر بنزول الآيات، بل قد يكون على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولاً، ثم تنزل الآية بعد ذلك ـ ولو بسنوات ـ لوجود ما يقتضي
____________
(1) راجع الإصابة ج 2 ص 309، والإستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 301، وتهذيب التهذيب ج 5 ص 213.
(2) تفسير الميزان ج 15 ص 14.
________________________________________ الصفحة 250 ________________________________________
هذا النزول..
استدلال باطل:
وبذلك يتضح عدم صحة قول بعضهم: إن المتعة كانت محرمة قبل الهجرة بدليل: أن أول حديث جاء بشأنها قبل خيبر ورد بلفظ رخص. ورخص فعل يؤذن بالإباحة قبل الحظر، فقد ورد في حديث ابن مسعود: «ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل.. ثم رفعت هذه الرخصة بنهي الرسول وتحريمه لها بخيبر، ثم رخص فيها ثلاثة أيام عام الفتح، ثم حرمت إلى يوم القيامة»(1).
ونقول:
أولاً:
إن رواية ابن أبي شيبة وأحمد وغيرها تقول: إن ابن مسعود قال: «كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) ونحن شباب، قال: فقلنا:.. الخ..» فكيف عرف هذا المستدل أن ذلك قد كان أيام خيبر،
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص321.
________________________________________ الصفحة 251 ________________________________________
وكيف صح له أن يجزم بذلك، فقد يكون ذلك في أول البعثة..
ثانياً:
إن كلمة رخص تفيد أن هذا كان تشريعاً جديداً ولم يكن من تشريعات الجاهلية كما يدل عليه تفصيل أنكحة الجاهلية الذي روته عائشة وغيرها كما أشرنا إليه في بعض فصول هذا الكتاب..
فالترخيص يفيد: أن بدء تشريع هذا الزواج كان في هذه المناسبة.. ولم يكن من أنكحة الجاهلية زواج إلى أمد معين ثم يتم الانفصال من دون طلاق؟! ليأتي الإسلام فيمنع منه، ثم يرخص به، ثم يمنع عنه ثم يرخص به.. وهكذا..
ثالثاً:
إن الترخيص والمنع في أيام خيبر أو بعد ذلك ما هو إلا أخبار آحاد فيها الكثير من المشاكل التي تسقطها عن الصلاحية للاستدلال بها على شيء، وتوجب إثارة الشبهات حولها..
وحتى لو صحت: فإن خبر الواحد لا ينسخ التشريع الثابت بالأدلة القطعية..
هل هذا تفسير أم تزوير؟.
جاء في صحيح مسلم قوله: حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا
________________________________________ الصفحة 252 ________________________________________
روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن مسلم القرى، قال: «سألت ابن عباس رضي الله عنه عن متعة الحج، فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها فدخلنا عليها، فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها»(1).
ونقول:
أولاً:
إن الظاهر هو أن كلمة: «متعة الحج» إنما هي من تصرف الراوي، اجتهاداً منه، ومما يشير إلى ذلك: أن مسلماً، بعد أن ذكر لهذه الرواية طريقين قال: «فأما عبد الرحمن ففي حديثه المتعة ولم يقل: متعة الحج، وأما ابن جعفر، فقال: قال شعبة، قال مسلم، لا أدري متعة الحج أو متعة النساء» انتهى(2).
وما ذكرناه في الفصل السابق تحت رقم 32 عن الطيالسي عن شعبة، عن مسلم القرى: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر
____________
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 55، ومسند أحمد ج6 ص348.
(2) صحيح مسلم ج 4 ص 56.
________________________________________ الصفحة 253 ________________________________________
فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، شاهد على أنه كان يريد متعة النساء وهو ما يعضده الاعتبار أيضاً.. إذ لا معنى للرجوع إلى امرأة في متعة الحج، مع وجود كبار الصحابة ووجوههم، إلا إن كان المراد إفحام ابن الزبير بشهادة أمه: أنها قد مارست مع زوجها فيما بين عمرة التمتع والحج ما تمارسه المرأة والرجل..
ولكن يبعد هذا الاحتمال: أن عبارتها هي: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رخص في متعة الحج حسب نقل مسلم، إلا أن ترديده يشير إلى أن من الممكن أن يكون هذا من توضيحات الراوي.
ثانياً:
إن سائر الروايات ـ وقد قدمناها في الفصل السابق ـ قد تحدثت عن أن النزاع بين ابن عباس وابن الزبير إنما كان في متعة النساء وقد أرجع ابن عباس ابن الزبير إلى أمه ليسألها عن ثوبي عوسجة، وأنها أخبرته أنها ولدته في المتعة، فراجع الفصل السابق.
وأن ابن عباس قال في هذه المناسبة: لو شئت سميت رجالاً من قريش ولدوا فيها.
________________________________________ الصفحة 254 ________________________________________
ثالثاً:
لنفترض أن الحديث كان في هذا المورد عن متعة الحج، فإن ذلك لا يدفع أن يكون قد جرى حوار ونزاع آخر حول متعة النساء فيما بين ابن عباس وابني الزبير: عروة، وعبدالله.. وتكون هذه الرواية شاهداً على ذلك.
اجتهاد ابن أبي عمرة لا يردّ النص:
وبالنسبة للرواية التي زعم فيها ابن أبي عمرة، في مقام رده على ابن عباس: أن إحلال المتعة قد كان للضرورة، كتحليل الميتة، ولحم الخنزير..
فأولاً:
هو اجتهاد من ابن أبي عمرة وقد تكلمنا، ولسوف نتكلم أيضاً، عن هذا الاجتهاد و أنه لا يصح، ولا معنى له في مقابل النص القاطع، عن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي مقابل النص القرآني أيضاً.
ثانياً:
ان تشريع حكم لأجل الضرورة، لا ينسخه عروض السعة بل يرتفع موضوعه حينئذ، فإذا عادت الضرورة كان الحكم ثابتاً في موردها.
ثالثاً:
قول ابن أبي عمرة أخيراً: «.. ثم أحكم الله الدين
________________________________________ الصفحة 255 ________________________________________
بعد..» لم نفهم له معنى محصلاً، فهل إن تشريع حكم لأجل الضرورة، يمنع من إحكام الدين، أو يجعل الدين غير محكم؟ أم أن ابن أبي عمرة يقصد أن النهي الذي صدر عن عمر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بسنين عديدة، هو الذي أوجب إحكام الدين؟!.
ومهما يكن من أمر: فإننا نكتفي بهذا المقدار حيث إننا سنذكر ـ إن شاء الله ـ كلاماً كافياً وشافياً حول قولهم: إن تشريع المتعة كان للضرورة. فانتظر..
إقحام في رواية ابن أبي عمرة:
وبالنسبة للرواية التي وردت في فصل النصوص والآثار على لسان ابن أبي عمرة والتي تقول: إن أبا بكر وعمر قد نهيا عن المتعتين، نقول: لم يدع أحد ـ فيما أعلم ـ أن أبا بكر تعرض للمتعة أصلاً، بل الروايات الكثيرة صريحة بأن عمر هو الذي حرّمها، وبأنه قد نسب التحريم إلى نفسه، وأنها كانت تفعل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، ولم ينهيا عنها..
________________________________________ الصفحة 256 ________________________________________
والظاهر هو: أن كلمة: «أبي بكر» مقحمة في الرواية من قبل الراوي، ولعل ذلك لحاجة في نفسه قضاها..
ابن جريج يدلس ويرسل:
لقد حاول بعضهم أن يرد حديث ابن عباس المتقدم في الفصل السابق برقم 45: لولا نهيه [أي عمر] عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفا، بادعاء ضعف سند الحديث، لأن ابن جريج «مع كونه ثقة فقيهاً إلا أنه كان يدلس ويرسل».
وقال: «ولم نجده فيما اطلعنا عليه أنه صرح بالسماع، فنتوقف عن الجزم بصحة هذه الرواية عن ابن عباس».
لكن السيوطي ذكر أن ابن المنذر قد روى هذا الأثر عن عطاء.. ولا ندري إن كان قد رواه من طريق ابن جريج أم لا، وهل صرح بالسماع أم لا؟!
وأما رواية عبد الرزاق: قال ابن جريج: وأخبرني من أصدق: أن علياً قال بالكوفة: «لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب. أو قال: من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا
________________________________________ الصفحة 257 ________________________________________
إلا شقي».
فلا تصح: لأن في سنده مبهماً، وتعديل ابن جريج له لا يكفي لأنه لا يلزم من تعديله له أن يكون عدلاً عند غيره.
وقد صح عن علي (عليه السلام) قوله لابن عباس (رض) وبسند آل البيت (عليهم السلام) أنفسهم نهيه عن نكاح المتعة، حتى قال لابن عباس لما بلغه ترخيصه: إنك امرؤ تائه «فلما عارض هذا الحديث الصحيح تحققنا بطلانه، ولزم رده»(1).
ونقول:
إن هذا الكلام غير صحيح، وذلك لما يلي:
أولاً:
بالنسبة لتدليس ابن جريج، وأنه لم يصرح بالسماع نقول:
إن هذا المدلس قد صرح بالسماع من عطاء، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا إبراهيم بن عرعرة عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج قال: «إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل:
____________
(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص139 ـ 141 بتصرف وتلخيص.
________________________________________ الصفحة 258 ________________________________________
سمعت»(1).
ثانياً:
إن الاستدلال على حلية زواج المتعة ليس بهذه الرواية بخصوصها، ولا يتوقف ثبوت هذا الزواج على صحة سندها إلى ابن عباس أو إلى علي (عليه السلام)، لكي تردّ بحجة ضعف سندها. بل هذه الرواية إذا جمعت مع عشرات أمثالها وفيها عشرات الروايات الصحيحة أيضاً، فإنها بمجموعها توجب اليقين ببقاء تشريع هذا الزواج..
فهي إذن: جزء من تواتر لأصل التشريع يكون هو الحجة. وليس المطلوب أكثر من ذلك..
ثالثاً:
إن الإشكالات التي ترد على رواية قول علي (عليه السلام) لابن عباس: إنك امرؤ تائه قوية وأساسية، اضطرت أعلام القائلين بتحريم زواج المتعة إلى البخوع والتسليم لها. واللجوء إلى القول بالتحريم عام الفتح أو غيره، وقد ذكرناها في ثنايا هذا الكتاب في أكثر من مورد..
وها نحن نجده: لا يزال يصر على صحة هذه الرواية، بل هو يجعلها معياراً وسبباً لرد ما سواها.
____________
(1) تهذيب التهذيب ج6 ص406.
________________________________________ الصفحة 259 ________________________________________
رابعاً:
إننا نطالب هذا المستدل بنفس ما صنعه هنا، فإن عليه أن يرد رواية «إنك امرؤ تائه» لمعارضتها بروايات صحيحة تعد بالعشرات تدل على بقاء هذا التشريع، وعدم نسخه.. وهذه الرواية تدعي أن تحريم المتعة كان عام خيبر. بل هي معارضة بروايات التحريم عام الفتح أو في حجة الوداع، أو أوطاس أو غير ذلك مما تقدم.
خامساً:
إن نفس هذا المستدل يقول: إن التحريم يوم خيبر كان موقتاً ولم يكن نهي تأبيد(1) فما معنى استدلاله به على التحريم، وجعله معارضاً لما نقل عن علي (عليه السلام) من الاعتراض على عمر..
سادساً:
إن مجرد وجود المبهم في السند أو المدلس ـ لا يعني كذب الرواية، بل لا بد من التوقف عن الحكم بذلك والتماس ما يشهد لها أو عليها.. وكفى بما يزيد على أكثر من مائة رواية تدل على بقاء التشريع شاهداً ومرجحاً لصحتها.
خصوصاً: مع تصريح الراوي الثقة بوثاقة ذلك المبهم الذي يروي
____________
(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص341/342.
________________________________________ الصفحة 260 ________________________________________
عنه ومع تصريحه بأنه لا يدلس عن شخص بعينه. وإلا للزم أن لا يكون ثقة كما يدعون..
وأما سائر روايات التحريم: فلا تصلح لتأييدها لأنها تختلف معها من جهة، ولأنها تعاني من أكثر من بلاء من جهة أخرى.
سابعاً:
إنه قد ذكر أن ابن المنذر قد روى حديث ابن جريج عن ابن عباس من طريق عطاء، وأنه لم يطلع على هذا الطريق ليعرف هل رواه ابن جريج أم غيره، مصرحاً بالسماع أم لا..
فكيف حكم على الحديث بالضعف إذن مع وجود طريق يحتمل أن يصرح فيه بالسماع، فيرفعه إلى درجة الصحة، ويحتمل أن يكون من غير طريق ابن جريج، فيرفعه إلى درجة الحسن، لأن الضعيف ـ كما يقول هو ـ¬ يرتقي إلى درجة الحسن إذا روي من طريق آخر مثله أو أقوى منه، إذا كان سبب ضعف الحديث سوء حفظ راويه أو انقطاع في سنده(1). فكيف
____________
(1) راجع: تحريم نكاح المتعة للأهدل هامش ص183.
________________________________________ الصفحة 261 ________________________________________
إذا كان فيه مبهم صرح الثقة بوثاقته؟.
ثامناً:
هناك رواية أخرى صحيحة السند عن ابن عباس وهي الرواية المتقدمة برقم 45، والمروية عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد عن قتادة عن ابن عباس، أنه قال: يرحم الله عمر لولا أنه نهى عن المتعة ما زنى مسلم.
فإذا كان انضمام الحديث الضعيف إلى الضعيف يرفعه إلى درجة الحسن فكيف وهذا الحديث صحيح ينضم إلى حديث لم يطلع عليه ذلك المستدل، وإلى حديث آخر زعم أنه مبهم، ولا يكفي فيه توثيق راويه، وإلى حديث متصل يصرح راويه أنه لم يدلس فيه؟!
سند رواية صفوان عن ابن عباس:
قد تقدم في الفصل السابق حديث رقم 41 وفيه:
قال صفوان: هذا ابن عباس، يفتي بالزنا، فقال ابن عباس: إني لا أفتي بالزنا، أفنسي صفوان أم أراكة، فوالله إن ابنها لمن ذلك أفزناً هو؟! قال: واستمتع بها رجل من بني جمح.
________________________________________ الصفحة 262 ________________________________________
أقول:
أ ـ يبدو أن السند هو ما تقدم: أي عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، الخ، فيكون صحيحاً.
ب ـ الصحيح: «ابن صفوان» لأن صفوان قد توفي في مكة، وسوي عليه التراب: فورد نعي عثمان.. إلا أن يقال: إن ما جرى بين صفوان وابن عباس قد كان في خلافة عثمان..
ج ـ ومن الواضح: أن مساجلات ابن الزبير، وابن عباس، قد كانت بعد ذلك بعشرات السنين، أي بعد وفاة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) حسبما تقدم في بعض الروايات، وبالذات أيام خلافة ابن الزبير، كما ربما يظهر من توعده لابن عباس بالرجم الدال على أنه إنما يتكلم من موقع القدرة والسلطان..
رواية الحكم بن عتيبة:
وقالوا: يرد على رواية الحكم بن عتيبة؛ التي تقدمت برقم [65 و66]:
1 ـ هو ضعيف من طريق أهل السنة، لأن الحكم كان
________________________________________ الصفحة 263 ________________________________________
يدلس، كما قال ابن حبان..
2 ـ لم يصرح بالسماع من علي (عليه السلام)؛ فالسند غير متصل، وهو دليل الضعف إلا أن يصرح بسماعه.
3 ـ إن الحكم لم يدرك علياً، لأنه ولد سنة خمسين، وقيل سنة سبعة وأربعين، وعلي (عليه السلام) إنما استشهد سنة أربعين، فالسند منقطع جزماً لا تقوم به حجة(1).
4 ـ إن هذا الحديث معارض بما ثبت عن علي (عليه السلام) من التشديد في المتعة، حتى روى مسلم في صحيحه أنه قال لابن عباس، حين بلغه أنه يرخص في المتعة: إنك امرؤ تائه.
أو قال له: مهلاً يا ابن عباس، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية(2).
5 ـ أما عند الشيعة، فالحكم بن عتيبة غير ثقة ومطعون
____________
(1) في هامش استدلال المستدل قال: انظر التهذيب لابن حجر ج2 ص 434.
(2) قال في الهامش: رجال الطوسي ص 171 ورجال ابن داود ص 243 في القسم الثاني المختص بالمجهولين والضعفاء.
________________________________________ الصفحة 264 ________________________________________
فيه فقد وصفه الطوسي وأبو داود بأنه زيدي بتري(1).
وقال الحلي: مذموم عند فقهاء العامة(2).
وقال الأردبيلي روى الكشي في ذمه روايات كثيرة(3).
ونقول:
إن ذلك كله لا يصح، وذلك للأمور التالية:
أولاً:
بالنسبة لضعف الحكم بن عتيبة من طرق أهل السنة نقول:
إن الحكم بن عتيبة قد روى له البخاري، وهم يقولون: من روى له البخاري فقد جاز القنطرة(4). وهو أيضاً من رجال الصحاح، وقد أثنى عليه أئمة الجرح والتعديل بما لا مزيد عليه.. ولا نجد مبرراً لتضعيفه من قبل هؤلاء، ونحن نذكر هنا
____________
(1) راجع: المستدل إلى رجال الحلي ص 218 القسم الثاني بالضعفاء.
(2) راجع جامع الرواة ج1 ص 266.
(3) راجع: كتاب تحريم المتعة للمحمدي ص 124 و125، ونكاح المتعة للأهدل ص 139 و314.
(4) قواعد في علوم الحديث، للتهانوي ص 463 عن أبي الوفاء القرشي في كتاب الجامع الذي جعله ذيلاً للجواهر المضيئة ج2 ص 428.
________________________________________ الصفحة 265 ________________________________________
بعض ما قاله فيه العسقلاني في تهذيب التهذيب، ونحيل في الهامش إلى طائفة من المصادر، التي ذكرت ثناءهم العظيم على هذا الرجل.
قال العسقلاني: عن يحيى بن أبي كثير، وعبدة بن أبي لبابة: ما بين لابتيها أفقه من الحكم.
وقال مجاهد بن رومي: علماء الناس عيال عليه.
وقال عباس الدوري: كان صاحب عبادة وفضل. وقال مغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي إليها.
وقال ابن عيينة: ما كان بالكوفة بعد إبراهيم والشعبي مثل الحكم وحماد.
وقال ابن مهدي: ثقة ثبت، ولكن يختلف معنى حديثه.
وقال أحمد: أثبت الناس في إبراهيم الحكم ثم منصور.
وقال ابن معين، وأبو حاتم والنسائي: ثقة. زاد النسائي ثبت. وكذا قال العجلي.
وزاد: وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع. وكان فيه تشيع إلا أن ذلك لم يظهر منه.
وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهاً عالماً رفيعاً. وقال يعقوب بن سفيان: كان فقيهاً ثقة. وقال ابن حبان في الثقات،
________________________________________ الصفحة 266 ________________________________________
كان يدلس(1).
ثانياً:
إن تدليس هذا الرجل لا يضر في ما نريد إثباته، لأن هذا القول الذي نستدل به هو قول له، وليس من نقولاته عن غيره. فإنه هو الذي قال: إن آية المتعة غير منسوخة وهو من كبار علمائهم، فيصح الاستدلال بقوله، إلزاماً للطرف الآخر بما ألزم به نفسه.
ثالثاً:
قد ظهر مما تقدم أن تضعيف علماء الشيعة للحكم بن عتيبة لا يضر، فإن المقصود هو إلزام الطرف الآخر بما ألزم به نفسه.
رابعاً:
إن وصفه بالزيدي البتري، لا يعني أنه غير ثقة، فإن علماء الشيعة يأخذون برواية الثقة من غير الإمامية سواء أكان زيدياً بترياً، أو سنياً ويسمون رواية أمثال هؤلاء موثقة..
يضاف إلى ما تقدم: أنه ليس جميع علماء الشيعة يضعفون الحكم هذا، إذ إن الشيخ النوري قد حكم بوثاقته في النقل، لرواية الأجلة عنه..
____________
(1) تهذيب التهذيب ج2 ص 433 و434.
________________________________________ الصفحة 267 ________________________________________
وأما قول الحلي: مذموم عند علماء العامة، فلا يدل على تضعيفه عند الشيعة، فلعل العامة يضعفونه، ويوثقه غيرهم.
خامساً:
ليس في الرواية: أنه ينسب هذا القول إلى علي (عليه السلام) ليقال: إنه لم يصرح بالسماع منه. أو ليكون السند متصلاً أو منقطعاً.. أو إنه ولد بعد وفاة علي بسبع أو بعشر سنوات. بل هو نفسه يقرر أن آية المتعة محكمة غير منسوخة، ولعله ينقل ذلك عن الصحابة الآخرين الذين التقى بهم، مثل أبي جحيفة، وعبدالله بن أبي أوفى، وزيد بن أرقم.. وقيل: لم يسمع من هذا الأخير..
سادساً:
قولهم: إنه معارض بما روي عن علي (عليه السلام) من التشديد في المتعة، وقوله لابن عباس: إنك امرؤ تائه. وإن المتعة حرمت يوم خيبر.. قد عرفت جوابه أكثر من مرة في هذا الكتاب.. وأن تحريم المتعة يوم خيبر لا يصح فلا حاجة إلى الإعادة..
على أننا نقول:
إن رواية النسخ يوم خيبر، ورواية علي (عليه السلام) وابن عباس لا تقوى على معارضة أكثر من مائة رواية ذكرناها في فصل: النصوص والآثار.
________________________________________ الصفحة 268 ________________________________________
قول علي: ما زنى إلا شقي:
وقالوا: إن الحديث المروي عن عبدالله بن سليمان عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي(1).. ضعيف، وقد قال المجلسي عنه: إنه مجهول(2).
وحديث المفضل بن عمر المروي في البحار(3) ضعيف بالمفضل بن عمر نفسه(4).
ونقول:
أولاً:
إنه مع غض النظر عن أن المجلسي الأول، وهو الشيخ محمد تقي قد قال عن سند حديث عبدالله بن سليمان عن الإمام الباقر (عليه السلام): إنه صحيح(5).
____________
(1) الكافي ج5 ص 448 وتهذيب الأحكام للطوسي ج7 ص 250 والإستبصار ج3 ص141.
(2) راجع: مرآة العقول ج2 ص 227 وملاذ الأخيار ج12 ص29.
(3) راجع: البحار ج100 ص305 والحدائق ج4 ص166.
(4) تحريم المتعة ص 126 و127.
(5) روضة المتقين ج8 ص465.
________________________________________ الصفحة 269 ________________________________________
وعن أن الحديث الثاني المروي عن المفضل بن عمر.. لم يضعفه سائر علماء الشيعة لأن السيد الخوئي (رحمه الله) يقبل رواية المفضل هذا، فراجع. ونقل عن المفيد (رحمه الله) في الإرشاد توثيقه، واستظهر ذلك من كلام الشيخ الطوسي (رحمه الله). ووثقه أيضاً: ابن شهراشوب وغيرهم فراجع(1). فلا يصح إرسال القول بأن علماء الإمامية قد ضعفوا هذا الرجل..
كما لا يصح إيراد الروايات القادحة وترك المادحة، وبيان ما قاله العلماء في قيمة روايات القدح..
نعم، إننا مع غض النظر عن ذلك نقول:
إن علماء الشيعة إنما يستدلون بهذه الرواية من حيث إن أهل السنة قد رووها وأوردوها أيضاً.. فهم يلزمونهم بما ألزموا به أنفسهم.. فلماذا أهمل المستشكل ذكر ذلك.. خصوصاً.. وأنه مروي عندهم بسند صحيح، فراجع..
ثانياً:
إنه حتى لو كانت هذه الرواية ضعيفة السند، فإن ذلك لا يضر، لأنها إنما يؤخذ بها على أن تنضم إلى غيرها ليشكل الجميع تواتراً مفيداً للقطع، ولا يشترط في التواتر صحة
____________
(1) معجم رجال الحديث ج18 ص 203 و204 و293 و294.
________________________________________ الصفحة 270 ________________________________________
أسانيد الروايات.
لماذا لم يعترض علي (عليه السلام):
قال البعض تعليقاً على ما روي عن علي (عليه السلام) وقد تقدم في الفصل السابق برقم [65 و 66]: «لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنا إلا شفا، ـ أي إلا قليل ـ أو إلا شقي».
إنه أبو الحسن (عليه السلام) القادر على حل المشكلات، وأفقه الفقهاء، فكيف سكت عن عمر، ولم يعارضه، وهل هو أضعف أو أقل شأناً من المرأة التي عارضت عمر في المهر علناً، وخضع لرأيها؟.
ولو كان السكوت تقية، فلماذا لم يعلن رأيه بعد أن آل الأمر إليه، أو يبين خطأ عمر فيما ذهب إليه؟..
بل إن ما روي عن علي (عليه السلام) في تحريم المتعة يدل على أن معنى قوله هذا: إن ما سبقني إليه عمر من إعلام الناس بحرمة المتعة ـ وكان من الجائز أن اسبقه إليه، وأنادي به ـ لولا هذا لادعى كل زانٍ أنه يستمتع، فلا يعد زانياً، ويتخلص
________________________________________ الصفحة 271 ________________________________________
بذلك من إقامة الحد عليه.
أي لولا ما فعله عمر لانتشر الزنا بين الناس باسم المتعة، وما وقع تحت طائلة العقوبة إلا قليل..
فيكون علي (عليه السلام) موافقاً لعمر لا مخالفاً له..
ونقول:
قد تقدمت الإشارة إلى موضوع اعتراض علي (عليه السلام)، وغيره من الصحابة على عمر بن الخطاب حين حرم المتعة، ونعود، فنذكر هنا الأمور التالية:
أولاً:
إن عدم نقل إنكار علي (عليه السلام) على عمر لا يدل على أنه لم ينكر، فإن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، مع توفر الدواعي لإخفاء ذلك، لا سيما إذا كان صادراً عن علي (عليه السلام) الذي يؤثر كلامه وموقفه على من يخالفه، ولا سيما فيما يرتبط بنقل أمور الدين وأحكامه.
ثانياً:
إن غاية الإنكار على عمر هو أن يقول له: إن رسول الله قد أحلها فكيف تحرمها، وعمر هنا قد أوضح أنه عالم بتحليل النبي (صلى الله عليه وآله) لها، وبتشريعها، وبأنه يأتي ما يأتيه عن سابق إرادة وتصميم على مخالفة أمر رسول الله
________________________________________ الصفحة 272 ________________________________________
(صلى الله عليه وآله) فلا فائدة في الإنكار عليه، بل لا مجال ولا مورد لهذا الإنكار..
بخلاف ما جرى بينه وبين المرأة في أمر الزيادة في مهور النساء، فإنه يزعم أن ما يقوله هو الموافق لحكم الشريعة والقرآن، فحين أخبرته المرأة بخطأه في ذلك مستشهدة بالآية الكريمة لم يكن له مجال للإنكار..
ثالثاً:
قد قلنا فيما سبق: إن هذا النقل (لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنى إلا شفا، أو إلا شقي).. لا يصح عن علي (عليه السلام)..
وإنما الصحيح: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»، أو لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة، «ثم ما زنى إلا شقي، أو ما زنى فتيانكم هؤلاء» فراجع فصل النصوص والآثار الحديث رقم [65 و 66].
رابعاً:
ولو سلمنا أن العبارة التي قالها علي (عليه السلام) هي: «لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنا الا شفا، أو شقي» فإن معناها ليس هو ما ذكره هذا المستدل، من أن عمر قد سبق علياً إلى التحريم، ولولا سبقه لكان علي (عليه السلام) قد بادر إلى تحريم المتعة أيضاً..
بل المعنى أن عمر قد سبق علياً (عليه السلام)، وأصدر
________________________________________ الصفحة 273 ________________________________________
أمراً بتحريمها، فقطع بذلك الطريق على علي (عليه السلام)، ولو أن الأمر بقي على حاله، فإنه (عليه السلام) كان سيأمر بها، والشاهد على ذلك هو تلك النصوص الأخرى المنقولة عن علي (عليه السلام)، لهذا الحديث بالذات، حسبما أشرنا إليه آنفاً.
خامساً:
إن كون علي (عليه السلام) ممن يقول بحلية المتعة مشهور عنه، وإن نفس الكلمة التي هي مورد الحديث، تدل على تخطئته لعمر بن الخطاب، في تحريمه للمتعة.
سادساً:
قوله: إن إقرار علي (عليه السلام): أنه لولا منع عمر من المتعة لأمكن لكل زانٍ أن يدعي أنه يستمتع ويتخلص من الزنا، ومن عقوبته.
غير صحيح، لأن قوله: «ما زنى إلا شقي» معناه ليس أنه ما زنى في زعمه واعتقاده، بل المراد: ما زنى في الواقع إلا شقي، فإن إجراء الكلام يقتضي حمله على الحقيقة والواقع، لا على التخيل، والافتراض..
________________________________________ الصفحة 274 ________________________________________
أنترك السنة ونتبع قول أبي:
وبالنسبة لما ذكر في الفصل السابق الحديث [رقم 50] نقلاً عن الترمذي من أن ابن عمر أحل المتعة، وقال: نترك السنة ونتبع قول أبي، نقول:
قد راجعنا: المطبوع من صحيح الترمذي فلم نجد هذه الرواية في متعة النساء، ولكن في المطبوع من سنن الترمذي وفي مسند أحمد بن حنبل أيضاً، في مسند عبد الله بن عمر، نفس هذه الرواية، لكنها في متعة الحج، التي منع منها عمر هي ومتعة النساء بلفظ واحد، وفي مقام واحد..
ولكن ذلك لا يعني: أن نقل هؤلاء، ولا سيما العلامة في نهج الحق عن صحيح الترمذي كان خطأ..
إذ لو كان ذلك لم يسكت الفضل بن روزبهان عن الإيراد عليه، ولكان صال وجال، وشهر به ما استطاع، ولكان أتهمه أنه غير أمين فيما ينقله.
وقد تحدث ابن عمر عن حلية المتعة في موارد أخرى، وقد تقدمت الروايات.
________________________________________ الصفحة 275 ________________________________________
الأغلب صار إجماعاً:
وقد قال البعض عن الرواية المتقدمة في الفصل السابق [برقم 50] حول إنكار ابن عمر على أبيه متعة النساء بأن «هذا القول الذي نقله أغلب علماء الشيعة بالإجماع من أعظم الكذب. وقد رجعت إلى جامع الترمذي ومسند أحمد، فلم أجد ما نسبته كتب الشيعة».
ثم ذكر: أن الشيعة قد بدلوا حديث ابن عمر في متعة الحج، وجعلوه في متعة النساء(1).
ونقول:
إننا نسجل هنا ما يلي:
1 ـ كيف أصبح الأغلب إجماعاً.. حيث قال: نقله أغلب علماء الشيعة بالإجماع، فإن كان الناقلون هم الأغلب، فلا يوجد إجماع، وإن كان الناقلون هم الجميع، فكيف صار الجميع هم الأغلب.
وإن كان مراده:
أنه كذب بالإجماع، فكيف يتحقق
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 162 ـ 164.
________________________________________ الصفحة 276 ________________________________________
الإجماع مع مخالفة الناقلين له وسكوت كثيرين من غيرهم عن إعطاء الرأي في ذلك.
2 ـ إن هذا النقل إنما هو عن ابن طاووس والعلامة في نهج الحق. وتبعهم آخرون من بعدهم.. فأين هم علماء الشيعة الذين سبقوا العلامة. وأين الأغلب، فضلاً عن الاجماع بعد عصر العلامة إلى يومنا هذا..
مع أن الذين ذكر هذا المعترض أنهم ذكروا هذا النص لا يزيدون على عشرة أشخاص، نصفهم من أهل هذا العصر.. فكيف صار العشرة والعشرون هم أغلب علماء الشيعة بالإجماع؟
3 ـ قد ذكرنا: أنه لو كان هذا النقل غير صحيح لاعترض ابن روزبهان على العلامة، واتهمه بالكذب.. ولكنه لم يفعل ذلك..
4 ـ لنفرض أن ابن روزبهان لم يلتفت، أو لم يراجع ليكتشف الحقيقة، لسبب أو لآخر، ولنفترض أيضاً: أن الصحيح هو أن ابن عمر تحدث عن متعة الحج، لا عن متعة النساء.
فإننا نقول:
إذا كان عمر قد حرمهما بلفظ واحد، وفي مقام واحد،
________________________________________ الصفحة 277 ________________________________________
وفرض صحة الاعتراض عليه في متعة الحج، فإنه ـ بنفس الملاك ولعين السبب يصح الاعتراض عليه في متعة النساء.. لا سيما وأن ابن عمر قد علل ذلك بقوله: نترك السنة ونتبع قول أبي؟، أو ما بمعناه.. والعلة معممة ومخصصة..
5 ـ على أن المعترض قد زعم أن الشيعة قد بدلوا كلمة متعة الحج بكلمة متعة النساء.. ثم استشهد بنصوص ذكرت في مصادر أهل السنة تؤكد على أن الحديث كان عن متعة الحج..
ونقول له:
لماذا لا تحتمل أن يكون بعض أهل السنة قد اسقطوا رواية متعة النساء من كتبهم، ليتخلصوا من غائلة نقض الشيعة عليهم بها.
ويشهد لذلك:
أن النصوص التي استشهد بها هذا المعترض تختلف في نصوصها عن النص المنقول في كتب الشيعة عن ابن عمر في متعة النساء. فراجع الأحاديث حول متعة الحج في نفس كتاب تحريم المتعة ص164 و 165 وقارن بينها وبين
________________________________________ الصفحة 278 ________________________________________
نصوص الشيعة في نفس ذلك الكتاب أيضاً ص162 و163(1).
المتعة نكاح بلا ميراث:
قد تقدم في الحديث [رقم62] في الفصل السابق: أحل الله من النساء ثلاثاً نكاح موارثة، ونكاح بغير موارثة، وملك يمين.
نقول:
وتفسير النكاح بلا ميراث بنكاح المرأة اليهودية والنصرانية، فإن نكاحها حلال ولا يرثان، أو نكاح أمة الغير(2) ليس بأولى من تفسير ذلك بنكاح المتعة بل هذا التفسير هو الأولى، وذلك لأن التعبير هو «نكاح بغير موارثة»، فاعتبر عدم الإرث من آثار النكاح نفسه، ولم يعتبره ناشئاً من خصوصية المرأة ككونها نصرانية أو أمة.
____________
(1) قد روى نصوص متعة الحج عن النص والاجتهاد ص 190 ومسند أحمد ج2 ص95 والمغني لابن قدامة ج3 ص 281 وغير ذلك.
(2) العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 13.
________________________________________ الصفحة 279 ________________________________________
فعلناها ومعاوية كافر بالعرش:
وقد جعل المحدثون رواية سعد بن أبي وقاص حول المتعة، والتي تقدمت في السابق [برقم 111] وأمثالها جعلوها في أبواب حج التمتع، كما فعله مسلم في صحيحه، إعتقاداً منهم بأن المقصود بها هو ذلك.
ونقول:
إن تفسيرها بذلك لا يصح: لأن معاوية حسبما يقولون قد أسلم بعد الحديبية، وكان في عمرة القضاء مسلماً.
ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما روي من أنه قال: إنه قصّر من رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند المروة(1).. وذلك إنما كان في عمرة القضاء ـ لأنه في حجة الوداع قد حلق في منى.. وذكر المروة يدل على أنه كان معتمراً.
____________
(1) صحيح مسلم ج4 ص47، وسنن النسائي ج5 ص54، ومسند أحمد ج1 ص181.
________________________________________ الصفحة 280 ________________________________________
لنا خاصة أم للناس عامة؟:
وقد ذكرت الرواية عن سلمة بن الأكوع المتقدمة في الفصل السابق (برقم: 63) أن تحليل المتعة قد جاء على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكن قد جاء في آخرها قوله، حسب نص البخاري:
فما أدري، أشيء كان لنا خاصة، أم للناس عامة: «قال أبو عبدالله [يعني البخاري]: وبيّنه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه منسوخ».
ونقول:
1 ـ إن جميع الروايات التي ذكرها البخاري في صحيحه في باب نكاح المتعة لا تقوى على إثبات التحريم، ولأجل ذلك أصدر حكمه بأن علياً (عليه السلام) قد بين أن هذا الزواج منسوخ، دون أن يلتفت إلى ما في الرواية عنه (عليه السلام) من إشكالات توهن أمر الاستدلال بها.
وذلك يعني: أن البخاري ملتفت إلى أنه لم يورد في باب نكاح المتعة ما يوجب الحكم بنسخه وتحريمه، فالتجأ إلى الإحالة على غائب.
2 ـ إن البخاري قد سكت ولم يعلق على رواية سلمة بن
________________________________________ الصفحة 281 ________________________________________
الأكوع المشار إليها آنفاً إذ كيف يمكن لنا أن نتصور من هو في مقام سلمة بن الأكوع ولا يدري إن كان هذا التشريع خاصاً بالصحابة، أم هو للناس جميعاً، فإذا كان مثله لا يدري ذلك، فهل يمكن لغيره أن يدري؟ وما هو المبرر لهذا الإبهام الآتي من الله ورسوله.
3 ـ كيف يتوهم سلمة ان هذا التشريع خاص بالصحابة.
فإن كانت: لحربهم ولخوفهم، كما في بعض النصوص، فالحرب والخوف باقيان على مر الدهور، والأزمان.
وإن كانت: لأسفارهم البعيدة، والشاقة، ولأجل الغربة، واشتداد العزبة عليهم كما زعموا، فالسفر البعيد والغربة، والعزبة، لم تزل ولا تزال.
وإن كانت: لأجل الشبق، واشتداد الشهوة الجنسية، فذلك أيضاً لا يختص بالصحابة.
وإن كانت: لأجل الاضطرار، كالاضطرار إلى الميتة، ولحم الخنزير، فذلك أيضاً لا ينتهي بانتهاء زمن الصحابة..
إذن، فما معنى أن لا يدري: أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة؟!!.
التعلیقات