نتيجة البحث في مسح الأرجل
المصدر : المسح على الرجلين في الوضوء ، تأليف : السيّد علي الحسيني الميلاني ، ص 45 ـ 51
________________________________________ الصفحة 45 ________________________________________
خاتمة البحث
إذن، أصبحوا صفر اليدين من الكتاب والسنّة.
وحينئذ، تصل النوبة إلى السبّ والشتم، تصل النوبة إلى ما لا يتفوّه به عالم، لا يتفوّه به فاضل، فكيف وهو يدّعي أنّه من كبار العلماء !
لاحظوا ابن العربي المالكي(1) يقول: إتفقت العلماء على وجوب غسلهما ـ أي الرجلين ـ وما علمت من ردّ ذلك، سوى الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم.
فما معنى هذا الكلام ؟
ويقول شهاب الدين الخفاجي في حاشيته على تفسير البضاوي: ومن أهل البدع من جوّز المسح على الرجل(2) .
____________
(1) أحكام القرآن 2 / 72.
(2) الشهاب على البيضاوي 3 / 220.
________________________________________ الصفحة 46 ________________________________________
ويقول الالوسي ـ الكلام الذي وعدتكم بقراءته: لا يخفى أنّ بحث الغسل والمسح ممّا كثر فيه الخصام، وطالما زلّت فيه الاقدام، وما ذكره الامام [ الرازي ] يدلّ على أنّه راجل في هذا الميدان [ ذكرت لكم أنّ الرازي يوضّح كيفيّة دلالة الاية على المسح بالقراءتين ] فلنبسط الكلام في تحقيق ذلك رغماً لاُنوف الشيعة السالكين من السبل كلّ سبيل حالك، ما يزعمه الاماميّة من نسبة المسح إلى ابن عبّاس وأنس بن مالك وغيرهما كذب مفترى عليهم، ونسبة جواز المسح إلى أبي العالية وعكرمة والشعبي زور وبهتان، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح أو التخيير بينهما إلى الحسن البصري عليه الرحمة، ومثله نسبة التخيير إلى محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير. وقد نشر رواة الشيعة هذه الاكاذيب المختلقة ورواها بعض أهل السنّة ممّن لم يميّز الصحيح والسقيم من الاخبار، بلا تحقّق ولا سند، واتسع الخرق على الراقع، ولعلّ محمّد بن جرير القائل بالتخيير هو محمّد بن جرير رستم الشيعي صاحب المسترشد في الامامة أبو جعفر، لا أبو جعفر محمّد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام السنّة، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط، لا المسح
________________________________________ الصفحة 47 ________________________________________
ولا الجمع ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه(1) .
يكفي هذا المقدار من السبّ ؟ أو تريدون أكثر ؟ يكفيكم هذا المقدار !
لكن نرى بعضهم لا يتحمّل هذا السبّ على الشيعة وهو ليس من الشيعة.
يقول صاحب المنار(2) : إنّ في كلامه عفا الله عنه تحاملاً على الشيعة وتكذيباً لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنّة كما تقدّم، وظاهره أنّه لم يطّلع على تفسير ابن جرير الطبري.
فالالوسي إذن أصبح جاهلاً لم يطّلع على تفسير ابن جرير الطبري، وهو صاحب التفسير روح المعاني على كبره ! هذا دفاع أو توجيه وتبرير لسبّ جناب الالوسي، هذا السيّد الذي يدّعي أنّه من ذريّة رسول الله.
قد ظهر إلى الان: أنّ الصحيح بالكتاب والسنّة هو المسح دون الغسل، وعليه الاماميّة كلّهم، وعليه من صحابة رسول الله كثيرون، على رأسهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) وابن عبّاس وأنس بن مالك وجماعة آخرون.
____________
(1) روح المعاني 6 / 77.
(2) المنار في تفسير القرآن 6 / 229.
________________________________________ الصفحة 48 ________________________________________
أمّا أهل السنّة، فالمشهور بينهم الغسل، وقد عرفنا أنّهم لا دليل لهم على هذه الفتوى، ولذا اضطرّ بعضهم إلى أن يقول بالجمع بين الغسل والمسح، وبعضهم خيّر بين الامرين.
لاحظوا في المرقاة في شرح المشكاة للقاري يقول بأنّ أحمد والاوزاعي والثوري وابن جبير يقولون بالتخيير بين المسح والغسل(1) .
هذه مرحلة من الحقّ، التخيير مرحلة من الحقّ، الحقّ هو المسح على التعيين، لكن نفي تعيين الغسل والتخيير بينه وبين المسح مرحلة على كلّ حال، فهو يدلّ على أنّهم لا دليل لهم على تعيّن الغسل.
نعم السبّ فوق كلّ دليل، الشتم أعظم من كلّ دليل.
نعم، إن كان الشتم دليلاً فهو من أعظم الادلّة.
وأمّا الحسن البصري، فقد اختلفوا في رأيه ماذا كان رأيه ؟ وأيضاً الطبري صاحب التفسير والتاريخ، خلطوا لئلاّ يتبيّن واقع أمره، لاحظوا عباراتهم في حقّ الطبري.
فأبو حيّان أخرج الطبري من أهل السنّة وجعله من علماء
____________
(1) المرقاة في شرح المشكاة 1/315.
________________________________________ الصفحة 49 ________________________________________
الشيعة أصلاً، لاحظوا لسان الميزان لابن حجر العسقلاني(1) ، والسليماني ـ وهو من كبار علمائهم في الجرح والتعديل ـ لم ينكر كون الطبري من أهل السنّة وإنّما قال: كان يضع للروافض. أي يكذب على رسول الله لصالح الشيعة، وهذا تجدونه في ميزان الاعتدال(2) .
والذهبي هنا له نوع من الانصاف، نزّه الطبري من كونه وضّاعاً للشيعة، وعن كونه من الروافض قال: هذا من كبار علماء السنّة وما هذا الكلام في حقّه، نعم له رأي في مسألة المسح على الرجلين(3) .
الرازي وجماعة ينسبون إلى الطبري القول بالتخيير، آخرون ينسبون إليه القول بالجمع، لاحظوا كتاب المنار(4) ، وابن حجر العسقلاني إحتمل أن يكون هذا الطبري المذكور في الكتب هو الطبري الشيعي، واختلط الامر عليهم والطبري الشيعي أيضاً قائل بالمسح فتصوّر الكتّاب والمؤلّفون والمطالعون أنّ هذا الطبري
____________
(1) لسان الميزان 5 / 100.
(2) ميزان الاعتدال 3 / 499.
(3) سير اعلام النبلاء 14 / 277.
(4) تفسير المنار 6 / 228.
________________________________________ الصفحة 50 ________________________________________
صاحب التفسير والتاريخ، وهل يصدّق بهذا ؟!
إذن، لماذا رماه ذاك بالرفض، ولماذا رماه ذاك بالوضع، ولماذا قال الاخر قولاً آخر في حقّه، ولماذا كلّ هذا ؟
عرفتم أنّ القول بالمسح رأي كثير من الصحابة والتابعين، وقول الحسن البصري أيضاً كذلك، وقول الطبري صاحب التفسير والتاريخ أيضاً كذلك، وهناك علماء آخرون أيضاً يقولون بهذا القول.
أذكر لكم قضيّة، لاحظوا، ذكروا(1) بترجمة أبي بكر محمّد بن عمر بن الجعابي ـ هذا الامام الحافظ الكبير، والمحدّث الشهير ـ ذكروا بترجمته أنّهم قد وضعوا علامة على رجله حينما كان نائماً، وبعد أن راجعوا تلك العلامة بعد ثلاثة أيّام وجدوها باقية موجودة ! خطّوا على رجله بقلم أو بشيء آخر وهو نائم لا يشعر، وبعد ثلاثة أيّام رأوا الخطّ موجوداً على رجله، فقالوا بأنّ هذا الشخص لم يصلّ، لانّه إنْ كان قد صلّى فقد توضّأ، وإن كان قد توضّأ فقد غسل رجله، وحينئذ تزول العلامة عن رجله، ولمّا كانت باقيةً فهو إذنْ لم يصلّ هذه المدّة.
____________
(1) سير أعلام النبلاء 16 / 90.
________________________________________ الصفحة 51 ________________________________________
أقول:
إن كان أبوبكر الجعابي تاركاً للصلاة حقيقةً، فهذا ليس غريباً، فكم له من نظير في كبار علمائهم، ولي مذكّرات من كبار علمائهم الاعلام ينصّون بتراجمهم أنّه كان يترك الصلاة، من جملتهم زاهر بن طاهر الشحّامي النيسابوري، يصرّحون بأنّ هذا المحدّث كان يترك الصلاة مع أنّهم يعتبرونه من كبار الحفّاظ، يعتمدون على روايته بل يجعلونه من جملة الشهود عند الحكّام، والشاهد يجب أن يكون عادلاً، وكأنّ ترك الصلاة لا يضرّ بالعدالة.
فإن كان الجعابي تاركاً للصلاة فكم له من نظير.
أمّا إذا كان يمسح على رجله كالشيعة ولا يغسل رجله، فتبقى العلامة على رجله لا ثلاثة أيّام ولربّما خمسين يوماً إذا لم يذهب إلى الحمام ليغسل، فيبقى الخطّ على رجله، فيدور أمر الجعابي، إمّا أنّه كان تاركاً للصلاة فكم له من نظير، وإمّا أنّه من أصحابنا الاماميّة أو موافق لاصحابنا الاماميّة في هذه المسألة.
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
التعلیقات