آية المتعة غير منسوخة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 460 ـ 464
(460)
الآية غير منسوخة
ثمّ إنّ جماعة من المفسّرين والمحدّثين بعدما سلّموا نزول الآية في المتعة
ودلالتها على مشروعيتها ، تخلّصوا عن القول بمشروعيتها الناسخة إلى أقوال .
فبين قائل بأنّها منسوخة ببعض الآيات ، وقائل بأنّها منسوخة بالسنة .
والقائلون بكونها منسوخة بالقرآن اختلفوا بدورهم في الآيات الناسخة ، كما أنّ
القائلين بأنّها نسخت بالسنّة اختلفوا كذلك في زمن النسخ اختلافاً كثيراً. وهذه
الإختلافات ، مع قرائن من التاريخ والسنّة ، تدلّ على عدم وقوع النسخ :
أ ـ الخلاف في الآيات الناسخة
ممّا يدلّ على عدم نسخ آية المتعة ، خلافهم في الآيات الّتي نسختها ، إلى
أقوال ، لا يفي أيٌّ منها بالمدّعى :
________________________________________
(461)
القول الأوّل : إنّ الناسخ قوله سبحانه : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى
وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } (1).
وقد عزب عن القائل أنّ هذه الآية مكيّة ، وآية المتعة مدنية ، ولا معنى
لناسخية آية لحكم لم يُشَرّع بعد.
أضف إليه أنّ نكاح المتعة داخل في الشقّ الأوّل . أعني قوله : { إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ }
القول الثاني : إنّها منسوخة بآية العدة ، وهي قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (2). حيث تدلّ على أنّ انفصال الزوجين
إنّما يحصل بطلاق وعِدّة ، والمتعة ليس فيها عدّة ولا طلاق.
وهذا من غرائب الأقوال ، وذلك أنّ القول بعدم العدّة في المتعة ناش من
الجهل بأحكامها ، فإنّ فيها العدة كالدائم غير أنّ عدتها حيضتان لمَن تحيض ، وخمس
وأربعين يوماً لمَن لا ترى الحمرة ، وهي في سنّ مَن تحيض.
وأمّا الطلاق ، فلم يدلّ دليل على أنّه وسيلة الفراق الوحيدة لكل زواج ،
وإنّما ينحصر دليل الطلاق بالنكاح الدائم .
القول الثالث: إنّها منسوخة بآية الميراث حيث لا ميراث في المتعة.
يلاحظ عليه : إنّ الميراث من أحكام الزواج ، ونفي حكم في مورد ، لا يدلّ
على انتفاء الموضوع ، فالمتمتع ، بها زوجة يترتب عليها آثار الزوجية إلاّ ما خرج
بالدليل ، وانتفاء أثر ما لا يدل على فقدان الموضوع . مثلاً : النفقة من أحكام
الزوجية ، والناشزة لا نفقة لها ، ومع ذلك فهي زوجة . والكافرة ، والقاتلة ، والمعقود
عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول ، زوجات ، ولكن لا يرثن بل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة المؤمنون: الآيات 5 ـ 7.
(2) - سورة الطلاق ، الآية الأُولى ، ونظيره قوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ }
( سورة البقرة : الآية 228).
________________________________________
(462)
قد تتحقق الوراثة من دون أن تكون هناك زوجية ، كما إذا طلّق الرجل زوجته في
مرض موته ، وخرجت عن العدة ، فمات الزوج إلى سنة من الطلاق ، فترثه ،
وليست بزوجة . فبين الزوجية والوراثة عموم وخصوص من وجه.
ب ـ الخلاف في زمن النسخ
وممّا يدلّ على عدم النسخ اختلافهم في زمن نسخة إلى أقوال شتّى :
1 ـ أنّها أُبيحت ، ثمّ نهي عنها عام خيبر.
2 ـ ما حلَّت إلاّ في عمرة القضاء.
3 ـ كانت مباحة ، ونهي عنها في عام الفتح .
4 ـ أُبيحت عام أوطاس ، ثمّ نهي عنها (1).
وهذه الأقوال تنفي الثقة في وقوع النسخ .
على أنّ القول بنسخ الكتاب بأخبار الآحاد ممنوع جداً ، وقد صحّ عن
عمران بن الحصين أنّه قال : إنّ الله أَنزل المتعة وما نسخها بآية أُخرى ، وأمرنا
رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالمتعة وما نهانا عنها ، ثمّ قال رجل برأيه ، يريد به
عمر بن الخطاب (2).
ج ـ قرائن أُخرى على عدم النسخ
لكن هناك قرائن قطعية تدلّ على عدم النسخ ، وكفى في ذلك ما رواه جابر بن
عبد الله الأنصاري ، قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، لأيام ، على
عهد رسول الله وأبي بكر ، وحتى ( ثمّ ) نهى عنه عمر في شأن عمرو بن
حريث (3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - راجع في الوقوف على مصادر هذه الأقوال : كتاب الغدير : ج 6، وأصل الشيعة وأُصولها :
ص 171. والأقوال في الثاني أكثر ممّا ذكرنا.
(2) - التفسير الكبير : للرازي ، ج 10، ص 53. الإرشاد : ج 4، ص 169. فتح الباري : ج 4،
ص 339، وجاء في بعض نسخ البخاري ، كما نص عليه العسقلاني.
(3) - صحيح مسلم : ج 1، ص 395.
________________________________________
(463)
وقد تضافر عن عليّ أنّه سُئِل عن آية المتعة ، أمنسوخة؟ قال : لا . وقال :
لولا نهي عن المتعة ما زنى إلاّ شقي (1).
أضف إلى ذلك ما تضافر من الروايات الدالّة على أنّ عُمَر هو الّذي نهى عن
المتعة بعد تسنمه الخلافة ، وقد أسند النهي إلى نفسه بقوله : إنّ رسول الله هذا
الرسول ، وإنّ القرآن ، هذا القرآن ، وإنّهما متعتان على عهد رسول الله ، وأنا أنهى
عنهما ، وأُعاقب عليهما ، إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوج إمرأة إلى
أجل إلاّ غيبته بالحجارة ، والأُخرى متعة الحج (2).
وأقصى ما يمكن أنْ يقال إنّ الخليفة رأى مصلحة في زمانه وأيامه ، اقتضت
أن يمنع من المتعة منعاً سياسياً لا دينياً ، ولذا قال : « وأنا أُحرّمهما وأُعاقب
عليهما » ، ولم يقل : « إنّ رسول الله حرّمَهُما ، أو نسخهما » ، بل نسب التحريم إلى
نفسه ، وجعل العقاب عليها منه لا من الله . ومن المعلوم أنّ المنع السياسي يكون
منعاً مؤقّتاً تابعاً لمصلحة الزمان ، فإذا انقلبت المصلحة إلى غيرها ، يرتفع النهي .
فالحق أنّ المتعة سنّة إسلامية أمر بها الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله
وسلم ـ بوحي من الله سبحانه ليسدّ بذلك طريق الزنا ، وأنّ الحكمة الإلهية في إكمال
الشريعة تقتضي تسويغ هذا النوع من الزواج ، فالمسافرون مثلاً ، ولا سيما مَن تطول
أسفارهم في طلب علم أو تجارة أو جهاد ، أو مرابطة في ثغر ، وهم في ميعة
الشباب وريعان العمر ، وتأجج سعير الشهوة ، لا يخلو حالهم من أمرين : إمّا
الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة ، الّتي تنجر إلى الوقوع في أمراض مزمنة ،
وعلل مهلكة ، وفيه إلقاء في العسر والحرج وعظيم المشقة ، ممّا تأباه شريعة
الإسلام السمحة السهلة ، { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } (3).
{ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } (4).
وإمّا الوقوع في الزنا والعهر والتوغل في المفاسد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - تفسير الطبري : ج 5، ص 9.
(2) - سنن البيهقي : ج 7، ص 206.
(3) - سورة البقرة : الآية 185.
(4) - سورة المائدة : الآية 6.
________________________________________
(464)
فما هو تكليف الشاب المغترب الّذي لا يقدر على الزواج الدائم ، وأيُّهما
يختار ، يا قادة المسلمين ويا رجال الإصلاح؟.
غير أنّ الشيعة الإمامية ، اقتفاء لأثر رسول الله ، وأئمتهم الأطهار ، ينادون
بملئ أفواههم بأنّ هناك طريقاً ثالثاً ، جامعاً بين اليُسْر والشرف ، وهو الزواج
المؤقّت ، على شروط وأحكام . ولعمري إنّ المتعة كانت رحمة رحم الله بها أُمة
محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، كما قال حبر الأُمّة ابن عباس (1).
هذا ، وفيما كتبه الأعلام حول المتعة غنى وكفاية ، وما ذكرناه قبس من أنوار
علومهم ، وضياء من مشاعلهم ، رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الله الباقين
منهم ، وجمع بهم كلمة المسلمين ، وأوردهم المنهل الصافي المعين ، أعني توحيد
الكلمة ، كما هم عليه من كلمة التوحيد ، وقد بُني الإسلام على كلمتين :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - أحكام القرآن : ج 2، ص 179. بداية المجتهد : ج 2، ص 58. الدر المنثور : ج 2،
ص 141.
التعلیقات