وجه إعجاز القرآن
التوحيد
منذ 15 سنة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 243 ـ 244
( 243 )
الأمر الثاني
وجه إعجاز القرآن وكونه كتاباً خارقاً للعادة
إنّ إعجاز القرآن في عصر الرسالة ، كان يتمثّل في فصاحة ألفاظه ، وبلاغة
معانيه ، وروعة نظمه ، وبداعة أسلوبه الخاص ، فَعَرَبُ عَصْر الرسالة وبُلَغاؤهم ،
وحذّاقُهم في الخطابة والشعر ، لمسوا أنّ القرآن في ظل عُذوبة ألفاظه ، وسحر معانيه ،
وجمال تأليفه ونظمه ، وبداعة سبكه ، لا يشبه الشعر ولا النثر ، وأنّه كتاب جاء في
قالب ، لم يسبق له نظير ، فله جذابية خاصة ، وهيبة رائعة تهتزبها النفوس تارة ،
وتقشعر منها الجلود أُخرى . فأحسّوا بضعف الفطرة عن معارضته ، ولمسوا أنّه
جنس من الكلام غير ما هم فيه ، ووجدوا منه ما يغمر القوة ، ويخاذل النفس ،
مصادمةً ، لا حيلةً ولا خدعة ، مع أنّه مؤلف من نفس الحروف الّتي هي المادة
الأولى لكلماتهم وكلمهم.
إنّ المحققين في علوم القرآن ، ومبيّني وجوه إعجازه ، وإن ذكروا وجوهاً
كثيرة لكون هذا الكتاب معجزاً ، وسنمر على تلك الوجوه ، غير أنّ جهة إعجازه
في عصر الرسالة كان متمركزاً في جانبه البياني الّذي يتمثل في لفظه الجميل ،
ومعناه البليغ ، ونظمه المعجب ، وأُسلوبه الرائق ؛ ولذلك أدهش عُقول الفصحاء
والبُلغاء في عصر النبي ، ولم يزل يدهش كلَّ عربي مُلِمّ بلغته ، أو غير عربي عارف
باللغة العربية ، من غير فرق بين جيل وجيل.
إنّ للقرآن في مجالي اللفظ والمعنى كيفية خاصة يمتاز بها عن كل كلام سواه ،
________________________________________
( 244 )
سواء أصدر من أعظم الفُصَحاء والبُلغاء أو من غيرهم ، وهذا هو الّذي لمسه
العرب المعاصرون لعصر الرسالة ، ونحن نعيش في بدايات القرن الخامس عشر من
هجرة النبي ، ونَدّعي أنّ القرآن لم يزل معجزاً إلى الآن ، وأنّه أرقى من أن
يعارض ، أو يبارى ويؤتى بمثله أبداً ، غير أنّ لإثبات تلك الدعوى مسلكين.
الأوّل : المراجعة إلى أهل الخبرة ممّن يعدّون من صميم أهل اللغة العربية ،
وفي الجبهة والسنام منهم.
الثاني : التعرّف عليه بالمباشرة والتحليل .
ونحن نسلك كلا الطريقين في هذا البحث ، وإن طال بنا الموقف والكلام ،
وإليك البيان:
التعلیقات