لماذا يستمر العمل بالحكم على الأسانيد الروايات بالصحة على الطريقة القديمة عند الإماميّة ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 15 سنةالسؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على ما أعلم تحقيق الأحاديث لدى الشيعة الإماميّة مرّ بمرحلتين ، على مرّ 700 سنة كانوا يعملون بطريقة القدماء ثمّ تغيّرت الأحوال وصار التحقيق بالعمل بعلم مصطلح الحديث الجديد ، وهذا ما صرّح به الحرّ العاملي في كتابه وسائل الشيعة حيث قال ـ في اعتراضه على مَن يعمل بعلم المصطلح الجديد ـ : « إنّ طريقة القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل العصمة ، لأنّهم قد أمروا باتّباعها وقرّروا العمل بها فلم ينكروه ، وعمل بها الإماميّة في مدّة تقارب سبعمائة سنة ، منها ـ في زمان ظهور الأئمّة عليهم السلام ـ قريب من ثلاثمائة سنة. والاصطلاح الجديد ليس كذلك قطعاً ، فتعيّن العمل بطريقة القدماء » . [ وسائل الشيعة : المجلّد : 30 / الصفحة : 258 ]
والثابت اليوم أنّ ما عليه الإماميّة هو العمل بعلم المصطلح الجديد ، وبما أنّ مصنّف كتاب نهج البلاغة جاء في فترة العمل بالطريقة القديمة ، أيّ أنّ الحكم على الأسانيد بالصحّة عند العلماء كان على الطريقة القديمة لا الجديدة ، وكذلك الكليني في الكافي عمل على جمع الصحيح حسب الطريقة القديمة.
وسؤالي : هو لماذا يستمرّ العمل به عند الإماميّة ؟
مأجورين
الجواب :
من الخطأ أن ننسب إلى علمائنا المتأخّرين أنّ ملاك التصحيح للروايات عندهم يختلف عن الملاك القديم ، فإنّ جميع الإماميّة متّفقون على أنّ الخبر الموثوق الصدور حجّة ، ولكن أضاف المتأخّرون على ذلك خبر الثقة فإنّ الشارع جعله حجّة تعبّداً.
والدليل على أنّ ملاك صحّة الخبر ليس منحصراً عندهم بوثاقة الراوي أنّهم قالوا : كلّما ازداد الخبر صحّة ، وأعرض عنه المشهور ازداد ضعفاً ، وكلّما ازداد ضعفاً وعمل به المشهور ازداد صحّة.
وهذا ما يعبّر عنه بأنّ فتوى المشهور واستنادهم إلى الروايه الضعيفة السند يوجب جبر سندها.
والحكم بصحّتها وليس ذلك إلّا لأنّ عمل المشهور بالرواية يكون من القرائن الدالّة على صدورها من المعصوم ، وهناك قرائن داخليّة أو خارجيّة أُخرى قد يكون لوحدها أو مع غيرها من القرائن موجبة للوثوق بصدور الخبر ، ولأجل ذلك أودع الكليني في كتابه القيّم « الكافي » الروايات المعتبرة عنده بعد جهد طويل في تمحيص الروايات وملاحظة القرائن والدلائل الموجبة للإذعان لصحتّها.
نعم لا يكون رأيه في التصحيح معتبراً عند فقيه آخر ، لأنّه ليس الحكم بصحّة الرواية أمراً تقليديّاً بل كلّ مَن يريد أن يحكم بصحة الرواية لابدّ أن يُعمل اجتهاده وخبرته في ذلك ، ومن المعلوم أنّ ذلك من شوؤن الفقيه الذي له خبرة كبيرة في علوم مختلفة كعلم الرجال وعلم الحديث والفقه والتفسير والتاريخ وأسباب النزول وأصول الفقه والبلاغة وغيرها ، ولاسيّما العلم والاطّلاع الواسع بمذاق الأئمّة الأطهار عليهم السّلام ومسلكهم المصطاد من مجموع الأحاديث الصادرة عنهم ؛ ولذلك قالوا : « أنّا لا نعدّ الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا ».
وأمّا نهج البلاغة ؛ فيكفي في اعتبار وصحّة أكثر ما فيه من الخطب والرسائل والكلمات القصار إشتمالها على درجة عالية من البلاغة التي لا يمكن صدورها إلّا من نفس أمير المؤمنين عليه السّلام ، كما أنّ بلاغة القران تدلّ على أنّه وحي أُوحي من قبل الله تعالى إلى النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله.
مضافاً إلى علوّ مضامينها واشتمالها على معارف عالية وعلوم مختلفة لا يمكن نسبتها إلى غير المعصومين عليه السّلام.
ومضافاً إلى ورود الكثير من هذه الخطب في كتب علماء الشيعة وأهل السنّن قبل أن يولد السيّد الرضي رضوان الله عليه.
ومضافاً إلى جلالة شأن السيّد الرضي وعلوّ مقامه ومعرفته بأساليب الكلام وقرائن أُخرى ، ربّما يستفيد منها الفقيه الخبير في الحكم بصحّة الكثير ممّا يوجد في نهج البلاغة.
التعلیقات