لماذا ينقل علماء الشيعة الأخبار الضعيفة ؟
الشيخ محمد السند
منذ 15 سنةالسؤال :
الكتب الحديثيّة أمثال الكافي والبحار وهي ولا ريب لعلماء محقّقين وفطاحل في مجال الحديث ، هنا يرد علينا كيف ينقل هؤلاء روايات ضعيفة قد يتبيّن للذي يطالعها أنّ الشيعة أو أحد علمائها يتبنى رأي هو ليس من مبتنيات المذهب ، بينما نرى الوسائل قد حرص المؤلف على التدقيق في الروايات ؟
الجواب :
لا بدّ من الانتباه إلى أنّ معنى الرواية الضعيفة بلحاظ طريق نقلها ليس بمعنى أنّها مختلقة ومكذوبة بل أنّ رواتها ربّما لم يوثقوا أو لجهالة حالهم ، وهذا لا يعنى بالضرورة كونهم غير عدول في أنفسهم ، وإنّما نحن نجهل حالهم ، وهذا وأن أوجب عدم إحرازنا وعدم استكشافنا لحجيّة الرواية إلّا أنّه لا يعنى ولا يستلزم كون الرواية مجعولة ومختلقة ، فهذه كتب السنّة التي اطلقت جنابك عليها اسم الصحاح وهي الستة أو التسعة كالبخاري وكتاب مسلم مملوّة بالضعاف كما رصد قائمة من الضعاف العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين في كتاب « المراجعات » ، وذكر مجموعة منهم في الصحاح العلّامة الأميني في كتاب « الغدير » ، وذكر مجموعة أخرى من الضعاف في الصحاح العلّامة المحقّق الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء في كتابه « عين الميزان » ، والعلّامة المحقّق الشيخ محمّد حسن المظفر في كتابه « دلائل الصدق » المجلّد الأوّل ، وقد ذكر السيّد محمّد بن عقيل اليمني في كتابه « العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل » أنّ جملة من علماء أهل السنّة من الذين كتبوا في علم الرجال والحديث يستوثقون الراوي إذا كان ناصبيّاً أيّ ممّن ينصب العداوة لأهل البيت آل محمّد عليهم السلام بل كلّما ازداد عداوة لهم كلّما ازداد وثوقاً عندهم ، وكلّما كان محبّاً لأهل بيت النبوّة كان ضعيفاً عندهم ، وقد أحصى موارد عديدة اتبعوا فيها هذا المسلك وبنوا تعديلهم وجرحهم لرجال الرواية عندهم على ذلك ، فكم من ينصب العداوة لأهل البيت رووا عنه في صحاحهم واعتمدوا عليه ، وكلّما كان للرواي حبّ وهوى في آل محمّد صلى الله عليه وآله اجتنبوا الرواية عنه وجرحوا فيه ، ومسلكهم هذا اتباعاً لقوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) [ الشورى : 23 ].
ثمّ من الغريب ظنّك أنّ الكليني صاحب كتاب « الكافي » لم يحرص على التدقيق في الحديث ، مع أنّ الكليني يصرّح في مقدمة كتابه « الكافي » أنّه أمضى مدّة مديدة من السنين ذكروا أنّها تبلغ العشرين عاماً في تنقيح ما وصل إليه من الحديث ، مع أنّ الكليني كان معاصراً للنوّاب الأربعة وفي عصر الغيبة الصغرى ، مع أنّ ما في كتابه من الروايات الضعيفة لا تعدل شيئاً أمام الروايات المعتبرة في الكتاب .
ثمّ أنّ الروايات الضعيفة لا يودعها المحدّث من علماء الإماميّة إلّا بعد أن يأمن أنّها غير مختلقة قد أخذها من مصادر موثوقة ، وإن كان بعض رجال الطريق فيها ممّن لم يوثقوا ، بل أنّ علماء الدراية من الفريقين لا يستحلون ردّ الرواية الضعيفة ـ وإن لم تكن حجّة بمفردها ـ وإن كان الراوي موصوفاً بالكذب ؛ إذ ليس كلّ ما يخبر به الكاذب يكون بالضرورة كذباً ، وإن لم يكن حجّة في نفسه ، ألا ترى أنّك يحصل لديك اليقين والاطمئنان بخبر مجموعة كبيرة جدّاً من مجهولي الحال والكذّابين ممّن لا يعرف بعضهم بعضاً أيّ يقطع بعدم تواطئهم على الكذب وعدم توافقهم على الخبر ، وهذا معنى تكوّن الخبر المتواتر والمستفيض من الأخبار الضعاف ، وقد برهن على حصول التواتر والاستفاضة بعض العلماء المحقّقين بنظريّة رياضيّة من قاعدة حساب الاحتمالات من جهة العدد الكمّي لطرق الخبر ، ومن جهة ظروف النقل الكيفية لتلك الطرق للخبر ، فإنّ العامل الكمّي والكيفي إذا تصاعد وتضاءل احتمال الكذب والصدفة ، وصل الاحتمال لصدور الخبر إلى درجة الاطمئنان واليقين ، وهذا الطريق الرياضي طريق فطري عقلي لدى البشر ، ومن ثمّ حرص المحدّثون بعد تنقيح الروايات والحديث عن المدسوس والمختلق ، حرصوا على نقل الروايات المعتبرة والضعيفة معاً لكونها مادة لتكون التواتر ، وهل يسوغ طرح الخبر المتواتر والمستفيض ؟ وبالتالي هل يسوغ طرح ما هو مادة للخبر المتواتر والمستفيض ؟ فضلاً عن أن ردّ الرواية الضعيفة المروية المسندة لأهل البيت عليهم السلام قد تكون صادرة عنهم عليهم السلام ، ويكون ردّها رداً عليهم ـ والعياذ بالله ـ والردّ عليهم ردّ على الرسول صلّى الله عليه وآله ؛ لأنّه أمر في الحديث المتواتر بين الفريقين بالتمسّك بالكتاب والعترة ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض ، وعدم ردّ الخبر الضعيف وإن لم يعني الحجيّة كما ذكرت لك ، ولكن يكون مادة لحصول التواتر أو الاستفاضة بنحو الانضمام الكمّي والكيفي بالبرهان الرياضي.
التعلیقات