أسباب دُخول الفُرس للتشيع في نظر السُّنّة
هوية الشيعة
منذ 15 سنةالمصدر : هويّة التشيّع ، تأليف : الشيخ أحمد الوائلي ، ص 72 ـ 79
________________________________________ الصفحة 72 ________________________________________
أسباب دُخول الفُرس للتشيع في نظر السُّنّة
1 ـ الأمر الأول:
إصهار الحسين إلى الفرس لأنّه تزوج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين واسمها شاه زنان فولدت له عليَّ بن الحسين الذي اجتمعت في الخواص الوراثية للأكاسرة وخواص الإِمامة من آبائه كما يقول أبو الأسود الدؤلي:
وإنّ وليداً بين كسرى وهاشم * لأكرم من نيطت عليه التمائم
وفي ذلك تقول سميرة الليثي معقبة على رأي أرنولد توينبي في انتشار الإِسلام بين الفرس:
الذي أدى إلى انتشار الإِسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدى بنات يزدرجرد وقد رأى الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين(1) فزواج الحسين على رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلى انتشار التشيع لأهل البيت عند الفرس.
2 ـ الأمر الثاني:
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس ومن تلك موضوع الحق الإِلهي فكل
____________
(1) الزندقة والشعوبية ص56.
________________________________________ الصفحة 73 ________________________________________
منهما يرى أنّ الحق الإِلهي ثابت لمن يتولاه من القادة فالفارسي يراه للملوك الفرس والشيعي يراه للإِمام الذي يقول بإمامته، وهذا المعنى وإن صوّره بعضهم بأنّه تأثر من الشيعة بالفرس، ولكن لما كان التشيع أقدم من دخول الفرس فيه ولما كان الرواد من الشيعة كلهم عرب كما أثبتنا ذلك فيما سلف ولما كانت نظرية الشيعة في الإِمام لم تختلف عند زرارة عما كانت عليه عند أبي ذر وعمار ينتج من ذلك أنّ نظرية الحق الإِلهي التقى بها الشيعة مع الفرس ولم تكن نتيجة تأثر بآراء الفرس بحكم إيمان الشيعة بأن علياً وصي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأنّه منصوص عليه، وقد دأب على ذكر هذا التقارب كثير من المستشرقين وتلاميذهم يقول محمد أبو زهرة:
وبعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق قرر أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية إذ أنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك وبالوراثة ولا يعرفون معنى الإِنتخاب، إلى أن قال إنّ الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته(1).
وكذلك يذهب إلى هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي، وقد أفاض في شرح هذا المعنى في كتابه فجر الإِسلام معززاً رأيه بآراء المستشرقين(2).
3 ـ الأمر الثالث:
إرادة هدم الإِسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي التستر بحب أهل البيت ثم نقل أفكارهم الهدامة للإسلام كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك. وفي ذلك يقول أحمد أمين: الحق أنّ التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإِسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً(3) وأرجو ملاحظة نغمة استعداء
____________
(1) تاريخ المذاهب الإِسلامية 1/40.
(2) فجر الإِسلام ص276.
(3) فجر الإِسلام نفس الصحيفة 276.
________________________________________ الصفحة 74 ________________________________________
السلطة على الشيعة فهي نغمة ضرب عليها الكثيرون من قبله ومن بعده كصاحب المنار مثلاً (1) إنّ هذا الإِتجاه في تصوير التشيع بأنّه أثر فارسي واضح عند كثير من المتأخرين مثل محب الدين الخطيب، وأحمد شلبي، ومصطفى الشكعة وغيرهم.
ولأجل إلقاء الضوء على صحة أو عدم صحة هذه الدعاوى التي نسبت للتشيع وبالذات الاُمور الثلاثة التي عللوا بها دخول الفرس للتشيع لا بد من ذكر اُمور:
1 ـ الرد على الاُمور الثلاثة.
2 ـ تحديد هوية التشيع عرقياً.
3 ـ تحديد هوية التشيع فكرياً.
4 ـ تحديد هوية السنة من نفس المنطلق والعلل التي أخذ بها كتاب السنة.
وسنبحث هذة الاُمور.
____________
(1) مجلة المنار لرشيد رضا مجلد 11 سنة 1326 هـ.
________________________________________ الصفحة 75 ________________________________________
الإجابة على أسباب دخول الفرس للتشيّع
1 ـ الأمر الأول:
إصهار الحسين عليه السلام إلى الفرس.
إنّ من القواعد المسلم بها أنّ حكم الأمثال فيها يجوز أو لا يجوز واحد، وبناءاً على هذا فإنّ العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين عليه السلام للفرس موجودة عند عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعند محمد بن أبي بكر، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره من المؤرخين، أنّ الصحابة لما جاؤا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإِمام عليّ إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهنّ فقال الخليفة كيف الطريق إلى العمل معهنّ فقال: يقوَّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ فقوِّمن فأخذهنَّ عليٌّ فدفع واحدة لعبدالله بن عمر واُخرى لولده الحسين واُخرى لمحمد بن أبي بكر، فأولد عبدالله بن عمر ولده سالماً، وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة واُمهاتهم بنات يزدجرد(1). وهنا نسأل إذا كانت العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطّرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبدالله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك؟ وكل من
____________
(1) فجر الإِسلام ص91.
________________________________________ الصفحة 76 ________________________________________
محمد وعبدالله أبناء خليفة كما كان الحسين ابن خليفة. بالإِضافة لذلك إنّ كلاً من يزيد بن الوليد بن عبدالملك واُمه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بني اُمية اُمه ام ولد من كرد إيران فلماذا لا تطَّرد العلة هنا أيضاً(1) وبالعكس لماذا لايميل العرب السنة لأهل البيت الذين اُمهاتهم عربية في حين نجد قسماً من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلاً. هذا سؤال يوجه للعقول التي تقول ولا تفكر.
2 ـ الأمر الثاني:
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس. وأن كلاً منهما يقول بنظرية الحق الإِلهي، ويقول بالوراثة ولا يعرف الإِنتخاب، وفي هذا الأمر شيئان الأول الإِتحاد في الآراء الذي يسبب الدخول للتشيع وهذا الأمر لا يقول به من يحترم عقله فمتى كان مجرد الإِشتراك في رأي دافعاً للإِتحاد بالعقيدة، إنّ كل باحث يعلم أنّ كل اُمة أو جماعة لا تخلو من الإِتحاد مع بعض الاُمم الاُخرى، في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل ومع ذلك فلا يقوم ذلك سبباً للإندماج ولنعد لأحمد أمين نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب فإنه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والإِختيار:
إنّ مسألة الجبر والإِختيار تكلم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصارى ثم المسلمون(2).
وقد توزع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار، وبناءاً على منطق أحمد أمين فإن المسلمين نصارى لأنّهم اتحدوا مع النصارى في شق من الرأي، وإلا فما هو مبرر أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرساً لأنّهم اتحدوا مع الفرس بالقول ينظرية الحق الإِلهي.؟
____________
(1) تاريخ الخميس للدياربكري 2/321 و322.
(2) فجر الإِسلام ص 284.
________________________________________ الصفحة 77 ________________________________________
أما الشق الثاني من الدعوى وهو أن كلاً من الفرس والشيعة يقولون بالوراثة فهو باطل فيما يخص الشيعة لأن الشيعة لا تعتبر الإِمامة متوارثة ولا تقول بالإرث في ذلك بل تذهب إلى أنّ الإِمام منصوص عليه من قبل الله تعالى عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أو الإِمام وكتب الشيعة طافحة بذلك(1).
وليست مسألة النص على الإِمام من المسائل المتأخرة عندهم بل هي معلومة من الصدر الأول عند الطبقة الأولى وذلك لوضوح النصوص التي اعتبروها مصدرهم في مسألة الإِمامة. وللتدليل على ذلك أذكر محاورة طريفة حدثت بين الخليفة الثاني وعبدالله بن عباس وكان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيراً فقال له يوماً: ياعبدالله عليك دماء البدن إن كتمتها هل بقي في نفس عليٍّ شيء من الخلافة. يقول ابن عباس: قلت نعم، قال: أو يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نص عليه؟ قلت: نعم، فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لاتثبت حجة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإِسلام فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك(2) إنّ المنع الذي أشار إليه الخليفة عمر هو عندما طلب النبي من أصحابه في ساعاته الأخيرة دواة وكتف وقال عليَّ بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال الخليفة عمر: إنّه يهجر وقد غلب عليه الوجع(3).
وعلى العموم إن هذه المحاورة وأمثالها توضح رأي الشيعة في موضوع
____________
(1) الفصول المهمة لشرف الدين ص281، وعقائد الإِمامة للمظفر ص71.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/97.
(3) انظر صحيح البخاري 5/137، انظر طبقات ابن سعد 4/61، وانظر النهاية لابن الأثير 5/246 في مادة هجر.
وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء:
أوصى النبي فقال قائلهم * قد راح يهجر سيد البشر
لكن أبا بكر أصاب ولم * يهجر وقد أوصى إلى عمر
لأنّ كلاً منهما كانت وصيته في مرض الموت.
________________________________________ الصفحة 78 ________________________________________
الإِمامة وأنّها بالنص وليست بالوراثة فمن أين جاء المستشرقون وتلاميذهم بنظرية الوراثة لولا عدم الإِحاطة بالتشيع أو التحرف واتباع الهوى.
3 ـ الأمر الثالث وهو دخول الفرس في الإِسلام إرادة هدمه ثم لتحقيق مأربهم ونقل نظريات أسلافهم وهو ادعاء طريف ولا بد من الوقوف قليلاً حوله فنقول:
أولاً:
إنّ مؤلفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإِسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كل ذلك يشكل شواهد قائمة على كذب هذه الدعوى.
وثانياً:
لا بد من سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أنّ إرادة الإِلحاد والهدم عند الفرس هل هي مختصة بالفرس الذين اختاروا الإِسلام ودخلوا في التشيع أم أنّها عند كل الفرس من كل من كان من السنة منهم أو من الشيعة، ولابد أن تكون الإِجابة بالعموم لأن إرادة الإِلحاد جاءت من كونهم فرساً لا من أمر آخر وإذا كانت كذلك فلماذا انصبت الحملات على الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنة.
وقد يقول قائل إن ذلك انتقل للفرس من الشيعة وهنا ينتقل الكلام إلى عقائد الشيعة وقد ذكرنا أنّ مصدر عقائدهم الكتاب والسنة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنة هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة ـ وهم أبعد الناس عنها ـ ولو لم يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيرة لما بضّعوا شلو الاُمة وفرقوها شيعاً ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم لأننا سنوقفك عن قريب على أنّ تاريخ وفقه وعقائد أهل السنة أبطاله الفرس أنفسهم ونحن لا نرى بذلك أي عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أننا كلنا من مصدر واحد وما دام قرآننا يصرح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر! بقوله تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) 20/المرسلات.
ثالثاً:
إنّ المسائل التي أوردها القوم واعتبروها مما يهدم الدين ورموا بها
________________________________________ الصفحة 79 ________________________________________
الشيعة الفرس مثل الوصاية والرجعة والقول بالمهدية يشاركهم بها أو بمثلها أهل السنة وما سمعنا أحداً ينبزهم بها أو يعتبرها عليهم سبة، كما أنّ هذه القضايا وردت في روايات أهل السنة بطرق موثوقة وسنذكر ذلك قريباً إن شاء الله، هذا بالإِضافة إلى أن هذه الآراء ليست من ضروريات الإِسلام عند الشيعة وقد تكون من ضروريات المذهب كالقول بالمهدي، فلماذا كل هذا الضجيج المفتعل ولماذا كل هذا الصرف للطاقات الذي يخلق فجوات بين أهل القبلة فضلاً عن عدم جدواه؟ ولماذا هذا الحماس المفتعل ازاء امور لا ينفرد بها الشيعة بل يقول بها السنة أنفسهم؟
التعلیقات