البصرة علوية المنشأ والهوى
هاشم التكريتي
منذ 5 سنواتالبصرة علوية المنشأ والهوى
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
وبعد : قبل الدخول في كتابة بعض السطور التي تتعلّق بالبصرة من جانب العقيدة واللغة ومواقفها المشرِّفة بودّي أن أشير الى أنّ جناب الأخ الاستاذ الفاضل الورّاق مدير دار ميسلون للطباعة والنشر دام مسدّداً ومؤيداً لحفظه التراث ، قد طلب منّي أنْ أكتب شيئاً كمقدمةٍ لكتاب (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) للقنصل الروسي في البصرة عام ١٩١٢ م ، فنزلتُ عند رغبته من باب الامتثال خير من الأدب. وإلّا أنّي قليل البضاعة ولكن هذا حسن ظنه بي ، فله جزيل الشكر والامتنان ، وأسأله تعالى أنْ يوفقه لما فيه الخير والصلاح بمحمدٍ وآله الطاهرين.
فنقول : قد كانت البصرة منذ تأسيسها واجهة العرب والمسلمين في التحدي الحضاري في جميع صوره. وكان لها دورها الكبير في المسيرة الحضارية والإسهام الفاعل في الحضارة الإنسانية. وليس بخافٍ على أحد ولا يجهله العلماء والباحثون قديماً وحديثاً.
البصرة هذه الحسناء ، الّتي تربعت على كنوز السحر والثراء ، واستهوت التجار والشعراء ، وأنبتت العلماء والأدباء ، وملكت القلوب وفتنت العقول ، وسالت لها لعاب المطامع ـ في الغابر والحاضر ـ ، هذه المدينة الساحرة الّتي كثر خطّابُها والمعجبون بها لن تكون مهمة الباحث أمامها سهلة ، إذا ما أراد الحديث عن تراثها العريق وأدبها الغزير. ولكن ممّا يهوّن الخطب إذا تناولنا جانباً واحداً من ذلك التراث الضخم ونرصده في زاوية من زوايا تأريخنا الطويل ، وهذه الزاوية حول دور الشيعة بشكلٍ إجمالي. ويشتمل هذا البحث على أربعة أمور هي :
أولاً : فضل البصرة.
ثانياً : جذور التشيّع في البصرة.
ثالثاً : دور شيعة البصرة في نصرة الأئمة عليهم السلام ، الإمام الحسين عليه السلام ـ نموذجاً ـ.
رابعاً : دور شيعة البصرة في الأخذ بثارات الإمام الحسين عليه السلام.
البصرة في اللغة
قال الحموي في معجم البلدان : قال ابن الأنباري : البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة ، وقال : قُطْرب : البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تُقَلَّعُ وتَقْطَع حوافِرَ الدواب. قال : ويقال بصرة للأرض الغليظة.
وقال غيره : البصرة حجارة رَخْوَة فيها بياض ، وقال ابن الأعرابي : البصرة حجارة صلاب. قال : وإنما سُمّيت بصرة لغلظها وشدّتها ، كما تقول : ثوب ذو بُصر ، وسقاءٌ ذو بُصر إذا كان شديداً جيّداً.
قال : ورأيتُ في تلك الحجارة في أعلى المِرْبَد بيضاً صلاباً ، وذكر الشرقي بن القطامي إنّ المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا : إنّ هذه أرضٌ بَصرَةُ يعنون حَصْبَة فسميت بذلك ، وذكر بعض المغاربة : أنّ البصرة الطين العلك.
وقيل : الأرض الطيبة الحمراء (1).
وقيل : البصرة تعريب (بَس راه) لأنّها كانت ذات طُرُق كثيرة انشعبَتْ منها إلى أماكن مختلفة (2).
فضل البصرة
قال الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : هل علمت أنّ بين الّتي تسمى البصرة والّتي تسمّى الاُبُلَّة أربعة فراسخ وسيكون الّتي تسمّى الاُبُلَّة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر (3).
فقال له المنذر يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي قال : يقتلهم إخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم ، هم أذلة عند المتكبرين من أهل زمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها ، والأرض وسكانها ، ثمّ هملت عيناه.
يا منذر أنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول لا يعلمها إلّا العلماء ، منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة.
ثمّ قال : يا أهل البصرة إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطّه شرف ولا كرم إلّا وقد جعل فيكم أفضل ذلك ، وزادكم من فضله بمنّه ما ليس لهم ، أنتم أقوم الناس قبلة ، قبلتكم على ـ كذا ـ المقام حيث يقوم الإمام بمكّة ، وقارؤكم أقرأ النّاس ، وزاهدكم أزهد النّاس ، وعابدكم أعبد النّاس ، وتاجركم أتجر النّاس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم النّاس صدقه وغنيّكم أشد النّاس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أحسن النّاس خلقاً ، وأنتم أكرم النّاس جواراً وأقلهم تكلّفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أقنع النساء وأحسنهن تبعّلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم ...
وأقسم لكم يا أهل البصرة ما الّذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلَّا تذكير وموعظة لما بعد لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الّذي وثبتم ، وقد قال الله لنبيه صلّى الله عليه وآله : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (4).
وقال ابن المنادي : حدّثنا أبو قلابة الرقاشي ، قال حدّثني محمّد بن عبّاد المهلّبي ، قال سمعت صالح المرّي ينعق به غير مرّة ، قال حدّثني المغيرة ابن حبيب صهر مالك بن دينار ، قال : قلت لمالك بن دينار وكانت بالبصرة فتنة ، لو خرجت بنا إلى بعض سواحل البحر فأقمنا هناك ؟
فقال : ما كنت لأفعل ذلك بعد شيء سمعت الأحنف بن قيس يحدّث به ، قال : قال لي أبو ذرّ الغفاري أين مسكنك ؟ قلت : بالبصرة فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
« تكون بلدة أو قرية أو مصر ، يقال لها البصرة أقوم النّاس قبلة ، يدفع الله عنهم ما يكرهون » (5).
وقال ابن المنادي أيضاً : حدّثني محمّد بن حمّاد أبو جعفر الدباغ ، قال : حدّثني أبو الربيع الزهراني ، قال : نبأ عبد القاهر بن شعيب بن الحبحاب ، قال : نبأ هشام بن حسّان ، عن محمّد بن سيرين قال :
تكون فتنة شديدة يكون أعفى النّاس فيها أهل البصرة (6).
وللبصرة أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي ، إذ يقول معاوية بن أبي سفيان إلى الزبير دونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقنك لها ابن أبي طالب ، فانه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد طلب الزبير وطلحة من الإمام عليّ ان يوليهما البصرة والكوفة (7).
قال ابن المنادي : حدّثنا جدّي ، قال : نبأ عليّ بن الحسن بن شقيق ، قال : أخبرنا حازم ، عن زياد المكي ، قال : قال لي الضحاك بن مزاحم. أخرج من هذه ـ يعني خراسان ـ فإنّه كان بها فتن. قال : قلت : فالجزيرة ، بالموصل ؟
قال : فإنّ بها الملاحم ، ولكن عليك بالمصرين ـ يعني الكوفة ، والبصرة ـ.
قال ابن المبارك : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : إذا وقعت الفتنة فعليكم بالمصرين : البصرة ، والكوفة (8).
وبعد هذا نأتي على المحاور التالية :
أوّلا : جذور التشيع في البصرة
كانت البصرة تتهم طوال تأريخها بأنّها عثمانية أحياناً ، وأموية أحياناً أخرى ، ولكن التأريخ قد شوّه الحقائق لدور البصرة في ولائها لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله ، إما حسداً ، وإما ثأراً.
فالبصرة شيعية إذ يقول حمد الله المستوفى في كتابه « نزهة القلوب » : الشيعة الإمامية في العراق من العرب يتواجدون في نواحي البصرة والكوفة والحلة :
الفرق الشيعية الإمامية في البصرة
١ ـ الضميرية : فرقة من الشيعة تسكن على ضفاف نهر الضمير ، وقديماً كانوا ينقشون مذهب أهل البيت على لوح ، وهم الآن يقاربون ٥٠٠ منزل (9).
٢ ـ العُقيراوية : قال القاضي نور الله الشوشتري هم طائفة من الشيعة الإمامية في البصرة (10).
٣ ـ المزرعية : طائفة من الشيعة الأمامية ، ومنها ٢٠٠ عائلة لهم منازل خارج البصرة (11).
ونلاحظ أن أصحاب عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد ظهروا في زمان ولايته ، خاصة قبائل بني عبد القيس ، وربيعة ، وبني سعد ، وبني تميم وهذه القبائل معروفة بولائها المطلق للإمام عليّ عليه السلام ، كما يؤيد لنا المؤرخون ذلك ، فقد خرج يوم الجمل إلى عليّ عليه السلام من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة آلاف رجل (12) ، وكذلك قدمت ربيعة على عليّ عليه السلام الكوفة لقتال معاوية بن أبي سفيان ، بعد قدوم بني سعد الكوفة.
وكان الإمام علي عليه السلام يأمر عبد الله بن عبّاس بالإحسان إلى ربيعة فقد قال عليه السلام إلى ابن عبّاس :
« وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة ، وكلّ من قبلك ، فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله ».
أمّا دور قبيلة عبد القيس وهي معروفة في ولائها ونصرتها للإمام علي عليه السلام في حرب الجمل فهو جلّي واضح من خلال مواقف حكيم بن جبلة العبدي.
وقال أبو عمر : فلما قدم الزبير وطلحة وعائشة البصرة وعليها عثمان بن حنيف والياً لعليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) بعث عثمان بن حنيف ، حكيم بن جبلة العبدي في سبعمائة من عبد القيس ، وبكر بن وائل فلقي طلحة والزبير بالزابوقة قرب البصرة فقاتلهم قتالاً شديداً فقتل ( رحمه الله ).
وكان حكيم بن جبلة يقول اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء يعني طلحة والزبير فمن كان في شك فلينصرف فقاتلهم قتالاً شديداً ، وضرب رجل ساق حكيم فقطعها فأخذ حكيم الساق فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ، وقتل يومئذ سبعون رجلاً من عبد القيس (13).
وعدّ أمير المؤمنين عليه السلام حكيم بن جبلة من عبّاد أهل البصرة ومخبتيهم.
وصايا الإمام علي عليه السلام ببني تميم
كتب عليه السلام إلى ابن عبّاس وهو عامله على البصرة فقال له :
حادث أهلها بالإحسان ، واحلل عقدة الخوف من قلوبهم [ خوف معركة الجمل ] وقد بلغني تنمرك لبني تميم ، وغلظتك عليهم ، وان بني تميم لم يغب لهم نجم إلّا طلع آخر ، وانهم لم يسبغوا بوغم في جاهلية ولا إسلام ، وأن لهم بنا رحماً ماسة ، وقرابة خاصة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، وكان من شيعة علي عليه السلام من بني تميم حارثة بن قدامة أحد أشرافهم (14).
أما دور بني سعد في تثبيت جذور التشيع في البصرة فهو واضح من خلال زعيمهم الأحنف بن قيس ، وان بني سعد لم تقاتل عليّاً عليه السلام يوم الجمل ؛ إذ بعث الأحنف إلى الإمام عليّ عليه السلام : إنْ شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك وان شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة الآف سيف ، فاختار علي عليه السلام اعتزاله ، وقد أرسلت عائشة إلى الأحنف تدعوه لنصرتها في حرب الجمل فأبى ، واعتزل بالحلجاء من البصرة في فرسخين وهو في ستة آلاف.
فكان موقف شيعة البصرة واضحاً من قدوم عائشة ، كما عبّر عنه أبو الأسود الدؤلي ( رضي الله عنه ) لما بعثه عثمان بن حنيف وهو يومئذٍ عامل الإمام عليّ عليه السلام على البصرة إلى عائشة ، لما انتهت إلى مقر أبي موسى قريباً من البصرة ليعلم له علمهم فجاء أبو الأسود الدؤلي حتّى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها ، فقالت : أطلب بدم عثمان.
قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد.
قالت صدقت ، لكنهم مع عليّ بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، انغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟
فقال لها : ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله ، أمرك أن تقرّي في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، ليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وأنّ عليّاً لأولى بعثمان منك وأمس رحماً ، فأنهما ابنا عبد مناف ، فقالت : لست بمنصرفة حتّى امضي لما قدمت له.
أفتظن يا أبا الأسود أن أحداً يقدم على قتالي ؟
فقال : أما والله لتقاتلن قتالاً أهونه الشديد ثم قام (15).
دور أهل البصرة في نصرة الإمام علي عليه السلام في صفين
قال نصر بن مزاحم في « كتاب صفين » : دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة بعد رجوعه من البصرة ومعه أشراف من أهل البصرة (16).
وقد قدم على الإمام عليّ عليه السلام بعد قدومه الكوفة من البصرة ، الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة وحارث بن زيد ، وزيد بن جبلة ، وأعين بن ضبيعة وعظّم النّاس بنو تميم ، وكان فيهم أشراف ، ولم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة.
فقام الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة ، وحارثة بن بدر ، فتكلّم الأحنف فقال يا أمير المؤمنين أنه إنْ يك بنو سعد لم تنصرك يوم الجمل فأنها لم تنصر عليك وقد عجبوا أمس من نصرك ، وعجبوا اليوم ممن خذلك ، لأنهم شكوا في طلحة والزبير ، ولم يشكّوا في معاوية ، وعشيرتنا في البصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا لهم العدو [ أي معاوية وأشياعه من أهل الشام ] وانتصفنا بهم وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس.
ثم خاطب عليّ عليه السلام حارثة فوافق الأحنف في رأيه ، فقال عليه السلام للأحنف أكتب إلى قومك ، فكتب إليهم يحثّهم على الخروج والمسير إليه لقتال معاوية بن أبي سفيان.
وكتب معاوية بن صعصعة وهو ابن أخي الأشعث إلى بني سعد أبياتاً من الشعر في ذلك ، فلما انتهى كتاب الأحنف ، وشعر معاوية إلى بني سعد ساروا بجماعتهم حتّى نزلوا الكوفة فعزّت بالكوفة وكثرت.
وعن عبد الله بن عوف قال : إن عليّاً عليه السلام لم يبرح النخيلة حتّى قدم عليه ابن عبّاس بأهل البصرة ، قال وكان كتب عليّ عليه السلام إلى ابن عبّاس :
أمّا بعد : فاشخص إليّ بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين ، وذكرهم بلائي عندهم ، وعفوي عنهم ، واستبقائى لهم ، ورغبهم في الجهاد ، وأعلمهم الّذي لهم في ذلك الفضل والسلام.
قال : فلمّا وصل كتابه إلى ابن عبّاس بالبصرة قام في الناس ، فقرأ عليهم الكتاب وحمد الله وأثنى عليه وقال :
يا أيّها النّاس استعدّوا للشخوص إلى إمامكم ، وانفروا خفافاً وثقالاً ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ، فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين ، الذين لا يقرأون القرآن ، ولا يعرفون حكم الكتاب ، ولا يدينون دين الحق ، مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان بالحق والقيّم بالهدى والحاكم بحكم الكتاب الّذي لا يرتشي في الحكم ، ولا يداهن الفجار ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك ، على العسر واليسر ، والرضا والكره ، تحتسب في ذلك الخير ، وتأمل به من الله العظيم من الأجر.
وقام إليه خالد بن معمر السدوسي فقال : سمعنا واطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ، ومتى دعوتنا اجبنا.
وقام إليه عمرو بن مرحوم العبدي فقال : وفق الله أمير المؤمنين ، وجمع له أمر المسلمين ، ولعن المحلين القاسطين الّذين لا يقرأون القرآن ، نحن والله عليهم حنقون ، ولهم في الله مفارقون ، فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا إن شاء الله.
فأجاب النّاس إلى المسير ونشطوا وخفوا (17).
ويقول معاوية بن أبي سفيان في رسالته إلى الإمام عليّ عليه السلام :
ولا حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ؛ لأنّهم أطاعوك ولم يطعك أهل الشام (18).
وكذلك خرج شيعة البصرة لقتال الخوارج فقال ابن الأثير خرج شريك الأعور وكان من شيعة عليّ لقتال الخوارج من البصرة وانتخب ثلاث آلاف فارس من الشيعة (19).
شيعة البصرة والإمام الحسن بن عليّ
لم ترتد شيعة البصرة بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام ، كما يؤيده التأريخ ، وإليك مقالة سليمان بن صرد الخزاعي :
بعد صلح أمير المؤمنين الحسن عليه السلام ، مع معاوية بن أبي سفيان ، جاء سليمان بن صرد إلى الحسن عليه السلام وقال له ما ينقضي تعجبنا من بيعتك معاوية ، ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ، وشيعتك من أهل البصرة. هذا أولاً.
ثانياً : وكذلك لدينا دليل آخر يؤيّد بقاء شيعة البصرة على ولائهم لأمير المؤمنين الحسن عليه السلام بعد بيعة النّاس له بعد شهادة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، فلمّا بلغ معاوية بن أبي سفيان شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وبيعة النّاس ابنه الحسن عليه السلام دس رجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتب إليه بالأخبار ويفسد على الإمام الحسن عليه السلام الأمور فعرف الإمام الحسن عليه السلام بذلك فكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج وضربت عنقه (20).
والدليل الثالث على بقاء شيعة البصرة على ولائهم لأمير المؤمنين الحسن عليه السلام ، ما قاله عمرو بن العاص ، لمعاوية بن أبي سفيان عندما قدم ، وفد أهل البصرة على المعاوية زمان الإمام الحسن عليه السلام إذ قال عمرو ، لمعاوية بأن الأحنف بن قيس ، وصعصعة بن صوحان من شيعة عليّ الّذين قاتلوا معه يوم الجمل وصفين فكن منهم على حذر (21).
والدليل الرابع موقف جارية بن قدامة السعدي البصري ، قال المامقانى : لما رجع جارية من سيره بعد قتل عليّ عليه السلام دخل على الحسن عليه السلام فضرب على يده فبايعه ، وعزاه ، وقال : مايجلسك ، سرْ يرحمك الله إلى عدوك قبل انْ يُسار إليك.
فقال عليه السلام : لو كان النّاس كلهم مثلك سرت بهم (22).
وقد كان الإمام عليّ عليه السلام عالماً بأهل البصرة إذ يقول لهم : إني عارف لذي الطاعة منكم فضله ، ولذي النصيحة حقه ، غير متجاوز متهماً إلى بريء ، ولا ناكثاً إلى وفي (23).
وكذلك كان أهل البصرة يدركون مواقف الإمام علي عليه السلام لهم ، وكانوا يشاطرونه في ، ما كان يمر به ، فقد كان يبكيهم كلامه ومواعظه ، فعندما خطب أمير المؤمنين عليه السلام في جامع البصرة فقال لهم معاشر المؤمنين والمسلمين ... إلى آخر كلامه فبكى أهل البصرة كلهم ، وصلّوا عليه (24).
ثانياً : دور شيعة البصرة في نصرة الإمام الحسين بن علي
لم يكن أهل البصرة غافلين عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام وعلمه ، وفي ذلك روي عن الإمام الباقر عليه السلام هذه الرواية :
قال وهب بن وهب القرشي ، حدّثني الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما السلام إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم (25).
وعندما أرسل أهل الكوفة كتبهم إلى الإمام الحسين عليه السلام يدعونه للقدوم عليهم ، توجه الحسين عليه السلام إلى العراق يوم خروج مسلم بن عقيل بالكوفة ، وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكّة بقية شعبان وشهر رمضان وشوال ، وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة 60 هـ وكان قد اجتمع إلى الحسن عليه السلام مدة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه (26).
ومن الّذين لحقوا بالحسين عليه السلام من شيعة البصرة وهو في مكّة يزيد بن ثبيط العبدي وابناه عبد الله وعبيد الله ، وعامر بن مسلم العبدي ، ومولاه سالم ، وسيف بن مالك ، والأدهم بن أمية ، وقوي يزيد بن ثبيط في الطريق حتّى انتهى إلى الحسين عليه السلام ، وهو بالابطح من مكّة.
وقد أرسل الحسين عليه السلام كتبه إلى أشراف أهل البصرة يدعوهم لنصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي ، والمنذر بن الجارود ، وهو بمكّة فقد أرسل كتبه مع سليمان مولاه فكتب :
أمّا بعد ، فان الله اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله على خلقه وأكرمه بنبوته ، واختاره لرسالته ، ثم قبضه الله إليه ، وقد نصح لعباده ، وبلغ ما أرسل به صلى الله عليه وآله ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته ، وأحق النّاس بمقامه في النّاس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك [ فاغضينا كراهية للفرقة ومحبة للعافية ] (27) ونحن نعلم إنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فان السنة قد اميتت ، وان البدعة قد احييت ، فان تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد والسلام.
وكانت الشيعة في البصرة تجتمع في دار مارية بنت منقذ العبدية ، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها.
وعندما أرسل الحسين عليه السلام كتابه إلى أهل البصرة اجتمع الشيعة في دار مارية العبدية لتدارس الموقف.
ومن الّذين أرسل لهم الحسين عليه السلام كتاباً ، يزيد بن مسعود أبو خالد النهشلي البصري من أشراف البصرة يدعوه الحسين عليه السلام لنصرته.
فجمع يزيد بن مسعود قومه بعد قراءته كتاب الحسين عليه السلام ، بني تميم ، وبني حنظلة ، وبني سعد ، وبني عامر وخطبهم فقال :
يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم ، وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ، ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا.
قال : فاني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه واستعن بكم عليه.
فقالوا له : إنا والله نمنحك النصيحة ، نجهدك الرأي ، فقل حتّى نسمع.
فقال : أن معاوية قد مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، إلَّا وانه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمراً ، وظن أنه قد احكمه وهيهات الّذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قال يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدّعى الخلافة على المسلمين ، ويتأمر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم ، وقلّة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسماً مبروراً ، لجهاده على الدين ، أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن عليّ أمير المؤمنين ، وابن رسوله صلى الله عليه وآله ، ذو الشرف الأصيل ، والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر ، لسابقته وسنه ، وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسعكوا في وهد الباطل.
والله لا يقصر أحد عن نصرته إلَّا أورثه الله الذل في ولده ، والقلة في عشيرته ، ها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب.
فقالت بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ، إنّ رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض غمرة إلَّا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلَّا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا إذا شئت.
وقالت بنو أسد : أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك ، والخروج من رأيك.
وقالت بنو عامر : نحن بنو أبيك ، وحلفاؤك لا نرضى إنّ غضبت ، ولا نوطن إن ظعنت ، فادعنا نجبك ، وامرنا نطعك.
ثم كتب إلى الحسين عليه السلام :
أما بعد : فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ، ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك ، وان الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية ، وهو أصلها ، وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد تتابعاً في طاعتك من الأبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك بني سعد وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.
ثم أرسل الكتاب مع الحجاج بن بدر السعدي وكان متهيئاً للمسير إلى الحسين عليه السلام بعدما سار إليه جماعة من العبديين.
ثالثا : دور شيعة البصرة في الأخذ بثارات الإمام الحسين
وعندما أرسل الحسين عليه السلام كتابه إلى البصرة ، صعد عبيد الله بن زياد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وأثارة الأرجاف (28).
وأمر عبيد الله بن زياد فأخذ مابين واقصة إلى طريق الشام ، وإلى طريق البصرة فلا يدعون أحداً يلج ولا أحداً يخرج (29).
ولم تستطع شيعة البصرة الوصول إلى نصرة الحسين عليه السلام كما حصل ليزيد بن مسعود النهشلي عندما تجهز للخروج إلى الحسين عليه السلام ، فبلغه شهادته قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه.
وبعد شهادة الحسين عليه السلام شعر أهل الكوفة بالندم وأعلنوا توبتهم ، لذا أرسل سليمان بن صرد كتاباً إلى شيعة البصرة للطلب بدم الحسين عليه السلام وأرسل الكتاب إلى المثنى بن مخرّبة العبدي وبعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد.
فكتب المثنى الجواب :
أمّا بعد : فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك ، فحمدوا رأيك واستجابوا لك ، فنحن موافقون إن شاء الله تعالى للأجل الّذي ضربت.
وقال الطبري : دعا سليمان بن صرد ، المثنى بن مخرّبة للأخذ بدم الحسين ، وجاء ومعه ثلاثمائة من أهل البصرة (30).
ويقول القنصل الروسي الكسندر أدامون في البصرة عام ١٩١٢ م في كتابه « ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها » ـ وهو الذي نحن بصدد تقديمه.
إن الشيعة في البصرة لم يدعوا الفرصة تمر بعد وفاة يزيد بن معاوية وحاولوا استغلال الاضطرابات الّتي قامت بسبب موت يزيد وكادت الانتفاضة الّتي أشعلوها أنْ تؤدّي إلى القضاء على الحكم العربي في العراق لقد بدأت هذه الانتفاضة بحملة من الشيعة تعدادها عشرة آلاف مسلح سارت نحو الشام وهدفها معاقبة عبيد الله بن زياد الّذي كان قد هرب من البصرة إلى الشام ، لكن مروان بن الحكم الأموي الّذي كان قد اختير خليفة أسرع بإرسال جيشه لملاقاة حملة أهل البصرة فاستطاع هذا الجيش أن يحطّم المنتقمين لدم الحسين.
غير إن هذا الفشل لم يكبح جماح الشيعة في البصرة فقد انضموا في السنة التالية إلى التمرد الّذي قام في الكوفة (31).
شهداء الطف من شيعة البصرة
١ ـ الأدهم بن أمية العبدي البصري (32).
صحابي سكن البصرة ، فلما سمع وقعة كربلاء خرج مع يزيد بن ثُبيط وابناه عبد الله وعبيد الله ، حتّى انتهى إلى مولانا الحسين عليه السلام ، واستشهد في الحملة الأولى ، وكان يجتمع في دار مارية البصرية.
٢ ـ الحجاج بن بدر التميمي ، السعدي ، البصري (33).
كان حامل كتاب يزيد بن مسعود النهشلي إلى الحسين عليه السلام ، وله ذكر في زيارة الناحية المقدسة.
٣ ـ سيف بن مالك العبدي ، البصري (34).
عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الحسين عليه السلام.
وقال المامقانى : شهيد الطف غني عن التوثيق وكان من الشيعة ممّن يجتمع في دار مارية بنت منقذ البصرية العبدية الّتي كان يجتمع شيعة البصرة في منزلها ، فخرج مع يزيد بن ثبيط العبدي إلى الحسين عليه السلام ، وانضمَّ إليه ، وما زال معه حتّى قتل بين يديه في كربلاء مبارزة بعد صلاء الظهر.
٤ ـ سالم مولى عامر بن مسلم البصري العبدي (35).
استشهد مع الحسين عليه السلام يوم الطف.
٥ ـ عامر بن مسلم بن حسان بن شريح العبدي ، البصري (36).
ذكر أهل السير أنه كان من الشيعة في البصرة فلما بلغه خبر الحسين عليه السلام خرج هو ومولاه سالم مع يزيد بن ثبيط العبدي ، وانضموا إلى الحسين عليه السلام بالأطبح من مكّة حتّى ورد معه كربلاء ، وقتل معه فيمن قتل في الحملة الأولى رضوان الله عليهم.
وقد زاده شرفاً على شرف الشهادة تخصيصه بالتسليم عليه في زيارة الناحية المقدّسة.
وذكره الفضل بن العبّاس بن ربيعة في قصيدته الّتي ينعى بها على بني أمية أفعالهم قال :
ارجعوا عامراً وردّوا زهيراً |
ثم عثمان فارجعوا غارمينا |
٦ ـ عبد الله بن يزيد بن ثبيط العبدي ، البصري (37).
عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الحسين عليه السلام ، قائلاً : معروف.
استشهد مع أبيه وأخيه عبيد الله مع الحسين عليه السلام.
٧ ـ عبيد الله بن يزيد بن ثبيط العبدي ، البصري (38).
ذكره الطوسي في أصحاب الحسين عليه السلام وقال : معروف.
استشهد مع الحسين عليه السلام يوم الطف مع أبيه وأخيه عبد الله ، وزاد على شرف شهادته ، شرف تسليم الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه في زيارة الناحية المقدسة.
٨ ـ الهفهاف بن المهند الراسبي ، البصري (39).
من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فارس شجاع من الشيعة المخلصين في محبة أهل البيت عليهم السلام ، له ذكر في المغازي والحروب ، وحضر مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده ، وأمّره عليه السلام في صفين على أزد البصرة ، وكان ملازماً له عليه السلام ، إلى أن قتل عليه السلام.
انضمّ إلى الإمام الحسين عليه السلام من مكّة إلى العراق خرج من البصرة فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد الوقعة فدخل على عسكر عمر بن سعد فسأل القوم ما الخبر ، أين الحسين بن عليّ ؟
فقالوا له : مَن أنت ! فقال : أنا الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصرة الحسين عليه السلام فقالوا : أما ترى هجوم القوم على المخيّم وسلبهم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فلما سمع الهفهاف بقتل الحسين عليه السلام وهجوم القوم ، انتضى سيفه وشدّ فيهم كليث العرين يضربهم بسيفه فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه حتّى قتل منهم جمعاً كثيراً حتّى اُثخن بالجراح فحمل عليه جمع واحتوشوه حتّى قتلوه رضوان الله عليه.
وقال المامقانى : شهيد الطف فوق الوثاقة.
٩ ـ يزيد بن ثبيط العبدي ، من عبد القيس البصري (40).
عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الحسين عليه السلام.
وكان يزيد من شيعة البصرة ، ومن أصحاب أبي الأسود الدؤلي ، وكان شريفاً في قومه ، اجتمع في دار مارية بنت منقذ العبدية وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها.
وقال يزيد لأصحابه في بيت مارية : إني قد أزمعت على الخروج ، وأنا خارج ، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج إلى الحسين عليه السلام ، وكان له بنون عشرة ، فدعاهم إلى الخروج معه ، وقال أيكم يخرج معي متقدماً ، فانتدب له اثنان ، عبد الله وعبيد الله ؟
وقال يزيد لأصحابه : إنّي والله إن لو قد استوت أخفافها بالجدد لهان عليَّ طلب من طلبني ، ثم خرج وابناه ، وصحبه بن مسلم العبدي ، ومولاه سالم ، وسيف بن مالك ، والأدهم بن أمية ، وقوي في الطريق حتّى انتهى إلى الحسين عليه السلام وهو بالأبطح من مكّة ، فاستراح في رحله ، ثم خرج إلى الحسين عليه السلام إلى منزله ، وبلغ الحسين عليه السلام مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء إلى رحله ، فقيل له قد خرج إلى منزلك ، فجلس في رحله ينتظره ، وأقبل يزيد لما لم يجد الحسين عليه السلام في منزله ، وسمع أنه ذهب إليه راجعاً على أثره ، فلما رأى الحسين عليه السلام في رحله قال :
بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، ثم سلم عليه وجلس إليه وأخبره بالذي جاء له ، فدعا له الحسين عليه السلام بخير ثم ضمّ رحله إلى رحله ، ومازال معه حتّى قتل بين يديه في الطف مبارزة ، وقتل ابناه في الحملة الأولى.
وقد زاده شرفاً على شرف الشهادة ، تسليم الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، عليه بالخصوص في زيارة الناحية المقدسة.
هذا ما أحببنا أنْ نشيرَ إليه في هذه العاجلة والمقدمة وإلّا فأن هناك جوانب كثيرة ومتعددة تخصُّ البصرة بالذات من حيث موقعها الجغرافي ـ في الماضي والحاضر ـ ومنزلتها العلمية ؛ لأنّها إحدى المدارس اللغوية والنحوية التي يُشار لها بالبنان ، وباللحاظ الاقتصادي ؛ لكونها تعتبر عصب العراق وشريانه وثغره ، ونسأل الله تعالى أنْ يوفّق الباحثين والمحققين ، أو أحد أبنائها أن يكتبوا في هذه الجوانب وغيرها ، إنه سميع الدعاء.
الهوامش
1. معجم البلدان ٢ : ٣٤٠ ، ط بيروت ، دار إحياء التراث العربي.
2. نفس المصدر.
3. في الملاحم والفتن : ص ١٧٥ رقم ١١٣.
4. بحار الأنوار : ج ٣٢ ص ٢٥٤ والآية : ٥٥ من سورة الذاريات.
5. الملاحم لابن المنادي : ص ١٧٤ رقم ١١٠.
6. المصدر السابق : ص ١٧٤ رقم ١١١.
7. المصدر السابق : ٥.
8. الملاحم : ص ١٥٥ رقم ٨٤.
9. مجالس المؤمنين : ص ٦١.
10. المصدر السابق.
11. المصدر السابق : ص ٦٢.
12. بحار الأنوار : ج ٣٢ ص ١٢٠.
13. الإستيعاب في هامش الإصابة : ج ١ ص ٣٢٤.
14. بحار الأنوار : ج ٣٣ ص ٤٩٢.
15. بحار الأنوار : ج ٣٢ ص ١٣٩.
16. كتاب صفين : ص ٣.
17. بحار الأنوار : ج ٣٢ ص ٤٠٦.
18. بحار الأنوار : ج ٣٢ ص ٣٩٣.
19. الكامل في التاريخ : ج ١٣ ص ٤٣١.
20. بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ٤٥.
21. المصدر السابق : ص ١٣٣.
22. تنقيح المقال : ج ١ ص ٢٠٦.
23. المصدر السابق : ج ٣٣ ص ٤٩٥.
24. المصدر السابق : ج ٣٩ ص ٣٤٨.
25. بحار الأنوار : ج 3 ص 223 رقم 14.
26. المصدر السابق : ج 44 ص 364.
27. في نسخة : فرضينا وكرهنا الفرقة واحببنا لكم العافية.
28. بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ٣٣٧.
29. المصدر السابق : ص ٣٧٠.
30. تاريخ الطبري : ج ٥ ص ٥٥٨ ، وبحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٣٥٦ ، ٣٦٠ ، ٣٦٢.
31. ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها : ج ٢ ص ١٥.
32. أعيان الشيعة : ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، وتنقيح المقال : ج ١ ، ص ١٠٦ ، رقم ٦٢٣.
33. أعيان الشيعة : ج ٤ ، ص ٥٦٤ ، ومستدركات علم الرجال : ج ٢ ، ص ٣٠٦ ، ص ٣٠٦ ، رقم ٣١٨١.
34. رجال الطوسي : ص ٧٤ ، رقم ٣ ، وتنقيح المقال : ج ١ ، ص ٧٩ ، رقم ٥٤٦٣.
35. البحار : ج ١٠١ ، ص ٣٤٠ ، وفيه : ( مسلم ) وتنقيح المقال : ج ٢ ، ص ١١٧.
36. رجال الطوسي : ص ٧٧ ، رقم ١٦ ، ورجال ابن داود : ص ٢٥٢ ، رقم ٢٥٠. والبحار : ج ٢٢ ، ص ١٨٤.
37. رجال الطوسي : ص ٧٧ ، رقم ١٥ ، وطبقات ابن سعد : ص ٤٢.
38. رجال الطوسي : ص ٧٧ ، رقم ١٥ ، وتاريخ الطبري : ج ٥ ، ص ٣٥٤.
39. تنقيح المقال : ج ٣ ، ص ٣٠٣ ، رقم ١٢٨٨٧.
40. رجال الطوسي : ص ٨١ ، وتاريخ الطبري : ج ٥ ، ص ٣٥٤ ، وإبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : ص ١١٠.
مقتبس من كتاب : [ ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 3 ـ 24
التعلیقات