تطوّر الفقه عند الشيعة في القرنين الرابع والخامس وكتاب المهذّب للقاضي ابن البرّاج [١]
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 11 سنةتطوّر الفقه عند الشيعة في القرنين الرابع والخامس وكتاب المهذّب للقاضي ابن البرّاج
شرف الفقه :
إنّ شرف كلّ علمٍ بشرف موضوعه ، وشرف ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله.
فكلّ علمٍ يرتبط بالله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، أو يرجع إلى التعرّف على سفرائه وخلفائه وما اُوحي إليهم من حقائق وتعاليم ، وأحكام وتكاليف ، يعدّ من أشرف العلوم ، وأفضلها وأسناها ، لارتباطه به تعالى.
وقد أصبح « علم الفقه » ذات مكانةٍ خاصّة بين تلك المعارف والعلوم ، لأنّه الراسم لمناهج الحياة في مختلف مجالاتها ، والمبيّن للنسك والعبادات ، ومحرّم المعاملات ومحلّلها ، ونظام المناكح ، والمواريث ، وكيفيّة القضاء ، وفصل الخصومات والمنازعات ، وغيرها.
وعلى الجملة : هو المنهاج الوحيد والبرنامج الدقيق لحياة المسلم الفرديّة ، والإجتماعيّة ، كيف ويصف عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام أهميّة تلك التعاليم والبرامج ، من خلال الإشارة إلى آثارها في حياة الفرد والجماعة إذ يقول :
« فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق ، والحجّ تقربةً للدين ، والجهاد عزّاً للإسلامٍ ، والأمر بالمعروف مصلحةً للعوام ، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، وإقامة الحدود إعظاماً للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصيناً للعقل ، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفّة ، وترك الزنى تحصيناً للنسب ، وترك اللواط تكثيراً للنسل ، والشهادات استظهاراً على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفاً للصدق ، والسلام أماناً من المخاوف ، والأمانة نظاماً للاُمّة ، والطاعة تعظيماً للإمامة » (1).
وإذا كان « الفقه » كفيلاً بسعادة الإنسان في الدارين ، ومبيّناً لفرائض العباد ووظائفهم ، فقد اختار الله سبحانه أفضل خلائقه ، وأشرف أنبيائه لإبلاغ تلك المهمّة الجسيمة ، فكان النبيّ صلّى الله عليه وآله في حياته مرجع المسلمين ، في بيان وظائفهم وماكانوا يحتاجون إليه من أحكام ، كما كان قائدهم في الحكم والسياسة ، ومعلّمهم في المعارف والعقائد.
فقام صلّى الله عليه وآله بتعليم الفرائض والواجبات والعزائم والمنهيّات ، والسنن والرخص ، وما يتكفّل سعادة الاُمّة ونجاحها في معترك الحياة ، وفوزها ونجاتها في عالم الآخرة.
إكمال الشريعة بتمام أبعادها :
إنّ الشريعة التي جاء بها خير الرسل ، وأفضلهم هي آخر الشرائع التي أنزلها الله سبحانه ، لهداية عباده فهو ـ صلوات الله عليه ـ خاتم الأنبياء ، كما أنّ كتابه وشريعته خاتمة الشرائع ، وآخر الكتب.
قال سبحانه : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) [ الأحزاب ـ 40 ].
وبما أنّه صلّى الله عليه وآله خاتم الأنبياء ، وشريعته خاتمة الكتب والشرائع ، يجب أن تكون شريعته ـ حتماً ـ كاملة الجوانب ، جامعة الأطراف لن يفوتها بيان شيء ، وتغني المجتمع البشري عن كلّ تعليم غير سماويّ.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه ينصّ على ذلك ويصرّح بأنّه زوّده بشريعة اكتملت جوانبها يوم قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ المائدة ـ 3 ].
وظاهر قوله : ( أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) أنّه سبحانه أكمل دينه النازل على نبيّه الأكرم صلّى الله عليه وآله من جميع الجوانب ، وكلّ الجهات.
فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد ، كامل من حيث بيان الوظائف والأحكام ، كامل من جهة عناصر استمراره ، وموجبات خلوده ، ومتطلّبات بقائه ، على مدى الأيّام والدهور.
فلا وجه ـ إذن ـ لقصر الآية على الكمال من ناحية دون ناحية ، وجانب دون جانب ، فهي بإطلاقها تنبیء عن كمال الشريعة في جميع جوانبها ، ومجالاتها من غير اختصاص بالإيمان ، أو بالحجّ ، أو بغيره.
على أنّ حديث الإكتمال الوارد في هذه الآية ، لا يختصّ بإكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة ، بل يعمّ الإكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الأعوام والحقب القادمة ، إذ ليس حديث الدين كالمناهج الفلسفيّة والأدبيّة وما شبه ذلك ، فإنّ الإكتمال في هذه المناهج يتحقّق بمجرّد بيان نظامها وتوضيح خطوطها الفكريّة ، سواء أطبّقت على الخارج أم لا ، وسواء استمرّ وجودها في مهبّ الحوادث أم لا ، بل الدين شريعة إلهيّة اُنزلت للتطبيق على الخارج ابتداءً واستمراراً حسب الأجل الذي اُريد لها.
فتشريع الدين من دون تنظيم عوامل إستمرار وجوده يعدّ ديناً ناقصاً.
ولأجل ذلك دلّت السنّة على نزول الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ) يوم غدير خمّ عندما قام النبيّ صلّى الله عليه وآله بنصب عليّ عليه السلام للولاية والخلافة (2).
والعجب أنّ ابن جرير أخرج عن ابن جريح ، قال : مكث النبيّ (ص) بعدما نزلت هذه الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ... ) إحدى وثمانين ليلة (3).
وبما أنّ الجمهور أطبقوا على أنّ وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله كانت في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، فينطبق أو يقارب يوم نزول هذه الآية على الثامن عشر من شهر ذي الحجّة ، وهو يوم الغدير الذي قام النبي صلّى الله عليه وآله فيه بنصب عليّ عليه السلام للخلافة والولاية.
ولأجل هذه العظمة الموجودة في مفهوم الآية ، روى المحدّثون عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود للمسلمين : إنّكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا ـ معشر اليهود ـ نزلت ، لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأيّ آية ؟ قال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ).
وأخرج ابن جرير ، عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال : كنّا جلوساً في الديوان ، فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام : لقد اُنزلت عليكم آية لو اُنزلت علينا لاتّخذنا ذلك اليوم ، وتلك الساعة عيداً ما بقي اثنان ، وهي قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ).
كما روى ابن جرير ، عن ابن جريح ، عن السديّ أنّه لم ينزل بعد هذه الآية حرام ولا حلال ، ورجع رسول الله (ص) فمات (4).
بماذا تحقّق الكمال ؟
لا شكّ أنّ الشريعة الإسلاميّة من جانب الأحكام والعقائد اكتملت بأمرين أحدهما : كتاب الله سبحانه ، والآخر سنّة نبيّه الكريم.
أمّا الأوّل فقد عرّف سبحانه مكانته ، وسعة معارفه بقوله : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) [ النحل ـ 89 ].
فلا شكّ أنّ المراد من لفظة ( كُلِّ شَيْءٍ ) ، هو كلّ شيءٍ اُنيط بيانه إلى سفرائه وأنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف ، والمناهج والتعاليم التى لا يصل الفكر الإنساني إلى الصحيح منها ، بلغ ما بلغ من الكمال.
فهذه الاُمور تكفل « الكتاب الكريم » ببيانها وذكر خصوصيّاتها ، وأمّا العلوم التي يصل إليها البشر بفكره ، كالفنون المعماريّة ، والمعادلات الرياضيّة والقوانين الفيزياويّة والكيماويّة ، فهي خارجة عن رسالة ذلك الكتاب ، وليس بيانها من مهامه ووظائفه.
نعم ربّما يحتمل أن يكون للآية معنىً أوسع ، حتّى يكون القرآن الكريم قابلاً لتبيان تلك المعارف والعلوم ، غير أنّ هذا الإحتمال ـ على فرض صحّته ـ لا يصحّح أن يكون « القرآن الكريم » مصدراً لهذه المعارف ، حتّى يرجع إليه كافّة العلماء والإختصاصيّون في هذه العلوم ، وإنّما يتيسّر إستخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علميّة إلهيّة غيبيّة ، حتّى يتسنّى له إستخراج هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات وإشاراتها ، وهو ينحصر في جماعة قليلة.
وأمّا مكانة السنّة فيكفي فيها قوله سبحانه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ) [ النجم ـ 3 ] وقوله سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [ الحشر ـ 7 ] ، وغير ذلك من الآيات التي تنصّ على لزوم اقتفاء أثر النبيّ ، وتصّرح بوجوب اتّباعه ، وعدم مخالفته ومعصيته.
وعلى ذلك تكون الشريعة الإسلاميّة شريعة كاملة الجوانب ، كاملة الجهات والأطراف ، قد بيّنت معارفها ، وأحكامها بكتاب الله العزيز وسنّة نبيّه الكريم ، فلم يبق مجال للرجوع إلى غير الوحي الإلهي وإلى غير ما صدر عن النبيّ الكريم.
وهذه الحقيقة التي تكشف عنها الآية ـ بوضوح ـ وأنّ الدين اكتمل في حياة النبيّ بفضل كتابه وسنّته ، ممّا اطبقت عليه كلمة العترة الطاهرة بلا خلاف ، ولإيقاف القارئ على ملامح كلماتهم في هذا المقام ، نأتي ببعض ما ورد عنهم في ذلك المجال :
لكلّ شيء أصل في الكتاب والسنّة :
لقد صرّح أئمّة أهل البيت والعترة الطاهرة بأنّه ما من شيءٍ في مجالي العقيدة والشريعة إلّا وله أصل في الكتاب والسنّة ، وهذا هو ما يظهر من كلماتهم ونصوصهم الوافرة.
روى مرازم ، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : إنّ الله تبارك و تعالى أنزل في القرآن الكريم تبيان كلّ شيء ، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج العباد إليه إلّا بيّنه للناس حتّى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن إلّا وقد أنزل الله فيه (5).
وروى عمرو بن قيس ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول : إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّة إلى يوم القيامة ، إلّا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله ، وجعل لكلّ شيء حدّاً وجعل عليه دليلًا يدلّ عليه (6).
وروى سليمان بن هارون قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلّا وله حدّ كحدّ الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق ، وما كان من الدار فهو من الدار ، حتّى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة (7).
وروى حماد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : ما من شيءٍ إلّا وفيه كتاب أو سنّة (8).
وعن المعلّى بن خنيس قال ، قال أبو عبدالله عليه السلام : ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان ، إلّا وله أصل في كتاب الله عزّ وجلّ ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (9) ، وعن سماعة ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال ، قلت له : أكلّ شيءٍ في كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله أو تقولون فيه ؟ قال : بل كلّ شيءٍ في كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله (10).
هذا هو حال الكتاب والسنّة عند أئمّة العترة الطاهرة ، فلو لم نجد حكم كثير من الموضوعات والحوادث ، في الكتاب والسنّة ولا وقفنا على جملة من المعارف والعقائد فيهما ، فما ذلك إلّا لأجل قصور فهمنا وقلّة بضاعتنا ، لأنّ في الكتاب رموزاً وإشارات ، وتنبيهات وتلويحات منها تستنبط أحكام الحوادث والموضوعات ، ويهتدي بها الإنسان إلى المعارف والعقائد ، وقد اختصّ علمها بهم دون غيرهم.
كما أنّ عندهم سنّة النبيّ التي لم تصل إلى كثير منها أيدي الناس ، هذه هي حقيقة الحال عن أئمّة العترة الطاهرة ، وعلى ذلك اقتفت شيعتهم أثرهم في تشييد صرح المعارف والعقائد ، وإرساء فقههم ، وفروعهم واُصولهم.
إنّ القاریء الكريم لو راجع الجوامع الحديثيّة والتفسيريّة ، ووقف على كيفيّة إستدلال الأئمّة الطاهرين ، بالآيات والسنّة النبويّة على كثير من المعارف والأحكام ، يقف على صحّة ما قلناه ، وهو أنّ عندهم علم الكتاب بالمعنى الجامع الوسيع ، كما أنّ عندهم السنّة النبويّة بعامّتها.
وهذا لا ينافي أن يكون الكتاب هادياً للاُمّة جمعاء ، ويكون طائفة من السنّة في أيدي الناس ، غير أنّ الإكتناه برموز الكتاب وإشاراته ، والإحاطة بعامّة سننه ، من خصائص العترة الطاهرة.
وقد قام بعض الأفاضل من طلّاب مدرستنا بجمع الأحاديث ، التي استدلّ فيها الأئمّة الطاهرون بالكتاب والسنّة على اُمورٍ وأحكام ، ممّا لم تصل إليه أفهام الناس ، وإنّما خصّ علم ذلك بهم.
الواقعيات المتضادّة للكمال :
فإذا كان الشارع قد أعلن عن خاتميّة الرسالة وكمال الشريعة الإسلاميّة ، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين ، ويقلّ الخلاف والنقاش بينهم ، ويجتمع الكلّ على مائدة القرآن والسنّة من دون أن يختلفوا في عقائدهم ، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم ووظائفهم.
ولكنّنا ـ مع الأسف ـ نشاهد في حياة المسلمين أمراً لا يجتمع مع هذا الكمال ، بل يضادده ويخالفه ، بل وينادي بظاهره بعدم كماله من حيث الاُصول والفروع ، وينادي بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الأطراف شاملة لكلّ شيء ، وتلك الحقيقة المضادّة لحديث الكمال هي الإختلافات الكبيرة والخلافات العريقة ، التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله بل قبيلها أيضاً.
فقد صاروا في أبسط المسائل إلى معقدها إلى اليمين واليسار ، وافترقوا فرقتين أو فرقاً حتّى انتهوا إلى سبعين فرقة ، بل إلى سبعمائة فرقة.
فهذا هو التاريخ يحدّثنا أنّ أوّل تنازع وقع في مرضه عليه الصلاة والسلام ، هو ما رواه البخاري بإسناده عن عبدالله بن عبّاس ، قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه ، قال : إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي ، فقال عمر رضي الله عنه : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع ، قال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين رسول الله (11).
ولم ينحصر الخلاف في اُخريات حياته ، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش اُسامة ، حيث أنّه صلّى الله عليه وآله أمر اُسامة بأن يسير إلى النقطة التي سار إليها أبوه من قبل ، وجهّز له جيشاً وعقد له راية فتثاقل أكابر الصحابة عن المسير معه لمّا رأوا مرض النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو يصرّ على مسيرهم ، حتّى أنّه خرج معصّب الجبين ، وقال جهّزوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه (12).
وأمّا اتّساع رقعة الخلاف ، ودائرة الإختلاف بعد لحوقه صلّى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ، فحدّث عنه ولا حرج.
فقد اختلفوا في يوم وفاته في موته عليه الصلاة والسلام ، قال عمر بن الخطاب : من قال إنّ محمّداً قد مات قتلته بسيفي هذا ، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى عليه السلام.
ولما جاء أبوبكر بن أبي قحافة من النسع ، وقرأ قول الله سبحانه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) رجع عمر عن قوله ، وقال كأنّي ما سمعت هذه الآية حتّى قرأها أبوبكر (13).
وأخطر الخلافات وأعظمها هو الإختلاف في الإمامة ، وإدارة شؤون الاُمّة الإسلاميّة ، فمنهم من قال بتعدّد الاُمراء فأمير من الأنصار وأمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى ، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والإمارة ، فقد أحدث ذلك الخلاف خرقاً عظيماً لا يسدّ بسهولة.
ولأجل ذلك يقول الشهرستاني في « ملله ونحله » : ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان (14) ولم يقف الخلاف والإختلاف عند هذا الحدّ ، فقد اتّسع نطاقه بعد الإختلاف في الزعامة السياسيّة ، حتّى شمل القيادة الفكريّة ، فحدثت مذاهب واتّجاهات ، ووجدت مناهج متباينة في المعارف الإعتقاديّة ، التي تشكّل أعمدة الدين واُصوله وجذور الإسلام واُسسه.
فاختلف المسلمون ـ في هذا المجال ـ إلى معتزلة وجبريّة ، وانقسمت الاُولى إلى واصليّة ، هذليّة ، نظاميّة ، خابطيّة ، بشريّة ، معمريّة ، مرداريّة ، ثماميّة ، هشاميّة ، جاحظيّة ، خياطيّة.
كما انقسم منافسو المعتزلة ـ أعني الجبريّة ـ ، إلى : جهميّة ، نجاديّة ، ضراريّة.
وقد كان هذا الإختلاف في إطار خاصّ ، أيّ في معنى الإسلام والإيمان وما يرجع إلى فعل الله سبحانه ، وإذا أضفنا إليه الإختلاف في سائر النواحي ، فنرى أنّهم اختلفوا في صفاته سبحانه ، إلى : أشعريّة ، ومشبّهة وكراميّة.
وقد أوجبت هذه الإختلافات والنقاشات إلى وقوع حروب دامية ، وصراعات مدّمرة اُريقت فيها الدماء البريئة ـ من المسلمين ، وسحقت الكرامات.
غير أنّ إطار الإختلاف لم يقف عند ذلك ، فقد حدث إختلاف في مصير الإنسان ، وما يؤول إليه بعد موته من البرزخ ومواقفه ، ويوم القيامة وخصوصيّاته ، إلى غيرها من الإختلافات والمنازعات الفكريّة العقيديّة ، التي فرّقت شمل المسلمين ، ومزّقت وحدتهم وكأنّهم نسوا قول الله تعالى : ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء ـ 92 ].
فصارت الاُمةّ الواحدة اُمماً متعدّدة ، وأصبحت اليد الواحدة أيدي متشتّتة.
ولو أضفنا إلى ذلك ما حدث بين المسلمين من الإختلاف في المناهج الفقهيّة ، التي أرساها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ، إلى أن وصل الدور إلى الأئمّة الأربعة يقف الإنسان على اختلاف واسع مروّع ، وعند ذلك يتساءل الإنسان ويسأل المرء نفسه : ترى أيّ الأمرين أحقّ وأصحّ ؟
1 ـ ما نصّ به القرآن الكريم ، وحدّث عنه سيّد المرسلين عن كمال الدين باُصوله وجذوره ، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة إلّا رفعها ، ولا حادثة إلّا بيّن حكمها ، ومقتضى ذلك أن يتقلّل الخلاف والنقاش إلى أقلّ حدّ ممكن.
2 ـ ما نلمسه ونراه ـ بوضوح ـ من الخلاف والتشاجر في أبسط الاُمور وأعمقها ، من دقيقها وجليلها ، بحيث لم يبق أصل ولا فرع إلّا وفيه رأيان بل آراء.
إنّ حديث الإختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعدّ أمراً بسيطاً ، كيف والإمام عليّ عليه السلام يعتبره دليلاً على نقصان الدين إن كان المختلفون على حقّ ، وإلّا كان إختلافهم أمراً باطلاً ، لأنّ كمال الشريعة يستلزم أن يكون كلّ شيء فيها مبيّناً ، فلا مبرّر ولا مصحّح للإختلاف.
يقول الإمام عليه السلام في ذمّ إختلاف العلماء في الفتيا :
ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله ـ سبحانه ـ بالإختلاف فأطاعوه ! أم نهاهم عنه فعصوه ! أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول صلّى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه ، والله ؟! سبحانه يقول : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) وفيه تبيان لكلّ شيءٍ وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً (15).
أترى أنّه صلوات الله عليه بعد ما يندّد بالإختلاف ، يقول أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه.
فاكتمال الدين بعامّة أبعاده ينفي وجود الثاني ، كما أنّ وجود الخلاف في عامّة المسائل لا يجتمع مع إكمال الدين ، فما هو الحلّ لهذين الأمرين المتخالفين ؟!
الإجابة على هذا السؤال :
إنّ هناك تحليلين يمكن أن يستند إليها الباحث في حلّ هذه المعضلة :
الأوّل : إنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وإن أكمل دينه في اُصوله وفروعه ، غير انّ المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الإسلاميّة ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولا السنّة النبويّة.
إلّا أنّ هذه الإجابة لا تتّفق مع الواقع ، بل تعتبر قسوة على الحقّ وأصحابه ، لما نعلم من حياة المسلمين في الصدر الأوّل وبعده ، من أنّ الدين كان عندهم من أعزّ الأشياء وأنفسها ، فكانوا يضحّون بأنفسهم وأموالهم في سبيله.
فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب إلى هؤلاء الجماعة بأنّهم قد وقفوا في وجه النصوص الإسلاميّة ، وقابلوها بآرائهم ، ورجّحوا أفكارهم ونظريّاتهم على الوحي ؟
كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلّة بقوله : ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الفتح ـ 29 ].
الثاني : إنّ الشريعة الإسلاميّة قد جاءت بدقائق الاُمور وجلائلها في كتاب الله وسنّة نبيّه ، غير أنّ الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والإحاطة بسنّة نبيّه ـ الذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمّت بهما النعمة ، واستغنت الاُمّة بهما عن اتّخاذ أيّ شيء في عداد كتاب الله وسنّة نبيّه ـ عند اُناس متطهّرين من الإثم والذنب ، مصونين عن الزلل والخطأ ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومجمله ومفصّله ، وناسخه ومنسوخه ، وعامّه وخاصّه ، ومطلقه ومقيّده ، بل بدلالاته وتنبيهاته ، ورموزه وإشاراته التي لا يهتدي إليها إلّا من شملته العناية الإلهيّة ، وعمّته الفيوض الربّانيّة.
كما وأحاطوا بسنّة نبيّهم ، وشوارد أقواله ، ووجوه أفعاله ، وألوان تقريره وإقراره.
فالتحق ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرفيق الأعلى والحال هذه ، أيّ أنّ العلم بحقائق الكتاب ومتون سنّته مخزون عند جماعة خاصّة ، قد عرّفهم بصفاتهم وخصوصيّاتهم تارة ، وأسمائهم وأعدادهم تارة اُخرى كما سيوافيك.
ولو أنّ الاُمّة الإسلاميّة رجعوا في مجال العقائد والمعارف ، و موارد الأحكام والوظائف إلى هذه الثلّة ، لأوقفوهم على كلّ غرّة لائحة ، وحجّة واضحة ، وقول مبين ، وبرهان متين ، واستغنوا بذلك عن كلّ قول ليس له أصل في كتاب الله وسنّة رسوله ، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل.
فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في جميع مجالاتها أمر لا غبار عليه ، ولكنّ الخلاف والنقاش حدث في اُسس الإسلام وفروعه لأجل الإستقلال في فهم الذكر الحكيم ، وجمع سنّة الرسول من دون أن يرجعوا إلى من عنده رموز الكتاب وإشاراته ، ودلائله وتنبيهاته، فهم ورّاث الكتاب (16) وترجمان السنّة ، فافترقوا ـ لأجل هذا الإعراض ـ إلى فرق كثيرة ومناهج متكثّرة.
إنّ الإستقلال في فهم المعارف والاُصول واستنباط الفروع ، ألجأ القوم إلى القول بالقياس والإستحسان، وتشييد قواعد ومقاييس ظنيّة كسدّ الذرائع والمصالح المرسلة ، وغيرها من الاُمور التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك لأنّهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والاُصول ، بحيث لا يمكن إنكاره حسب الآيات والأحاديث ، ومن جانب آخر واجهوا الحاجات والحوادث المتجدّدة التي لم يجدوا لها دليلاً ، لا في الكتاب ولا في السنّة ، فلاذوا إلى العمل بهذه المقاييس حتى يسدّوا الفراغ ، ويبرئوا الشريعة الإسلاميّة عن وصمة النقص.
قال ابن رشد مستدلّاً على حجّية القياس : إنّ الوقائع بين أشخاص الاُناس غير متناهية ، والنصوص والأفعال والإقرارات ـ أيّ تقرير النبيّ ـ متناهية ، ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى (17).
وكأنّه يريد أن يقول إنّه لولا القول بحجّية القياس لأصبحت الشريعة ناقصة غير متكاملة.
وهذا الجواب ـ وهو إيداع علم الكتاب عند العترة والإحاطة بالسنّة ـ ممّا يلوح من الغور في غضون السنّة ، ولعلّ القارئ الكريم يزعم ـ بادئ بدء ـ أنّ هذا الجواب نظريّة غير مدعمة بالبرهان ، غير أنّ من راجع السنّة يرى النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصرّح في خطبة حجّة الوداع بأنّ عترته أعدال الكتاب العزيز وقرناؤه ، وهم يصونون الاُمّة عن الإنحراف والضلال ، ولا يفارقون الكتاب قدر شعرة ، ومع الرجوع إليهم لا يبقى لقائل شك ولا ترديد.
روى الترمذي ، عن جابر قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجّية يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول :
« يا أيّها الناس أنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (18).
وروى مسلم في صحيحه : « أنّ رسول الله قام خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة ... ثمّ قال : ألا يا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب ، وإنّي تارك فيكم ثقلين : أوّلها كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيتي » (19).
وقد روى هذا الحديث أصحاب الصحاح والسنن بعبارات مختلفة ، كما رووا أنّه نطق به النبيّ في حجّة الوداع ، وفي غدير خمّ وقبيل وفاته ، فدراسة الحديث توقّفنا على مكانة أهل البيت النبويّ ، وعترة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، حيث يعدلون القرآن الكريم في الهداية والنور ، والعصمة والمصونيّة ، وأنّ مفارقتهم مفارقة للكتاب ، وبالتالي مفارقة السعادة ، والوقوع في وهاد الضلالة.
عدد الأئمّة :
إنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله لم يكتف بالتنصيص بالوصف ، بل أخبر بأنّ عدد الأئمّة الذين يلون من بعده إثنا عشر ، وقد رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، فروى مسلم ، عن جابر بن سمرة ، أنّه سمع النبيّ يقول : لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش (20).
وروى البخاري قال : سمعت النبيّ يقول : يكون إثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : قال : كلّهم من قريش (21).
وهناك نصوص اُخرى لهذا الحديث تصرّح بأنّ عدد الولاة إثنا عشر وأنّهم من قريش.
وجاء عليّ عليه السلام يفسّر حديث النبيّ ، ويوضّح إبهامه ويقول : إنّ الأئمّة من قريش في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم (22).
إحاطة العترة بالسنّة :
ما ذكرناه آنفاً من أنّ العترة الطاهرة أحاطوا بالسنّة النبويّة ، التي لم تحتفظ بأكثرها الاُمّة ممّا تصرّح به العترة وتقول : إنّ كلّ ما يروون من أحاديث في مجالي العقيدة والشريعة ، كلّها رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله عن طريق آبائهم.
وقد وردت في هذا الصعيد نصوص لا مجال لنقلها برمّتها ، بل نكتفي بالقليل من الكثير :
روى حمّاد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبدالله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أميرالمؤمنين عليه السلام ، وحديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله صلّى الله عليه وآله قول الله عزّ وجلّ (23).
وعن جابر قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إذا حدّثتني بحديث ، فأسنده لي فقال : حدّثني أبي ، عن جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله ، عن جبرئيل عليه السلام ، عن الله عزّ وجلّ ، وكلّ ما اُحدّثك ـ فهو ـ بهذا الإسناد ، وقال : يا جابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها (24).
ومن كتاب حفص بن البختري ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : نسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعةً ، أو من أبيك ، فقال : ما سمعته منّي فاروه عن أبي ، وما سمعته منّي فاروه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله (25).
وعن يونس ، عن عنبسة قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : إن كان كذا وكذا ماكان القول فيها ، فقال له : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لسنا نقول برأينا من شيء .
مراحل تطوّر الفقه عند الإماميّة :
لقد عكف الشيعة بعد لحوق النبيّ صلّى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى على دراسة الفقه ، وجمع مسائله وتبويب أبوابه وضمّ شوارده ، وأقبلوا عليه إقبالاً تامّاً قلّ نظيره لدى الطوائف الإسلاميّة الاُخرى ، حتّى تخرّج من مدرسة أهل البيت وعلى أيدي أئمّة الهدى ، عدّة من الفقهاء العظام لا يستهان بهم ، فبلغوا الذروة في الفقاهة والإجتهاد نظراء : زرارة ابن أعين ، ومحمّد بن مسلم الطائفي ، وأبي بصير الأسدي ، ويزيد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وهؤلاء من أفاضل خرّيجي مدرسة أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله عليهما السلام ، فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ، وانقادت لهم بالفقه والفقاهة.
ويليهم في الفضل والفقاهة ثلّة اُخرى ، وهم أحداث خرّيجي مدرسة أبي عبدالله الصادق عليه السلام نظراء : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، كما أقرّت العصابة على فقاهة ثلّة اُخرى من تلاميذ أصحاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا عليهما السلام نظراء : يونس بن عبدالرحمان ، وصفوان بن يحيى ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبدالله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن عليّ بن فضال ، وفضالة بن أيّوب (26).
هؤلاء أبطال الشيعة في الفقه والحديث في القرنين الأوّل والثاني من الهجرة ، وقد تخرّجوا من مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأخذوا منهم الفقه واُصول الإجتهاد والإستنباط.
نعم لا ينحصر المتخرّجون من مدرستهم في هؤلاء الذين ذكرناهم ، فقد تخرّج من تلك المدرسة جماعة كثيرة تجاوزت المئات بل الآلاف ، وقد ضبطت أسماءهم وخصوصيّاتهم وكتبهم ، الكتب الرجاليّة والفهارس العلميّة.
ومع أنّ كتب الرجال والفقه تنصّ على مكانتهم في الفقاهة ، ومدى استنباطهم الأحكام الشرعيّة ، غير أنّ كتبهم في القرون الثلاثة الاُولى كانت مقصورة على نقل الروايات بأسنادها ، والإفتاء في المسائل بهذا الشكل ، مع تمييز الصحيح عن السقيم ، والمتقن عن الزائف.
وتطلق على كتبهم عناوين : الأصل ، الكتاب ، النوادر الجامع ، المسائل ، أو خصوص باب من أبواب الفقه ، كالطهارة ، والصلاة ، وما شابه ذلك.
هذه الكتب المدوّنة في القرون الثلاثة بمنزلة « المسانيد » عند العامّة ، فكلّ كتاب من هذه الرواة يعدّ مسنداً للراوي ، قد جمع فيه مجموع رواياته عن الإمام أو الأئمّة في كتابه ، وكان الإفتاء بشكل نقل الرواية بعد إعمال النظر ومراعاة ضوابط الفتيا وهكذا مضى القرن الثالث.
وبإطلالة أوائل القرن الرابع طلع لون جديد في الكتابة والفتيا ، وهو الإفتاء بمتون الروايات مع حذف أسنادها ، والكتابة على هذا النمط مع إعمال النظر والدقّة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه ـ في ظاهره ـ عن صورة نقل الرواية ، واتّخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة ، وأوّل من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه هو والد الشيخ الصدوق ، « عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه » المتوفّى عام 329 هـ ، فألّف كتاب « الشرائع » لولده الصدوق ، وقد عكف فيه على نقل متون ونصوص الروايات ، وقد بثّ الصدوق هذا الكتاب في متون كتبه : كالفقيه ، والمقنع والهداية ، كما يظهر ذلك من الرجوع إليها.
ولقد استمرّ التأليف على هذا النمط ، فتبعه ولده الصدوق المتوفّى عام 381 ، فألّف « المقنع والهداية » ، وتبعه شيخ الاُمّة ومفيدها « محمّد بن النعمان » المتوفّى عام 413 في « مقنعته » ، وتلميذه شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى عام 460 في « نهايته ».
ولمّا کانت متون هذه الكتب والمؤلّفات مأخوذة من نفس الروايات والاُصول ، وقعت متونها موضع القبول من قبل الفقهاء فعاملوها معاملة الكتب الحديثيّة ، وعوّلوا عليها عند إعوازهم إلى النصوص على اختلاف مشاربهم وأذواقهم ، وكان سيّدنا الاُستاذ آية الله البروجردي المتوفّى عام « 1380 هـ » يسمّي تلك الكتب بـ « المسائل المتلّقاة » ، وسمّاها بعض الأجلّة بـ : « الفقه المنصوص ».
ومع أنّ هذا النمط من الفقه كان نمطاً جديداً ، وثورةً على الطريقة القديمة السائدة طيلة قرون ، فإنّه لم يكن رافعاً للحاجة وسادّا للفراغ ، لأنّ هناك حاجات وأحداث لم ترد بعينها في متون الروايات وسنن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وإن كان يمكن استنباط أحكامها من العمومات والإطلاقات والاصول الواردة في الكتاب والسنّة ، فعند ذلك يجب أن تكون هناك ثورة جديدة قويّة تسدّ هذا الفراغ ، وتغني المجتمع الإسلامي من الرجوع إلى غير الكتاب والسنّة.
ولذلك قام في أوائل القرن الرابع لفيف من فقهاء الشيعة بإبداع منهج خاصّ في الفقه ، وهو الخروج عن حدود عبائر النصوص والألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ، أو عرض المسائل على القواعد الكليّة الواردة في ذينك المصدرين ، مع التحفظ على الاُصول المرضيّة عند أئمّة الشيعة من نفي القياس والإستحسان ، ونفي الإعتماد على كلّ نظر ورأي ليس له دليل في الكتاب والسنّة.
وهذا اللون من الفقه وإن كان سائداً بين فقهاء العامّة ، لكنّه كان مبنيّاً على اُسس وقواعد زائفة ، كالعمل بالقياس وسائر المصادر الفقهيّة ، غير المرضيّه عند أئمّة الشيعة.
وأوّل من فتح هذا الباب بمصراعيه في وجه الاُمّة ، هو شيخ الشيعة وفقيهها الأجلّ ، الذي يعرّفه شيخ الرجاليّين ، وحجّة التاريخ بقوله : الحسن بن عليّ بن أبي عقيل أبو محمّد الحذّاء ، فقيه متكلّم ثقة ، له كتب في الفقه والكلام منها : كتاب « المتمسّك بحبل آل الرسول » ، كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ما ورد الحاج من خراسان إلّا طلب واشترى منه نسخاً ، وسمعت شيخنا أبا عبدالله « المفيد » رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله (27) وهذا شيخ الطائقة الطوسي يعرّفه ويعرّف كتابه المذكور في فهرسه ، ويقول : وهو من جملة المتكلّمين ، إماميّ المذهب ، ومن كتبه كتاب « المتمسّك بحبل آل الرسول » في الفقه وغيره ، وهو كتاب كبير حسن (28).
ويقول العلّامة : ونحن نقلنا أقواله في كتبنا الفقهيّة ، وهو من جملة المتكلّمين وفضلاء الإماميّة ، ويصف كتابه « المتمسّك بحبل آل الرسول » بأنّه كتاب مشهور عندنا (29) ، وقد نقل آراءه العلّامة في « مختلف الشيعة » في جميع أبواب الفقه ، وهذا يكشف عن أنّ الكتاب المذكور كتب على أساس الإستنباط ، وردّ الفروع إلى الاُصول ، والخروج عن دائرة ألفاظ الحديث ، عملاً بقول الصادق : علينا إلقاه الاُصول إليكم ، وعليكم التفريع (30).
ولعلّه لأجل هذا قال العلّامة بحر العلوم في « فوائده الرجاليّة » : هو أوّل من هذّب الفقه واستعمل النظر ، وفتق البحث في الاُصول والفروع في إبتداء الغيبة الكبرى ، وبعده الشيخ الفاضل « ابن الجنيد » (31) وقال صاحب « روضات الجنّات » أيضاً : إنّ هذا الشيخ هو الذي ينسب إليه إبداع أساس النظر في الأدلّة ، وطريق الجمع بين مدارك الأحكام بالإجتهاد الصحيح ، ولذا يعبّر عنه وعن الشيخ أبي عليّ بن الجنيد في كلمات فقهاء أصحابنا : بالقديمين ، وقد بالغ في الثناء عليه أيضاً صاحب « السرائر » وغيره وتعرّضوا لبيان خلافاته الكثيرة في مصنّفاتهم (32) والتاريخ وإن لم يضبط عام وفاته ، غير أنّه من معاصري الشيخ الكليني المتوفّى عام 328 هـ ، ومن مشايخ جعفر بن محمّد بن قولويه ، المتوفّى عام 386 هـ ، والثاني هو محمّد بن أحمد بن جنيد ، أبو عليّ الكاتب الإسكافي ، الذي قال النجاشي عنه : وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر ، صنّف فأكثر ، ثمّ ذكر فهرس كتبه ومنها : كتاب
« تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة » ، وكتاب : « الأحمدي للفقه المحمّدي » (33) ويصف الشيخ الطوسي كتاب « تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة » : بأنّه كتاب كبير على عشرين مجلّداً ، يشتمل على عدّة من كتب الفقه على طريقة الفقهاء (34) وقوله : على طريقة الفقهاء إشارة إلى أنّه كان كتاباً على نمط الكتب الفقهيّة الإستدلاليّة ، نظير الكتب الفقهيّة للعامّة.
ولأجل ذلك يقول صاحب « روضات الجنّات » : أنّ هذا الشيخ تبع الحسن بن أبي عقيل العماني فأبدع أساس الإجتهاد في أحكام الشريعة.
ويقول : ونقل عن « إيضاح العلّامة » أنّه قال : وجدت بخطّ السيّد السعيد محمّد بن معد ، ما صوّرته : وقع إليّ من هذا الكتاب ـ أيّ كتاب « تهذيب الشيعة » ـ مجلّد واحد ، وقد ذهب من أوّله أوراق ، وهو كتاب النكاح ، فتصفّحته ولمحت مضمونه فلم أر لأحدٍ من هذه الطائفة كتاباً أجود منه ، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ، ولا أدقّ معنىً ، وقد استوفى منه الفروع والاُصول ، وذكر الخلاف في المسائل واستدلّ بطريق الإماميّة وطريق مخالفيهم ، وهذا الكتاب إذا اُمعن النظر فيه وحصّلت معانيه علم قدره ومرتبته ، وحصّل منه شيء كثير ولا يحصّل من غيره.
ثمّ يقول العلّامة : قد وقع إليّ من مصنّفات هذا الشيخ المعظّم الشأن كتاب « الأحمدي في الفقه المحمّدي » ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيّد يدلّ على فضل هذا الرجل وكماله ، وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب « مختلف الشيعة في أحكام الشريعة » (35).
وبذلك يعلم أنّ استعمال القياس في فقهه كان لأجل الإستدلال على طريق المخالفين ، ولعلّه إلى ذلك ينظر الشيخ حيث يقول في « عدته » : لمّا كان العمل بالقياس محظوراً في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلاً ، وإذا شذّ واحد منهم عمل به في بعض المسائل ، على وجه المحاجّة لخصمه ، وإن لم يكن اعتقاده رووا قوله وأنكروا عليه (36).
الثالث : شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي ، المولود عام 385 هـ ، المتوفّى 460 هـ ، فقيه الشيعة وزعيمهم في القرن الخامس بعد السيّد المرتضى الشهير بعلم الهدى ، فقد قام بتأليف كتاب على هذا النمط وأسماه كتاب « المبسوط » ، وألّفه بعد كتابه المسمّى « بالنهاية » الذي كتبه على النمط الأوّل من التأليف ، قال في مقدّمة « المبسوط » : كنت عملت على قديم الوقت كتاب « النهاية » ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم واُصولها من المسائل ، وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه ، و جمعت فيه النظائر ... ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب ، وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها ، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة ، حتّى لا يستوحشوا من ذلك وعملت بآخره مختصر جمل العقود ، وفي العبارات سلكت فيه طريق الإيجاز والإختصار ، وعقود الأبواب في ما يتعلّق بالعبادات ، ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصّة ، يضاف إلى كتاب « النهاية » ، ويجتمع مع ما يكون كاملاً كافياً في جميع ما يحتاج إليه.
ثمّ رأيت أنّ ذلك يكون مبتوراً يصعب فهمه على الناظر فيه ، لأنّ الفرع إنّما يفهمه إذا ضبط الأصل معه ، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصّلوها الفقهاء ، وهي نحو من ثلاثين كتاباً ، أذكر كلّ كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ ، واقتصرت على مجرّد الفقه دون الأدعيه والآداب ، وأعقد فيه الأبواب واُقسّم فيه المسائل ، وأجمع بين النظائر واستوفيه غاية الاستيفاء ، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون (37).
وقد لخّصنا عبارة الشيخ في مقدّمته ، وقد أوضح فيها طريقته الحديثة ، التي اجتمعت فيه مزيّة التفريع والتكثير ، والإجابة على الحاجات الجديدة ، وبيان أحكام الحوادث مع عدم الخروج عن حدود الكتاب والسنّة ، بل الرجوع إليهما في جميع الأبواب.
وقد نال هذا الكتاب القيّم رواجاً خاصاً ، وهو أحد الكتب النفيسة للشيعة الإماميّة في الفقة ، وقد طبع في ثمانية أجزاء.
كما أنّ للشيخ الطوسي كتاباً آخر وهو كتاب « الخلاف » ، سلك فيه مسلك الفقه المقارن.
والحقّ أنّ شيخ الطائفة قد اُوتي موهبة عظيمة وفائقة ، فخدم الفقه الإسلامي بألوان الخدمة ، فتارة كتب كتاب « النهاية » على طريقة « الفقه المنصوص » أو « المسائل المتلقّاة » ، كما كتب « المبسوط » على نهج الفقه التفريعي ، وأثبت أنّ الشيعة مع نفيهم للقياس والإستحسان قادرون على تفريع الفروع ، و تكثير المسائل ، وتبيين أحكامها من الكتاب والسنّة ، مع التحفّظ على اُصولهم بالإجتهاد.
ثمّ ألّف كتاب « الخلاف » على نمط الفقه المقارن ، فأورد فيه آراء الفقهاء في عصره والعصور الماضية، وهو من أحسن الكتب وأنفسها ، كما أنّه ابتدع نوعاً رابعاً في التأليف ، فأخرج اُصول المسائل الفقهيّة بأبرع العبارات وأقصرها ، وأدرجها في فصول وعقود خاصّة ، أسماها « الجمل والعقود » ، وقد أشار إليها في مقدّمته إذ قال : وأنا مجيب إلى ما سأل الشيخ الفاضل أدام الله بقاه من إملاء مختصر ، يشتمل على ذكر كتب العبادات ، وذكر عقوداً وأبواباً وحصر جملها ، وبيان أفعالها ، وأقسامها إلى الأفعال والتروك وما يتنوّع من الوجوب والندب ، وأضبطها بالعدد ، ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند تذكّره ، والطالب عند تدبّره.
فهذه الألوان الأربعة في كتب الشيخ يسدّ كلّ منها ناحية من النواحي الفقهيّة.
للمقال صلة
الهوامش
1. نهج البلاغة قسم الحكم ، الحكمة رقم 252.
2. راجع الغدير ج 1 ص 210 ـ 217 للوقوف على مصادر هذا الأمر.
3. الدرّ المنثور ج 2 ص 257 و 259.
4. الدرّ المنثور للعلّامة جلال الدين السيوطي ـ المتوفّى عام 911 هجـ ـ ج 2 ص 258.
5. الكافي ج 1 ص 48.
6. الكافي ج 1 ص 48 من كتاب فضل العلم.
7 ، 8 ، 9 ، 10. الكافي ج 1 ص 48 ـ 50 ـ من كتاب فضل العلم.
11. صحيح البخاري ج 1 ـ باب كتابة العلم ص 29 ، وأيضاً ج 4 كتاب الجهاد باب جوائز الوفد ص 69 ، وصحيح مسلم ج 5 كتاب الوصيّة ، باب ترك الوصيّة ص 76.
12. الملل والنحل للشهرستاني المقدّمة الرابعة ج 1 ص 23 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 20
13. الملل والنحل ج 1 ص 23
14. الملل والنحل ج 1 ص 24
15. نهج البلاغة قسم الخطب الخطبة رقم 18
16. إشارة إلى قوله سبحانه: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) الفاطر ـ 32
17. بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج 1 ص 2
18. الترمذي ج 3 ص 199 باب مناقب أهل بيت النبيّ.
19. صحيح مسلم ج 7 باب فضائل عليّ بن أبي طالب ص 123
20. صحيح مسلم ج 6 كتاب الإمارة ص 3 ـ 4 باب الناس تبع لقريش
21. البخاري ج 6 ص 65 كتاب الأحكام.
22. نهج البلاغة الخطبة 142
23. جامع أحاديث الشيعة ج 1 ص 127 ـ 128
24. المصدر السابق
25. جامع أحاديث الشيعة ج 1 ص 128 ـ 129، ومن أراد الوقوف على المزيد من ذلك فليراجع المصدر المذكور من ص 126 ـ 219.
26. راجع رجال الكشّي ص 206 و 322 و 466.
27. فهرس النجاشي ص 35
28. الفهرس للشيخ ص 79 ، ضبط الشيخ اسم أبيه « عيسى » ، والنجاشي « عليّ » والثاني أقرب إلى الصواب.
29. الخلاصة ص 40
30. السرائر قسم المستطرفات ص 477 في ما أورده من جامع البزنطي ، صاحب الرضا.
31. الفوائد الرجاليّة ج 2 ص 222
32. روضات الجنّات ج 2 ص 259
33. رجال النجاشي ص 273
34. فهرس الشيخ ص 160
35. روضات الجنّات ج 6 ص 145 ـ 147، نقلاً عن إيضاح العلّامة ، وقد نقله بعض الأجلّة عن خلاصة العلّامة ، وهو ليس بصحيح.
36. عدّة الاُصول ج 1 ص 339 الطبعة الحديثة.
37. المبسوط ج 1 ص 2 ـ 3
مقتبس من مجلّة : [ تراثنا ] / العدد : 2 / الصفحة : 15 ـ 34
التعلیقات