نجاح النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في إعداد أُمّة رسالية
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 11 سنةنجاح النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في إعداد أُمّة رساليّة
إنّه سبحانه بعث نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نذيراً للعالمين وأميناً على التنزيل ، وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار ، منيخون بين حجارة خشن ، وحيّات صمّ ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة.
إنّ الله بعث محمّداً ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعي نبوّة ، فسّاق الناسَ حتّى بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم ، واطمأنت صفاتهم.
إنّه سبحانه أضاء بنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ البلاد بعد الضلالة المظلمة ، والجهالة الغالبة ، والجفوة الجافية.
هذه الكلمات المشرقة هي كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (1) يصف فيها أوضاع العرب قبل البعثة وما أنجزه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بعد البعثة حتّى أنزل الناس منزلتهم السامية وبلغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم ، واطمأنّت صفاتهم ، ومع هذا التغيير الشامل ، كيف يمكن رمي النبي بالإخفاق في دعوته ؟ بل لا شكّ في نجاحه في ميدان الدعوة والتبليغ.
لكن ثمة نكتة نلفت إليها نظر القارئ الكريم ، وهي انّ معنى نجاح دعوته شيء ، وعدالة كلّ من رآه أو سمع منه شيئاً أو صحبه يوماً أو أيّاماً أو سنة أو سنتين شيء آخر ، إذ لا ملازمة بين نجاح الدعوة وعدالة من صحبه ، فالمراد من نجاحه هو تأثيرها في أُمم العالم ، معاصرة كانت أم لاحقة ، ولا ريب في أنّ الدعوة المحمديّة أثرت في أُمم العالم وشعوبها وأصحابه والتابعين لهم بإحسان حتّى المنافقين من أصحابه ، وهم ـ أيّ أصحابه ـ قد أخذوا منه كلٌّ حسب قابليّته واستعداده ; فقد بلغت عدّة من أصحابه إلى القمّة ، كعلي بن أبي طالب ، وسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وخزيمة بن ثابت ، إلى غير ذلك من أصحابه الكرام ; كما بلغت عدّة منهم درجة متوسطة في الإيمان والعمل ، في حين أخلدت عدّة أُخرى إلى الأرض ، وأخفقت في كلا المجالين ، ومَن قرأ تاريخ الصحابة يعلم أنّهم لم يكونوا على مستوى واحد في الإيمان والعمل.
إنّ فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الدرويش ـ حفظه الله ـ من المتحمّسين لعدالة كلّ الصحابة ، فيتصوّر انّ نقد حياة بعض الصحابة بمعنى جرح الكلّ تغافلاً عن أنّ الصحابة كالتابعين ، فكما أنّ جرح بعض التابعين لا يعني جرحهم جميعاً ، فهكذا جرح بعض الصحابة.
والعجب أنّ الشيخ ـ حفظه الله ـ يتمسّك في إثبات ما يتبنّاه بالعواطف دون البرهان ويقول :
أرأيتم لو أنّ رئيساً أو رمزاً لبلد أو لقوميّة من القوميّات ثمّ جاء من أتباعه الذين ينسبون أنفسهم له من يزعم أو يقرّر بأنّ هذا الزعيم أحاط به ناس من الانتهازيين ، لا بل من الخونة وممّن يحارب فكر المعلم. (2)
إنّ فضيلة الشيخ استعان بالخطابة مكان البرهان ، فاتّهم المخالف بأنّه يصف عامّة الصحابة بالانتهازيّة والخيانة ومحاربة فكر المعلِّم ، كلّا ، انّ المخالف إنّما يجرح لفيفاً من الصحابة ولعلّه لا يتجاوز عددهم العشرين شخصاً ، فأين هذه الفئة القليلة من خمسة عشر ألف صحابي سجّل التاريخ أسماءَهم وأثنى على بعضهم وسكت عن الآخرين ؟!
فها نحن نضع أمام الشيخ قائمة بأسماء لفيف من الصحابة الذين شهدت أعمالهم على أوصافهم ، وأفعالهم على نيّاتهم ، وأثنى أصحاب الرجال والتراجم عليهم أو على أقلّ سكت عنهم التاريخ ، ولنكتف بذكر القليل منهم عن الكثير ، وهم :
جندب بن جنادة ـ أبو ذرّ الغفاري ـ ، عمّار بن ياسر ، سلمان الفارسي ، المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي ، حذيفة بن اليمان صاحب سرّ النبي ، خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين ، الخباب بن الأرت التميمي أحد المعذبين في الله ، سعد بن مالك أبو سعيد الخدري ، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري ، قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، أنس بن الحرث بن منبه أحد شهداء كربلاء ، أبو أيّوب الأنصاري خالد بن زيد الذي استضاف النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عند دخوله للمدينة ، جابر بن عبد الله الأنصاري أحد أصحاب بيعة العقبة ، هاشم ابن عتبة بن أبي وقاص المرقال فاتح جلولاء ، مالك بن الحارث الأشتر النخعي ، مالك بن نويرة ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد ، البراء بن عازب الأنصاري ، أُبيّ بن كعب سيد القرّاء ، عبادة بن الصامت الأنصاري ، عبد الله بن مسعود صاحب وضوء النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ومن سادات القرّاء ، أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمير واضع أُسس النحو بأمر الإمام عليّ ، خالد بن سعيد بن أبي عامر بن أُمية بن عبد شمس خامس من أسلم ، أُسيد بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر ، الأسود بن عيسى بن وهب من أهل بدر ، بشير بن مسعود الأنصاري من أهل بدر ومن القتلى بواقعة الحرّة بالمدينة ، ثابت أبو فضالة الأنصاري من أهل بدر ، الحارث بن النعمان بن أُميّة الأنصاري من أهل بدر ، رافع بن خديج الأنصاري ممّن شهد أُحداً ولم يبلغ وأجازه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، كعب بن عمير بن عبادة الأنصاري من أهل بدر ، سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري من أهل بدر ، سهيل بن عمرو الأنصاري من أهل بدر ، عتيك بن التيهان من أهل بدر ، ثابت بن عبيد الأنصاري من أهل بدر ، ثابت بن حطيم بن عدي الأنصاري من أهل بدر ، سهل بن حنيف الأنصاري من أهل بدر ، أبو مسعود عقبة بن عمرو من أهل بدر ، أبو رافع مولى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الذي شهد مشاهده كلّها مع مشاهد عليّ ـ عليه السلام ـ وممّن بايع البيعتين : العقبة والرضوان وهاجر الهجرتين : للحبشة مع جعفر وللمدينة مع المسلمين ، أبو بردة بن دينار الأنصاري من أهل بدر ، أبو عمر الأنصاري من أهل بدر ، أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري من أهل بدر ، عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر ، قرظة بن كعب الأنصاري ، بشير بن عبد المنذر الأنصاري أحد النقباء ببيعة العقبة ، يزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري ممّن شهد له النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بالجنّة ، ثابت بن عبد الله الأنصاري ، جبلة بن ثعلبة الأنصاري ، جبلة بن عمير بن أوس الأنصاري ، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، زيد بن أرقم الأنصاري شهد مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بضعة عشر وقعة ، أعين بن ضبيعة بن ناجية التميمي ، يزيد الأسلمي من أهل بيعة الرضوان ، تميم بن خزام ، جندب بن زهير الأزدي ، جعدة بن هبيرة المخزومي ، جارية بن قدامة التميمي السعدي ، جبير بن الحباب الأنصاري ، حبيب بن مظاهر الأسدي ، حكيم بن جبلة العبدي ، خالد بن أبي دجانة الأنصاري ، خالد بن الوليد الأنصاري ، زيد بن صوحان العبدي ، الحجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري ، زيد بن شرحبيل الأنصاري ، زيد بن جبلة التميمي ، بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبو عثمان الأنصاري ، مسعود بن مالك الأسدي ، ثعلبة أبو عمرة الأنصاري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ، عبد الله بن حزام الأنصاري شهيد أُحد ، سعد بن منصور الثقفي ، سعد بن الحارث ابن الصمد الأنصاري ، الحارث بن عمر الأنصاري ، سليمان بن صرد الخزاعي ، شرحبيل بن مرّة الهمداني ، شبيب بن رت النميري ، سهل بن عمر صاحب المربد ، سهيل بن عمر أخو سهل المار ذكره ، عبد الرحمن الخزاعي ، عبد الله بن خراش ، عبد الله بن سهيل الأنصاري ، عبيد الله بن العازر ، عدي بن حاتم الطائي ، عروة بن مالك الأسلمي ، عقبة بن عامر السلمي ، عمر بن هلال الأنصاري ، عمر بن أنس بن عون الأنصاري من أهل بدر ، هند بن أبي هالة الأسدي ، وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة ، هاني بن عروة المذحجي ، هبيرة بن النعمان الجعفي ، يزيد بن قيس بن عبد الله ، يزيد بن حوثرة الأنصاري ، يعلى بن عمير النهدي ، أنس بن مدرك الخثعمي ، عمرو العبدي الليثي ، عميرة الليثي ، عليم بن سلمة الفهمي ، عمير بن حارث السلمي ، علباء بن الهيثم بن جرير وأبوه الهيثم من قواد الحملة في قتال الفرس بواقعة ذي قار ، عون بن عبد الله الأزدي ، علاء بن عمر الأنصاري ، نهشل بن ضمرة الحنظلي ، المهاجر بن خالد المخزومي ، مخنف بن سليم الأزدي ، محمّد بن عمير التميمي ، حازم بن أبي حازم البجلي ، عبيد بن التيهان الأنصاري وهو أوّل المبايعين للنبي ليلة العقبة ، أبو فضالة الأنصاري ، أويس القرني الأنصاري ، زياد بن النضر الحارثي ، عوض بن علاط السلمي ، معاذ بن عفراء الأنصاري ، علاء بن عروة الأزدي ، الحارث بن حسان الذهلي صاحب راية بكر بن وائل ، بجير بن دلجة ، يزيد بن حجية التميمي ، عامر بن قيس الطائي ، رافع الغطفاني الأشجعي ، وأبان بن سعيد بن العاص بن أُمية بن عبد شمس من أُمراء السرايا أيّام النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ومن خلّص أصحاب الإمام علي ـ عليه السلام ـ وأمثالهم من الصحابة الكرام.
فهؤلاء هم طليعة الصحابة وسنام العرب من المهاجرين والأنصار ، قد استضاءوا بنور النبوّة والوحي واستقامت أُمورهم وكانوا على الصراط المستقيم في حياتهم ، وكم لهم من نظائر في صحابة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أعرضنا عن ذكرهم مخافة الإطناب.
وأخيراً نوصي الشيخ ـ حفظه الله ـ أن يستند على البرهان في إثبات دعواه ويعرض عن الخطابة ويتركها لأهلها ومحلها ، وقد قال سبحانه : ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ).
هذا ولعلّ هذه المقدّمات تسلّط الأضواء على جوانب البحث والحوار مع فضيلة الشيخ في كتابه « صحبة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ » و أسأل الله سبحانه أن يهدينا إلى الحقّ المهيع وأن يعصم أفكارنا وأقلامنا عن الخطأ والزلل ، إنّه بذلك قدير وبالإجابة جدير.
الهوامش
1. راجع نهج البلاغة : 2 / 37 ، طبعة عبده ; شرح نهج البلاغة : 2 / 19.
2. صحبة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : 9.
مقتبس من كتاب : [ رسائل والمقالات ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 605 ـ 610
التعلیقات