مناقشة عقائديّة في مقالات ونشرات إبراهيم الجبهان من الحجاز
السيد بدر الدين الكاظمي
منذ 12 سنةالسيد بدر الدين الكاظمي إلى إبراهيم الجبهان
مناقشة عقائديّة في مقالات ونشراته
الطبعة الأولى
1397 ه ـ 1977 م
الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الملكة العربيّة السعوديّة
الرياض : ص . ب : 2681
إلى إبراهيم الجبهان
لقد اطلعنا على مقالاتك التي تنشرها بين آونة واُخرى والتي شجعك على نشرها بين الاُمة ـ أعداء الإسلام ـ من صهيونيّة وصليبيّة حاقدة لتوسع عليها جراحها وتفكّك عرى إخائها لا يهمّك شيء من فتق رتقها وتصديع كيانها وتفريق جماعتها وجرّ الويلات عليها من هنا وهناك كأنّك لم تقف على ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من أصبح لا يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم » على ما أخرجه الجلال السيوطي في جامعة الصغير المطبوع سنة 1357 هجريّة في ص 67 من جزئه السادس في حرف الميم عن ابن مسعود صحيحاً. فكان أسفنا شديداً جدّاً حينما وجدناها خالية عن كلّ دليل علمي وبرهان منطقي ومشحونة بسباب الشيعة وشتمهم ونسبة البهتان والإفك إليهم ومع ذلك تطلب منهم أن يجيبوك على شتمك لهم دون أن تهتدي إلى أن شيعة آل محمّد صلّى الله عليه وآله قد أثبتوا للملأ في شتى أدوارهم بمختلف أجيالهم أنّهم أعلا كعباً وأجلّ قدراً وأدقّ نظراً وأبعد غوراً وأشدّ إيماناً من أن يسفوا إلى المهاترة أو ينزلوا إلى حمأة التسافل ويخرجوا عن الأدب فيسقطوا من حسابهم أبسط قواعد الإسلام الذي حرم شتم المسلم وسبابه وجعله فسوقاً فقال صلى الله عليه وآله : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » على ما أخرجه شيخ الحديث البخاري في صحيحه ص 12 من جزئه الأوّل في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر من كتاب الإيمان من الطبعة الأولى التي كانت سنة 1332 هجريّة ، وقال صلّى الله عليه وآله : « المسلم من سلم الناس من لسانه ويده » على ما سجله المحدّث الناوي في شرحه للجامع الصغير للحافظ السيوطي ص 387 من الجزء الخامس من طبعة سنة 1356 هجريّة بمصر. وقد كان العزم على ألّا نتعرض لمقالاتك بالردّ ولا نحرك القلم لمناقشتها ونمرّ عليها مرّ الكرام ونقول كما قال الشاعر العربي :
ولقد أمر عليّ اللئيم يسبّني * فأعف ثمّ أقول لا يعنيني
ولكن خشية أن تنطلي على من لا يعرف الحقيقة ويصغي إليها بعض الجاهلين المغفلين من رجرجة الناس وغثائهم رأينا أن نلقي الكلمة الفاصلة التي تسقط عندها مقالاتك صرعي تقول في مقالاتك المملوءة بالشتائم أنّك تنصح الشيعة بالكفّ عن مهاجمة السلف والطعن فيهم ونحن نقول كان اللازم عليك وأنت تحاول أن تنصح الشيعة ألّا تكيل لهم الشتائم وتنسب الضلال والباطل إليهم ، فهل يا ترى أنّ شرط الناصح لغيره أن يسبّهم ويلعنهم أو ينسب الأباطيل والأضاليل إليهم ويطعنهم في صميم كرامتهم ثمّ كان لزاماً عليك أن تذكر لهم من هم السلف الذين تزعم أنّ الشيعة يطعنون فيهم ، ولماذا يا ترى يهاجمونهم وما الذي فعلوه معهم حتّى يقدحوا فيهم فهل سلبوا منهم مالاً أو هتكوا منهم عرضاً أو قتلوا منهم نفساً بغير حقّ حتّى ينالوا منهم ويطعنوا فيهم أو هناك شيء آخر دعاهم إلى ثلبهم ، ومن حيث أنّك أهملت ذلك كلّه في مقالاتك ولم تأت على ذكره واكتفيت بشتمهم ليعلم الناس مبلغ بغضك لهم وحقدك عليهم من غير مبرّر سوى التعصّب البغيض الذي ترزح تحت جوره وتئن من ثقل قيوده فطفقت تحفر والتراب يقع على رأسك لم نجد بدا من التعريج على بيانه مقروناً بدليله وبرهانه ليعرف الواعون من الاُمّة. المحقّ من المبطل والضالّ من المهتدي والكاذب من الصادق لعلّ ذلك يردعك مهاجمة الشيعة فتكفّ ـ ولا أحسبك تفعل ـ عن كيل السباب لهم فبالله نستعين وعليه نتّكل.
أجل يا ابن جبهان الشيعة لا يطعنون إلّا في المتمرّدين على النفاق الذين جاء على ذكرهم القرآن فطعن فيهم بقوله تعالى في سورة التوبة آية 101 : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ) ، ويطعنون فيمن قصّ الله خبرهم بأنّهم يحلفون بالله وهم كاذبون فطعن فيهم بقوله تعالى في سورة التوبة آية 56 : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ).
ويطعنون في الذين جادلوا النبي صلّى الله عليه وآله وكرهوا الجهاد معه ورغبوا في الدنيا وزهدوا في الآخرة على ما ذكرهم القرآن بقوله تعالى في سورة الأنفال آية 5 و 6 و 7 و 8 : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ).
ويطعنون في الذين تثاقلوا عن أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله واحتجّوا عليه ودافعوه حينما أمرهم بالخروج معه إلى غزوة بدر على ما حكاه الله عنهم في سورة النساء آية 77 بقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) وقال تعالى فيهم في سورة التوبة آية 38 وما بعدها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ).
ويطعنون فيمن ولوا الأدبار وأسلموا النبي صلّى الله عليه وآله إلى الكفّار عند الزحف في الجهاد فباؤوا بغضب من الله على ما أخبر عنهم كتاب الله بقوله تعالى في سورة التوبة آية 25 : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) ، وقال تعالى فيهم في سورة الأنفال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).
ويطعنون في الذين تركوا رسول الله صلّى الله عليه وآله قائماً على المنبر وانصرفوا إلى اللهو واللعب رغبة وزهداً في استماع مواعظه صلّى الله عليه وآله وما يتلوه عليهم من آيات الذكر الحكيم فقال تعالى فيهم في سورة الجمعة آية 11 : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ) على ما أخرجه السيوطي في ص 220 و 221 من تفسيره الدرّ المنثور من جزئه السادس كغيره من مفسّري أهل السنّة في تفاسيرهم.
ويطعنون في الكاذبين الذين قال الله تعالى فيهم في خطابه لنبيّه صلّى الله عليه وآله في سورة التوبة آية 43 : ( عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ).
ويطعنون في الذين طعنوا في عفاف أمّ المؤمنين عائشة لما تأخّرت وصفوان ابن المعطا في غزوة بني المصطلق فأسرعوا إلى رميها كما نطق بذلك القرآن في سورة التوبة آية 11.
ويطعنون في الذين نكثوا عهود النبي صلّى الله عليه وآله وولّوا الأدبار في الجهاد على ما قصّ خبرهم القرآن بقوله تعالى في سورة الأحزاب آية 15 : ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا ).
ويطعنون في الذين انقلبوا على أعقابهم بعد موت النبي صلّى الله عليه وآله فقال تعالى فيهم في سورة آل عمران آية 144 : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ).
ويطعنون في أولئك الناس عصم الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وآله منهم حينما عزم عليه بالتبليغ فقال مخاطباً إيّاه صلّى الله عليه وآله في سورة المائدة آية 67 : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
ويطعنون في الذين طلبوا من النبي صلّى الله عليه وآله شجرة يعبدونها من دون الله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « الله أكبر قلتم كما قال موسى عليه السلام ( اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) » على ما حكاه السيوطي في الدرّ المنثور ص 114 من جزئه الثالث في تفسير هذه الآية من سورة الأعراف آية 138 كغيره من أئمّة التفسير عند أهل السنّة.
ويطعنون فيمن أرادوا عرض الدنيا ولم يريدوا الآخرة على ما قصّ خبرهم القرآن بقوله تعالى في سورة الأنفال آية 67 : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
فإن كنت تطلب من الشيعة أن يكفّوا عن الطعن في هؤلاء من السلف الذين ترى بباصرة عينك قد طعن القرآن فيهم فطلب هذا مستحيل الوقوع لأنّك تريد منهم أن يكفّوا عن قراءة كتاب الله وعن تلاوة آياته ويكونوا حرب الله ، فيتركوا الطعن فيمن طعن الله فيهم وحكم بنفاقهم وكذبهم وانقلابهم على أعقابهم وهيهات ذلك.
وإن كنت تريد غير هؤلاء من السلف الصالح الذين نصروا رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم ينقلبوا على الأعقاب ولم يتمرّدوا على النفاق ولم يجادلوه ولم يخالفوا له أمراً ولم يرتكبوا له نهياً ولم يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضى به وسلموا له تسليماً ولم يحيدوا عن سنّته نقيراً ولم يبدّلوا تبديلاً ، فإنّ الشيعة قديماً وحديثاً يحترمونهم ويتأدّبون معهم ويكبّرون ذواتهم ويظمّونهم حتّى كاد أن يكون ذلك من ضروريّات مذهبهم الإسلامي.
وإذا تعدّينا القرآن إلى السنّة القطعيّة لرأيت باُمّ عينك إن لم تكن عليها غشاوة التعصّب المقيت أنّ الشيعة لا يطعنون في الذين حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله بارتدادهم القهقرى منذ فارقهم والتحق بالرفيق الأعلى.
فهذا البخاري يحدّثنا في صحيحه في أواخر ص 85 في باب وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ، من جزئه الثالث عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « يجاء برحال يوم القيامة فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا ربّ أصحابي فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ».
ويطعنون في الذين أخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله عنهم بأنّهم يدخلون النار ولا يخلص منهم إلّا قليل على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص 94 من جزئه الرابع ، في باب الحوض ، كغيره من أهل الصحاح عند أهل السنّة بإسناده عن أبي هريرة ـ العدل الثقة عندك ـ عن النبي أنّه قال : « بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال : هلم قلت أين ، فقال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم ، قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، قلت : أين ، قال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم ، قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » ، وهمل النعم ضوالّ الإبل أيّ أن الناجي منهم من النار قليل في النعم الضالّة.
ويطعنون فيمن قال النبي صلّى الله عليه وآله فيهم : « فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي » على ما حكاه البخاري في صحيحه في باب الصراط جسر جهنم ص 94 من جزئه الرابع عن سهل بن سعد قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يحال بيني وبينهم فأقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي ».
ويطعنون فيمن أحدثوا بعد النبي صلّى الله عليه وآله المحدثات « وشرّ الأمور محدثاتها » ولم يراعوا فيه إلّا ولا ذمّة على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص 30 في باب غزوة الحديبيّة من جزئه الثالث عن العلاء بن المسيّب قال : « لقيت البراء بن عازب فقلت : له طوبى لك صحبت النبي صلّى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة فقال : يا ابن أخي لا تدري ما أحدثنا بعده ». وأخرج أيضاً في ص 94 من صحيحه من جزئه الرابع في باب الصراط جسر جهنّم عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيجلون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ».
ويطعنون في البطانة التي تأمر النبي صلّى الله عليه وآله بالشرّ وتحضه عليه على ما حكاه البخاري في صحيحه ص 150 في باب بطانة الإمام وأهل مشورته ، من جزئه الرابع عن أبي سعيد وأبي أيّوب وأبي هريرة بأسانيدهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشرّ وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله ».
ويطعنون في الذين اتّبعوا سنن من كان قبلهم وهم اليهود والنصارى حتّى لو دخلوا جحر ضب لتبعوهم ، على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص 174 من جزئه الرابع في باب لتتبعنّ سنن من كان قبلكم ، عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه خاطب الذين كانوا معه فقال لهم : « لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتّى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اليهود والنصارى ، قال : فمن ».
ويطعنون فيمن طعنوا في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ونسبوا إليه الهذيان والهذر عندما قال صلّى الله عليه وآله لهم : « آتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فقالوا فيه : هجر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ » ، على ما سجّل ذلك عليهم البخاري في صحيحه ص 118 في باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ، من كتاب الجهاد والسير ، والمسلمون كلّهم يعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) على ما وصفه القرآن به في سورة النجم آية 3 و 4 ، وهم وصفوه بضدّه ليسقطوا بذلك منزلته وقدره صلّى الله عليه وآله.
ويطعنون في الذين خالفوا النبي صلّى الله عليه وآله وعصوا أمره عندما أمرهم يوم تبوك بنحر إبلهم وأكل لحومها إذا أملقوا في تلك الغزوة ، على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص 111 في باب حمل الزاد في الغزو ، من كتاب الجهاد والسير من جزئه الثاني.
ويطعنون في الذين أنكروا على رسول الله صلّى الله عليه وآله صلح الحديبيّة وتكلّموا بعبارات مزعجة على ما حكاه البخاري في صحيحه في آخر كتاب الشروط ص 81 من جزئه الثاني في باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتاب الشروط.
ويطعنون في الذين تجرّؤا على النبي صلّى الله عليه وآله وأنكر وا عليه صلاته على ابن أبي المنافق حتّى جذبوه من ردائه وهو واقف للصلاة عليه ما أخرجه البخاري في أوّل ص 18 من صحيحه من جزئه الرابع في الصفحة الثانية من كتاب اللباس.
ويطعنون في المنكرين على النبي صلّى الله عليه وآله أمره أبا هريرة أن يبشّر بالجنّة كلّ من لقيه من أهل التوحيد حتّى ضربوه وهو رسول النبي صلّى الله عليه وآله في تلك الواقعة ضربة خرّ بها إلى الأرض ردعاً له عمّا أمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، على ما أخرجه مسلم في صحيحه ص 45 في أوائل جزئه الأوّل في باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكّ فيه دخل الجنّة من الطبة التي كانت سنة 1319 هجريّة.
ويطعنون في الذين عصوا أمر النبي صلّى الله عليه وآله بقتل رجل وأخبرهم بأنّه لو قتل ما اختلف بعده اثنان فلم يقتلوه ، على ما أخرجه إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل في مسنده ص 15 من جزئه الثالث من حديث أبي سعيد الخدري.
ويطعنون فيمن طعن في قسمة النبي صلّى الله عليه وآله عندما آثر اُناساً بالقسمة في حنين تأليفاً لقلوبهم فقالوا فيه : « إن هذه القسمة ما أراد بها وجه الله » ، على ما حكاه البخاري في صحيحه ص 48 في باب غزوة الطائف من جزئه الثالث.
ويطعنون في المتخلّفين عن جيش اُسامة وقد أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله بتنفيذه فقال صلّى الله عليه وآله لهم : « جهّزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه » ، على ما سجّله جماعة من علماء أهل السنّة وأرسلوه إرسال المسلمات ، فمنهم محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني في المقدّمة الرابعة من المقدّمات التي ذكرها في أوائل كتابه الملل والنحل وحكاه عن الجوهري ابن أبي الحديد الحنفي في آخر ص 20 من المجلّد الثاني من شرح نهج البلاغة المطبوع بمصر.
ويطعنون في الذين حكموا بالرأي والهوى وأفتوا بغير ما أنزل الله ولم يستندوا في حكمهم ولا في إفتائهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله على ما حكاه ذلك عنهم ابن حجر الهيتمي في صواعقه ص 16 من الطبعة الأخيرة التي كانت سنة 1375 هجريّة .
ويطعنون في الذين استلوا من النبي صلّى الله عليه وآله ما حرّم الله فزعموا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وزوجته أم المؤمنين عائشة يحبّان الغناء ومرامير الشطان ، على ما أخرجه البخاري في صحيحه في باب الحراب والدروق يوم العيد من جزئه الأوّل ص 116 وفي باب الدعاء في العيد ص 116 من الجزء نفسه ، وقد تواتر عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « الغناء ينب النفاق في القلب كما ينب الماء البقل ». وقال صلّى الله عليه وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلّا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتّى يمسك » على ما حكاه السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ص 159 من جزئه الخامس في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ). وحكى أيضا في أواخر ص 159 منه عن إمامك يزيد بن الوليد الناقص الأموي أنّه قال : « يا بني اُميّة إيّاكم والغناء فإنّه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وأنّه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل المسكر ، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنى ».
ويطعنون في الذين طعنوا في رسول الله صلّى الله عليه وآله فنسبوا إليه قلّة الحياء والأدب فقالوا إنّه صلّى الله عليه وآله بال قائماً عند سباطة قوم ، على ما سجّله البخاري في صحيحه ص 48 من جزئه الثاني في باب الوقوف.
والبول عند سباطة قوم عن حذيفة مع أنّه أخرج في صحيحه ص 35 من جزئه الأوّل في باب من الكبائر ألا يتستر من بوله عن النبي صلّى الله عليه وآله : « أنّه مرّ بحائط من حيطان المدينة فسمع إنسانين يعذّبان في قبورهما فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كان أحدهما لا يستتر من بوله ».
ويطعنون في الذين خرجوا عن طاعة إمام زمانهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعشرات الألوف من الأشبار فقاتلوه واستحلّوا قتله وقتلوا الأبرار من أصحابه في يوم الجمل وصفين ونهروان ، وقد تواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة جاهليّة » على ما أخرجه البخاري في صحيحه ص 146 من جزئه الرابع في باب سترون بعدي أموراً تنكرونها جماعة المسلمين عند ظهور الفتن عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة » ، وقال صلّى الله عليه وآله « ليس لأحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلّا مات ميتة جاهليّة » ، وقال صلّى الله عليه وآله : « من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ثمّ مات ، مات ميتة جاهليّة » ، ولم يكن السلطان الشرعي يومئذ سواه عليه السلام بإجماع المسلمين من الشيعة وأهل السنّة ، ولا يمكنك تقييد حديث النبي صلّى الله عليه وآله بشيء من قبيل ما إذا لم يكن خروجهم لشبهة ، أولم يكونوا مجتهدين فيه أو أنّهم تابوا بعد خروجهم عليه وذلك لأنّ حديثه صلّى الله عليه وآله مطلق غير مقيّد بشيء ، وهذا المطلق هو الذي أوحي الله تعالى به إليه ولا شيء من ذلك التقييد فيه إطلاقاً ، اللهم إلّا أن تقول : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا أقول » ، فرسول الله صلّى الله عليه وآله « يقول من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة جاهليّة » وأنت تقول : « من خرج عن السلطان بألوف الأشبار من غير شبهة ولا اجتهاد ولا توبة مات ميتة جاهليّة » ، فهل يا ترى أوحى الله إليك بهذه الزيادات لتخصّص به قول النبي صلّى الله عليه وآله أو أنّك تقول هذا تعصّباً للخارجين عليه ، وأيّاً قلت فهو ضلال مبين.
ويطعنون في الذين لم يتأدّبوا مع النبي صلّى الله عليه وآله ولم يقدروه حقّ قدره ورفعوا أصواتهم فوق صوته وتشاتموا أمامه صلّى الله عليه وآله وتضاربوا بالنعال بحضرته صلّى الله عليه وآله ، على ما سجّل ذلك عليهم البخاري في صحيحه في أوّل كتاب الصلح ص 74 من جزئه الثاني ، ومسلم في صحيحه في آخر باب دعاء النبي صلّى الله عليه وآله إلى الله من كتاب الجهاد ص 110 من جزئه الثاني ، والقرآن يقول محذّراً ناهياً أشدّ النهي وأبلغه في سورة الحجرات آية 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) ، اللهم إلّا أن تلبسهم درع الاجتهاد الحصين عندك وتقول : أنّهم مجتهدون فأدّى اجتهادهم إلى مخالفة الله ورسوله صلّى الله عليه وآله في شتم بعضهم بعضاً وضرب بعضهم بعضاً بالنعال بحضرة النبي صلّى الله عليه وآله ، وحينئذ نقول لك : إذا كان مثل هذا الإجتهاد جائزاً في مذهبك ويكون عذراً مقبولاً في مخالفة النصّ فلماذا يا ترى لا يجوز للشيعة أن يجتهدوا في طعن من طعنوا فيهم من أسلافك ويكون مقبولاً ولو كان مخالفاً للنصّ على حذر زعمك ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ، بل لنا أن نترقّى ونقول : أنّ اجتهاد الشيعة في طعن من طعنوا فيهم هو الصحيح دون اجتهاد أولئك لو صحّ لهم أن يجتهدوا في مخالفة النصّ وبمحضر النبي صلّى الله عليه وآله ، وذلك لأنّ اجتهاد الشيعة كان موافقاً للنصّ من الله ورسوله صلّى الله عليه وآله في الطعن فيهم كما مرّ عليك بيانه مشفوعاً ببرهانه.
ويطعنون في الذين طعنوا في جلال الله وقدسه فقالوا فيه تارة أنّ النار لا تمتلئ حتّى يضع الربّ تبارك وتعالى قدمه فيها فتقول قطّ قطّ. وأخرى أنّ الجنّة لا يدخلها إلّا سقط الناس وليس الداخل إليها إلّا الأنبياء والمرسلون والصدّيقون والشهداء والصالحون. وطوراً يقولون أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته طوله ستّون ذراعاً ، وأخرى يقولون تبقى هذه الاُمّة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربّكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا فإذا أتانا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربّكم ، فيقولون : أنت ربّنا. ومرّة يقولون أنّه تعالى يضحك فإذا ضحك أذن لهم بدخول الجنّة ، على ما سجل ذلك كلّه البخاري في صحيحه في باب قوله تعالى وتقول هل من مزيد ص 127 من جزئه الثالث ، وفي باب يوم يكشف عن ساق ص 138 من جزئه الثالث ، وفي باب الصراط جسر جهنم ص 92 من جزئه الرابع.
وجملة القول نقول لك أنّ الشيعة يطعنون في كلّ من طعن في جلال الله تعالى وسموّ نبيّه صلّى الله عليه وآله ونسب إليهما ما ترتعد من هوله فرائض أهل الدين وتتمزّق من بائقته قلوب المؤمنين ويقدحون في كلّ من خالف الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وعصى أمرهما وحكم بغير حكمها فحرّموا حلاله وحلّلوا حرامه وغيّروا أحكامه بعد أن أكمل الله لهم دينه على عهد نبيّه صلّى الله عليه وآله ولم يترك شيئاً من أمره إلّا جاء على بيانه.
فإذا كنت تريد من السلف هؤلاء الذين ذكرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله فطعن فيهم وأشهر بهم وحكم بارتدادهم القهقرى مذ التحاقه بالرفيق الأعلى وتناشد الشيعة أن يكفّوا عن الطعن فيهم وعن تجرّيهم وإلّا استحقّوا منك الشتائم والسباب إلى أن يصير في فيك التراب ، فحصولك على السراب أهون عليك من أن يستجيبوا لك هذا ، وقد فاتك قول الله تعالى في سورة النساء آية 145 : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ).
فبالله عليك إن كنت مسلماً هل ترى أنّ من الدين أن تكفّ الشيعة عن الطعن في هؤلاء الذين طعن فيهم كتاب الله وأبعدهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أو هل ترى من الدين الذي أنزله الله أن يتركوا تلاوة كتاب الله وقراءة سنّة رسوله صلّى الله عليه وآله لأنّهما جاءا على مهاجمة مثل هذا السلف والقدح فيهم والنيل منهم ،فإن كنت تريد هذا منهم فكان لزاماً عليك أن تطلب من الله ورسوله صلّى الله عليه وآله أن يكفّا عن مهاجمتهم والطعن فيهم قبل أن تطلب ذلك من الشيعة ، وكان عليك أن تكيل لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله السباب والشتائم في منشوراتك على طعنهما في مثل هذا السلف قبل أن تكيل ذلك لهم ، ليرى الناس أنّك تنشد وجه الحقّ في سبّ الله وشتم رسوله صلّى الله عليه وآله لأنّهما شتما هذا السلف وحكما عليهما بدخول النار ، فليس على الشيعة من ذنب إذا عملوا بكتاب ربّهم وتمسّكوا بسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وآله في طعن من طعنا فيه ، فإنّ للشيعة برسول الله صلّى الله عليه وآله الاُسوة الحسنة كما جاء التنصيص عليه في القرآن في سورة الأحزاب آية 41 بقوله تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ).
أرأيت كيف أن جهلك قد أفقدك رشدك وإحساسك فجرك إلى أن تكفر بالله العظيم وبرسوله الكريم صلّى الله عليه وآله ، فتترك التأسّي به صلّى الله عليه وآله في الطعن فيمن طعنا فيه وتسبّ الشيعة وتشتمهم لأنّهم تأسّوا به صلّى الله عليه وآله وعملوا بسنّته ، وقديماً قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صحيح الحديث : « ستّة لعنتهم لعنهم الله وكلّ نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذّب بقدر الله ، والمتسلّط بالجبروت فيعزّ بذلك من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله ، والمستحلّ لحرم الله ، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله ، والتارك لسنّتي » على ما أخرجه السيوطي صحيحاً في جامعه الصغير في حرف السين ص 95 من جزئه الرابع من طبعة سنة 1356 هجريّة.
فأنت تريد أيّها المجال بالباطل لتدحض به الحقّ أن تحافظ على من أسقط القرآن كرامتهم ، وجاهر رسول الله صلّى الله عليه وآله بطردهم وتبعيدهم وطعن فيهم وحكم بضلالهم ، ولو أدّى ذلك إلى كفرك بالله وبرسوله صلّى الله عليه وآله وخروجك عن دينه صلّى الله عليه وآله ما دمت محافظاً على سمعة هذا السلف ، وتريد من الشيعة محالاً أن سلكوا سبيلك ويقتدوا بك ويعكفوا على آلهتك التي ظلت عليها عاكفاً والتي نسفها الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وشيعته صلّى الله عليه وآله نسفاً ، وهيهات ذلك وأنّى لك التناوش من مكان بعيد ، فإنّ الشيعة يا هذا لا يخالفون كتاب الله ولا يتركون سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله فيهاجمون من هاجماه ويجرحون من جرحاه ويقدحون فيمن قدحا فيه ، وإن سرك يا بن جبهان أن يحبّ في أثرك قوم لا يبصرون ، فإن من يعتنق غير الإسلام ديناً ليسوا بقليل.
ومن ذلك كلّه يتّضح أنّك تريد أن تنصح الشيعة بترك القرآن كما تركته أنت وتريد منهم أن يخالفوا رسول الله صلّى الله عليه وآله كما خالفته حفاظاً على من لا قيمة لهم من الكذّابين والمنقلبين على الأعقاب والمتمرّدين على النفاق والمرتدّين على أدبارهم القهقرى كما جاء التنصيص عليهم في القرآن والسنّة ممّن تسمّيهم أنت بالسلف ، وهل هناك مروق عن الدين والخروج عن الإسلام أوضح من هذا الذي تقوله ، فأنت تقول ما لا تفهم ولا تفهم ما تقول وتركب رأسك من حيث لا تدري فتشتمّ الشيعة ظالماً وتسبّهم آثماً وتزعم باطلاً ، أنّك قمت بردّهم وتفنيد أقوالهم وأنت لم تأت في مقالاتك على غير شتمهم والنيل من كرامتهم والحطّ من قدرهم تبعاً للهوى والشهوة المتأصلة في نفسك المريضة.
ثمّ قل لي بربّك من هم أولئك الذين جعلوك وكيلاً عنهم من السلف في أن تدفع عنهم هجوم الشيعة عليهم ، ومتى وكّلوك وأين وكّلوك وأنت لم تشاهدهم بعينك ولم تصحبهم في حلك وتر حالك ، وإذا كانت لديك وكالة عنهم فمن هم شهودها شريطة ألّا تكون الشهادة من قبيل استشهاد الثعلب بذنبه لكي يكون ذلك على الأقلّ تبريراً لك عمّا تقوم به من شتم الشيعة وسبابهم.
أمّا إذا كنت تريد منهم أن يخضعوا لما قامت عليه السقيفة ، ولا أظنّك تريد منهم غيره أعني « ما حدث في سقيفة بني ساعدة » ، تلك السقيفة التي سارع إليها نفر من الناس لعقد الخلافة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله ، والنبي صلّى الله عليه وآله لا زال جنازة بين أهله لم يجهّز بعد ولم يدفن ، فإنّهم يقولون لك نحن لا نتعدّى كتاب الله قيد أنمله ، فلو كان القرآن يسمح لنا بإتّباع أهل السقيفة لسارعنا إلى قبول ما قاموا به هناك ، إذ ليس لنا مع الحقّ عداوة ، وإنّما نقول إنّ القرآن يمنع من ذلك منعاً باتاً ويحرمه حرمة قطعيّة أبديّة في كثير من آياته ، فماذا تراهم يصنعون ،أيخالفون كتاب الله ويتبعون أهل السقيفة كما صنعت ذلك أنت ، كلّا ثمّ كلّا.
أنّ امرءاً يختار غير ما يريد الله في كتابه لهو في خسران مبين ، وإليك شذرة من تلك الآيات لتعلم ثمة عدم إمكان رجوعهم إلى ما تريد.
1 : قوله تعالى في سورة الحشر آية 7 : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، فالله تعالى لم يقل وما آتاكم به أهل السقيفة فخذوه وما نهوكم عنه فانتهوا لكي تجب طاعتهم كما تجب طاعة رسوله صلّى الله عليه وآله ، وما كان أهل السقيفة ولا غيرهم من الناس شركاء الله في الأمر والنهي حتّى تجب طاعتهم كما تجب طاعة الله ، فالشيعة كما ترى لا يطيعون إلّا الله ولا يرون إلها يعبد سواه ، ولم يكن دين الله ناقصاً ليكمله هؤلاء ، وقد أكمله الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وآله في حياته بقوله تعالى في سورة المائدة آية 3 : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ).
2 : قوله تعالى في سورة الأعراف آية 3 : ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) ، وما فعله أهل السقيفة ليس ممّا أنزله الله تعالى قطعاً وإلّا لزمك أن تقول أنّهم أنبياء أوحى الله إليهم ذلك بعد رسوله صلّى الله عليه وآله وكمال ما أنزله تعالى عليه صلّى الله عليه وآله ، وبطلانه واضح بالضرورة من الدين والعقل ، وعلى هذا الأساس فإنّا نقول لك أنّ اتّباع ما فعلوه اتّباع غير ما أنزل الله إلينا ، وكلّ من اتّبع غير ما أنزل الله إلينا فقد اتّبع من دونه أولياء ، وكل من اتّبع من دون الله أولياء فليس من الإسلام في شيء ولا هو منه على شيء ، أرأيت كيف أنّك في اتّباعك لهم قد اتّبعت من دون الله أولياء من حيث تدري أو لا تدري.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وبعد هذا أوليس من العته والجنون أن تريد من الشيعة الذين لا يتّبعون إلّا ما أنزل الله أن يتّبعوا غير ما أنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وآله فيشركوا مع طاعة الله غيره من الناس ، كما فعلت ذلك أنت والله تعالى يقول في سورة الأنعام آية 21 : ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ).
3 : قوله تعالى في سورة آل عمران آية 154 : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ) ، وهذه الآية كما تراها صريحة الدلالة في أنّه ليس لهم ولا لغيرهم أمر في شيء مطلقاً أبداً لا سيّما إذا لاحظت كلمة ( كلّ ) الدالّة على الاستغراق وأنّه ليس لهم ولا من حقّهم أن يقيموا شخصاً ويوجبوا على الآخرين الإنقياد إليه والطاعة له ، لأنّ ذلك كلّه لله وحده لا شريك له فيه من أحد من العالمين أجمعين ، وأيّ أمر يأمر ترى أعظم خطراً من الخلافة التي تبني عليها مصالح الناس الدنيويّة والأخرويّة فهو لله تعالى لا لسواه إطلاقاً ، وهم تابعون لتصرّفه تعالى فيهم وليس لهم أن يتصرّفوا في شؤون أنفسهم فضلاً عن شؤون غيرهم بأمر أو نهي أو وضع أو رفع مطلقاً كما نصّت عليه الآية ، فأين منك عينك الصحيحة لترى كيف أنّك جعلت مع الله شريكاً في الأمر وأعطيته صلاحيّة الأمر والنهي وأوجبت له الطاعة في أمره ونهيه كالله تعالى عمّا تقول علوّاً كبيراً وطعنت في الشيعة لأنّهم خالفوك. لم يشركوا مع الله في أمره أهل السقيفة وتركت وراءك قوله في سورة الأعراف آية 54 : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) لا لأهل السقيفة ولا لغيرهم من المخلوقين أجمعين.
4 : قوله تعالى في سورة القصص آية : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) فالله تعالى هو الذي يختار بعد ما يخلق من يشاء للنبوّة ومن يشاء للخلافة لا أهل السقيفة ، فإنّه ليس لهم ولا لغيرهم لهم يعني أنّه ليس لهم الخيرة في نفي شيء أو إثباته وأنّ ذلك لله وتعطيهم الخيرة في نصب الخليفة ، وقد نفاه تعالى لهم وأثبته لخصوص ذاته ولم يشرك معه فيه أحداً ، وتخالف بذلك كتاب الله وتعصي أمره وتشرك معه تعالى غيره وتطعن في الشيعة لأنّهم لم يشركوا معه في ذلك أحداً مطلقاً.
5 : قو له تعالى في سورة الأحزاب آية 36 : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) فأمر الخلافة إن كان ممّا قضى الله ورسوله صلّى الله عليه وآله بإثباته كان كغيره من الواجبات التي أثبتها على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله ولم يكن منها ما قام به أهل السقيفة لوضوح حدوثه بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وكمال دينه صلّى الله عليه وآله بإثباته كما تقدّمت الإشارة إليه وإن كان ممّا قضيا بنفيه وهو ما قاموا به فيها فليس لهم إثباته والقضاء به إن كانوا مؤمنين ، كما تقول الآية لأنّ الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله قد قضيا بنفي الخيرة لهم فيه وفي غيره مطلقاً ، ولكنك أنت قد أثبت أمرها لغير الله وغير رسوله صلّى الله عليه وآله فأعطيت أهل السقيفة صلاحيّة كاملة من دون الله ورسوله صلّى الله عليه وآله بأن يقضوا بالخلافة لمن يشاؤون ويصرفوها عمّن يشاؤون ، ولم تع وليتك وعيت ما صرحت به الآية في أواخرها بقوله تعالى : ( مَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ).
ومن حيث أنّ الشيعة يأبون أن يعصوا الله ورسوله صلّى الله عليه وآله ويأبون أن يكونوا في ضلال مبين ، رفضوا ما قضت به السقيفة من دون الله ورسوله صلّى الله عليه وآله رفضاً باتاً.
فإن قلت أنّ الله مدح المؤمنين بقوله تعالى في سورة الشورى آية 38 : ( أَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) فدلّ مدحه لهم وثناؤه عليهم في ذلك أنّهم مصيبون فيما يفعلونه بالشورى ، قلنا لك :
أوّلاً : عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء ، وذلك فإن ما قاموا به من عقد البيعة لم يكن ناتجاً عن الشورى بينهم ، فهذا البخاري يحدّثنا في صحيحه ص 119 من جزئه الرابع في باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت أنّ السابق إليها والمحرّك الكبير فيها ، قال في تلك البيعة : « أنّها فلتة وقى الله شرّها » ، والفلتة إن لم يكن قائلها يريد بها أنّها زلّة كما يشير إليه وصفه لها بالشرّ ، فلا محالة أنّها بمعنى البغتة ويعني ذلك أنّها وقعت فجئة ومن غير تدبّر ولا مشورة.
ثانياً : لو سلّمنا لك جدلاً أنّها وقعت بالشورى ولكن الذي يجب عليك أن تفهمه بأنّ الذي أوقعوه كان شرّاً بإقرارهم ، وإقرار العقلاء على أنفسهم حجّة يلزمون به ، والله تعالى لا يمدح الذين يوقعون الشرّ في البلاد وبين العباد ، ولا يثني عليهم أيّاً كانوا ، لأن الشرّ قبيح محرّم منهيّ عنه شرعاً ، وهو تعالى لا يمدح على فعل المحرّم القبيح الذي نهى عنه ، وأنما يؤاخذ فاعله ويعاقبه عليه ، فلا يمدحه ويثني عليه كما هو صريح الآية ، ويقرّر لك ما ألمعنا قول قائلها : « فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » ، على ما سجّله ابن حجر في صواعقه في الشبهة السادسة من شبهات كتابه ، كغيره من علماء أهل السنّة وحفاظها.
ثالثاً : أن ما تقع عليه الشورى بين المؤمنين أمّا أن يكون من دين رسول الله صلّى الله عليه وآله أو لا ، فإن كان من دينه فقد أكمل الله تعالى دينه في حياته فلا يحتاج إكماله إلى الشورى ممّن لا يوحى إليهم ، اللهم إلّا أن تقول بنزول الوحي من الله على أهل السقيفة في عقدها بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وانقطاع الوحي ، وهذا ما لا يقول به من كان من المسلمين على شيء وإن لم ما وقعت عليه الشورى بينهم من دين رسول الله صلّى الله عليه وآله حرم اتباعه لأنّه مشاقة لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله ، فلا يستحقّون المدح عليه ولا يجوز الأخذ به لقوله تعالى في سورة النساء آية 115 : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ، وسبيل المؤمنين هو سبيل النبي صلّى الله عليه وآله ، وسبيل النبي صلّى الله عليه وآله هو دينه الكامل الذي لم يكن منه ما حدث في السقيفة بعد موته أصلاً وحينئذ فيختصّ مدحهم بالشورى في خصوص تطبيقهم ما أنزل الله تطبيقاً كاملاً لا على إدخالهم في الدين ما ليس داخلاً فيه ، كما حدث ذلك فيها كما لا يخفى على أولي النهى ، فإنّهم لا يكونون من أهل هذه الآية ولا يدخلون في منطوقها أبداً ، وإن قلت أنّ قوله تعالى في سورة النساء آية 59 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) يفيد وجوب طاعة أولي الأمر وأهل السقيفة منهم فتجب طاعتهم فيما فعلوه ، قلنا لك :
أوّلاً : لقد فاتك المثل المعروف الذي يقول « ثبّت العرش ثمّ انقش » ، فإنّ اللازم أن تثبت لنا بدليل قطعي أنّ أهل السقيفة من أولي الأمر حتّى يتسنّى لك أن تقول بوجوب طاعتهم ، لأنّ ذلك ليس بأولي من عكسه بأن تكون الجبهة المعارضة لهم هي من أولي الأمر الذين تجب طاعتهم في رفض ما قاموا به في السقيفة دونهم.
ثانياً : إن وجوب طاعتهم موقوف على أن يكونوا من أولي الأمر فلو توقّف كونهم من أولي الأمر على وجوب طاعتهم لزم توقف وجود الشيء على وجود نفسه وهو دور صريح معلوم البطلان في أوائل العقول عند العلماء ، فكونهم من أولي الأمر معلوم البطلان.
ثالثاً : أنّ الآية صريحة الدلالة في عصمة أولي الأمر وذلك لأنّ الله تعالى قرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وآله ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والإطلاق وجب أن يكون معصوماً لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله معصوم ، فوجب أن يكونوا معصومين وتلك قضيّة وحدة السياق وتساوي المتعاطفات في الحكم والإلزام التفكيك بين فقرات الآية ، وهي تأباه كلّ الآباء وإرادته سلب لمعناها وتحميلها معنى لا صلة بينها وبينه ، ولما كان أهل السقيفة غير معصومين طبعاً ثبت أنّهم ليسوا من أولي الأمر المعنيين في الآية قطعاً وإلّا لزمك أن تطيع كلّ من له الأمر والنهي ويملك القوّة من الجبابرة والفراعنة الذين نصبهم الناس وأطاعوهم من دون الله واعتبروهم من أولي الأمر الواجبي الطاعة عليهم ، وذلك معلوم بالضرورة من الدين والعقل بطلانه كما يلزمك أن تقول بالمحال الباطل وتجمع بين الضدّين وذلك لأنّ أئمّتك من بني العباس قد قتلوا أئمّتك من بني اُميّة وأخذوا الملك منهم واستولوا عليهم بالقهر والقوّة كما استولى أولئك الأوّلون على غيرهم بالسيف والسنان ، فأيّ الفريقين يا ترى من أولي الأمر الذين تجب طاعتهم على الآخر وتحرم معصيتهم عليهم بمقتضى الآية ، فإن قلت أنّهم بنو اُميّة وهو قولك بطل أن يكون العباسيّون منهم لوجوب طاعة الأمويّين على العباسيّين وحرمة عصيانهم للاُمويّين لا قتلهم قتالهم لأنّهم من أولي الأمر على زعمك الذين تجب طاعتهم ، وإن قلت أنّهم بنو العبّاس وهو قولك أيضاً بطل أن يكون بنو اُميّة منهم ،لأنّه لو كانوا منهم لحرم قتلهم وقتالهم لوجوب طاعتهم على العباسيّين كما ألمعنا ، وأيا قلت فهو دليل على بطلان كون الفريقين من أولي الأمر للتضاد وعدم وجود المرجّح لأحدهما المعيّن فيسقطان معاً شأن المتضادّين في الوجود مطلقاً ، وكلّ ما تقوله في بني اُميّة نقوله نحن في بني العبّاس ، ومن القبيح جدّاً أن تجر باؤك وباء الشيعة لا تجر ، فإذا تسجل لديك بطلان هذا وذاك ثبت أن أولي الأمر في الآية غيرهم وهم الذين عصمهم الله من الزلل وآمنهم من الفتن وطهّرهم من الرجس تطهيراً وهم عترة النبي صلّى الله عليه وآله أهل بيته عليهم السلام الذين جعلهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأمر بالتمسّك بهم ما دامت الدنيا كما سيأتي البحث عنه مفصّلاً.
وإن قلت قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » الأمر الذي طالما به تصول وتجول ومن أجله لعنت الشيعة وطعنت فيهم ، قلنا لك لقد فات عليك لجهلك بأسانيد الأحاديث وعدم معرفتك بشيء منها ، أن الحديث المذكور فمع كونه من أحاديثك التي لا تعرفها الشيعة ولا يصحّ لك أن تحتجّ بها عليهم لأنّها ساقطة عن الحجيّة عندهم كما ستأتي الإشارة إليه فهو موضوع لا أصل له ومطعون في سنده ودلالته لا يقتضي علماً ولا عملاً. أمّا من حيث سنده فلأنّ في طريقه حمزة النصيبي والحارث بن غصين ، والأوّل متّهم بالكذب والثاني مجهول. قال الحافظ الذهبي من أئمّة الجرح والتعديل عند أهل السنّة في ص 284 من كتابه ميزان الاعتدال من جزئه الأول في حرف الحاء : « قال ابن معين حمرة النصيبي لا يساوي فلساً ، وقال البخاري منكر الحديث ، وقال الدارقطني متروك ، وقال ابن عدي عامّة مرويّاته موضوعة » انتهى مقاله ، وقال خاتمة حفّاظ أهل السنّة ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان ص 156 من جزئه الثاني في حرف الحاء : « الحارث ابن غصين قال ابن عبد البرّ في كتاب العلم مجهول » انتهى قوله ، فراجع ثمة حتّى تعلم ، وإن كنت لا تريد أن تعلم أنّ الحديث الذي به طغيت وبغيت وعلى الشيعة من أجله اعتديت ساقط موضوع وفي سنده مجهول ومن لا يساوي فلساً عند علماء أهل السند فلا يصحّ لك الاحتجاج به مطلقاً.
وأمّا بطلان دلالته وإن كان يكفينا في بطلانها فساد سنده ومع ذلك فهي باطلة من وجوه :
الأول : أنّ المخاطبين بلفظ اقتديتم أن كانوا هم أصحابه ومع غيرهم فبطلانه واضح إذ لا يصحّ للفصيح أن يقول لأصحابه ومع غيرهم أصحابي لأنّ غيرهم ليسوا من أصحابه إطلاقاً وإلّا لزمك أن تنسب إلى النبي صلّى الله عليه وآله ما لا تسوغه الفصاحة وهو أفصح العرب وأبلغهم على الإطلاق وهذا باطل وذلك مثله باطل. وإن كان المخاطبون بلفظ اقتديتم غير أصحابه فباطل أيضاً لأنّ المشافهين بهذا الخطاب يومئذ لم يكونوا غير أصحابه فباطل وذلك لأنّ كلّ من خاطبة النبي صلّى الله عليه وآله وشافهه بهذا الخطاب كان بمرأى منه ومسمع فيكون صحابيّاً وإلّا لزمك أن تقول إمّا بمخاطبة المعدومين ومشافهتهم وبعثهم وزجرهم وتوجيه الأمر إليهم أو تقول ببطلان نسبة صحبتهم إليه صلّى الله عليه وآله ، لأنّ الصحبة مأخوذة من مصاحبة الإنسان لغيره والأوّل معلوم بالضرورة من العقل بطلانه ومثله الثاني في البطلان لأنّ الحديث صريح في نسبة صحبتهم إليه صلّى الله عليه وآله وإن كان المخاطبون بلفظ اقتديتم خصوص أصحابه بطل وجوب اقتداء آخرين بهم وبطل أن يكونوا نجوماً لغيرهم ، وكان حديثك هذا باطلاً مطلقا.
الثاني : أنّ الجمع المنكر المضاف يفيد العموم عند علماء الأصول من الفريقين ويعني ذلك أنّ المقتدي بقول بعض الجاهلين منهم والتارك للعمل بقول بعض العلماء منهم مهتدياً أن يكون المقتدي بقتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ والمتقاعد عن نصرته مهتدياً وتابعاً للحقّ وعليه يلزمك أن تقول باجتماع الهدى والضلال والحق والباطل في شيء واحد ، وبطلانه واضح لقوله تعالى في سورة يونس آية 32 : ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ).
الثالث : أنّ الحديث معارض بما هو صحيح السند وصريح الدلالة على خلافه وهو ما مرّ عليك من حديث الحوض والبطانتين وحديث لتتبعن سنن من كان قبلكم الذي خاطب النبي صلّى الله عليه وآله به أصحابه أو لا وبالذات وشافههم بهذا الخطاب كما يدلّ عليه ضمير « كم » الموضوع لخطاب الذكور فيسقط حديثك تلك هذا الذي صغته من طينتك فتعثرت في صياغته ولم تحسن تطبيقه لأجل تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة بين الفريقين.
الرابع : أن حديثك هذا معارض لنصوص القرآن ومحكمات آياته كآية الانقلاب على الأعقاب والمرود على النفاق ووجود الكذّابين فيهم التي توجه الخطاب فيها إليهم قصداً وبالذات وكلّ ما عارض نصّ الكتاب فهو زخرف يضرب به عرض الجدار كما جاء التنصيص عليه في الحديث فحديثك هذا زخرف يضرب به عرض الجدار.
الخامس : أنّ حديثك نصّ في وجوب الإمامة العامّة لكلّ صحابي منهم ، إذ لا معنى لوجوب الاقتداء بهم مطلقاً إلّا كون كلّ واحد منهم إماماً تجب طاعته وذلك يعني أن أصحابه كلّهم أئمّة ولا تختصّ الإمامة بواحد منهم لا ابتداءً ولا ترتيباً ، وهذا مع استلزامه بطلان ما قامت عليه السقيفة الذي تموت دون بطلانه مستلزم لبطلان وجود المأمومين فيهم المستلزم هو الآخر بطلان إمامتهم بانتفائهم لاحتياج الأئمّة إلى مأمومين ، وذلك كلّه كعلوم بالضرورة من الدين والعقل بطلانه ، فحديثك مزوّر موضوع لا يمكن صدوره عن النبي صلّى الله عليه وآله.
السادس : أنّ الحديث ظاهر في وجوب اقتداء كلّ صحابي بنفسه تارة وبغيره من أصحابه تارة أخرى مطلقاً ، أمّا الأوّل فباعتبار أنّه صحابي فيجب أن يقتدي بنفسه مطلقاً وأما الثاني فلأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر بالاقتداء به مطلقاً لأنّه من أصحابه صلّى الله عليه وآله ، فحديثك هذا يعني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر بالاقتداء بالمتضادّين في الميول والاتّجاهات وجعل المقتدي بهما مهتدياً وتابعاً للحقّ وعليه يلزمك أن تقول لو أنّ شخصاً قاتل عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان يوم صفين من الصبح إلى الظهر ثمّ عدل وقاتل معاوية مع علي عليه السلام إلى لليل كان في الحالتين تابعاً للحقّ والهدى وكان المقتول من الفريقين في الجنّة ، وكذا في الدين وفي قصة « الخليفة » عثمان بن عفان الأموي ـ رضي الله عنه ـ ، هل هناك طعن في الدين وفي سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله أقبح من طعنك هذا وقد مرّ عليك أطلاق قوله تعالى : ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) فحديثك كذب وانتحال لا أصل له.
وإن قلت قال رسول الله صلّى الله عليه وآله « لا تجتمع اُمّتي على خطأ أو على ضلال » وقد اجتمعوا في السقيفة فلا يكون اجتماعهم على ضلال ، قلنا لك أنّ حديثك هذا لم يقله رسول الله صلّى الله عليه وآله إطلاقاً فهو موضوع لا أصل له لوجهين :
الأول : فلمّا قاله المتثبّت في نقد الحديث ومعرفة إسناده عند أهل السنّة النووي في شرحه لصحيح مسلم ص 143 من جزئه الثاني في باب لا تزال طائفة من اُمّتي قائمة بأمر الله لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم من طبعة سنة 1319 هجريّة فإنّه قال : « حديث لا تجتمع اُمّتي على خطأ ضعيف والصحيح هو حديث لا تزال طائفة من اُمّتي قائمة بالحقّ » فالحديث لا حجّة فيه مطلقاً.
الثاني : أن اسم الجنس المضاف يفيد العموم باتّفاق علماء الاُصول ويعني ذلك لو صحّ أنّ جميع اُمّته لا تجتمع على خطأ لوجود المعصوم من أهل بيته فيهم ، وهذا طبعاً يتنافى مع ذوقك ويصطدم مع فكرتك الخارجيّة فلا ترضى به ولا تستسيغه لأنّ من عقيدتك أنّ أهل الشقاق والنفاق وكفرة الكتاب المستوجبين النار بنصّ كتاب الله وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله خير لديك من عترة النبي أهل بيته صلّى الله عليه وآله وخير من شيعتهم عليهم السلام الموالين لمن والوا والمعادين لمن عادوا ، ولو سلّمنا لك جدلاً صحّة حديثك ولكن الذي كان عليك أن تفهمه أنّ الحديث يقول أنّ جميع اُمّتي لا تجتمع على خطأ ولم يكن المجتمعون يومئذ في السقيفة كل الاُمّة ، بل ولا جميع أهل المدينة فضلاً عن بقيّة الأمصار الإسلاميّة الذين لهم حقّ الإختيار. لو قلنا بصحّة مثل هذا الإختيار لهم فالذين اجتمعوا في السقيفة كانوا بعض الاُمّة لا جميعها وكم من فرق بين اجتماع جميع الاُمّة المدلول عليه في الحديث نفي اجتماعها على الخطأ وبين اجتماع بعض أفرادها الذي يخطأ ، أرأيت كيف أنّ الحديث لو صحّ كان حجّة لخصمك الشيعي عليك لا لك على أنّ إمكان وقوع اجتماع جميع الاُمّة على أمرٍ واحد في وقتٍ واحد الذي هو شرط حجيّة الإجماع شيء لا يمكن تصديقه فالحديث لا يمكن تصديقه ، لذا قال الإمام أحمد بن حنبل : « من ادّعى وجود الإجماع فهو كاذب » على ما سجّله الآمدي في الجزء الأول من كتابه الأحكام في أصول الأحكام ص 282 وما بعدها من النسخة المطبوعة سنة 1332 هجريّة ، فراجع ثمة حتّى تعلم سقوط هذا الحديث واستحالة صدوره من النبي صلّى الله عليه وآله.
وإن قلت ثمة أحاديث واردة في الصحاح تدعم ما أقول من وجوب التأدّب مع السلف وعدم ذكرهم إلّا بخير ، قلنا لك :
أوّلاً : أنّ السلف الصالح هم الذين يجب التأدّب معهم وأن نذكرهم بخير دون من تقدّم ذكرهم ممّن جاءت الآيات في تجريحهم والصحاح المحمديّة في مهاجمتهم ، فإن كانت ثمة أحاديث جاءت في مدح السلف والثناء عليهم فهي تريد الصالحين منهم دون أولئك ، فإنّه لا يجوز التأدّب معهم ولا أن نذكرهم إلّا بما كسبت أيديهم.
ثانياً : أنّ تلك الأحاديث المطلقة ذات المعاني المكرّرة كلّها موضوعة اقتضت وضعها السياسة الأمويّة والعباسيّة في عصورهم المظلمة المتشعّبة بروح السيطرة والاستبداد والتنكيل بأهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وشيعتهم ، فكيف لا يضع وراد المنافع الأحاديث في ضدّهم ليصدّوا الناس عن التمايل إلى جهتهم والإنحراف عنهم إلى أعدائهم.
ثالثاً : إنّها معارضة بنصوص القرآن التي تقدّم ذكرها فهي ساقطة عن درجة الاعتبار.
رابعاً : إنّها معارضة بما هو صحيح السند قوي الدلالة من الأحاديث المتواترة بين الفريقين كما كرت الإشارة إليها فتسقط هذه لأجل تلك.
خامساً : لو سلّمنا لك جدلاً وفرضنا صحّتها كلّ ذلك على سبيل التمشي معك ولكن فاتك ، أنّها موضوعة لا وجود لها في كتب الشيعة ولا يعرفون شيئاً منها فلا يصحّ لك أن تحتجّ بها عليهم وأنت من خصومهم ، ألا تدري وليتك تدري أنّ الخصم لا يكون حكماً وما جاء به من عنده لا يكون حجّة على خصمه المخالف له في الرأي والمبدأ فهي غير مقبولة عندهم ومردودة عليك وإلّا لزمك أن تخضع لدين اليهود والنصارى والمجوس ، لأنّهم أيضاً يحتجّون عليك بما عندهم ، فإن جاز لك أن تقبل ذلك منهم وترجع إلى دينهم لا على التعيين لعدم وجود المرجّح لأحدها المعيّن فإنّ الشيعة لا يقبلون ما عندك ولا يرجعون إلى دينك وإن كان ذلك باطلاً كان قولك مثله باطلاً ، أرأيت كيف أنّك أفلست من كلّ حجّة ولم تظفر بالسند ، فكيف تريد من الشيعة أن يخضعوا لمدعّياتك الفاسدة ويأخذوا بمزاعمك المؤفة وبراهينك المعكوسة التي لم تخطر على ذهن جاهل إطلاقاً.
وأمّا زعمك أنّ للشيعة عشر إلها تعني بذلك أئمّتهم الإثني عشر من عترة النبي أهل بيته صلّى الله عليه وآله ، فإنّك تقول وتكذب وتعلم أنّك كاذب وشرّ القول الكذب وقد لعن الله الكذّابين على اختلافهم في القرآن وكأنّك تريد بذلك تجديد ما ارتكبه سلفك « الصالح » من الكذب على جدهم رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى أنذر بكثرة الكذّابين عليه وتريد أن تتأسّى بهم في الكذب على عباد الله الصالحين ، يا هذا إنّ الشيعة أبرّ وأتقى من أن يتّخذوا من دون الله آلهة أو يجعلوا معه شريكاً في طاعته أو يعبدوا غيره وهم يتلون كتاب الله ويستمعون إلى آياته ويصغون إلى قوله تعالى في سورة الأنعام آية 121 ويعملون به : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) فلا يطيعون سواه ولا يعرفون إلهاً غير الله ، ولكن العدوّ البغيض يحيف على من يبغض فيلصق بهم صفاته ويلزمهم بموبقاته ويلوثهم بأكاذيبه وأنت في ذلك كقول القائل : « رمتني بدائها وانسلت ».
نعم يا ابن جبهان ، الشيعة لا يقولون في أئمّتهم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلّا ما قال الله تعالى في سورة الأنبياء آية 26 و 27 : ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) ، وما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله فيهم لا في غيرهم من الدخلاء والأجانب : « إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فلا تقدّموهم فتهلكوا ولا تأخّروا عنهم فتضلّوا ولا تعلموهم فإنّهم أعلى منكم » وقد أخرجه بهذا اللفظ ابن حجر الهيتمي في صواعقه في أواسط ص 148 وما قبلها في الآية 4 من الفصل 1 من الباب 11 في الآيات الواردة في فضل في أهل البيت عليهم السلام عن نيف وعشرين صحابيّاً « وقال أنّه صدر عن النبي صلّى الله عليه وآله في مواطن عديدة حيث صدع به يوم غدير خم ويوم عرفة في آخر حجّة حجّها ، ويوم قام خطيباً بعد منصرفه من الطائف وفي مرضه الذي توفّي فيه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه » ، وأخرجه الحافظ الترمذي في سننه ص 220 و 221 من جزئه الثاني عن نيف وثلاثين صحابيّاً وحسبك في ثبوت صحّته وتواتره إخراج الحافظ مسلم له في صحيحه ص 279 من جزئه الثاني في باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام عن زيد بن أرقم وأنّه صلّى الله عليه وآله صدع به في موضع يدّعى خمّاً بين مكّة والمدينة.
فالشيعة لا يرضون بكتاب الله بدلاً ، فكيف تريد منهم أن يبتغوا عن أعداله حولاً. وإذا حاولت عبثاً أن تضع كلمة « سنّتي » مكان « عترتي أهل بيتي » في حديث النبي صلّى الله عليه وآله المتواتر نقله بين الفريقين لتسقط أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله من حسابك ( وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ ) ، فقد فات عليك وضوح بطلانها ولم تنتبه إلى أنّك قد أسأت بوضعها إلى النبي صلّى الله عليه وآله إساءة يستمرّ شؤمها سرمداً وعثرت في تطبيقها عثرة لا تقال أبداً وذلك :
أوّلاً : أنّ أئمّة الحديث عند أهل السنّة لم ينقلوا هذه الكلمة في شيء من صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة لديهم وذلك يكفي في وضعها وبطلانها.
ثانياً : أنّ الحديث بهذه الكلمة معارض بما هو قطعي الصدور عن النبي صلّى الله عليه وآله ومجمع عليه بين الفريقين والحجّة في المجع عليه دونه فيجب طرحه لأنّه شاذّ لا حجّة فيه مطلقاً.
ثالثاً : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يقرن عترته بكتاب الله إلّا لأنّه صلّى الله عليه وآله أودعهم علومه وحملهم أحكامه ليقوموا بحفظه وبيانه ويوضحوا للناس غوامضه ويدلّوهم على تعاليمه دلالة واضحة لا خلجة فيها ولا التباس ، أمّا السنّة فهي الاُخرى كالقرآن تحتاج إلى من يقوم ببينها وحفظها ورعايتها كاملة غير منقوصة وذلك لا يمكن إلّا لمن كان معصوماً من الخطأ والنسيان والسهو والعصيان ، فهي لا تغني الاُمّة ما لم يكن لها قيم يقوم بها فأهل البيت هم القوّامون عليها والحافظون لها والمبينون للناس ناسخها ومنسوخها ومحكمها من متشابهها ومجملها من مفصلها لا سواهم لعصمتهم وعدم عصمة غيرهم من أفراد الاُمّة بإجماعها ، وأمّا عصمتهم فقد أثبتها لهم الحديث نفسه وذلك لأنّ القرآن معصوم فكذلك أعداله الذين لا يفارقونه معصومون ولا يمكنك أن تقول أن الحافظين لها والقوّامين عليها هم العلماء المجتهدون ، لأنّا نقول لك أنّ المجتهد يخطأ والخطأ طبيعي له فيؤدّي خطأه إلى ضياعها والإجتهاد لا يحفظ صاحبه من الخطأ والنسيان ، فكيف تريد منه أن يحفظ السنّة من الزيادة والنقصان ؟ لذا فلا يصلحون أن يكونوا قوّامين بها كما أراد الله تعالى وأنزله.
أجل يا ابن جبهان ، الشيعة لا يقولون في أئمّتهم إلّا ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله فيهم لا في غيرهم من الأبعدين « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق » ، وفي حديث آخر « من تخلف عنها هلك » ، وقد أخرج الأوّل الجلال السيوطي في جامعة الصغير في أول ص 517 من جزئه الخامس في حرف الميم عن ابن عبّاس وابن الزبير وأبي ذر بسند حسن وأخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه ص 151 من جزئه الثالث وصحّحه على شرط البخاري مسلم وأخرج الأوّل والاخر بن حجر في صواعقه ص 150 في تنبيه الفصل 1 في الآيات الواردة فيهم وفي الباب 11 في الفصل 2 في سرد أحاديث واردة في أهل البيت ص 184.
ويقولون فيهم ما قاله صلّى الله عليه وآله فيهم عليهم السلام : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة اختلفوا فصاروا حزب إبليس » على ما أخرجه الحاكم في مستدركه ص 149 من جزئه الثالث وصحّحه على شرط البخاري ومسلم وأخرجه ابن حجر في صواعقه ص 150 في تنبيه الفصل 1 في الآيات الواردة فيهم عليهم السلام.
ويقولون فيهم ما قاله صلّى الله عليه وآله فيهم : « من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي وهي جنّة الخلد فليتولّ عليّاً وذريّته فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة » على ما أخرجه المتّقي الهندي في كنز العمال ص 155 من جزئه السادس عن مطين والباوردي وابن جرير وابن شاهين وابن مندة من طريق أبي إسحاق عن زياد بن مطرف ، وأورده ابن حجر العسقلاني في إصابته ص 20 من جزئه الثالث مختصراً في ترجمة زياد بن مطرف ولكنّه قال في إسناده يعلى المحاربي وهو واه ولكن فات العسقلاني أن يحيى بن يعلى المحاربي من الثقات بالاتّفاق إذ كيف يكون واه وقد أخرج له البخاري في ص 30 من صحيحه من جزئه الثالث في باب عمرة الحديبيّة ، وأخرج له مسلم في صحيحه ص 67 من جزئه الثاني في باب الحدود ، وأرسل الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال توثيقه إرسال المسلمات في ص 307 من جزئه الثالث من الطبعة الأولى.
ويقولون فيهم ما قاله صلّى الله عليه وآله فيهم لا في غيرهم « من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة التي غرس ربّي قضبانها بيده فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليّه وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي » على ما أخرجه المتّقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش الجزء الخامس من مسند أمام أهل السنّة أحمد بن حنبل ص 94 ولما كانت الشيعة تريد أن تحيى حياة النبي صلّى الله عليه وآله وتموت مماته صلّى الله عليه وآله وتسكن جنّة عدن التي غرس الله قضبانها بيده والوا عليّاً من بعده صلّى الله عليه وآله ووالوا وليّه واقتدوا بأهل بيته صلّى الله عليه وآله لأنّهم خلقوا من طينته صلّى الله عليه وآله ورزقوا فهمه صلّى الله عليه وآله على حدّ قوله صلّى الله عليه وآله ، فكيف تريد من الشيعة أن يكذبوا بفضلهم كما كذبت ، ويقطعوا صلة النبي صلّى الله عليه وآله إن ذلك ما لا يمكن ولا يكون أبداً ويقولون فيهم عليهم السلام ما قاله صلّى الله عليه وآله فيهم لا في غيرهم ممّن تسم دست الخلافة في هذه الاُمّة بالقهر والقوّة : « يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش » على ما حكاه البخاري في صحيحه ص 164 في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام من جزئه الرابع.
ويقولون فيهم عليهم السلام ما قاله صلّى الله عليه وآله فيهم : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » على ما سجّله مسلم في صحيحه ص 19 من جزئه الثاني في باب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة إلى غير ذلك وأضعاف أمثاله من الأحاديث المتواترة المسجّلة في صحاح أهل السنّة ومسانيدهم الدالّة على امتداد الخلفاء ، حتّى تقوم الساعة وأنّهم اثنا عشر خليفة لا يزيدون واحداً ولا ينقصون ، وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان من أهل الإسلام ألاك يا ابن جبهان إذ ليس بهذا العدد المخصوص خلفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى تقوم الساعة غير الأئمّة الاثني عشر من عترة النبي صلّى الله عليه وآله أهل بيته عليهم السلام الذين قرنهم رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث الثقلين بكتاب الله وجعلهم أعداله لا يفارقونه ما دامت الدنيا ، لذا فإنّه لا ينطبق شيء من ذلك على أئمّتك إطلاقاً.
وأمّا إنكارك وجود المهدي المنتظر عليه السلام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام واستهزاؤك بالشيعة لأجل اعتقادهم بوجوده فناشئ عن عدم علمك وأنت لا تدري أنّ عدم العلم بالشيء لا يكون علماً بعدمه ولا يكون دليلاً على نفي وجوده لأنّ عدم العلم جهل ولا يحتجّ بالجهل إلّا جاهل مبطل ، ونحن يكفينا في دفع مضلته واستئصال عنه ما قاله ابن حجر في صواعقه في أوّل ص 165 في آخر الآية 12 من الفصل 1 من الباب 11 « تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلّى الله عليه وآله بخروجه ـ أيّ المهدي ـ وأنّه من أهل بيته صلّى الله عليه وآله وأنّه يملئ الأرض عدلاً وأنّه يخرج مع عيسى على نبيّنا ـ وآله ـ وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب « لد » بأرض فلسطين وأنّه يؤم هذه الاُمّة ويصلّي عيسى خلفه » انتهى مقاله ، وقال أيضاً في أواسط ص 205 إلى أوائل ص 206 من أواخر الفصل 3 في الأحاديث الواردة في الفصل أهل البيت من صواعقه « أبو محمّد الحسن الخالص » لم يخلف غير ولده « أبي القاسم محمّد الحجّة » وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة ويسمّى القائم المنتظر ، انتهى قوله « وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة في كتابه منهاج السنّة أحاديث المهدي معروفة ثابتة في مسند أحمد وسنن السجستاني والترمذي وغيرها ».
وقال ابن الصباغ المكِّي المالكي في كتابه الفصول المهمّة ص 310 المطبوع بمصر أنّ الروايات عن الأئمّة الثقات والنصوص الدالّة على إمامته كثيرة بالغة حدّ التواتر حتّى أضربنا عن ذكرها اعتماداً على اشتهارها وقد دوّنها أصحاب الحديث في كتبهم واعتنوا بجمعها ولم يتركوا شيئاً منها وممّن اعتنى بذلك وجمعه على الشرح والتفصيل الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم الشهير بالنعمان في كتابه الذي صنفه مليء العيبة في طول الغيبة. وجمع الحافظ أبو نعيم أربعين حديثاً في أمر المهدي رضوان الله عليه خاصّة وصنّف الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في ذلك كتاباً سمّاه البيان في أخبار صاحب الزمان وروى الشيخ أبو عبد الله الكنجي الشافعي المذكور في كتابه هذا بإسناده قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي وأخرجه أبو داود عن النبي صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : ـ لو لم يبق من الدهر إلِّا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » هكذا أخرجه أبو داود في مسنده ورواه أبو داود والترمذي في سننهما كلّ واحد يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » ، وزاد أبو داود يملك سبع سنين وقال حديث ثابت صحيح رواه الطبراني في مجمعه وكذلك غيره من أئمّة الحديث إلى أن قال ابن الصباغ في 317. قال صاحب البيان الكنجي : وممّا يدلّ على كون المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته إلى الآن وأنّه لا امتناع من بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله وبقاء الأعور الدجّال وإبليس من أعداء الله ، هو الكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب ، فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، قال : هو المهدي من ولد فاطمة ، وقال مقاتل بن سليمان ومن تابع من المفسّرين في قوله تعالى : ( وأنّه لعلم الساعة ) ، قال : هو المهدي يكون في آخر الزمان ، وأمّا السنّة فقد مرّت الإشارة إليها ومنها ما رواه أبو داود يرفعه بسنده إلى أمّ سلمة صلّى الله عليه وآله قالت : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ـ رضي الله عنها ـ. ثمّ أخرج عدّة أحاديث صحيحة عن جماعة من أئمّة الحديث تدلّ بصراحة على إمامته بعد أبيه الحسن العسكري ، انتهى مقاله.
وممّن وافق الشيعة في ذلك جمع كثير من أئمّة أهل السند وحفاظهم :
1 : الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ص 7 و 27 و 28 و 33 و 36 و 37 و 52 من جزئه الثالث.
2 : أمام الحديث البخاري في صحيحه في أواخر ص 168 من جزئه الثاني في باب نزول عيسى عليه السلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم » ، وهو لا ينطق على غير الإمام المنتظر عليه السلام بقرينة الأحاديث المتواترة التي مرّ ذكرها.
3 : ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ص 317 من جزئه السادس.
4 : الحاكم النيسابوري في مستدركه ص 557 و 558 من جزئه الرابع وصحّحه على شرط البخاري ومسلم.
5 : الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك ص 557 و 558 من الجزء الرابع وصحّحه على شرط البخاري ومسلم.
6 : الشيخ محيي الدين ابن عربي في الباب السادس والستّين والثلاثمائة من الفتوحات على ما حكاه الشيخ العارف عبد الوهّاب الشعراني في ص 128 من اليواقيت والجواهر من جزء الثاني المطبوع بمصر سنة 1317 هجريّة : « قال واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي ولكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً ، لو لم يكن من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من ولد فاطمة ـ رضي الله عنها ـ جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ووالدة الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون ابن الإمام محمّد التقي بالتاء ابن الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، يواطي اسمه اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ». انتهى موضع الحاجة من كلامه وهناك غير هؤلاء من أساطين علماء أهل السنّة يضيق المقام عن تعداهم كلّهم متّفقون مع الشيعة على ثبوت تولّده وغيبته وظهوره في آخر الزمان ليس فيهم أحد متّهم بالرفض.
وأمّا قولك فلماذا لا يخرج لو كان حيّاً موجوداً ففيه إقرار منك بوجوده ولكنّك تطالبهم بخروجه ، ونحن نجيبك بالنقض :
أوّلاً : ونقول لك لماذا لا ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، وقد تواتر الحديث بثبوت نزوله عليه السلام ، فإن قلت إنّ ذلك لا يكون إلّا بأمر الله ، قلنا لك ذلك مثله في الإمام المنتظر عليه السلام لا يكون إلّا بأمر الله.
ثانياً : إنّ من الغلط الواضح والقبيح الفاضح أن تطلب من الشيعة خروجه وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ولا حياة ولا نشوراً ، فكيف تريد منهم أن يملكوا أمر خروجه وهو لا يملكه إلّا الله تعالى وحده ، وإن أردت المزيد من التحقيق فراجع كتابنا [ الإمام المنتظر عليه السلام ] فإنّ فيه زيادة لمستزيد.
وظنّي وربّ ظنّ يقين أنّك تقول لا أقبل قول هؤلاء الحفاظ من أئمّة أهل السنّة ولو نقلوا ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله على سبيل القطع واليقين ما داموا موافقين للشيعة في قولهم بالإمام المنتظر عليه السلام كما أنّي لست مغال إذا قلت لك لو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث حيّاً في هذه الدنيا وشافهك بقولهم هذا لطعنت فيه صلّى الله عليه وآله وفيهم ولرفضت قوله صلّى الله عليه وآله ما دام موافقاً لقول الشيعة ومصادماً لهواك وشيطانك ( وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ).
فالشيعة يا هذا يستدلّون بهذه الأحاديث ونحوها ممّا لا يسمع صدر هذه الرسالة عدها على وجود الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام الذي أنكرته بجحودك لهذه الأحاديث المتواترة المسلمين أجمعين من الشيعة وأهل السند ، لا سيّما إذا نظرت بعين بصيرة إلى حديث الثقلين ووضعته إلى جنب حديث : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » ، لعلمت من ذلك عدم خلوّ البيت النبوي صلّى الله عليه وآله من رجل في كلّ زمان هو بحكم القرآن في وجوب التمسّك به والتعرّف عليه وأنّه مع القرآن لن يفترقا حتّى يردا على النبي صلّى الله عليه وآله الحوض ، فإن قلت أنّ هذه الأحاديث كلّها كذب وانتحال لا أصل لها قلنا لك :
أوّلاً : لست ممّن يميّز رجال الإسناد ليعرف صدق الحديث من كذبه ، فلا يسوغ لك أن تحشر أنفك فيما لا تعرف.
ثانياً : لا يمكنك أن تحكم بكذبها لو سلّمنا لك جدلاً أنّك من أهل التميز لأنّها مدوّنة في أصحّ الكتب عند أهل السنّة بإجماعهم ، فإن كانت كذباً لزمك أن تحكم بكذب هؤلاء الحفاظ من أئمّة أهل السند وحينئذ فمن أين يا ترى تأخذ معالم دينك لو كان لك دين إذا كان هؤلاء العلماء من أهل السنّة عندك كذّابين يضعون الأحاديث في صحاحهم ومسانيدهم ولا يميّزون بين صحيحها ومكذوبها ، وهذه جرأة لا يرتكبها من أهل السنّة سواك وإن كانوا صادقين في نقلها ويميّزون بين مرفوعها وموضوعها ويعرفون رجال إسنادها كما هو الواقع ، فما ذنب الشيعة إذا تمسّكوا بها في صحّة ما يذهبون إليه. ثمّ إذا كانت تلكم الأحاديث كذباً وانتحالاً فلماذا لم يسقطوها من صحاحهم وهم الذين يميّزون بين صحيح الحديث وسقيمه وصدقه وكذبه ، وهل يصحّ لك أن تقول فيهم أنّ الجهل قد بلغ بهم مبلغاً لم يعرفوا به صدق الحديث من كذبه ، وقد عرفت ذلك أنت الجاهل بكل شيء إلّا من سباب الشيعة وشتمهم فأسقطتها من حسابك لأنّها لا تتّفق مع فكرتك الخارجيّة المبينة على سبّ علي وبنيه من آل النبي صلّى الله عليه وآله ، ولا ترتاح إلّا إذا نلت منهم وطعنت فيهم كما كان سلفك « الصالح » يستبيح منهم ما حرم الله ، ولو فرضنا جدلاً على سبيل فرض المحال ليس بمحال أنّ تلك الأحاديث كلّها كذب وانتحال لا أصل لها فهل يا ترى أنّ ما تلوناه على سمعك من الآيات إن لم يكن في أذن سامعها وقر كذب وانتحال لا أصل لها ، فإن قلت أنّها كذب لا أصل لها كفرت ، وكفانا كفرك مؤونة الردّ عليك ، وإن قلت أنّها حقّ وصدق ، صحّ للشيعة ما يقولون وبطل ما تقول ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ).
ثمّ إنّ الذي يبدو لنا من خلال نشراتك المحمومة المسمومة أنّك لا تقبل من الشيعة احتجاجهم بآيات الكتاب والسنّة النبويّة القطعيّة المدوّنة في صحاح أهل السنّة على صحّة مذهب الشيعة ولا ترضى منهم ولا تكفّ عن شتمهم ولو جاؤوك بألف دليل ، مع أنّ ذلك كلّه روايات أئمّتك وعلماء مذهبك ، اللهم إلّا أن تخرج عن مذهبهم وتدين بغير دينهم وحينئذ نقول فيك ما قيل في حنون اليهود.
ما زاد حنون في الإسلام خردلة * ولا اليهود لهم شغل بحنون
وعليك إذن أن تخبرنا عن أصول مذهبك وقواعد دينك لكي نرجع إليها في إقناعك بصحّة ما نقول وإلّا استمحناك عذراً في أن نقول فيك ما قاله الله تعالى في أسلافك الأوّلين في سورة النساء آية 143 : ( مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ).
وأمّا إذا أردت أن تضرب على طنبور عبد الله بن سبأ وتكرّر نغماته كما ضرب عليه آخرون قبلك وكرّروا نغماته المزعجة فقالوا وقلت أنّه هو الذي أسّس مذهب الشيعة ، قلنا لك :
أوّلاً : لا وجود لهذه الشخصيّة الموهومة إلّا في مخيّلتك ومخيّلة من يضربون على وتره من أعداء الشيعة وخصومهم ، كما حقّق ذلك الأستاذ الفاضل السيّد مرتضى العسكري في كتابه [ عبد الله بن سبأ ] بما لم يبق زيادة لمستزيد.
ثانياً : لو فرضنا وجوده وهذا الفرض وإن كنّا لا نقول به إلّا على سبيل التساهل معك ومع ذلك فإنّ الشيعة قديماً وحديثاً يتبرّؤون منه ويلعنونه كما يلعنون الكاذبين الذين ينسبون مذهبهم إليه بهتاناً وزورا ، اللهم إلّا إذا جاز في مذهبك أن تتبرّأ من الإمام أحمد بن حنبل وجاز عندك أن تلعنه لأنّه المؤسّس لمذهب الحنابلة وأنت منهم طبعاً وما يدرينا لعلّك تستسيغ ذلك وترى جوازه ولو من باب قول القائل « اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي » ، وأيّاً كان فإنّ الذي أسّس مذهب الشيعة يا ابن جبهان هو رسول الله صلّى الله عليه وآله عند نزول قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، فهذا ابن حجر يقول في صواعقه ص 159 في الآية 11 من الآيات الواردة في فضل أهل البيت عن الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس أنه لما نزلت قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي : « هم أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضاباً مقحمين » ، وهكذا سجّله ابن الصباغ المكّي المالكي في كتابه الفصول المهمة ص 122 ، فراجع ثمة حتّى تعلم أنّ اسم التشيّع كان شايعاً في عهد النبي صلّى الله عليه وآله في شيعة علي عليه السلام وأنّ أوّل من سمّاهم بهذا الاسم وبذر هذه البذرة هو صاحب الدعوة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، واستمرّ بعده إلى اليوم وما بعده حتّى تقوم الساعة.
وأمّا طعنك في عترة النبي صلّى الله عليه وآله أهل بيته عليهم السلام ووصفك لهم بالآلهة ونسبتك الباطل إليهم فلعمري لقد أردت أن تذمّ فمدحت وأن تقدح فافتضحت فلم يزدهم ذلك إلّا علوّاً ورفعة ولم يؤثر فيهم إلّا عزّة ومنعة وقد اتّضح تحاملك الذميم بالإفك والزور على آل الرسول صلّى الله عليه وآله بين طبقات بني آدم ، وكيف يرتجي غير ذلك ممّن سبقه إليه سلفه « الصالح » فطعنوا في جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ونسبوا إليه الأراجيف وتربصوا به الدوائر وابتغوا له الغوائل وكتموا خلافه وأبطنوا بغضه حتّى أنزل الله تعالى في ثلبهم قرآناً ، فقال تعالى كما مرّ عليك ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) ، وقال تعالى في سورة محمد صلّى الله عليه وآله آية 30 مخاطباً نبيّه صلّى الله عليه وآله : ( لَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل ) ، وقديماً لعن الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وكلّ نبي مجاب « المستحلّين من عترة النبي صلّى الله عليه وآله ما حرّم الله » كما تقدّم البحث عنه مفصّلاً ، فأنت من تلك الشجرة المعروفة في القرآن تحاول أن تنبش عن جيفة نتنة تملئ الفضاء عفونة وسخونة ، ويقول ابن حجر في صواعقه في أواسط ص 171 من المقصد 2 من مقاصد الآية 14 من الباب 11 في فضل أهل البيت النبوي صلّى الله عليه وآله عن أبي الشيخ والديلمي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من لم يعرف حقّ عترتي فهو لاحدى ثلاث ، إمّا منافق ، وإمّا ولد زانية ، وإمّا أمرؤ حملت به اُمّه من غير طهر » فاحذر لنفسك يا ابن جبهان لئلّا تكون مشمولاً لمنطوق هذا الحديث.
أمّا إذا كنت تريد من الشيعة أن يستمعوا إلى مزاعمك جزافاً ويتقبلّوا مدّعياتك تحكّماً وإلّا أوسعتهم سبّاً وقذعاً فنقول لك أنّ ذلك ليس بأولى من عكسه بأن تقبل أنت منهم ما يقولون وتعجل بالرجوع إلى مذهبهم الإسلامي ورجوعك إليهم هو المتعيّن عليك لو كنت منصفاً ، لأنّ قولهم مدعم بأدلّة تثلج الصدور وتستولي على الألباب وتنقاد لها أعناق النقاد إلّا عنقك فإنّه لا يدين بدين ولا يرجع إلى ضمير ولا يخضع لعقل ، لذا فإنّ لسان حال الشيعي يقول مخاطباً آل الرسول صلّى الله عليه وآله :
يا بني الزهراء أنتم عدتي * وبكم في الحشر ميزاني رجح
أنا قد صح ولائي فيكم * لا أبالي أي كلب قد نبح
وهنا نريد أن نقف معك قليلاً ونسألك أسئلة بسيطة لعلّك تهتدي إلى الإجابة عنها نريد أن نقول لك لماذا يا ترى لا تهاجم اليهود والنصارى وغيرهم من الملاحدة الذين يهاجمون الإسلام وينالون من نبيّه الأعظم صلّى الله عليه وآله ويطعنون في المسلمين وفي دينهم وتهاجم الشيعة وتطعن في أئمّتهم من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله خاصّة. ولماذا يا ترى لا تهاجم الاستهتار والميوعة والتخنث والإنحطاط الخلقي المتفشية في مجتمعك الذي تعيش فيه وفي غيره من المجتمعات المعاصرة بين الرجال والنساء. ولماذا لا تطعن في الخارجين عن دين الله والحاكمين بغير ما أنزل الله في واقعك المعاش ، فهل يا ترى أصلحت العباد والبلاد وأزلت الكفر والظلم والبغي والفساد من الأرض أو أنّك على الأقلّ دعوت إلى إزالة شيء من ذلك وناديت بخطره على المجتمع الإسلامي ، أو يا هل ترى رفعت في يوم ـ ما ـ عقيرتك بالنصح لمرتكبيها أو ناشدت الحكّام بإزالتها حتّى لم يبق في الدنيا أحد غير صالح ولا مسلم إلّا الشيعة وعلى رأسهم أئمّتهم ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأعدال كتاب الله وحملة علم رسول الله صلّى الله عليه وآله وبقيته في اُمّته ، كما تقدّم البحث عنه مستوفى فجئت تقدّم لهم الشتائم باسم النصائح ، أجل يا ابن جبهان « تلك شنشنة نعرفها من أخزم ».
والشيعة يا هذا لم يطعنوا في النبي صلّى الله عليه وآله في ولا في دينه ولم يتنقصوا من قدر المسلمين الأوّلين الذين نصروا الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وإنّما ذنبهم الذي استحقّوا من أجله منك السباب والشتائم أنّهم طعنوا فيمن طعن الله ورسوله صلّى الله عليه وآله فيهم ، أمّا اليهود والنصارى والملحدون فإنّك ترى أنّهم يستحقون التقدير والإكرام لأنّهم لم يطعنوا فيمن طعن الله ورسوله صلّى الله عليه وآله فيهم وإنّما طعنوا في النبي صلّى الله عليه وآله وفي دينه كما يشف سكوتك عنهم في نشراتك وتخصيصك الشيعة بالهجوم عليهم وطعنك فيهم ، وهل هناك كفر أوضح من هذا عند من فهم ووعي.
ثمّ لماذا يا ترى لم تبذل جهودك وطاقاتك في النصح لشباب بلادك وقد غرّتهم الشيوعيّة بإلحادها في عقر دورهم وتسلقت إلى كرة أدمغتهم وسرى سمّها الفتاك في شرايينهم فطفقوا يدعون إليها ويحبذون فكرتها الهدامة لصروح الإنسانيّة ويغرسونها في أذهان البله المغفلين ، وما أكثرهم من أبناء قومك ويصوّرون لهم أنّ الشيوعية عدالة اجتماعيّة تريد بما تملك من رصيد اقتصادي ضخم أن تهيّأ الحياة المعيشيّة الحرّة الكريمة والعيش الرغيد ، فلو أخذوا بها لتخلّصوا من سيطرة الإستعمار وصنايعه ومن الفقر والفاقة والشقاء الاجتماعي التي منّوا بها من خلال الحكم القائم ، في حين أنّ الشيوعية كفر وإلحاد لا تدعوا إلّا إلى محو الإسلام محواً كاملاً من واقع الحياة وتضع مكانه عبادة الأوثان البشريّة والهياكل القذرة ، وتأمر تقديسها من دون الله وتوجب الطاعة المطلقة لها في رواسب أكارها الناتجة من عقولها المخمرة وهي أشدّ خطراً على المسلمين من الاستعمار الغربي ، فأين أنت منها يا ابن جبهان وهم يعبدون من دون الله الأوثان ولماذا لا تشمر عن ساعديك وتكشف عن ساقيك وتخوض هذا المستنقع وتنقذ عشيرتك وأهاليك من هذا الإنتحار الديني الشنيع ، والشيعة وإن طعنوا فيمن طعن الله ورسوله صلّى الله عليه وآله فيهم نزولاً على حكم القرآن وتمسّكاً بسنّة النبي صلّى الله عليه وآله ولكنّهم لا يعبدون إلّا الله ولا يطيعون سواه من المخلوقين ويؤمنون بكلّ ما جاء به النبي الأمين صلّى الله عليه وآله من عند الله ولا يشكّون في شيء منه أبداً.
فإذا كانت هذه المكاشفة الصريحة من الشيعة معك المقرونة بتلك الآيات البيّنات والصحاح المحمديّة القطعيّة الواضحات لا توقفك عند حدّك ولا تمنع عضب لسانك من مهاجمتهم في نشراتك فحينئذ نستميحك العذر في أن نتلو عليك قوله تعالى في سورة الأعراف آية 175 و 176 و 177 : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ) ، وحسبنا في جوابك هذا القدر فإنّ فيه الكفاية لمن لم يتسربل بسربال الجهل ولم يذهب عقله بتيار هواه ولم يبع آخرته بدنياه فإن ذلك داء عضال يسود منه القلب ويظلم منه الفؤاد ( بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المكرمين ومن والاهم إلى يوم الدين.
دولة الكويت
السيد بدر الدين الكاظمي
التعلیقات
٤