الوضوء في العهد الأموي ـ ١
السيد علي الشهرستاني
منذ 15 سنةالعهد الأموي « 132 ـ 40 هـ »
تمهيد
المعروف عن بني أميّة تبنيهم لقضيّة عثمان ، والمطالبة بدمه ، ونشر فضائله ، والوقوف أمام مخالفيه والحط منهم ، ومن ثمّ الالتزام بفقهه ونشر آرائه ، رغم مخالفة بعضها لصريح القرآن المجيد والسنّة النبويّة ، فهم يذيعون في الناس رأي الخليفة الأموي المظلوم وما سنه ولزوم الانتصار والاهتمام بأفكاره وإشاعة رؤاه ، فنرى بعض الأحكام الشرعيّة ـ التي صدرت في عهد عثمان ـ تأخذ طابعاً حكوميّاً وسياسيّاً في هذا العهد ، وإليك بعضها ، وستقف على المزيد منها أيضاً في أواخر هذا القسم.
الأمويّون وتبنيهم لرأي عثمان
1 ـ الصلاة بمنى :
أخرج أحمد بسنده إلى عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنّه قال : لما قدم علينا معاوية حاجاً ، قدمنا معه مكّة ، قال : فصلّى بنا الظهر ركعتين ثمّ انصرف إلى دار الندوة ، قال ـ الراوي ـ : وكان عثمان حين أتمّ الصلاة إذا قدم مكّة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنى أتمّ الصلاة حتّى يخرج من مكّة.
فلمّا صلّى ـ معاوية ـ بنا الظهر ركعتين ، نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك بأقبح ما عبته به.
فقال لهما : وما ذاك ؟
قالا : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكّة ؟
قال ، فقال لهما : ويحكم ! وهل كان غير ما صنعت ، قد صلّيتهما مع رسول الله ، ومع أبي بكر ، وعمر ـ رضي الله عنهما ـ.
قالا : فإن ابن عمّك قد كان أتمّهما ، وإن خلافك إيّاه عيب !
قال : فخرج معاوية إلى منى فصلّاها بنا أربعاً (1).
وقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال عن ابن عبّاس أنّه قال : صلّى رسول الله وأبو بكر وعمر ركعتين ، ثمّ فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثمّ صلّاها أربعاً ، ثمّ أخذ بها بنو أميّة (2).
فمعاوية لم يكن جاهلاً بصلاة عثمان إلّا أنّه أراد ـ بدهائه ـ أن يعرف مدى تأثير رأي عثمان الصلاتي في الناس وخصوصاً عند أقاربه وحاشيته !
2 ـ الجمع بين الأختين بالملك :
أخرج ابن المنذر ، عن القاسم بن محمّد : إن حيا سألوا معاوية عن الأختين ممّا ملكت اليمين يكونان عند الرجل يطؤهما ؟
قال : ليس بذلك بأس.
فسمع بذلك النعمان بن بشير ، فقال : أفتيت بكذا وكذا ؟!
قال : نعم.
قال : أرأيت لو كان عند الرجل أخت مملوكته ، يجوز أن يطأها ؟
قال : أمّا والله لربّما وددتني أدرك ، فقل لهم : اجتنبوا ذلك فإنّه لا ينبغي لهم ؟
فقال : إنّما الرحم من العتاقة وغيرها (3).
إن معاوية بإفتائه هذا كان قد اتبع فقه عثمان ، إذ أنّه كان قد أفتى بذلك.
فقد أخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب : إن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين ، هل يجمع بينهما ؟
فقال عثمان : أحلّتهما آية ، وحرّمتهما آية ، فأمّا أنا فلا أحبّ أن أصنع ذلك.
قال : فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب رسول الله (ص) ، فسأله عن ذلك ، فقال : لو كان لي من الأمر شيء ، ثمّ وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً. قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب (4).
3 ـ ترك التكبير المسنون في الصلاة :
أخرج الطبراني ، عن أبي هريرة ، وابن أبي شيبة ، عن سعيد بن المسيب : إن أوّل من ترك التكبير معاوية (5).
وجاء في الوسائل في مسامرة الأوائل : إن أوّل من نقص التكبير معاوية ، كان إذا قال : سمع الله لمن حمده ، انحطّ إلى السجود ولم يكبر (6).
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم ، قال : أوّل من نقص التكبير زياد (7).
وقد جمع ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بين الأقوال ، فقال : وهذا لا ينافي الذي قبله ، لأنّ زياداً تركه بترك معاوية ، وكان معاوية تركه بترك عثمان (8).
وقد جاء عن مطرف بن عبد الله ، قال : صلّيت خلف علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنا وعمران بن الحصين ، فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا نهض من الركعتين كبر ، فلمّا قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال :
« قد ذكرني هذا صلاة محمّد » ، أو قال : « لقد صلّى بنا محمّد » (9).
وفي لفظ آخر عن مطرف بن عمران ، قال : صلّيت خلف علي صلاة ذكرني صلاة صلّيتها مع رسول الله والخليفتين ، قال : فانطلقت فصلّيت معه فإذا هو يكبر كلما سجد وكلّما رفع رأسه من الركوع ، فقلت : يا أبا نجيد من أوّل من تركه ؟
قال : عثمان بن عفان (رض) حين كبر وضعف صوته تركه (10).
وأخرج الشافعي في كتاب الأم وكذا القزويني في التدوين من طريق أنس بن مالك ، قال : صلّى معاوية بالمدينة فجهر فيها بالقراءة ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم لأمّ القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، حتّى قضى تلك القراءة ولم يكبر حين يهوي حتّى قضى تلك الصلاة ، فلمّا سلّم ناداه من يسمع ذلك من المهاجرين من كلّ مكان : يا معاوية ! أسرقت الصلاة أم نسيت ؟!
فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أمّ الكتاب وكبر حين يهوي ساجداً (11).
وأخرج الشافعي الحديث كذلك عن طريق عبيد بن رفاعة (12) ، وصاحب الانتصار أخرجه عن طريق أنس بن مالك ، كما حكاه في البحر الزخار.
وبهذا عرفت بأن معاوية قد تبنى فقه الخليفة في تركه للتكبير المسنون ، والجمع بين الأختين بالملك وعدم الجهر بالقراءة اقتداء بعثمان !
4 ـ التلبية :
أخرج النسائي والبيهقي في سننهما عن سعيد بن جبير ، قال : كان ابن عبّاس بعرفة ، فقال : يا سعيد ، ما لي لا أسمع الناس يلبّون ؟
فقلت : يخافون معاوية ..
فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، وإن رغم أنف معاوية ، اللهم العنهم ، فقد تركوا السنّة من بغض علي (13).
قال السندي في تعليقته على النسائي : « من بغض علي » : أيّ لأجل بغضه ، أيّ : وهو كان يتقيّد بالسنن ، فهؤلاء تركوها بغضاً له (14).
وأخرج ابن حزم في المحلى : أهل رسول الله حتّى رمى الجمرة وأبو بكر وعمر (15) .. ولم يذكر عثمان.
وعن عبد الرحمن بن يزيد : إنّ عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع ، فقيل له : عن أيّ هذا ؟
وفي لفظ مسلم : فقيل : أعرابي هذا ؟!
فقال : أنسي الناس أم ضلّوا ؟ .. سمعت الذي نزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان : « لبّيك اللهم لبّيك » (16).
وفي النصّين الأخيرين دلالة إلى أن الخليفة عثمان كان لا يرتضي التلبية ، وأنّه كان قد طبع الناس على تركها ، بحيث كانوا يعتبرونها ليست من الدين ، وأنّ معاوية قد سار على نهج الخليفة كما ظهر ذلك من النصّ الأوّل.
وما كانت هذه الأمثلة إلّا نموذجاً لكثير من النصوص المبثوثة في الكتب والدالّة على التزام معاوية بنهج الخليفة وسعيه لتطبيق فقه عثمان ورأيه.
وبعد هذا .. نتساءل :
أيعقل أن يتخطّى معاوية وضوء الخليفة ، مع ما عرفت عنه من تبنيه لآرائه الفقهيّة ؟!
وماذا يجدي نقل كلّ تلك الفضائل لعثمان ، ألم تكن هي مقدّمة للأخذ بفقهه والسير على نهجه ؟
وكيف يترك معاوية فقه عثمان ، وهو الخليفة الأموي المظلوم !! ويسمح بانتشار فقه الناس المخالفين له ولعثمان ؟!
لسنا بصدد البحث في أن عثمان هل هو الذي أثر في الأمويين ، أم هو المتأثّر بهم ؟ بل الذي نودّ التأكيد عليه هو وجود الامتزاج والتلاقي في الأفكار ، وأن الخليفة والأمويين يسيران على نهج ويتابعان هدفاً واحداً ، وقد عرفت بعض الشيء وستقف على المزيد منه في بحوثنا الآتية أمّا عوامل التأثير والتأثر فهو ما يجسده واقع الحال والنصوص التاريخيّة التي أشرنا إلى بعضها سابقاً ، وسنشير إليها بالتفصيل إن شاء الله تعالى في كتابنا عن « الحكّام وتأثيراتهم في الأحكام الشرعيّة ».
مخالفة مرجعية علي العلميّة
بما أنّ الإمام عليّاً أحد الناس الذين يتحدّثون عن رسول الله في الوضوء ، فمن الطبيعي أن تواجه الحكومة الأمويّة أولئك الناس بالشدّة ، إذ أن سياستها ـ كما قلنا ـ تعتمد على أمرين :
1 ـ تبني فقه عثمان بن عفان ونشر فضائله.
2 ـ مخالفة علي في نهجه وفقهه وآرائه.
وإنّا قد فصلنا هذا البحث في كتابنا عن الحكّام ، وقلنا بأن بني أميّة كانوا على طرفي نقيض مع بني هاشم وحتّى في صدر الإسلام ، حيث التزم بنو أميّة جانب المشركين ، أمّا بنو هاشم فلم يفارقوا الرسول في جاهليّة ولا إسلام.
جاء في صحيح البخاري : إن رسول الله وضع سهم ذي القربى في بني هاشم وعبد المطلب ـ أيّام غزوة خيبر ـ فاعترض عثمان وجبير بن مطعم على حكم رسول الله ، فقال لهما (ص) : « إنّا بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد » (17).
وفي رواية النسائي : « إنّهم لم يفارقوني في جاهليّة ولا إسلام ، وإنّما نحن وهم شيء واحد » ، وشبك بين أصابعه (18).
في الجمل السابقة تعريض ببني أميّة ومدح لبني هاشم وعبد المطلب ، إذ أنّهم تحملوا أتعاب الدعوة وكانوا معه في شعب أبي طالب ودافعوا عنه بكلّ ما أوتوا من قوّة ، ولم يكونوا كغيرهم حيث دخلوا الإسلام مكرهين !
وكان هذا التمييز الشرعي لا يرضي الأمويين ، بل تراهم يشعرون بالهوان والضعة أمام الهاشميين ، لما يعرفونه من فضل بني هاشم المنافسين لهم !
ومن هنا سعوا ـ عندما وصلوا إلى الحكم ـ إلى تغيير بعض تلك المفاهيم التي طرحها رسول الله ، وتأسيس أخرى مكانها ، إذ المطلوب إضفاء الشرعيّة على ممارساتهم تلك والوقوف أمام علي .. ولذلك أقدم الأمويّون على بعض الخطوات لتنفيذ مخططهم المرسوم :
خطوات أمويّة
1 ـ التشكيك في الأحاديث النبويّة الواردة في حقّ علي ، ووضع أحاديث مشابهة في حقّ بعض الصحابة !! فقد جاء في كتاب معاوية إلى عماله :
« ... أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل بيته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته » (19).
ولما فشا ذلك ، وكثر الحديث في عثمان .. كتب إليهم :
فإذا جاءكم كتابي هذا .. فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحبّ إليّ ، وأقر لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله (20).
2 ـ السعي إلى طمس كلّ فضيلة وميزة لعلي بن أبي طالب على غيره من الصحابة ، وجعله كأحد المسلمين .. فقد رووا عن ابن عمر أنّه قال : « كنّا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحداً ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم » (21).
وما روي عن محمّد بن الحنفيّة ـ ابن الإمام علي ـ ، أن قال : « قلت لأبي : أيّ الناس خير بعد رسول الله ؟
فقال : أبو بكر
قلت : ثمّ من ؟
قال : عمر
وخشيت أن يقول عثمان. قلت : ثمّ أنت ؟
قال : أما أنا رجل من المسلمين » (22).
إن ذكرنا لهذا لا يعني التشكيك أو التعريض بالشيخين ، بل أوردناه لمخالفته للثابت الصحيح في التاريخ ، فإن عليّا كان لا يرى أحداً أحق بالأمر منه لما نصبه الرسول (ص) في حجّة الوداع ، وجعله وصيّاً له ، وهكذا الأمر بالنسبة لبقيّة المسلمين الأوائل ، فقد كانت لهم رؤي تخصّهم في الخلافة والتفاضل !
ولو صحّ ذلك وعرفه الجميع ولم يكن بالمفتعل الطائفي ، فلماذا يقول أبو بكر لأبي عبيدة : « هلم أبايعك ، فإنّي سمعت رسول الله يقول إنّك أمين هذه الأمّة وقدّمه على نفسه وعلى عمر » ، أو قوله : « وليت عليكم ولست بخيركم » (23) ...
ألم تكن هذه فضيلة لأبي عبيدة دالّة على رجحانه على أبي بكر ، أو دالّة على وجود من هو خير منه كما في النص الثاني !
وماذا يعني كلام عمر ـ قبل الشورى ـ : لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيّاً استخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّه أمين هذه الأمّة.
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّ سالماً شديد الحبّ لله (24) ، وأقواله الأخرى في علي وغيره ..
ألم تدلّ هذه النصوص على أنّ أبا عبيدة وسالماً و ... هم أفضل من عثمان ؟ .. فلو كان كذلك ، فما معنى « كنّا لا نعدل » ؟!
وماذا يعني قول ابن عوف في الشورى : « أيها الناس إنّي سألتكم سرّاً وجهراً بأمانيكم ، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين : إمّا علي وإمّا عثمان (25) .. ثمّ بدأ بعلي للبيعة وقدّمه على عثمان.
وما يعني كلام عائشة عندما سئلت عن رسول الله « لو استخلف » ؟! فذكرت أبا بكر وعمر ولم تذكر عثمان ، بل رجحت أبا عبيدة عليه (26).
ألم تكن هذه المواقف هي امتيازاً لعلي وأبي عبيدة وسالم وأنّهم أفضل من عثمان ؟
وما معنى جملة لم « نعدل » ، أو « نفاضل » وفي القوم من عدّ من العشرة المبشّرة ومن جاء فيه نصّ صريح بعلو مكانته وجلالة قدره !
3 ـ وضع أحاديث في عدالة جميع الصحابة ، كقوله (ص) : « أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم (27) و ... ، ليجعلوا أبا سفيان ، ومروان بن الحكم ، والحكم بن العاص ، ومعاوية ، وعبد الله بن أبي سرح ، والوليد بن عقبة و ... بمنزلة علي ، وفاطمة ، وابن عبّاس ، وأبي ذر و... !
وذلك بعدما عجزوا عن طمس الإسلام والوقوف أمام أبنائه ومعتقدات الناس ، فإنّهم بطرحهم هذه الفكرة وغيرها قد أرادوا نفي ما قيل في بني أميّة وما جاء في شأنهم من اللعن على لسان الرسول والقرآن المجيد ، بل جعل أقوالهم من مصادر التشريع الإسلامي ليضاهي كلام المقرّبين من أصحاب الرسول وينافسهم في أخذ المسلمين معالم دينهم عنهم.
وقد ثبت عنه (ص) أنّه كان يلعن أقطاب بني أميّة ويدعو عليهم في قنوته ، ويقول : « اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل ابن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أميّة » (28) ..
وتواتر عنه (ص) أنّه قال ـ لما أقبل أبو سفيان ومعه معاوية ـ : « اللهم العن التابع والمتبوع » (29).
وفي آخر : « اللهم العن القائد والسائق والراكب » (30) .. وأن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان منهم.
وقد اشتهرت مقولة رسول الله (ص) في مروان بن الحكم وأبيه ـ طريد رسول الله ـ : « اللهم العن الوزغ بن الوزغ » (31).
فالأمويّون سعوا لتغيير مفهوم بعض الأحاديث النبويّة الشريفة ـ ومنها أحاديث اللعن ـ ، ليجعلوا للملعونين منزلة لا ينالها إلّا ذو حظّ عظيم ، ليشكّكوا فيما صدر عن رسول الله وأن لعنه قد صدر عنه عصبيّة قبليّة كأنّه لم يكن يلتزم بأصل ثابت في الحياة ـ والعياذ بالله !
فقد روت عائشة عنه (ص) أنه قال : « اللهم أنا بشر ، فأيّ المسلمين لعنته أو سببته .. فاجعله زكاة وأجراً » (32).
وروى أبو هريرة أيضاً : « إنّما أنا بشر ، فأيّ المؤمنين آذيته ، شتمته ، لعنته ، جلدته .. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة » (33).
ونحن لا نريد أن نناقش هذين الحديثين وأمثالهما ـ وهي كثير ـ بل نريد أن يقف القارئ على دور الأمويين وكيف كانوا يريدون مسخ شخصيّة الرسول (ص) بترسيمهم شخصيّة له (ص) لا تراعي القيم والأعراف ، بل تتعدّى على حقوق المسلمين ، ثمّ يطلب الرحمة من الله لأولئك !!
كيف يلعن رسول الله من لا يستحقّ اللعنة ! أو نراه يلعن المؤمنين ، كما جاء في حديث أبي هريرة !
أم كيف يمكن أن نوفق بين هذا الحديث وما رواه عنه (ص) : « إنّي لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة » (34) وهل حقّاً أنه (ص) يطلب الرحمة لمن لعنه ؟!
وكيف يؤكّدون إذن على عدالة جميع الصحابة ، وما يعني ذلك ؟
أليس بين الصحابة مؤمنون ومنافقون ، وأليس بينهم من يحبّه الله ورسوله وهناك من يلعنه الله ورسوله ؟! ، وكيف يصحّ لنا أن نساوي بينهم ، وما الهدف من ذلك ، ومن هو المستفيد ، ولم قالوا بهذا ؟
قالوا بذلك ليساووا المجاهد بالقاعد ، والطليق بالمهاجر ، والمحاصر بالمحاصر ، والمشرك بالمؤمن .. وليجعلوا قول ابن أبي سرح والوليد ومروان يضاهي كلام علي وفاطمة وغيرهما ممّن يمكن الاطمئنان إليهم والأخذ بقولهم ، وقد تنبه الإمام علي لمخططهم ، فجاء في رسالته إلى معاوية :
« ... ولكن ليس أميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحقّ كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ... » (35).
وفي قوله لمعاوية :
« فسبحان الله ! ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجّة ... » إلى آخره.
وقد قال الجاحظ وهو في معرض إشارته للذين يعتقدون برأي الأمويين :
وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت : لا تسبّوه ـ أيّ معاوية ـ فإن له صحبة ، وسبّ معاوية بدعة (36) ، ومن يبغضه فقد خالف السنّة ، فزعمت أن من السنّة ترك البراءة ممّن جحد السنّة.
ولا نريد التفصيل في هذا البحث ، بل مكتفين بالإشارة إلى أن هذه الفكرة كغيرها إنّما هي دسيسة حكوميّة تخفي وراءها أهدافاً سياسيّة !
4 ـ إثارة مسألة عدم اجتماع الخلافة والنبوّة في بني هاشم، والتي أثيرت من قبل في اجتماع السقيفة (37) ، مع العلم بأنّهم مسلمون وجميع الناس سواسية أمام حكم الله ، وصريح قوله (ص) : « خلفائي اثنا عشر كلّهم من قريش » (38) ، ودلالة القرآن باجتماع ذلك بقوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (39).
كانت هذه بعض خيوط المخطّط الأموي ضدّ علي وبني هاشم ، وهناك الكثير لا يمكننا حصره ، وقد ثبت أنّهم كانوا يأمرون الناس بلعن علي في صلواتهم وعلى المنابر (40) حتّى قيل : بأن مجالس الوعاظ بالشام كانت تختم بشتم علي (41) ، وأنّهم كانوا لا يقبلون لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ، وقد أمر معاوية بمحو أسمائهم من الديوان (42) ..
وقيل : إن حجر بن عدي صاح بالمغيرة في المسجد قائلاً : مرّ لنا أيّها الإنسان بأرزاقنا ، فقد حبستها عنّا وليس ذلك لك ، وقد أصبحت مولعاً بذمّ أمير المؤمنين.
فقام أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق حجر وبر (43).
وقد نقلت كتب السير أن عمر كان قد قال للمغيرة بن شعبة ـ وكان أعور ـ : أما والله ليعورن بنو أميّة هذا الدين ، كما أعورت عينك ، ثمّ لتعمينه حتّى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء (44) !!
قال الدهلوي في رسالة الأنصاف :
« ولما انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قوم تولّوها بغير بغير استحقاق ، ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام ، فاضطرّوا إلى الاستعانة بالفقهاء ، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم ، وكان بقي من العلماء من الطراز الأوّل ، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا ، فرأى أهل تلك الأعصار ـ غير العلماء ـ إقبال الأمّة عليهم مع إعراضهم ، فاشتروا طلب العلم توصّلاً إلى نيل العزّ ، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين ، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلّة بالإقبال عليهم ، إلّا من وفقه الله ... ».
فإذا كانت هذه هي السياسة الحكوميّة تجاه علي وشيعته ، فهل يعقل أن تطبق السنّة النبويّة كما هي واقعاً في مثل هذا العهد (45) ؟!
وكيف بأولئك الناس الذين كانوا يتحدّثون عن رسول الله ، وهل بقي من الصحابة من له جرأة الأقدام والاعتراض ؟!!
وماذا سيكون اتّجاه الحكومة وموقفها في الوضوء ؟
هل ستسمح للناس بممارسة وضوئهم المنقول عن رسول الله (ص) أم ستواجههم بالعنف وطرق التضليل الأخرى ؟!
من الواضح ـ كما قلنا ـ أن الحكومة الأمويّة قد اتّبعت فقه الخليفة عثمان وجعلته دستور الدولة ، وأمرت الولاة والقضاة باتباعه ، ودعت إلى نشره ، فلا يعقل أن تحيد عن سياستها الكليّة في الوضوء بالذات ، بالرغم من وجود علي ابن أبي طالب ـ وهو من الذين لهم معه حساب خاصّ ـ في الجناح المقابل. وعلي رأس المحافظين على سنّة النبي في الوضوء .. هذا أوّلا.
وثانياً : المعروف أنّ الأمويّين ـ وبعد قتل الحسين ـ قد ازدادوا تنكيلاً بشيعة علي ، حتّى وصل الحال بفقهاء الشيعة أن توقّفوا عن الافتاء في مستجدات المسائل ، لصعوبة الاتّصال بأئمّتهم ، وتفشي سياسة العنف في البلاد ، وقد حدّ ذلك من ارتباط القيادة مع القاعدة ، وعليه ، نرى عمل الناس في الوضوء ـ بعد مقتل الحسين الشهيد ـ أخذ يتدرّج بالضعف أمام دعاة نهج الخليفة ، حتّى انحصر ببعض التابعين وأهل بيت رسول الله ، وإنّك ستقف على أسمائهم من قريب.
حال « الناس » في العهد الأموي
أشار الإمام علي بن الحسين إلى حال المؤمنين في مثل هذا العهد وكيف يرون كتاب الله منبوذاً وسنّة نبيّه متروكة وحكمه مبدّلاً ، فقال في دعائه :
« اللهمّ إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ... »
إلى أن يقول :... ًحتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ، يرون حكمك مبدّلاً ، وكتابك منبوذا ، وفرائضك محرفة عن جهات أشراعك ، وسنن نبيّك متروكة و ... (46)
وقال أيضاً وهو يشرح اختلاف الأمّة :
« وكيف بهم ؟
وقد خالفوا الآمرين ، وسبقهم زمان الهادين ، ووكلوا إلى أنفسهم ، يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات.
وقد انتحلت طوائف من هذه الأمّة مفارقة أئمّة الدين والشجرة النبويّة إخلاص الديانة ، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانيّة ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته ، وتحلّوا بأحسن السنّة ، حتّى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقّة ، وامتحنوا بمحن الصادقين : رجعوا على أعقابهم ناكصين سبيل الهدى ، وعلم النجاة.
وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظانّ العلم ، زعموا أنّهم على الرشد من غيهم.
وإلى من يفزع خلف هذه الأمّة ؟!
وقد درست أعلام الملّة والدين بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) (47).
فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة ؟ وتأويل الحكمة ؟ إلا إلى أهل الكتاب ، وأبناء أئمّة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجّة.
هل تعرفونهم ؟
أو تجدونهم إلّا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً ، وبرأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب (48) ؟!
وقال عليه السلام لرجل شاجره في مسألة شرعيّة فقهيّة :
« يا هذا ! لو صرت إلى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أفيكون أحد أعلم بالسنّة منّا » (49).
وقال أيضاً :
إنّ دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، لا يصاب إلّا بالتسليم.
فمن سلم لنا سلم ، ومن اقتدى بنا هدي ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه ـ ممّا نقوله ، أو نقضي به ـ حرجاً ، كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهو لا يعلم (50).
وبين الإمام الباقر سبب تأكيدهم وسرّ إرجاع المسلمين إليهم ، بأنّهم مكلّفون ببيان الأحكام للناس ، لكن السياسة الظالمة والأهواء الباطلة تمنع الأخذ منهم ، أو تمنعهم من بيانها ، فقد قال : « بلية الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا (51) ».
وبهذا فقد عرفت أن الطابع السياسي أخذ يتفشى في الشريعة شيئاً فشيئاً ، وأن الأحكام صارت تخضع لأهواء الحكّام ، وأن الفرائض الشرعيّة صارت محرّفة عن جهات أشراعها ، وأن الحكام صاروا يفتون الناس بالدين الذي يريدونه أو يستخدمون من له نفوذ وعلم لأن يفتي لهم بما يريدون ، وقد مرّ عليك سابقاً كلام ابن عبّاس ، وإنّه كان يلعن معاوية وأتباعه لتركهم سنّة رسول الله بغضاً لعلي « اللهمالعنهم فقد تركوا السنّة من بغض علي » (52).
أو أن قال : « لعن الله فلاناً ، إنّه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم ـ يعني يوم عرفة ـ لأنّ عليّاً كان يلبي فيه (53).
ونقل الشيخ أبو زهرة ما جاء عن الحكم الأموي ، منها :
لا بد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والافتاء ، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا عليّاً فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه ، وينقلون فتاواه وأقواله ، وخصوصاً ما يتّصل بأساس الحكم الإسلامي (54).
ونحن نقول هنا بما مرّ ، كيف بالحكومة تترك الناس يمارسون دورهم ، وهم من مخالفي عثمان ، في حين يتصدر علي ـ الذي يلعنونه ـ مدرستهم ؟!
وبهذا فقد عرفنا بأن لكلا الاتّجاهين ـ الناس والخليفة ـ أنصاراً وأتباعاً في الوضوء ، يذودون عمّا يرتؤونه ، وبما أن السلطة قد تبنت فقه عثمان ودعت إلى فضائله ونشرت آراءه ، فمن الطبيعي أن ينساق السواد الأعظم ـ تبعا للدولة ـ إلى وضوء الخليفة عن طيب نيّة وحسن سريرة.
وهناك مؤشّرات تدلل على أن الخلاف في الوضوء كان قائماً ـ في هذا العهد ـ على قدم وساق ، وبذكرنا بعض النصوص لخلاف الناس مع الدولة سوف يقف القارئ على حقيقة الأمر.
علماً بأن مدرسة الناس كان يتصدرها بقيّة من الصحابة وبعض التابعين ، أمّا عائشة فإنّها على الرغم من مخالفتها لسياسة عثمان وفقهه وكونها من الناس ، لكنا نراها تقف في العهد الأموي إلى جانب الحكومة لترسيخ وضوء عثمان ، مستفيدة من جملة « أسبغوا الوضوء » و « أحسنوا الوضوء » وأمثالها ، ممّا أشاعته الحكومة لتدعيم فكرة الخليفة ، بغضاً لعلي !!
نصوص لخلاف الناس مع الدولة في الوضوء :
1 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة :
أخرج مسلم في صحيحه ـ باب غسل الرجلين ـ بسنده إلى سالم مولى شداد ، قال : دخلت على عائشة (رض) زوج النبي يوم توفّي سعد بن أبي وقاص ، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضّأ عندها فقالت : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإنّي سمعت رسول الله يقول : « ويل للأعقاب من النار » (55).
وأخرج مالك في الموطأ : إنّه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على عائشة زوج النبي يوم مات سعد بن أبي وقاص ، فدعا بوضوء ، فقالت له عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإنّي سمعت رسول الله يقول : « ويل للأعقاب من النار » (56).
وأخرج ابن ماجة بسنده عن أبي سلمة ، قال : رأت عائشة عبد الرحمن وهو يتوضّأ ، فقالت : أسبغ الوضوء ، فإنّي سمعت رسول الله يقول : « ويل للأعقاب من النار » (57).
وفي مسند أحمد : ... فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإنّي سمعت رسول الله يقول : « ويل للأعقاب يوم القيامة من النار » (58).
توقّفنا هذه النصوص على ثلاث نقاط :
الأولى : معرفة تاريخ صدور الخبر ، وأنّه كان في أواخر عهد معاوية ، إذ أن سعد بن أبي وقاص توفي سنة 55 هـ ، وكانت وفاة عائشة سنة 58 هـ ، وعليه فإن صدور هذا الخبر كان في أواخر عهد عائشة ومعاوية.
الثانية : كون وضوء عبد الرحمن يغاير وضوء عائشة ، لقول عائشة له « أسبغ الوضوء ، فإنّي سمعت رسول الله يقول ويل للأعقاب من النار » ، ولما نقله الراوي « فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة ... ». ثم إن متن الرواية لها كمال الدلالة على اختلاف وضوئهما ، إذ لو كان عبد الرحمن يتّفق وضوؤه مع وضوء عائشة لما احتاجت إلى تذكيرها إيّاه بقوله (ص) : « ويل للأعقاب من النار » ولما كان هناك من داع لقولها له : أسبغ الوضوء !!
الثالثة : عدم دلالة قول عائشة : « أسبغ الوضوء » على وجوب غسل الرجلين ، إذ أن لكلمة « الإسباغ » و « ويل للأعقاب » معنى أعمّ ، ولا يمكن الاستدلال بها على المطلوب ، فإنّها لو أرادت من نقلها الدلالة على الغسل ـ كما استفاد منه مسلم والبخاري وغيرهما ـ للزمها أن تقول : اغسل رجلك ، فإنّي رأيت رسول الله يغسل رجليه ، وحيث لم تر رسول الله يغسل رجليه استدلت على وجوبه بقوله (ص) : ويل للأعقاب من النار لا برؤيتها.
وبذلك تبين أن إتيانها بهذه الجملة جاءت مجاراة للحكومة وأنّها كانت تريد الاستفادة منها لترسيخ وضوء الخليفة ! وإنّك سوف تقف في فصل « الوضوء في الكتاب واللغة » على دور الحكومة وكيفيّة تحريفها للحقائق، ومدى استغلالها المصطلحات الثانويّة كأسبغوا الوضوء ، وأحسنوا الوضوء .. في ترسيخ وضوء عثمان.
2 ـ عبد الله بن عبّاس والربيع بنت معوذ :
أخرج ابن ماجة بسنده إلى الربيع بنت معوذ أنّها قالت : أتاني ابن عبّاس فسألني عن هذا الحديث ـ تعني حديثها الذي ذكرت أن رسول الله توضّأ وغسل رجليه ـ ، فقال ابن عبّاس : إن الناس أبوا إلّا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلّا المسح (59).
ونحن نرجح صدور هذا النصّ في العهد الأموي لأمور :
1 ـ أوصلتنا البحوث السابقة إلى أن الخلاف بين المسلمين في الوضوء وقع في عهد عثمان ، ولم يكن له ذكر في عهد الرسول والشيخين ، ورجحنا كذلك أن إحداثات عثمان كانت في الستّ الأواخر من عهده ، وروينا عنه أنّه كان يمسح على رجليه في أوائل عهده ، وتوصلنا كذلك إلى أن الأمّة كانت لا ترضى عن عثمان ولم تأخذ برأيه ، وذكرنا نصوصاً كثيرة عن الصحابة ومخالفتهم إيّاه.
وعليه .. فإن جملة ابن عبّاس : « ... وإنّ الناس أبوا إلّا الغسل » لا يتناسب إلا مع افتراض صدوره في العصر الأموي ، حيث جاء انسياق الناس تبعاً لرأي للدولة.
2 ـ نحتمل صدور هذا الخبر في أوائل العهد الأموي ، أيّ فيما بين سنة 40 إلى 60 ، وذلك لسببين :
الأوّل : حالة الانفتاح واللين التي كان يمارسها معاوية مع بعض الصحابة وإمكان مناقشة ابن عبّاس مع الربيع.
الثاني : اضطهاد ابن عبّاس بعد مقتل الحسين وتخليه عن الافتاء ، حتّى قيل عنه بأنّه لما وقعت الفتنة بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان رحل مع محمّد بن الحنفيّة إلى مكّة ، وأن ابن الزبير طلب منهما أن يبايعاه فأبيا ، والجميع يعرف ما يكنه ابن الزبير لبني هاشم ، هذا عن ابن الزبير. أمّا بالنسبة إلى المروانيين ، فإن ابن عبّاس لم يكن على وفاق مع عبد الملك بن مروان وغيره .. وعليه ، فلم تكن له تلك الحريّة في عهد المروانيين حتّى يمكنه مناقشة الربيع في رأيها.
3 ـ يفهم من النصّ السابق أن ابن عبّاس جاء مستنكراً لا مستفهماً ، إذ لا يعقل أن يأخذ ابن عبّاس ـ وهو الذي عاش في بيت النبوّة ، والقائل : « نحن أهل البيت ، شجرة النبوّة ، ومختلف الملائكة ، وأهل بيت الرسالة ، وأهل بيت الرحمة ، ومعدن العلم » (60) ـ من امرأة ليست من كبار الصحابة ولا من أجلائهم.
وأن قوله لها « أبى الناس إلّا الغسل » يفهم منه أن الحالة في الوضوء أصبحت سلطوية وليست بشرعيّة وأن الكيفيّة التي روتها الربيع ترضي الناس لما فيها من ظاهر النقاء وكونها أبلغ في النظافة ، لا لشرعيّتها وورودها في القرآن والسنّة الشريفة.
3 ـ أنس بن مالك والحجاج بن يوسف الثقفي :
أخرج الطبري وبسنده إلى حميد ، قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة ، إن الحجّاج خطبنا بالأهواز ونحن معه نذكر الطهور ، فقال :
اغسلوا وجوهكم وأيديكم ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، وأنّه ليس من ابن آدم أقرب إلى خبث قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ..
فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (61).
وأخرج بلفظ آخر وسند آخر مثله.
وجاء في تفسير القرطبي بسنده عن موسى بن أنس أنّه أخبر أباه أن الحجاج أمر الناس بغسل الرجلين في الوضوء ، فقال : صدق الله وكذب الحجّاج ، قال الله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ).
أو : إنّ الحجّاج خطب في الأهواز ، وأمر الناس بغسل الرجلين في الوضوء ، قال : فسمع ذلك أنس بن مالك ، فقال : صدق الله وكذب الحجّاج ، قال الله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (62).
وذكر القرطبي ـ بعد أن قال : إن أنس كان إذا مسح رجليه بلهما ـ قال : وروي عن أنس أنه قال : نزل القرآن بالمسح (63).
وأخرج ابن كثير بسنده عن عاصم الأحول عن أنس ، أن قال : نزل القرآن بالمسح .. ثمّ قال : إسناده صحيح (64).
وأخرج السيوطي نحو ما أخرجه الطبري والقرطبي وابن كثير ، قال : وأخرج ابن جرير عن أنس أنه قال : نزل القرآن بالمسح (65).
وقال صاحب تفسير الخازن : يروى عن أنس أنه قال : نزل القرآن بالمسح (66).
وقال النيسابوري : اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما ، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عبّاس وأنس بن مالك : إنّ الواجب فيهما المسح ، وهو مذهب الإماميّة (67).
استنتاج
على ضوء النصوص السابقة نقف عند ثلاث نقاط :
الأولى : استخدام الحجّاج الرأي في إلزام الناس بغسل أرجلهم معللّاً بأنّه أقرب شيء إلى الخبث ، وإنّا قد ذكرنا سابقاً موقف الإمام علي من أصحاب الرأي ، وأنّه قال لهم : لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أولى من ظاهره ، إلّا أنّي رأيت رسول الله يمسح على ظاهره ..
وبهذا تبيّن لك أن في الوضوء اتّجاهين :
1 ـ اتّجاه الخليفة = الأخذ بالرأي (68).
2 ـ اتّجاه الناس = التعبّد المحض بما قاله الله ورسوله.
الثانية : نفهم من جملة « إنّ الحجّاج أمر الناس ... » إن الحكومة قد تبنت فقه الخليفة عثمان في الوضوء ، ودعت إليه بوائلها الخاصّة ! تلك الحكومة التي سعت في تحريف الحقائق وتغيير مفاهيم بعض الأحاديث .. وستقف قريباً على المزيد منه إن شاء الله تعالى.
الثالثة : امتداد خطّ الناس في الوضوء حتّى زمن الحجّاج بن يوسف الثقفي ، لقول موسى بن أنس « ونحن معه نذكر الطهور » وتصدّي كبار الصحابة لذلك الاتّجاه ، أمثال : أنس بن مالك ـ خادم رسول الله ـ ، وابن عبّاس ـ حبر الأمّة ـ و ...
وأن وقوف أمثال هؤلاء أمام خطّ الدولة ـ رغم كلّ الملابسات وسياسات العنف ـ ينبئ عن أصالة الخطّ وصحّة فعلهم.
فالدولة خروجاً لها من هذا المأزق وغيره ولتصحيح ما تفرضه من اجتهادات وآراء تبنّت فكرة تدوين السنّة النبويّة الشريفة ، ليكون زمام الأمور بيدها وأن لا تواجه مستقبليّاً مشكلة في نقل النصوص !! وأناطت لابن شهاب الزهري مهمّة ذلك.
جاء في كنز العمال عن أنس أنّه قال : رأيت رسول الله يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً ، وقال : بهذا أمرني ربّي عزّ وجلّ (69).
ترى كيف يأمره الله بالثالثة ونحن نعلم أنّه فعل الثانية على نحو السنّة وأعطى عليه الأجر كفلين ، وتواتر عنه في الصحاح والسنن أنّه كان يتوضّأ مرّتين مرّتين ؟ وهل بعد السنّة فرض ، وألم يحتمل أن يكون هذا الأمر مختصّاً به دون المؤمنين ؟!
وإذا صحّت هذه الأحاديث عن أنس .. فلماذا لا نراها في الكتب المعول عليها في الفقه ـ كصحيح البخاري ومسلم والصحاح الأربعة الأخرى و ... ـ ، ولماذا نرى نقل أغلب المتناقضات في الأحاديث إنما كان عن أنس وابن عبّاس وعلي وجابر ابن عبد الله الأنصاري ، فإن كان أنس بن مالك قد خلط في آخر عمره وكان يستفتي فيفتي من عقله ـ كما رواه محمّد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة ـ فكيف بابن عبّاس وعلي وجابر بن عبد الله الأنصاري واختلاف النقل عنهما في الأحكام ؟ وهل إنّهم قد خلطوا في الأحكام أو أن السياسة نسبت إليهما التناقض ، بل في بعض الأحيان التضاد ؟!
رأي وتنظير
لو دقّق الباحث النظر في الأخبار لوقف على دور السياسة في تحريف كثير من الأمور ، فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : « في المسائل الفقهيّة المستنبطة من الفاتحة » تعارض الروايات المنقولة عن أنس بن مالك في البسملة وأنه تارة يعتبرها جزء من السورة وأخرى ينفيها وفي ثالثة يتوقّف عندها.
قال الفخر الرازي :
أقول ، إن أنساً وابن المغفل خصّصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم بالخلفاء الثلاثة ولم يذكروا عليّاً ، وذلك يدلّ على إطباق الكلّ على أن عليّاً كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ثمّ ساق بعدها كلام الشيخ أبي حامد الأسفرائيني ، وهو : روي عن أنس في الباب ستّ روايات ، أمّا الحنفيّة فقد رووا عنه ثلاث روايات :
إحداها قوله : صلّيت خلف رسول الله (ص) وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله ربّ العالمين.
وثانيها قوله : إنّهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم.
وثالثها قوله : لم أسمع أحداً منهم قال : بسم الله الرحمن الرحيم.
فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفيّة. وثلاث أخرى تناقض قولهم :
إحداها : ما ذكرنا من أن أنساً روى أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار. وقد بينا أن هذا يدلّ على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم.
وثانيها : روى أبو قلابة عن أنس أن رسول الله وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وثالثها : إنّه سئل عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والأسرار به ، فقال : لا أدري المسألة.
فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب ، فبقيت متعارضة ، فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل ، وأيضاً ففيها تهمة أخرى وهي أنّ عليّاً عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلمّا وصلت الدولة إلى بني أميّة بالغوا في المنع من الجهر، سعياً في إبطال آثار علي عليه السلام ، فلعلّ أنسا خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه ، ونحن وإن شككنا في شيء فإنّا لا نشكّ أنّه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بقي عليه طول عمره ، فإن الأخذ بقول علي أولى ، فهذا جواب قاطع في المسألة » (70)
وبهذا اتّضح لك ما قلناه أن الأمويّين كانوا ينسبون إلى مخالفيهم ما يرتؤون من أفكار ، وقد وقفت سابقاً على ما نسب إلى علي وأنّه علم ابن عبّاس ـ حبر الأمّة ـ وضوء عثمان ! أو تقرير طلحة والزبير وسعد وعلي لوضوء عثمان ! وأنّه وضوء رسول الله ، مع كونهم من مخالفيه المطردين !
أو ما نسب إلى الحسين بن علي من الوضوء الثلاثي الغسلي والدعاء في غسل الرجلين (71) !
وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر أبواب الفقه ، فنراهم ينسبون أشياء لا ترتبط بفقه هؤلاء ، فمثلاً ينسبون روايات السكوت عن ظلم الحاكم ، أو بول رسول الله قائماً إلى حذيفة بن اليمان وغيره ، فما يعني ذلك ؟! الأجل معرفة حذيفة أسماء المنافقين ، وأن صدور هذه الروايات عنه هي بمثابة المبالغة في السكوت عن ظلم الحكّام ؟! وعلى فرض صحّة صدور مثل هذه الأخبار عنه .. فهي مختصّة به ، وهي بمنزلة وصيّة من رسول الله في عدم فضحه للمنافقين ـ إلا أن ترى كفراً بواحاً ـ.
أمّا تعميم ذلك على جميع المسلمين وأن نستخرج منه أصلاً شرعيّاً ، فهو تحريف للسنّة الشريفة والعقيدة الإسلاميّة الآمرة بلزوم مواجهة الظالمين ، وأن أعظم الجهاد « كلمة حقّ عند سلطان جائر » ، و « إنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس ».
فكيف يسمح الإسلام بتصدر الفاسق لإمرة المسلمين ، وسبحانه يصرح :
( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وما تعني وهذه الرؤى ؟!
هذا ، وإن موقف أنس بن مالك يدلّ على أصالة نهج الوضوء الثنائي المسحي ، لأنّه على رغم مخالفته لعلي وعدم شهادته في صدور جملة : « من كنت مولاه » (72) فيه ، تراه يدافع وبكلّ صلابة عن وضوء الناس ، فما معنى ذلك ؟!
ألم يكن لثبوته عنده ، وأنّه قد رأى رسول الله يفعل ذلك ، وأن القرآن نزل به ؟!
وكيف يترك ما شاهده عن الرسول وينساق إلى الحكّام ؟
خبر مشوه
أمّا الأمويّون ـ ومن باب الملازمة ـ فقد سعوا لتضعيف تلك الأخبار ، بما رووه عن أنس وأنّه يدعو إلى الوضوء الثلاثي ، ليعارضوا ما ثبت عنه في المسح.
أخرج الطبراني في الصغير بسنده عن عمر بن أبان بن مفضل المدني ، قال :
أراني أنس بن مالك الوضوء .. أخذ ركوة فوضعها على يساره ، وصبّ على يده اليمنى فغسلها ثلاثاً ، ثمّ أدار الركوة على يده اليمنى فتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً ، ومسح برأسه ثلاثاً ، وأخذ ماء جديداً لسماخيه ، فمسح سماخيه.
فقلت له : قد مسحت أذنيك !
فقال : يا غلام ، إنّها من الرأس ، ليس هما من الوجه ، ثم قال : يا غلام ، هل رأيت وفهمت ، أو أعيد ذلك ؟
فقلت : قد كفاني ، وقد فهمت.
فقال : هكذا رأيت رسول الله (ص) يتوضّأ (73).
ولنا على هذا النصّ عدّة مؤاخذات :
الأولى : وجود خلط في سند الحديث ، إذ فيه حدّثنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديرج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي ، حدّثني جدّي لأمّي عمر بن أبان بن مفضل.
1 ـ وهذا يدلّ على أنّ الحديث الذي رواه الطبراني عن أنس يمرّ بطبقتين ، في حين نعلم أنّه لا يمكنه رواية حديث مثل هذا إلّا عبر ثلاث طبقات أو أربع (74).
2 ـ لم يرو عن بلال بن سعد الدمشقي أحد بتلك الأسماء ، ولم يرو هو عن جدّه لأمّه ، ولم يعرف أحد بهذا الاسم في كتب الرجال (75).
3 ـ يحتمل أن يكون راوي هذا الخبر من أتباع السلطة ومن الذين يريدون نسبة ما يرتؤونه إلى الفقهاء المتعاملين ، قال أبو زرعة الدمشقي : بلال بن سعد أحد العلماء في خلافة هشام ، وكان قاصاً حسن القصص ، وعليه فالاطمئنان لمثل هذه الأخبار لا يميل إليه القلب.
الثانية : إنّ راوي الخبر السابق ليس من الرواة المعروفين برواية الحديث ولا من المهتمّين به ، ويكفي قول الطبراني عنه « لم يرو عمرو بن أبان عن أنس حديثاً غير هذا ».
الثالثة : لو سلّمنا جدلاً صحّة الرواية ، فنرجح صدورها في زمن الحجّاج بن يوسف الثقفي وعهد عبد الملك بن مروان لمعرفتنا باتّجاهه ومواقفه في الوضوء.
وإن تنكيله بالصحابة ومعارضته إيّاهم إنّما هو لتحديثهم عن رسول الله وثباتهم على السنّة الشريفة.
فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش :
كتب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان : يا أمير المؤمنين إنّي قد خدمت محمّداً تسع سنين ـ وفي لفظ آخر : إنّي خدمت النبي تسع سنين ـ ، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلاً خدم نبيّهم لأكرموه ، وأن الحجّاج يعرض بي حوكة البصرة ..
فكتب عبد الملك إلى الحجّاج يأمره بالاعتذار من أنس ، فجاء الحجّاج إلى أنس ، وما أن سمع بذلك ، حتّى خرج أنس يمشي حتّى دنا منه ، فقال : يا أبا حمزة ، غضبت ؟
قال الحجّاج : أغضب ! تعرضني لحوكة البصرة ؟
قال أنس : يا أبا حمزة ، إنّما مثلي ومثلك كقول الذي قال : إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، أردت أن لا يكون لأحد عليّ منطق (76).
بهذا المنطق كانوا يقابلون الصحابة ويسعون لتطبيق آرائهم ، فهل يمكن لأحد أن يطمئن لأحاديث أنس وغيره التي وقعت تحت الضغط وجور الحكّام ؟!
الرابعة : إن قول الراوي « فقلت له : قد مسحت أذنيك ، فقال : يا غلام ... »
تفهم أن الراوي كان لا يستسيغ ولا يرتضي مسح الأذنين ، بل نراه قد فوجئ بهذا الفعل من أنس ، وأن تأكيد أنس له « وأنّها من الرأس لا من الوجه » وكذا قوله :
« هل رأيت وفهمت ، أو أعيد عليك ؟ فقلت : قد كفاني ، وقد فهمت » .. تدلّل على أن مسح الأذنين لم تكن من سيرة المسلمين وأنّه قالها بحالة غضب وانفعال ، وكذا الحال بالنسبة إلى تثليث الغسلات وخصوصاً في الرأس منه ، حيث إن هذا الفعل لم يلحظ في جميع الوضوءات البيانيّة المنقولة عنه (ص). وعليه ، فيحتمل أن يكون هذا الخبر ـ على فرض صحّة صدوره ـ هو ممّا يستدلّ به لنصرة المذهب المالكي ، إذ أنّهم يؤكّدون على مسح جميع الرأس ، لقولهم بأن الباء في السورة جاءت للالصاق ، وبهذا فإن هذه الرواية وغيرها تفيد هذا المذهب بالخصوص ، ولم توافق غيرها من المذاهب.
هذا وإنّا لم نلاحظ في هذا الخبر حكم الأرجل ، هل هو المسح أم الغسل ؟ ..
ولكن ، بما أن الثابت عنه هو المسح ـ وهو ما لا يعجب الحكّام ـ فتركوا ذلك واستفادوا من الدلالة الالتزاميّة وفعل الثلاث للدلالة على أنّه كان يغسل ولا يمسح !!
كلّ ذلك ليضعفوا ما له من أخبار مع الحجّاج وتأكيده على المسح !! ولندرس حديثاً آخر :
أخرج الطبراني في الصغير ، عن إبراهيم بن أبي عبلة : سألت أنس بن مالك (رض) كيف أتوضّأ ، ولا تسألني كيف رأيت رسول الله (ص) يتوضّأ ، رأيت رسول الله يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً ، وقال : بهذا أمرني ربّي عزّ وجلّ (77).
هذه الرواية كغيرها تؤكّد على وجود الخلاف حول الوضوء في العهد الأموي وأن أحد محاور الخلاف الغسل الثلاثي للأعضاء.
نحن لا نريد مناقشة هذه الروايات أو تلك ، بل نريد أن ننوه بأنّ السياسة هي وراء طرح بعض المفاهيم السائدة اليوم .. ولو درسنا تلك النصوص بروح علميّة لا يخالطها التعصّب ، لوقفنا على حقائق مرّة لا يطيق سماعها العامّة !! بل نرى دور السياسة وتلاعبها في مصادر التشريع عبر تدوين ما يفيدها وطرح ما يغيظها ، ونشاط حركة تدوين الحديث واللغة والتاريخ وما شاكل ذلك جاء وفقاً لمتطلبات الحكومات وأهوائها (78) ممّا يضطرنا إلى تمحيص وتدقيق ملابسات التشريع وزمن تدوين أصولها وبيان ما رافق السنّة من ملابسات.
وإن توسعتنا لدائرة هذه البحوث لا يعني خروجاً عن الموضوعيّة في البحث وإثارة أمور جانبيّة نحن في غنى عنها ، بل اعتقادنا أن قوام البحث يبتني على شرح قضايا كهذه ، وقد وضّحنا سابقاً في مقدّمة الكتاب وآلينا على أنفسنا أن ندرس الحدث من جميع جوانبه التاريخيّة والتشريعيّة والسياسيّة ، واعترضنا على الذين اكتفوا بدراسة الأسانيد دون معرفة ملابسات التشريع.
إذن ، فخروجنا وتخطينا لما نعتقده هو نقص ، إذ لا يمكننا الوقوف على الأحكام بصورتها الواضحة إلّا ببيان مثل هذه القضايا ، وإليك أحد تلك المواضيع الدخيلة والمؤثّرة في فهم الشريعة :
تدوين السنّة النبويّة ، ودور الحكّام فيه :
يبدو أنّه لما عاجلت المنيّة عمر بن عبد العزيز أعرض ابن حزم عن كتابة الحديث ، خاصّة لما عزله يزيد بن عبد الملك ، ـ الذي تولّى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز سنة 101 هـ ـ ، وكذلك توقّف كلّ من كانوا يكتبون مع أبي بكر ، وفترت حركة التدوين ، إلى أن تولى هشام بن عبد الملك سنة 105 هـ ، فجد في هذا الأمر ابن شهاب الزهري المتوفى سنة 124 هـ بل قالوا : إنّه أكرهه على تدوين الحديث ، لأنّهم كانوا يكرهون كتابته ـ كما سيتبيّن لك بعد ـ ولكن لم تلبث هذه الكراهيّة أن صارت رضا .. ولم يلبث ابن شهاب أن صار حظيا عند هشام ، فحجّ معه ، وجعله معلّم أولاده ، إلى أن توفّي قبل هشام بسنة ، وتوفّي هشام سنة 125 ، وبموته تزعزع ملك بني أميّة ، ودب فيه الاضطراب (79).
وقد حدث معمر عن الزهري ، أن قال : كنّا نكره كتابة العلم ، حتّى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء ، فرأينا أن لا نمنعه أحداً من المسلمين (80).
وفي آخر : استكتبني الملوك فاكتبتهم ، فاستحيت الله إذ كتبتها للملوك ولا أكتبها لغيرهم (81).
والآن ، نتساءل .. من هم أولئك الحكّام الذين يدعون إلى تدوين السنّة الشريفة ؟! ألم يكونوا هم أبناء أبي سفيان ، والحكم بن العاص ومن يماثلهم ؟
أليس هم الذين وقفوا بوجه النبي ، ولم يدخلوا في الإسلام إلّا مكرهين ؟!
ألم يقل أبو سفيان : فوالذي يحلف به أبو سفيان .. لا جنّة ولا نار (82).
ألم يكن هو القائل : يا عثمان ، إن الأمر أمر عالميّة ، والملك ملك جاهليّة فاجعل أوتاد الأرض بني أميّة. (83) ؟!
وروي عنه أنّه رفس قبر حمزة وضربه برجله ، وقال : يا أبا عمارة ! إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف ، صار في يد غلماننا ، يتلعبون به (84) !
ألم يكن هؤلاء الغلمة هم المعنيين بقوله (ص) : « هلاك أمّتي على يدي أغيلمة سفهاء قريش » (85) ؟
ألم يقف يزيد من الحسين ، ومعاوية من علي ، موقف أبي سفيان من رسول الله ، وموقف المشركين من الإسلام ؟!
وكيف يستأمن بنو مروان على ودائع النبوّة ، وقد لعن رسول الله جدّهم وأباهم ، بقوله : « اللهم العن الوزغ بن الوزغ » ، وطردهما من المدينة !!
أم كيف يجوز أخذ الأحكام من معاوية ، وهو الذي قال للمغيرة ـ وذلك عندما طلب منه ترك إيذاء بني هاشم لأنّها أبقى لذكره !! ـ : ... هيهات ! هيهات !
أي ذكر أرجو بقاءه ؟! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : أبو بكر.
ثمّ ملك أخو عديّ ، فاجتهد ، وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر.
وأن ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فأيّ عمل يبقى ؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا ! لا أباً لك ! لا والله إلّا دفنا دفنا (86).
أو قوله لما سمع المؤذّن يقول « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : لله أبوك يا ابن عبد الله ! لقد كنت عالي الهمّة ، ما رضيت لنفسك إلّا أن تقرن اسمك باسم ربّ العالمين (87).
والقائل لما دخل الكوفة : إنّي والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنّكم لتفعلون ذلك ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون (88).
وهل ينسى أحد فعلة يزيد مع الحسين وسبيه لنسائه وأهل بيته .. وهدمه للكعبة .. وإباحته للمدينة ثلاثة أيّام ، وتسميتها بالخبيثة بدل الطيبة ، مراغمة للنبي وأهل بيته (89) ؟!
فكيف يجوز إذن أن نأخذ الأحكام من أمثال هؤلاء ؟!
أم كيف تطمئن نفوسنا بمرويّاتهم وكيف نأتمنهم على كنوز النبوّة ، مع ما عرفنا من مكرهم وحيلهم وموقفهم من رسول الله ، وبثّهم روح العصبيّة والتفرقة بين المسلمين ؟
وهل يمكن لأحد أن يطمئن لفقه الحجّاج الذي يرجح عبد الملك بن مروان على رسول الله ! ولا يرضى بزيارة قبر الرسول !!
فقد جاء في رسالة الحجّاج إلى عبد الملك :
... إن خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم ، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة من المرسلين (90).
والقائل لجمع يريدون زيارة قبر رسول الله من الكوفة : تبّاً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورمة بالية ، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله (91) ؟!
هل يمكن أن يطمئنّ أحد لمرويّات أمثال هؤلاء ، وهذا موقفهم من رسول الله وتصويرهم لمرقده (ص) ؟!
أم كيف يمكن استيداعهم السنّة النبويّة ؟!
هذا وإنّا لا يمكننا حصر أقوال الحجّاج ، وذكر جرائمه ـ بهذه العجالة ـ .. فقد رمى الكعبة بالمنجنيق ـ عندما حارب ابن الزبير ـ (92) وقتل الآلاف ، وسجن أكثر منها !
وقد نقل أن سليمان بن عبد الملك لما ولي أطلق في يوم واحد من المسجونين واحداً وثمانين ألفاً من الأسراء ، ووجد ثلاثين ألفاً ممّن لا ذنب لهم ، وثلاثين ألف امرأة (93).
ووصل الأمر به أن قال عمر بن عبد العزيز عنه : لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها ، وجئنا بالحجّاج .. لغلبناهم (94).
وقال عاصم : ما بقيت لله عزّ وجلّ حرمة إلّا وقد ارتكبها الحجّاج (95).
ونقل ابن عساكر : إنّ الحجّاج ادّعى نزول الوحي عليه ، وأنّه كان لا يعمل إلّا بوحي من الله (96) !
وصدق تنبؤ النبي فيه ، حين قال : « إن في ثقيف مبيراً وكذّاباً » (97).
وقالت له أسماء بنت أبي بكر : أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله (ص) (98).
فهل يثق أحد بعد هذا بفقه الحجّاج وأمثاله من الأمويين ، والذي كان يقول :
اتّقوا الله ما استطعتم ، فليس فيها مثنوية ، أو اسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان (99) !
وهو القائل :
« يزعم ابن مسعود إنّه يقرأ قرآناً من عند الله ، والله ما هو إلّا رجز الأعراب (100) !
التشريع وبعض ملابساته
لا أدري هل فكر السادة العلماء والأخوة الأفاضل في سبب حصر الفقهاء في هذا العهد بسبعة أو تسعة !
وماذا يعني هذا ؟
ومن هم ، ومدى تأثرهم بالسلطة .. مع وجود فقهاء كبار ، كعلي بن الحسين ، وسفيان بن عيينة ، والثوري ، ومحمّد بن علي الباقر ، وابنه جعفر الصادق ، وغيرهم.
ولماذا لقب ابن عمر بـ « فقيه الإسلام » ، وأبو هريرة بـ « راوية الإسلام » ، وعائشة بـ « أم المؤمنين » وأخذت الأحكام منهم ، ودارت على أقوالهم رحى الشريعة .. ولماذا لا نرى للآخرين من الصحابة مثل ذلك الدور ؟!
ابن عمر فقيه الإسلام
إذا كان الأخذ بكلام ابن عمر هو لقرابته من الخليفة عمر ، فهناك من هو قريب إلى أبي بكر كمحمّد ابنه ! وإن كان قد نال هذا المقام لفقاهته فهناك الكثير من الفقهاء لم يحظوا بما حظي به.
وكيف ترانا قادرين أن نأخذ بفقهه ، ونلاحظ فتاواه تخالف السنّة النبويّة ، وأن عمر لم يستخلفه على المسلمين ، لأنّه لم يحسن طلاق امرأته (101) : ويقول عنه الآخر : ليس ابن عمر بأفقه منّي ، ولكنّه أسن (102) ، بل يقول عنه الشعبي : كان ابن عمر جيّد الحديث ، ولم يكن جيّد الفقه (103) ، ويقول عنه إبراهيم النخعي ـ لما ذكر له ابن عمر وتطيبه عند الأحرام : ما تصنع بقوله ؟! (104)
1 ـ ونرى عائشة تخالف فقهه أيضاً ، فقد روي : إنّه بلغها قول ابن عمر في القبلة الوضوء ، فقالت : كان رسول الله (ص) يقبل وهو صائم ، ثمّ لا يتوضّأ (105)
2 ـ أو نراه يجهل ترخيص الرسول للنساء بلبس الخفّين إذا كن محرمات ، ولما أخبرته صفيّة ، عن عائشة أنّها تفتي النساء أن لا يقطعن .. فانتهى عنه (106) !
3 ـ وكيف يجوز أن نتبع فقيهاً لا يعلم بتحريم الرسول كراية المزارع ، وأنه كان يكريها ، منذ عهده (ص) إلى أواخر عهد معاوية ! ـ أيّ قرابة خمسين عاماً ، لا يعرف حكم هذه المسألة ـ ولما أخبره رافع بن خديج كفّ عنها (107).
4 ـ وقد أخرج الطبراني عن موسى بن طلحة ، قال : بلغ عائشة إنّ ابن عمر يقول : إن موت الفجأة سخط على المؤمنين.
فقالت : يغفر الله لابن عمر ! إنّما قال رسول الله : موت الفجأة تخفيف على المؤمنين ، وسخط على الكافرين (108).
5 ـ وأخرج البخاري وأحمد ، من طريق ابن عمر .. بأن رسول الله وقف على قليب بدر فقال : يا فلان ! يا فلان !.. هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً ؟ أما والله إنهم لا يسمعون كلامي.
فقالت عائشة : غفر الله لأبي عبد الرحمن ! إنّه وهم إنّما قال رسول الله : والله إنّهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم حقّاً (109).
6 ـ وأخرج أحمد في مسنده ، عن عائشة .. إنّه بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه أنّ رسول الله قال : الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.
فقالت : يرحم الله عمر وابنه ! فوالله ما هما بكاذبين ولا مكذّبين ولا متزيدين إنما قال ذلك رسول الله في رجل من اليهود ، ومرّ بأهله وهم يبكون عليه ، فقال (ص) : إنّهم ليبكون عليه ، وأنّ الله عزّ وجلّ معذّبه في قبره (110).
وقد ظنّوا بأنّ العذاب معلول البكاء عليه ، وأن هذا البكاء يؤذي الميّت ، في حين نعلم أن الرسول قد بكى على الميّت ، وأمر أصحابه في البكاء على عمّه حمزة .. وعليه ، فإن الأخذ بهذه الأخبار على ظاهرها يوجب الوهم كما أوجب لعمر وابنه !!
7 ـ ومنها : ما أخرجه أحمد في مسنده ، عن ابن عمر ، أنّه قال : قال رسول الله : الشهر تسع وعشرون ، وصفق بيديه مرّتين ، ثمّ صفق الثالثة ، وقبض إبهامه.
فقالت عائشة : غفر الله لأبي عبد الرحمن ! ما هكذا قال رسول الله ، ولكن قال : إنّ الشهر قد يكون تسعاً وعشرين (111).
وبهذا ، نكون قد وقفنا على مجمل اجتهادات ابن عمر ، وعرفنا أنّه كان يتسرع في الافتاء ، ويعمل ـ في بعض الأحيان ـ بوهمه ـ كما قالت عائشة ـ ويعتبر ذلك اجتهاداً منه فتراه ينسب إلى رسول الله أنّه قال الشهر تسع وعشرون. وإذا كانت ليلة تسع وعشرين ، وكان في السماء سحاب أو قتر ، أصبح ابن عمر صائماً (112) ، أو نراه يقول عن موت الفجأة ، والبكاء على الميّت ، وغيرهما ما قرأت ! في حين نرى عائشة تصحّح آراءه وتوقفه على وهمه ، ولها نصوص أخرى معه ، أعرضنا عن ذكرها مخافة الإطالة.
نعم قد ضعف بعض الأعلام بعض تلك الأحاديث ، لكن تضعيف جميع تلك الأحاديث ليس باليسير.
وبعد هذا لا ندري هل هناك اليوم من يقف عند أحاديث ابن عمر ويصحح تلك الاجتهادات ، كما فعلته عائشة وغيرها ؟
أم إن آراءه تؤخذ في الشريعة بدون أيّ دراسة ؟
وكيف تطمئنّ نفوسنا إلى فقه ابن عمر ، وقد رأينا أنّه ظلّ مدّة خمسين سنة لا يعرف حكم كراية المزارع ، ويتطيّب وهو محرّم ، أو ما شابه ذلك ؟! وهل نقل كلّ تلك الأخبار عنه كذب ؟!! فما وجه تأويلات الفقهاء لكلام ابن عمر إذن ؟ أم إن جميعها صحيح ، أم هناك تبعيض ؟! وهل من يناقش أحاديثه اليوم !
أبو هريرة راوية الإسلام نترك ابن عمر وننتقل إلى أبي هريرة .. إذ نراه يختصّ بذلك العدد الهائل من المرويّات التي شغلت جميع الأبواب في الفقه دون غيره من كبار الصحابة !
وكيف ترى أبا هريرة يعي كلام رسول الله ، وهو أمّي ! ويختصّ بجرابين منه (ص) (113) .. في حين لا يعي ذلك أصحابه المقرّبون والسابقون الأوّلون ؟!!
وما الفائدة بإفضاء الأسرار إليه دون الخلفاء ؟
ولماذا لم يسطع نجمه في عهد الرسول والشيخين ؟
بل ترى أن عمر يهدّده بالضرب ، بل يضربه بدرته ، وعائشة تكذبه وكذا علي ... ؟
وكيف يختصّ بهذه الميّزة ، وهو ليس من السابقين الأوّلين ، ولا من المهاجرين ، ولا من الأنصار ، ولا من أهل العقبة الأولى ولا الثانية ، ولا من العرفاء ، ولا من الكملة والمخضرمين في الجاهليّة والإسلام ؟!
وكيف يصحّ أن نأخذ الحديث منه ، وهو لم يسلم إلّا في السنة السابعة ، وأن أكثر أحاديثه لم يسمعها من النبي ، وإنما سمعها من الصحابة والتابعين ، فإذا كان جميع الصحابة عدولاً في الرواية ـ كما يقول جمهور المحدّثين ـ فالتابعون ليسوا كذلك !!
ألم يكن من الطبيعي أن يروي هذا العدد من الأحاديث ، الصحابة المقرّبون الذين عايشوا الرسول لزمن طويل ؟
وكيف نرى كلّ ذلك لرجل لم يصاحب النبي إلّا عاماً وبضعة أشهر على قول (114) وثلاث سنين على قول آخر (115) ، وأربع سنوات على أبعد الأقوال (116) ؟!
قال الإمام السيّد شرف الدين في معرض حديثه عن كمية حديث أبي هريرة :
أجمع أهل الحديث على أنّه أكثر الصحابة حديثاً ، وقد ضبط الجهابذة من الحفظة الاثبات حديثه فكان خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين مسنداً ، وله في البخاري فقط أربعمائة وستّة وأربعون حديثاً.
وقد نظرنا في مجموع ما روي من الحديث عن الخلفاء الأربعة فوجدناه بالنسبة إلى حديث أبي هريرة وحده أقل من السبعة والعشرين في المائة ، لأنّ جميع ما روي عن أبي بكر إنّما هو مائة واثنان وأربعون حديثاً ، وكلّ ما أسند إلى عمر إنما هو خمسمائة وسبعة وثلاثون حديثاً ، وكلّ ما لعثمان مائة وستة وأربعون حديثاً ، وكلّ ما رووه عن علي خمسمائة وستّة وثمانون مسنداً ، فهذه ألف وأربعمائة وأحد عشر حديثاً ، فإذا نسبتها إلى حديث أبي هريرة وحده ـ وقد عرفت أنّه 5374 ـ تجد الأمر كما قلناه.
فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة ، وتأخّره في إسلامه ، وخموله في حسبه وأميته ، وما إلى ذلك ممّا يوجب إقلاله ، ثمّ لينظر إلى الخلفاء الأربعة وسبقهم واختصاصهم وحضورهم تشريع الأحكام ، وحسن بلائهم في اثنتين وخمسين سنة ، ثلاث وعشرون كانت بخدمة رسول الله ، وتسعة وعشرون من بعده ساسوا فيها الأمّة وسادوا الأمم ، وفتح الله لهم ملك كسرى وقيصر.
إلى أن يقول وهو في معرض مقايسة أحاديثه بأحاديث عائشة :
... مع هذا فإن جميع ما روى عنها إنّما هو عشرة مسانيد ومائتا مسند وألفا مسند ، فحديثها كلّه أقلّ من نصف حديث أبي هريرة ، ولو ضممت حديثها وحديث أمّ سلمة مع بقائها إلى ما بعد واقعة الطف وجمعت ذلك كله إلى حديث البقيّة من أمّهات المؤمنين ، وحديث سيّدي شباب أهل الجنّة وسيّدة نساء العالمين وحديث الأربعة من خلفاء المسلمين ، ما كان كلّه إلّا دون حديث أبي هريرة وحده (117).
وبعد هذا نعاود السؤال : كيف يختصّ أبو هريرة بهذا العدد ويمتاز على بقيّة الصحابة بهذه الكثرة الكاثرة من الروايات ؟!
ولماذا نرى أغلب الروايات التي تمسّ شخصيّة الرسول ، والمثبطة لعزائم المسلمين ، والداخلة في مخطّط خدمة المصالح الأمويّة إنّما تصدر عن أمثال أبي هريرة ؟!
ولم يروي أبو هريرة ـ واللفظ لمسلم ـ عرسنا مع نبي الله ، فلم يستيقظ حتّى طلعت الشمس (118) !!
وروى : أقيمت الصلاة ، وعدلت الصفوف .. فلمّا قام رسول الله في مصلّاه ذكر أنّه جنب (119) !
أو أن قال : إنّ الشيطان عرض لي ، فشد عليّ (120) !
ولماذا نرى صدور أمثال هذه الروايات عن أبي هريرة وأضرابه ؟
وهل تصدق صدور هذه الأفعال عنه (ص) ، وهو الإنسان الكامل ، وخليفة الله في أرضه !
وكيف يمكن للشيطان أن يتجرّأ على مشاغلة رسول الله وهو في صلاته والصلاة معراج المؤمن ، ورسول الله سيّد المؤمنين ؟!
أم كيف لم يستيقظ (ص) حتّى تطلع الشمس ، وهو الذائب في الله ، والذي لا يفرغ قلبه لحظة واحدة عن ذكره ! أولم يخاطبه تعالى بـ : ( طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) .. أولم يكن مأموراً بإحياء الليل ، ( قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ.. ) (121) ... فكيف به يترك الفريضة الواجبة ؟! وهل يحقّ لنا أن نصدق هذا عنه (ص) ؟!
علماً بأن أبا هريرة نفسه قد روى عنه (ص) : « ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبّوا ، لقد هممت أن آمر المؤذّن فيقيم ، ثمّ آمر رجلاً أن يؤمّ الناس آخذاً شعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد الأذان » (122).
فإذا كان هذا التأكيد على صلاة الصبح ، فكيف به لم يستيقظ حتّى طلعت الشمس !!
أم كيف يجرؤ الشيطان على مشاغلته ، وهو الذي عقر بمولد النبي (ص) ، ودهش بمبعثه ، وماث كالملح في الماء ؟!
ثمّ .. ألم يناقض ذلك ما رواه نفسه : إذا نودي للصلاة ، أدبر الشيطان وله ضراط حتّى لا يسمع التأذين ، فإذا قضى النداء ... (123) !
وإذا كان هذا لأيّ مسلم ، فكيف به مع من هو ذائب في ذات الله ، وهو في رحاب الخلوة به ؟
ألم يقل سبحانه وتعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (124) ..
نعم ، يصحّ ذلك فيمن انغمس في اللهو وغفل عن طاعة الله ، من أمثال :
الوليد ، الذي صلّى الصبح أربعاً ، وغيره من خلفاء اللهو والمجون إمّا أن نتصوّر ذلك في رسول الله ! فهذا محال قطعاً.
وفي اعتقادنا أن الغاية من نقل هذه الأحاديث إنّما هي النيل من شخصيّة النبي الأكرم (ص) والمساس والتعريض بمكانته المعنويّة ! ولو بحث المطالع ـ بتجرّد ـ عن المنتفع والمستفيد من وراء بثّ مثل هذه الأحاديث ، لعرف أنّهم الأمويّون وأعداء الإسلام لا غير.
روايات أخرى لأبي هريرة :
هذا وقد تجاوز أبو هريرة حدود المسّ بشخصيّة رسول الله (ص) وتعدّاها إلى بقيّة الأنبياء والرسل ! .. وإليك بعضاً من مرويّاته تلك :
فتراه ينقل عن موسى (ع) بأنه : لطم ملك الموت ، ففقأ عينه فرجع إلى ربّه (125) !
أو إنّه ـ موسى ـ : خرج عرياناً ، فنظر بنو إسرائيل إلى سوأته (126) !
أو إنّه : أمر بإحراق قرية النمل ، لقرص نملة إيّاه (127) !
كما نسب الشك إلى إبراهيم (ع) بقوله ( ... أَرِنِي ... ) وروى عن الرسول بأنّه قال : « نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم » (128) !
وندد بلوط ، لعدم ثقته بالله !
وفضل يوسف على رسول الله (ص) ، لصبره ولبثه في السجن !
وحدث عن سليمان بأنّه : نقض حكم أبيه (129) !
أو طوافه بمائة امرأة في ليلة واحدة (130).
ونزول جراد من ذهب على أيّوب (131) !
وقول رسول الله : من قال إنّ رسول الله خير من يونس بن متي فقد كذب (132) !
أو : إن الناس يفزعون يوم القيامة إلى آدم ، فنوح ، فإبراهيم ، فموسى ، فعيسى رجاء شفاعتهم.
فيقول آدم : إنّي عصيت الله ، حين نهاني عن الشجرة ، فلا يمكنني أن أتشفع لكم.
فيذهبون إلى نوح ، فيقول : إنّي قد دعوت على قومي ، فلا يمكنني أن أتشفع لكم.
فيذهبون إلى إبراهيم ، فيقول لهم : إنّي قد كذبت ثلاث كذبات !!
وموسى يقول : قتلت نفساً ! ... وهكذا عيسى .. ثمّ يصل إلى محمّد (133) ...
كلّ ذلك انتقاصاً من الرسل وغمزاً في الرسالة.
بهذا ، فقد وقفت على سرّ اختيار أبي هريرة من بين الصحابة ، وقد عرفت السمة التي رفعته على أقرانه !!
عائشة أمّ المؤمنين !
ونأتي الآن إلى عائشة ، وما الغاية في التأكيد على رأيها في الأحكام ، وهل حقّاً إنّها تمتاز على ضراتها من أزواج النبي ، ولم ؟!
إن قيل : لقربها من النبي ، وكونها زوجه ، وأمّ المؤمنين ، وبنت أبي بكر الصدّيق فهناك بين نساء النبي من لهن نفس المواصفات المذكورة ، فحفصة مثلاً هي زوج النبي ، وأم المؤمنين ، وبنت عمر بن الخطاب.
وإن قيل : لطول مصاحبتها للنبي (ص) ، فهناك من هو أقدم منها في الصحبة ، بل وحتّى بين نسائه ـ وإن نساء النبي اللواتي عاصرن عائشة كثيرات ، وبعضهنّ قد توفين بعدها ، فالسيّدة أمّ سلمة ماتت سنة 59 هـ ، وقيل بعد ذلك ، وكانت قد أوصت أن لا يصلّي عليها والي المدينة !
أمّا عائشة فقد توفّيت سنة 57 أو 58 هـ ، أيّ في زمن معاوية بن أبي سفيان ، وصلّى عليها أبو هريرة حينما كان يخلف مروان على المدينة !
وكذا الحال بالنسبة إلى صفية المتوفّاة سنة 52 ، وجويرية بنت الحارث التي كانت وفاتها سنة 50 وقيل 56 ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان المتوفّاة في سنة 54 ، وميمونة بنت الحارث وهي آخر من ماتت من زوجات النبي (ص) ، فقد توفّيت سنة 61 هـ وأغلب هذه النسوة قد عاصرن عائشة ، فلماذا لا نرى لإحداهنّ نصيباً في بيان الأحكام كعائشة ؟
ولماذا لا يكون لهنّ بيان في أحكام النساء مثلما كان لها ؟
وما السرّ في اختصاص عائشة بذلك العدد الكبير من الروايات من بين نساء النبي (ص) ، هل للحكومة دور في تقوية مكانتها ؟! بل ما هو سرّ انفرادها في نقل بعض الأحكام ؟!
إنّا لو جمعنا الأحاديث المرويّة عن نساء النبي (ص) ـ غير عائشة ـ لما بلغ عشر ما روته عائشة بمفردها عنه (ص) .. فما يعني ذلك ؟
إذا كان لنسبها وقربها من النبي ـ كما قلنا ـ دخل في ذلك الأخريات ، علماً أن معيار التفاضل في القرآن هو التقوى وليس النسب والقرابة ... ، ولو كان للقرابة رجحان ، لما لعن الله تعالى أبا لهب وهو عمّ النبي بقوله : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ، مَا أَغْنَى? عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ، سَيَصْلَى? نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ).
إنّ العمل هو الميزان في ثقافة القرآن ، والعلم هو المعيار في التفاضل ، وإن التقييم يرجع إلى التقوى لقوله (ص) : « لا فضل لعربي على أعجميّ إلّا بالتقوى » (134) وإن كانت القرابة بحدّ ذاتها شرفاً عظيماً ، يضفي على القريب المنزلة ، أمّا عدم مناقشة مروياتها لقربها من الرسول ، فهذا ما يجب ورود نصّ فيه.
ثمّ كيف يصح أن يلغي بعض المسلمين كلّ الامتيازات عن علي وفاطمة مع عرفانهم بمنزلتهما عند الرسول ، ولكنّهم يزعمون في الوقت نفسه بأن قرب عائشة أو صحبة معاوية وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص وأضرابهم كافية للأخذ بكلّ ما يقولونه لقوله (ص) عنهما كذا وكذا ، على الرغم من كون بعضهم من الطلقاء والملعونين !
وعليه .. فقد توصلنا إلى أن علّة القرابة لم تكن هي الموجبة لتقديمها على مثيلاتها من زوجات النبي (ص).
ولو قيل : بأن ذلك جاء لفقهها وقوّة استنباطها. فهذا ما يجب التحقيق فيه ، ولو صحّ ذلك .. فلماذا نرى الشيخين يندر أن يسألاها عن حكم شرعي (135) رغم احتياجهما إلى معرفة الكثير من الأحكام ؟
ولماذا نرى الناس يعارضونها في رأيها ، فقد أخرج الطحاوي بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : إن عائشة حين توفّي سعد بن أبي وقاص قالت :
ادخلوا به المسجد حتّى أصلّي عليه ، فأنكر الناس ذلك عليها (136).
ثمّ لماذا كثر افتاؤها في العهد الأموي ؟
وهل يصحّ التعليل بأن المسلمين في العهد الأوّل كانوا منصرفين إلى الفتوحات ومتّفقين في الرأي وخاضعين للخلافة ، ولا داعي لتكرار سؤالهم عائشة عن الأحكام وإن كانوا لا يتركون سؤالها في بعض الأحيان !! أو أنّهم كانوا قريبي العهد بالرسول ، والصحابة كثيرون في المدينة فلا مبرّر للتحديث عنها عن رسول الله ، أمّا في العهد الأموي فقد احتاجوا إلى ذلك ؟!
وكيف عرفت الفرائض والمواريث وأخذ الدين عنها دون نساء النبي ؟!
وإذا صح الحديث « خذوا شطر دينكم من الحميرا » ، فلماذا يشكك فيه المحدّثون ، ويقول عنه الذهبي : « هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد » ؟
وقد نقد هذا الخبر الأعلام ، فقد جاء في التقرير والتحبير لابن أمير الحاج :
« قال شيخنا الحافظ : لا أعرف له إسناداً ، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث ، إلّا في النهاية لابن كثير ، ذكره في « ح م ر » ولم يذكر من خرجه. ورأيته أيضاً في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه ، ذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضاً ، ولفظه : « خذوا ثلث دينكم من بيت الحميرا » ، وينصّ له صاحب مسند الفردوس : فلم يخرج له إسناداً، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير إنّه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه ، فلم يعرفاه.
قال الشيخ سراج الدين بن الملقن ، وقال الحافظ جمال الدين المزي : لم أقف على سنده إلى الآن.
وقال الذهبي : هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد ، بل قال تاج الدين السبكي : وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي يقول : كلّ حديث فيه لفظ الحميراء لا أصل له ، إلّا حديثاً واحداً في النسائي ، فلا يحتاج إلى هذا التأويل » (137)
ولماذا انفردت عائشة من بين نساء النبي بنقل بعض الأحكام عنه (ص) ، كما هو المشاهد في رضاع الكبير ؟!
ولماذا لا تسمح أمّ سلمة وغيرها من نساء النبي بدخول أحد عليهنّ بذلك الرضاع « ما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ، ولا رائينا » (138) ، إن كان ذلك الرضاع مشروعاً ؟!
ماذا يعني ذلك الرضاع ؟
ألم يكن الرضاع إلّا ما شدّ العظم وأنبت اللحم (139) ؟
وألم يقل (ص) : « لا رضاع بعد فصال » (140) ؟
وكيف يقبل المسلم أن يرتضع الرجل الكبير من زوجته أو أخته أو ابنته ، لتحلّ على الآخرين ؟!
ثمّ ما السرّ في صدور مثل هذه المرويّات عن عائشة وليس فيها سوى ما يعجب الحكّام ، كالضرب بالدفوف في منى بحضرة الرسول (141) ، أو رفعه (ص) عائشة على كتفه لمشاهدتها لعب الحبشة (142) وخدها على خدّه ، أو نوم الرسول على فخذها حتى يطلع الفجر (143) ، وأمره (ص) المسلمين في البحث عن عقد لعائشة قد ضاع منها ، وهم لم يصلّوا الصبح وليس عندهم ماء (144) ، أو إنّه (ص) كان يغمزها برجله وهو في حال الصلاة (145) ، وغيرها الكثير من الروايات التي تصوّر الرسول شخصيّة مجونية ، يحبّ اللهو والنساء ! ... ومن المؤسف أن تلك المرويّات أصبحت ذريعة بيد المستشرقين للنيل من شخصيّة النبي الأكرم (ص) ونعته بنبي الحرب والنساء !!
لماذا لا نرى صدور أحاديث الضرب والنوم على الفخذ و .. عن أمّ سلمة أو صفيّة أو ؟
وما السرّ في بثّ هكذا أخبار عنه (ص) ، وما الغاية من تناقلها ؟ وهل صحّ النقل عنها أم وضعوا الكذب عليها ؟
ترى هل يصحّ أن تضرب النساء الدفوف عند النبي ! ومزمار الشيطان في بيته ، وهو مستلق على ظهره ؟!
أم كيف يسمح بغناء جاريتين ـ وهنّ نساء أجنبيّات ـ في أيّام منى ، وهنّ يضربن بالدفوف ، وهو متغش بثوبه ؟!
وكيف به (ص) يسمح للمسلمين بلعبة الحبشة في بيت الله ، وانشغالهم باللهو والعبث في بيت أسس على التقوى ، وسبحانه تعالى يقول : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ) (146).
أو نراه يقترح على زوجته عائشة مشاهدة الحبشة ـ وهي لعبة فيها الرقص والمرح ـ وهو واضع خدّه على خدّها !
كيف ينهي الشيخان عن ضرب الدفوف واللعب بالحبشة ، ورسول الله يجوز ذلك لقوله لكلّ منهما على انفراد : « دعهما » !
وهل أن نقل هذا الخبر ميزة للشيخين على حساب النيل من رسول الله ؟!
ألم يخالف ذلك صريح القرآن ، في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) (147) و : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (148) ؟
أولم تدلّ الآيتان على حرمة الغناء وخصوصاً من النبي ! ..
بل كيف يمكن تطابق هذه الأخبار مع قوله (ص) : إن أصدق بيت قالته الشعراء :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل
ثمّ ، ألم يكن الغناء هو اللهو وممّا خلا الله ؟!! ولماذا نرى قلّة المبالاة في كلام عائشة عند تحدثها عن رسول الله ، ولماذا لا تبدل كلمة « الخدّ » بالوجه ، و « الفخذ » بالرجل مثلاً ؟! أتراها حقّاً أنّها قالت كلّ ذلك ، أم أن الأمويين نسبوا إليها ما لم تقله ولم تحدث به ؟!
ولماذا نرى الموسم ، وأرض منى تنتخب للمجون والفساد من قبل الأمويين !
وهي أيّام عبادة ، والأرض مقدّسة ، والمسلمون مكلّفون بالابتعاد عن جميع الأهواء النفسانيّة والميول الشيطانيّة ؟!!
الهوامش
1. مسند أحمد 4 : 94 ، فتح الباري 2 : 457 ، نيل الأوطار 3 : 259.
2. كنز العمال 8 : 238 / 22720.
3. الدر المنثور 2 : 137.
4. الموطأ 2 : 538 / 34.
5. انظر : الوسائل في مسامرة الأوائل : 18.
6. الوسائل في مسامرة الأوائل : 18 ـ رقم 94.
7. الوسائل في مسامرة الأوائل : 19 ـ رقم 95.
8. فتح الباري 2 : 215.
9. أخرجه البخاري 1 : 209 ، مسلم 1 : 295 / 33 ، ابن أبي داود 1 : 221 / 835 ، النسائي 2 : 204 ، أحمد 4 : 428 ، 429 ، 444.
10. مسند أحمد 4 : 432 ، الوسائل في مسامرة الأوائل : 18 / 93.
11. الأم 1 : 108 ، التدوين في أخبار قزوين 1 : 154.
12. الأم 1 : 108.
13. سنن النسائي 5 : 253 ، سنن البيهقي 5 : 113 ، الإعتصام بحبل الله المتين 1 : 360.
14. هامش سنن النسائي 5 : 253.
15. انظر المحلى 7 : 135 ـ 136 ، فتح الباري 3 419 ـ 420.
16. صحيح مسلم 2 : 932 / 270.
17. صحيح البخاري 5 : 174 ، هذا الخبر وما يليه في الأموال ، لأبي عبيدة : 341.
18. سنن النسائي 7 : 131 ، سنن أبي داود 3 : 146 / 2980.
19. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 44.
20. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 45.
21. البداية والنهاية 7 : 216 ، التاريخ الكبير ، للبخاري 1 : 49.
22. صحيح البخاري 5 : 9.
23. طبقات ابن سعد 3 : 182 ، وفيه : أمركم بدل عليكم ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 158 ، تاريخ الطبري 3 : 210.
24. تاريخ الطبري 4 : 227.
25. تاريخ الطبري 4 : 238.
26. صحيح مسلم 4 : 1856 / 9 ، مستدرك الحاكم 3 : 73 ، مسند أحمد 6 : 63 ، سنن الترمذي 5 : 317 / 3845.
27. سنبحث هذه الأحاديث وأمثالها سنداً ودلالة في الفصل الثالث من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى.
28. الفردوس 1 : 503 / 2060 ، الإصابة 2 : 93.
29. وقعة صفين : 217.
30. وقعة صفين : 220.
31. مستدرك الحاكم 4 : 479.
32. صحيح مسلم 4 : 2007 / 88 ، مسند أحمد 3 : 400.
33. صحيح مسلم 4 : 2008 / 90 ، مسند أحمد 2 : 316 ـ 317 ، 449.
34. صحيح مسلم 4 : 2006 / 87.
35. نهج البلاغة 3 : 18 / 17.
36. أمّا سبّ علي بن أبي طالب فلا ! ينظر كلام الجاحظ في رسالته المطبوعة في آخر النزاع والتخاصم ، للمقريزي : 94.
37. في هذا حوار لابن عبّاس مع عمر .. راجع : الطبري 4 : 223 ـ 224 وغيره من كتب التاريخ.
38. صحيح مسلم 3 : 1453 / 10 ، سنن الترمذي 3 : 340 / 2323.
39. النمل : 16.
40. النصائح الكافية : 86 ـ 88.
41. النصائح الكافية : 87 ، وابن عساكر في تاريخه.
42. النصائح الكافية : 88.
43. تاريخ الطبري 5 : 254.
44. شرح النهج عن الموفقيات للزبير بن بكار.
45. سيتّضح للقاري في الفصل الأوّل من هذه الدراسة أن نهج علي هو السنّة الشريفة.
46. الصحيفة السجادية : 293 ـ الدعاء 48.
47. آل عمران : 105.
48. كشف الغمة ، للأربلي 2 : 98 ـ 99.
49. نزهة الناظر ، للحلواني : 45.
50. إكمال الدين : 324 ب 31 ح 9.
51. الإرشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 206 ، وعنه في البحار 46 : 288 ح 11.
52. سنن النسائي 5 : 253 ، سنن البيهقي 5 : 113.
53. انظر : النصائح الكافية : 11 عنهما أخرجه ابن جرير عن ابن عبّاس.
54. انظر : تاريخ المذاهب الإسلاميّة ، لأبي زهرة : 285 ـ 286.
55. صحيح مسلم 1 : 213 / 25.
56. الموطأ 1 : 19 / 5 ، شرح معاني الآثار 1 : 38 / 188.
57. سنن ابن ماجة 1 : 154 / 452 ، المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 23 / 69 ، والحميدي عن ابن عيينة.
58. مسند أحمد 6 : 112.
59. سنن ابن ماجة 1 : 156 / 458.
60. أسد الغابة 3 : 193.
61. تفسير الطبري 6 : 82 ، تفسير ابن كثير 2 : 44.
62. الجامع لأحكام القرآن 6 : 92.
63. الجامع لأحكام القرآن 6 : 92.
64. تفسير ابن كثير 2 : 44.
65. الدر المنثور 2 : 262.
66. تفسير الخازن 1 : 435.
67. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، المطبوع بهامش تفسير الطبري.
68. سنثبت في الفصل الأوّل من هذه الدراسة أن وضوء عثمان إنّما صدر عن رأيه المحض ، وحتّى ما نقله من رؤيته لوضوء رسول الله فإنّه كان اجتهاداً في مقابل النصّ ، ولأجله لم يلق التأييد من الصحابة ، بل هناك ناس خالفوه فيما حكاه عن رسول الله ، وأن المنقول عنه (ص) ـ على فرض صدوره ـ لم يكن على نحو التشريع للمسلمين ، بل إنّه من مختصّاته (ص) !
69. كنز العمال 9 : 459 / 26965.
70. تفسير الفخر الرازي 1 : 206.
71. انظر سنن النسائي 1 : 69 باب صفة الوضوء ، والمعجم الصغير للطبراني.
72. مسند أحمد 1 : 84 ، 118 ، الجامع الصغير 2 : 642 / 9000 ، سنن الترمذي 5 : 297 / 3797.
73. المعجم الصغير : 116.
74. وبهذا لا يخرج حديث الطبراني عن المعلق أو المرسل أو المفصل اصطلاحاً ، كل بحسب عدد الوسائط الساقطة من الإسناد ، فهو ليس بحجّة في المقام اتفاقاً.
75. تهذيب الكمال 4 : 291 وتراجم الآخرين فيه.
76. تهذيب الكمال 3 : 374 ، وقريب منه في تهذيب ابن عساكر 4 : 77.
77. المعجم الصغير : 32.
78. ستقف على المزيد من ذلك عند دراستنا للعهد العباسي الأوّل.
79. أضواء على السنّة المحمديّة : ص 260.
80. تقييد العلم ، للخطيب البغدادي : ص 107.
81. جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد البر 1 : 77.
82. الإستيعاب 4 : 1679 ، الأغاني 6 : 356 ، مروج الذهب 2 : 343 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 45.
83. الأغاني 6 : 355 ، تهذيب تاريخ دمشق ، لابن عساكر 6 : 409.
84. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 16 : 136.
85. المعجم الصغير ، للطبراني : 200.
86. الأخبار الموفقيات ، للزبير بن بكار : 576 ـ 577 ، مروج الذهب 3 : 454 ، النصائح الكافية : 116 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 238.
87. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 : 101.
88. مقاتل الطالبيين : 70 ، البداية والنهاية 8 : 134 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 46 ، المعرفة والرجال للبسوي 3 : 318.
89. انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 238.
90. انظر : البداية والنهاية 9 : 137 ، وقريب منه في تهذيب ابن عساكر 4 : 72.
91. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 : 242 ، وانظر : الكامل في اللغة والأدب ، للمبرد 1 : 185 ، والنصائح الكافية ، وأنساب الأشراف ، وتهذيب ابن عساكر.
92. تاريخ الطبري 5 : 498 ، الفتوح 2 : 216 ، تاريخ الإسلام ، لحسن إبراهيم 1 : 287 ، تهذيب تاريخ ابن عساكر 53 : 4 ، الكامل في التاريخ 4 : 124.
93. تهذيب ابن عساكر 4 : 83 ، البداية والنهاية 9 : 142.
94. تهذيب التهذيب 2 : 211 ، البداية والنهاية 9 : 139 ، تهذيب ابن عساكر 4 : 83.
95. البداية والنهاية 9 : 139.
96. تهذيب تاريخ دمشق ، لابن عساكر 4 : 70.
97. مسند أحمد 2 : 91 ، سنن الترمذي 5 : 386 / 4036 ، البداية والنهاية 9 : 127 ، الكامل في التاريخ 4 : 361.
98. تهذيب التهذيب 2 : 211 ، تهذيب تاريخ دمشق 4 : 53.
جاء في الإصابة ـ ترجمة المختار الثقفي ـ 3 : 519 « وأقوى ما ورد في ذمّه ممّا أخرجه مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر أنّ رسول الله قال :
وعلق السيد المقرم في « تنزيه المختار » على كلام ابن حجر بقوله : « لكن بعد أن راجعت صحيح مسلم ـ باب ذكر كذّاب ثقيف ـ وقرأت الحديث إلى آخره عرفت خيانته في النقل وتصرّفه في الأحاديث كما يقتضيه هواه ، وانكشف لي كيف يذهب البغض والعداء بالأكابر الى حيث اختلاق الباطل والبهتان ، فيشوهون تلك الكتب العالية الشأن بالخرافات والأضاليل ».
نعم ، لا يمكن لأحد أن ينسى دور المختار وخروجه على الحكّام ومطالبته بثأر الحسين وأنّه اتّهم بالنبوّة والكذب وتشكيل فرقة المختاريّة وغيرها من التهم لابتعاده عن الأمويين.
جئنا بهذا ليقف المطالع على دور العصبيّة في تحريف الحقائق !!
99. البداية والنهاية 9 : 135 ، تهذيب تاريخ دمشق ، لابن عساكر 4 : 72.
100. البداية والنهاية 9 : 135.
101. تاريخ الطبري 4 : 228 ، الكامل 3 : 65 ، وفتح الباري وغيرها من كتب التاريخ والفقه.
102. فتح الباري 8 : 209.
103. طبقات ابن سعد 2 : 373.
104. صحيح البخاري 2 : 168.
105. الإجابة ، للزركشي : 97 ، وانظر : الدارقطني 1 : 136 / 10.
106. البيهقي 5 : 52 ، ابن أبي داود 2 : 166 / 1831 ، أحمد 2 : 29 ، الإجابة : 96 ، والأم ، للشافعي وغيرها.
107. صحيح البخاري 3 : 141 ـ 142 ، مسلم 3 : 1180 / 109 ، 112 المعجم الكبير 4 : 253 ، ح 4302 إلى 4322.
108. عنه الزركشي في الإجابة : 97.
109. صحيح البخاري 5 : 98 ، مسند أحمد 2 : 38.
110. مسند أحمد 6 : 281 ، وانظر : الإجابة ، للزركشي : 91 ـ 92.
111. مسند أحمد 2 : 31 ، الإجابة : 98.
112. مسند أحمد 2 : 13.
113. الطبقات 4 : 331 ، حلية الأولياء 1 : 381.
114. كما ذهب إليه الأستاذ أبو رية في كتابه ـ أبو هريرة شيخ المضيرة ـ.
115. الطبقات 4 : 327 رواه قيس بن أبي حازم عنه ، صحيح البخاري 4 : 239.
116. الطبقات 4 : 327.
117. أبو هريرة ، للسيّد شرف الدين : 46 ـ 48.
118. صحيح مسلم 1 : 471 / 310.
119. صحيح البخاري 1 : 77.
120. صحيح البخاري 4 : 151.
121. المزمل : 2 ، 3.
122. صحيح البخاري 1 : 167 ، صحيح مسلم 1 : 451 / 252.
123. صحيح البخاري 1 : 158 ، سنن أبي داود 1 : 142 / 156 ، صحيح مسلم 1 : 291 / 19.
124. النحل : 99 ـ 100.
125. صحيح البخاري 4 : 191 ، مسند أحمد 2 : 315 ، صحيح مسلم 4 : 1842 / 157 ، 158.
126. صحيح مسلم 1 : 267 / 75 ، صحيح البخاري 1 : 78 ، مسند أحمد 2 : 315.
127. صحيح البخاري 4 : 75 ـ 76 ، صحيح مسلم 4 : 1759 / 148 ، سنن ابن ماجة 2 : 1075 / 3225.
128. صحيح البخاري 4 : 179 ، صحيح مسلم 1 : 133 / 238 ، مسند أحمد 2 : 326 ، تأويل مختلف الحديث : 97.
129. صحيح مسلم 3 : 1344 / 20 ، صحيح البخاري 4 : 198 ، مسند أحمد 2 : 322.
130. صحيح البخاري 7 : 50 ، مسند أحمد 2 : 229 ، صحيح البخاري 8 : 182 وفيه على تسعين ، وفي البخاري 4 : 197 سبعين امرأة ، صحيح مسلم 3 : 1275 / 22 ـ 25.
131. صحيح البخاري 4 : 184 ، و 1 : 78.
132. صحيح البخاري 6 : 63 ، تأويل مختلف الحديث : 116.
133. صحيح مسلم 1 : 184 / 327 ، صحيح البخاري 6 : 105 ـ 106 ، مسند أحمد 2 : 435.
134. مسند أحمد 5 : 411.
135. وما ورد في سؤالهما إياها ـ في النادر وعلى فرض ثبوته ـ فهو ممّا لا يكاد يعرف إلّا من جهة نسائه (ص).
136. شرح معاني الآثار 1 : 492 / 2819.
137. التقرير والتحبير ، بحث الإجماع 3 : 99.
138. سنن البيهقي 7 : 460.
139. سنن أبي داود 2 : 222 / 2059 ، سنن البيهقي 7 : 461.
140. سنن البيهقي 7 : 461.
141. صحيح البخاري 2 : 29.
142. سنن الترمذي 5 : 284 / 3774 ، صحيح البخاري 2 : 29.
143. صحيح البخاري 1 : 91 ، صحيح مسلم 1 : 279 / 108.
144. صحيح البخاري 1 : 91 ، صحيح مسلم 1 : 279 / 108 ، سنن النسائي 1 : 163 ـ 164.
145. سنن أبي داود 1 : 189 / 712 ، صحيح البخاري 1 : 107 ، صحيح مسلم 1 : 367 / 272 ، مسند أحمد 6 : 44 ، الموطأ 1 : 117 / 2.
146. الجن : 18.
147. لقمان : 6.
148. المؤمنون : 3.
مقتبس من كتاب [ وضوء النبي (ص) ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 177 ـ 226
التعلیقات