مناظرة معتزلي مع بعضهم في حكم لعن معاوية
في الاحكام
2024 Sep 7قال الحاكم أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي (المتوفى سنة ٤٩٤ هـ ) في معرض حديثه عن معاوية في كتابه (رسالة إبليس) :
وأنكرت المعتزلة (١) ذلك أشد الاِنكار ، وقالوا : معاوية باغ ضال ، فمرّةضللوه لخروجه على إمام المسلمين ، وقتل عمّار بن ياسر سيّد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومرّة كفّروه بإلحاق زياد بأبيه مع نفي رسول الله صلى الله عليه وآله عنه إيّاه وادّعاء أبيه ، وقتل حجر بن عدي(٢)صبراً ، وأمّرهُ حتى سمّ الحسن عليه السلام ، ثم تغلب على الدنيا فأظهر الظلم والعناد ومذاهب الاِلحاد ، وقال النبي صلى الله عليه وآله : معاوية في تابوت من نار(٣)، وقال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه(٤)، وقد لعنه أمير المؤمنين عليه السلام في قنوته(٥) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله لعمّار : تقتلك الفئة الباغية(٦)فقتله معاوية(٧).
ثمّ جرى على طريقته السفيانيّة ، فقتل يزيد(٨)ـ لعنه الله ـ حسيناً عليه السلام وشيعته وسبعة عشر من أهل بيته ، وسلّط على الناس أهل بيت زياد ، ومات سكران ، وتبعهما المروانيّة فأظهر الوليد الاِلحاد ، وقتل هشام زيد بن علي عليه السلام ، ومات مروان الحمار وهو زنديق ، وقد قال رسول اللهصلى الله عليه وآله : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودين الله دغلاً(٩) وذكروا أن الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو مروان(١٠) وأن النبي صلى الله عليه وآله لعنهم .
إلى أن قال : اجتمع يوماً في نادٍ ناس فجرى ذكر معاوية فمدحه بعض مشايخنا ، فقال : هو إمام من الاَئمة !!
فقال معتزلي وقال : أتقول له وقد فعل وفعل ..... يعد معايبه ، ونحن ساكتون ، ثمّ أنشأ يقول :
قالت : تحب معاوية ؟ | * | قلت : اسكتي يا زانية |
قالـت : أسأت جوابنا | * | فأعــدت قولي ثانية |
أحب مَنْ شتم الوصيّ | * | أخا النبي علانــية ؟ |
فعلـى يزيد لعــنة | * | وعلى أبيه ثمانية(١١) |
ثمّ قال : قيل لاَعرابي أتحب معاوية ؟
قال : وجدت معه أربعة(١٢)إن قلت معها أتحبّه ؟ لتكفر !!
قيل : وما هي ؟
قال : قاتل أبوه النبي صلى الله عليه وآله مراراً ، وقاتل هو وصيّه ، وقتل ابنه يزيد الحسين بن علي عليه السلام ، وأخرجت أمه هند كبد عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله حمزة ؟
فقال من حضر : لعن الله معاوية.(١٣)
____________
(١) راجع : أحوال معاوية وأراء العلماء فيه في شرح نهج البلاغة لابن الحديد : ج ٥ ص ١٢٩ ـ ١٣١ ، كتاب السبعة من السلف للفيروزآبادي : ص ١٨٣ ـ ٢٢٣ .
(٢) هو : حجر بن عدي بن جبلة الكندي ، صحابي جليل من شيعة أمير المؤمنين قتل مع اصحابه بأمر معاوية في مرج عذراء من قرى دمشق سنة ٥١ هـ ، روي عن أبي الاَسود قال : دخل معاوية على عائشة ، فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه ؟ فقال : يا اُمّ المؤمنين إني رأيت قتلهم صلاحاً للاُمّة وبقائهم فساداً للاُمّة ، فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء . (راجع : كنز العمال : ج ١١ ص ١٢٦ ح ٣٠٨٨٧ وج ١٣ ص ٥٨٦ ح ٣٧٥٠٩ ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج ٦ ص ٤٥٧ ، كتاب السبعة من السلف : ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ .
(٣) تاريخ الاُمم والملوك للطبري : ج ١٠ ص ٥٨ ـ ٥٩ ، وفيه تكملة الحديث (في أسفل درك منها ينادي : يا حنان ، يا منان ، الاَن وقد عصيت قبلُ وكنت من المعاندين) ، وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢١٧ ، الغدير للاميني : ج ١٠ ص ١٤٢ .
(٤) راجع : الغدير للاَميني : ج ١٠ ص ١٤٢ ـ ١٤٥ ، وقد تقدّم المزيد من تخريجاته .
(٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٢٦٠ وج ٤ ص ٧٩ ، ينابيع المودة : ص١٦٢ ب ٥٣ وفيه ، قال القندوزي : قال نصر بن مزاحم : فكان علي عليه السلام بعد التحكيم إذا صلّى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة وسلّم قال : اللهم العن معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبا موسى ، وحبيب بن مسلمة ، وعبد الرحمن بن خالد ، والضحاك بن قيس ، والوليد بن عقبة . عن وقعة صفين لابن مزاحم : ص ٥٥٢ .
(٦) تقدمت تخريجاته .
(٧) روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : لمّا قتل عمّار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمّار تقتله الفئة الباغية ، فدخل عمرو بن العاص على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمّار ، فماذا ؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تقتله الفئة الباغية ؟ فقال له معاوية : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنّما قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لمّا ألقاه بين رماح المشركين. راجع : الاحتجاج للطبرسي : ج ١ ص ١٨١ ـ ١٨٢ ، معاني الاَخبار : ج ١ ص ٢٣٨ ، المستدرك للحاكم : ج ٣ ص ٣٧٦ ، بحار الاَنوار : ج ٣٣ ص ٧ ، وقعة صفين : ص ٣٤٣.
(٨) جاء في كتاب المعتضد في شأن معاوية بن أبي سفيان وبني أُمية ، والذي أمر أن يُقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر : ومنه إيثاره بدين الله ، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير ، صاحب الدّيوك والفهود والقرود ، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والاِخافة والتهدد والرهبة ، وهو يعلم سفهه ويطّلع على خبثه ورهقه ، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره ـ إلى أن قال : ـ ثمّ من أغلظ ما انتهك ، وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ عليه السلام وابن فاطمة عليه السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله له ولاَخيه بسيادة شباب أهل الجنة ، اجتراءً على الله ، وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ، ومجاهدة لعترته ، واستهانة بحرمته ، فكأنما يَقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمة ، ولا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره ، واجتثّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يديه ، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته . راجع : تاريخ الاُمم والملوك للطبري : ج ١٠ ص ٦٠ ـ ٦١ (في حوادث سنة ٢٨٤ هـ ).
(٩) المستدرك للحاكم : ج ٤ ص ٤٧٩ ـ ٤٨٠ ، مجمع الزوائد : ج ٥ ص ٢٤١ ، كنز العمال : ج ١١ ص ١١٧ ح ٣٠٨٤٦ وص ١٦٥ ح ٣١٠٥٥ ـ ٣١٠٥٧ ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج ٦ ص ٥٠٧ ، مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٨٠ .
(١٠) راجع : التفسير الكبير للرازي : ج ٢٠ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، الدر المنثور للسيوطي : ج ٥ ص ٣١٠ ، تفسير الطبري : ج ١٥ ص ٧٧ ، دلائل النبوة للبيهقي : ج ٦ ص ٥١١ ، مناظرات في الاِمامة للمؤلف : ص ٩٣ ـ ٩٤ (المناظرة : الثالثة عشر) .
(١١) الشعر للصاحب بن عباد راجع : الكامل البهائي لعماد الدين الطبري : ج ٢ ص ٢١٥ ، روضات الجنات : ج ٢ ص ٣٠ ، أعيان الشيعة للاَمين : ج ٣ ص ٣٥٩.
وقد ذكر الثعالبي في يتيمة الدهر : ج ٣ ص ٢٧٣ مثل هذا الشعر للصاحب في معاوية بن أبي سفيان وهو :
ناصبٌ قال لي : معاوية خا | * | لك خيـر الاَعمـام والاَخـوال |
فهو خالٌ للمؤمنيـن جميعاً | * | قلت : خالٌ لكن من الخير خالي |
وذكرهما عنه أيضاً في ديوان الصاحب بن عباد : ص ٢٦٤ .
(١٢) جاء عن الحسن البصري قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة وإثماً كثيراً : ادعاؤه الخلافة من غير مشورة ، واستخلافه ابنه يزيد ، سكيراً بالخمر ، وادّعاؤه زياداً أنّه أخوه ، وفي الحديث الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، فيا ويل له من حجر وأصحاب حجر . ينابيع المودة للقندوزي : ص ١٦٢ ب ٥٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٢٦٢ .
(١٣) رسالة إبليس إلى اخوانه المناحيس للجشمي : ص ١١١ ـ ١١٥ .
التعلیقات