مناظرة أحد العلماء مع رئيس دائرة الأمر بالمعروف في حكم زيارة مرقدي عبدالمطلب وأبي طالب (عليهما السلام)
في الاحكام
منذ 14 سنةنقل أحد علماء الشيعة إنه وقع حوار في مجلس بينه وبين رئيس دائرة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حول زيارة مرقدي(1)عبد المطلب ، وأبي طالب عليهما رضوان الله.
فقال : لماذا تقوم الشيعة بزيارة مرقديهما ؟
قلت : هل في ذلك من بأس ؟
الرئيس : كان عبدالمطلب يعيش في زمن « الفترة » إذ توفي عبدالمطلب والنبي(صلى الله عليه وآله) لم يبلغ الثامنة من عمره الشريف ، ولم يبعث من قبل الله لمقام النبوة ، ولم يكن دين التوحيد قد ظهر في ذلك العصر ، فلماذا تقومون بزيارة قبره ؟ !
وأمّا أبو طالب فقد مات مشركاً ـ والعياذ بالله ـ ولا يجوز زيارة المشركين ؟
قلت : أمّا في شأن « عبدالمطلب » ، فهل هناك أحد من المسلمين يذهب إلى شركه ؟
بل كان عبدالمطلب في عصره موحداً على دين جده إبراهيم ( عليه السلام ) ، أو كان من أوصياء النبي عيسى ( عليه السلام ) ، وقد ذُكرت في كُتب السنة ، حادثة جيش أبرهة الذي جاء ليهدم الكعبة كما أشارت إليها سورة الفيل ، وكيفية هلاكهم عندما ذهب عبدالمطلب ليرجع نياقه من عند أبرهة.
قال له أبرهة : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مئتي بعير أهبها لك ، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟
فقال عبدالمطلب : إني أنا رب الاِبل ، وإن للبيت رباً سيمنعه.
ثم ذهب إلى الكعبة وتمسك بأذيالها ودعا هناك بعدة أبيات شعرية :
لا هُمّ(2) ، إن العبد يمنـ | * | ـع رحـله فامـنع حلالك(3) |
لا يـلغـبنّ صـلـيبهـم | * | ومحالهـم غدواً(4) محالك(5) |
إن كنت تاركهـم وقبــ | * | ـلتنا ، فاقر مـا بـدالك(6) |
فاستجاب الله عزّوجل دعاءه ، وأرسل على جيش أبرهة طيوراً أبابيل ، فأهلكتهم ، ونزلت سورة الفيل بشأنهم.
وورد في روايات الشيعة عن الاِمام عليّ ( عليه السلام ) إنّه قال : عن الاَصبغ بن نباتة قال : سمعت أميرالمؤمنين صلوات الله عليه يقول : والله ما عبد أبي ولا جدي عبدالمطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط ، قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به »(7).
وأما في شأن أبي طالب رضوان الله عليه.
أوّلاً : فبإجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلماء الشيعة ، أنّه توفي مسلماً ومؤمناً ، نقل ابن أبي الحديد ـ أحد أبرز علماء السنة ـ عن الاِمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي ( عليه السلام ) « أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً ؟
فقال ( عليه السلام ) : نعم.
فقيل له : إن هاهنا قوماً يزعمون أنّه كافرٌ.
فقال ( عليه السلام ) : واعجباً كل العجب ، أيطعنون على أبي طالب ( عليه السلام ) ، أو على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ، ولايشك أحدٌ أن فاطمة بنت أسد ـ رضى الله تعالى عنها ـ من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه »(8).
ثانياً : نقل الرواة وكثير من علماء أهل السنّة ، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعقيل بن أبي طالب : إنِّي أحبك حبّين ، حبّاً لقرابتك منّي ، وحبّاً لما كنت أعلم من حبّ عمّي أبي طالب إياك(9)،
فهذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) خير دليل ، وشاهد صدقٍ على إيمان أبي طالب ، وإلا لما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يحب عقيلاً لاجل ذلك ، إذ لا خير في حُبّ الكافر.
وبعبارة أوضح : مع الاَسف الشديد ، أنّ الاخوة من أهل السنّة ونتيجة اتباعهم اللاواعي لاَسلافهم نقلوا عدم إيمان أبي طالب ( عليه السلام ) حين وفاته جيلاً بعدجيل ، مع غفلتهم الكاملة بالنسبة إلى كتبهم ومتونهم ، إذ تحتوي على العشرات بل المئات من الروايات والشواهد القطعية على إيمانه ، أمّا علة إصرارالمتعصبين على شرك أبي طالب ( عليه السلام ) ، هي عدائهم لابنه العظيم الاِمام علي( عليه السلام ) ، ونشأت هذه الفكرة العدائية منذ عصر الاَمويين ثم شاعت واستمرت إلى يومنا هذا.
وأقسم ، أنه لولم يكن أبو طالب والداً لعلي ( عليه السلام ) لكان عندهم من المؤمنين الشرفاء ، من أعمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وللقبوه بمؤمن قريش.
إلتقيت مع ابن العلامة الاَميني (قدس سره) صاحب كتاب « الغدير » ودار الحوار عن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : عندما كنا في النجف الاَشرف سمعت أن أحد علماء مصر ويدعى « أحمد خيري » بدأ بتأليف كتاب عن حياة أبي طالب ( عليه السلام ) ، فكتبت له رسالة وطلبت منه عدم نشره حتى ننشر المجلد السابع من كتاب الغدير لاَنّه كان تحت الطبع.
وعندما خرج المجلد السابع من المطبعة اختص قسم منه بحياة أبي طالب( عليه السلام ) ، ارسلت نسخة منه إليه ، وبعد فترة قصيرة وصلتني رسالة منه وقد كتب فيها بعد تشكره وتقديره لنا : وصلني كتابكم الغدير ، وقد هدم بصورة عامةجميع أفكاري السابقة عن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقلب أساس ما كتبت عنه ، وخلق عندي فكرة جديدة ،وختم الرسالة بهذه العبارة : إن جهاد أبي طالب ، وحمايته عن الاِسلام إلى حدٍ جعله سهيماً لاِيمان جميع المسلمين في العالم ، وهم مدينون له.
الرئيس : إذا كان إيمانه بهذا الوضوح ، فلماذا اختلف علماؤنا فيه ، وقد صرح بعضهم بكفره ؟ وماهي علة ذلك ؟
قلت : كما مرت الاِشارة آنفاً ، أن الحقيقة تكمن في عداء بني أمية لعلي ( عليه السلام ) خصوصاً في عهد حكومة معاوية فأشاعوا سبّه في أرجاء البلاد الاِسلامية ، حتى في قنوتهم وصلواتهم وقد سبّوه على منابرهم ، قرابة ثمانين عاماً ، فتحركت عناصر مشبوهة ومناوئة بوضع الاَحاديث والروايات المفتعلة ، في كفر أبي طالب ( عليه السلام ) حتى يعرف علياً ( عليه السلام ) بأنّه ابن كافر ، وتعلم أن هذه الروايات المفتعلة وجدت طريقها إلى كتبكم وصحاحكم ، وشوهت أفكاركم ، وإلا فإنّ إيمان أبي طالب ( عليه السلام ) أوضح من الشمس في رابعة النهار.
وعلة اُخرى هي : أنّ أبا طالب ( عليه السلام ) اتخذ إسلوب التقية والاِحتياط في الدفاع عن الاِسلام ، حتى يتمكن من حماية النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولو أظهر إسلامه علناً عند قريش لما كان بمقدوره ابداً الدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وآله) في السنوات الاَولى من البعثة الشريفة.
ولذا ورد في روايات عديدة ، أنّ مثل أبي طالب كمثل « مؤمن آل فرعون » أو « أصحاب الكهف » فإنّه كتم إيمانه لحماية أفضل الاَديان.
عن الامام الحسن بن علي العسكري عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنِّي قد أيَّدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سراً ، وشيعة تنصرك علانية ،فأمّا التي تنصرك سرّاً فسيّدهم وأفضلهم عمُّك أبو طالب ، وأمّا التي تنصرك علانية فسيِّدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب ، ثمَّ قال : وإنّ أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه »(10).
فواضح لاَهل البصيرة أن هاتين الطائفتين وقفتا موقفاً بطولياً مشرفاً في الدفاع عن الاِسلام ، والجهاد الخفي لا يقل أهمية عن الجهاد العلني(11).
____________
(1) وقبراهما عليهما السلام في مقبرة المعلاة بأعلى مكة المكرمة ، وتسمى أيضاً مقبرة الحجون ، وهي مقبرة أهل مكة ، ودفنت فيها أيضاً خديجة عليها السلام وممّا جاء في فضل مقبرة الحجون ما جاء في تفسير أبي الفتوح الرازي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : إن الله تعالى يأمر يوم القيامة أن يأخذوا بأطراف الحجون والبقيع وهما مقبرتان بمكة والمدينة فيطرحان في الجنة ، وذكر الاَزرقي عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : نعم المقبرة هذه ، مقبرة أهل مكة . وفي خبر آخر عن محمد بن يحيى : من قبر في هذه المقبرة بعث آمناً يوم القيامة ـ يعني مقبرة مكة ـ راجع : سفينة البحار للقمي : ج 2 ص 399 ، أخبار مكة للاَزرقي : ج 2 ص 209 ، معجم ما استعجم : ج 2 ص 427 ، معجم البلدان : ج 2 ص 225 .
(2) لاهُمَّ : اصلها اللهم.
(3) حلالك : متاع البيت.
(4) غدواً : غداً.
(5)محالك : القوة.
(6) راجع تفصيل الحادثة في السيرة النبوية لابن هشام : ج1 ص52 ـ 62 ، دلائل النبوة لاَبي نعيم : ج 1 ص 146 ح 86 ، بحار الاَنوار : ج 15 ص 135 ـ 137 وص 45.
(7) تقدمت تخريجاته .
(8) الغدير للاَميني : ج7 ص 380 و389 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص69.
(9) الاستيعاب : ج3 ص1078 ، ذخائر العقبى للطبري : ص222 ، الغدير للاَميني : ج 7 ص386.
(10) الغدير للاَميني : ج 7 ص 395 .
(11) أجود المناظرات للاَشتهاردي : ص 320 ـ 326 .
التعلیقات