متى تكون البدعة ضلالة وهل يدخل الخلاف الفقهي في دائرة التبديع ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
متى تكون البدعة ضلالة ؟ وهل يدخل الخلاف الفقهي في دائرة التبديع ؟ وما السبيل لعدم الخلط بين ما هو ابتداع في الدين وما هو اجتهاد فقهي معاصر ؟
الجواب :
قد تطلق كلمة « البدعة » ويقصد بها معناها العام الشامل لأمرين كلاهما محرّم في الشريعة :
أحدهما : هو الكذب والإفتراء الذي يعني إدخال ما ليس من الدين في الدين بمعنى أن تنسب إلى الدين وإلى الشريعة أمراً لم يقرّه الدين حقّاً ولم تقل به الشريعة ، فإنّ هذا كذب وإفتراء ، وهو محرّم شرعاً ، قال الله تبارك وتعالى : ( آللَّـهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّـهِ تَفْتَرُونَ ) [ يونس : 59 ] ؟
وثانيهما : هو التشريع الذي يعني إدخال ما لم يعلم كونه من الدين في الدين ، بمعنى أن تنسب إلى الدين والشارع أمراً لا تعلم يقيناً إنّه ممّا أقرّه الشرع بل تحتمل عدم كونه من الدين ، فإنّ هذا الإسناد تشريع وحرام شرعاً ، قال الله تبارك وتعالى : ( أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ البقرة : 80 ] ؟
هذه هي البدعة المحرّمة وهي الضلالة بعينها.
أمّا الخلاف الفقهي الدائر بين الفقهاء في المسائل الفقهية فهو ليس داخلاً في دائرة « البدعة » بل هو خلاف دائر بين الأخصّائيين في شؤون الدين حول أمر معيّن ، فيراه أحد طرفي الخلاف أنّه من الدين بينما يراه الطرف الآخر أنّه ليس من الدين وكلّ من طرفي الخلاف يعتقد بما يراه ويثق به يقيناً ، فلا هذا الطرف كاذب أو مشرِّع ولا ذاك الطرف ، لأنّ الطرف الأوّل الذي يرى أنّ هذا الأمر من الدين قاطع وجازم بذلك وهو من المتخصّصين في الشريعة حسب المفروض.
إذن فقطعه هذا يبرّر له إسناد ما يراه إلى الشارع ، فإنّ القطع بالحكم الشرعي موضوع لجواز إسناد ذاك الحكم إلى الشارع والإفتاء به حتّى وإن لم يكن ذاك الحكم ثابتاً في الشريعة واقعاً وكان قطع هذا المجتهد المتخصّص خاطئاً وغير مطابق للواقع ، فإنّ هذا الإسناد والإفتاء ليس كذباً وإفتراءاً في نظر هذا الشخص بل هو بحكم إحرازه أنّ هذا من الدين يحرز أنّ الإفتاء به وإسناده إلى الشارع ليس كذباً وإفتراءاً.
إذن فالطرف الأوّل قاطع وجازم بأنّه ليس كاذباً ومفترياً كذلك هو جازم بأنّه ليس مشرّعاً ، لأنّ التشريع المحرّم ـ كما لاحظنا ـ عبارة عن إسناد ما لم يعلم كونه من الدين إلى الدين ، بينما الطرف الأوّل حينما يسند الأمر المعيّن إلى الشارع يعلم إنّه من الدين ، فإسناده وإفتاؤه ليس إسناداً وإفتاءاً لما لا يُعلم.
هذا هو الحال الطرف الأوّل من طرفي الخلاف وهو الذي يرى أنّ هذا الأمر من الدين فلا هو كاذب ولا هو مشرّع.
وكذلك حال الطرف الثاني الذي ينكر كون هذا الأمر من الدين ، فإنّ إنكاره هذا ليس في نظره ورأيه كذباً وإفتراءاً على الشارع ، لأنّه قاطع بذلك كما قلنا ، وقطعه يبرّر له ذلك تماماً كما لاحظنا في الطرف الأوّل ، وليس إنكاره تشريعاً أيضاً ، لأنّه ليس ممّا لا يعلم كما قلنا.
إذن فالخلاف الفقهي بين الفقهاء في مسألةٍ معيّنة لا يتمّ إلى « البدعة » بصلة أبداً ، بل هو كالخلاف الدائر بين الأطبّاء في مسالة طبيّة معيّنة ، فكما أنّ الخلاف الطبّي لا يُعتبر إدخالاً لما ليس من الطبّ في الطبّ ، كذلك الخلاف الفقهي.
وأمّا السبيل للتمييز بين ما هو ابتداع في الدين وما هو اجتهاد فقهي فهو عبارة عن التخصّص في علوم الشريعة ، وبذل الجهد العلمي وتحمّل عناء البحث والدرس الطويل الأمد إلى أن يصبح الإنسان من ذوي الإختصاص والمعرفة لكي يكون قادراً عل التمييز بين الأمرين ، وبدون ذلك لا يتيسّر التفريق بينهما ، ولا تخلو محاولة التفريق حينئذٍ من خطر الإنحراف الذي يهدّده ، والله العاصم ، والسّلام عليكم.
التعلیقات