هل يعكس الإسلام فهماً خاصّاً للحبّ ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
الحبّ ، هذه الكلمة الصغيرة المبنى ، الكبيرة المعنى ، التي تهتزّ لها أفئدة العاشقين وتلهج بذكرها ألسنة العابدين المبتهلين ويوصي بها الأطباء والمصلحون ويسعى الدعاة إلى الله إلى غرسها في نفوس المسلمين أفراداً وجماعات.
الحبّ هذه الكلمة الساحرة ذات الظلال الرقيقة في النفس الإنسانيّة هل يعكس الإسلام فهماً خاصّاً لها ؟ وهل يعترف الإسلام بعاطفة الحبّ على أنّها واحدة من أهمّ الدوافع الإنسانيّة ، والمحركات الفعالة في السلوك الفردي والجماعي ؟
الجواب :
نعم يعترف الإسلام بعاطفة « الحبّ » ، وبدورها الأساسي في دفع الإنسان وتحريكه حتّى ورد في بعض الروايات : « وهل الدّين إلّا الحبّ » ؟
غير أنّ الإسلام لا يحبّذ الحبّ الأعمى غير الهادف ولا الحبّ القائم على أساس لا مبدئي ، بل يؤكّد على الحبّ المبنيّ على القيم والمبادئ ، وقد رفع الإسلام شأن الحبّ والمودّة حتّى جعل أجر الرسالة النبويّة مودّة ذوي القربى « أهل بيته الطاهرين » : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) [ الشورى : 23 ].
فحبّ أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فرض وواجب على جميع المسلمين نصّ عليه القرآن الكريم في أكثر من آية ، وأكّدت عليه النصوص الكثيرة من السنّة الشريفة ، وهذا اللون من الحبّ هو من أرقى أنواع الحبّ والولاء لأنّه يقوم على أساسٍ مبدأي ويستهدف غايةً مقدّسةً.
أمّا أنّه قائم على أساس مبدئي ، فلأنّ حبّهم سلام اللّه عليهم يمثّل حبّ كلّ الصفات الحسنى والفضائل الجمّة المتوفرة فيهم من « العلم » ، و « الوعي » ، و « الشجاعة » ، و « العدالة » ، و « الوفاء » ، و « الصدق » ، و « الزهد » وغيرها من الحسنات التي يتمتّعون بها ، وعلى رأسها « العبودية المخلصة للّه وحده » ، وكذلك « الجهاد » و « التضحيته » ، و « نكران الذات » ، و « مقارعة الظلم والفساد » ، و « الدفاع عن المظلومين والمحرومين والمستضعفين ».
فنحن حينما نحبّ عليّاً أو الحسين أو أيّ واحد من الأئمّة عليهم أفضل الصلاة والسّلام إنّما نحبّهم لأنّهم عباد مخلصون للّه تعالى ومضحّون في سبيله وباذلون أنفسهم في مرضاته ومعارضون للظلم والفساد والطغيان ومدافعون عن حقوق المظلومين وعالمون بكلّ الشؤون والمتطلّبات اللازمة لتوفير الحياة السعيدة للإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة ، ولأنّهم مستجمعون لكلّ الصفات الحسنة التي يعشقها الإنسان ويحاول الاتّصاف بها في حياته ، فحبّهم إذن حبّ لتلك الصفات. هذا هو الحبّ القائم على أسس ومبادئ.
وأمّا أنّ هذا الحبّ هو حبّ هادف ، فلأنّ الهدف والغاية من حبّ أهل البيت عليهم السّلام ومودّة ذوي القربى اتخاذهم سبيلاً إلى اللّه تعالى ووسيلةً إلى رضوانه ، فأجر الرسالة في الواقع إنّما هو في صالح الإنسان المحبّ لهم والمُوالي ويعود بالنفع عليه لا عليهم : ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) [ سبأ : 47 ] ، ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ) [ الفرقان : 57 ] ، « فَكانُوا هُمُ السَّبيلَ اِلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ اِلى رِضْوانِكَ » [ دعاء الندبة ].
ثمّ إنّ هناك نقطة أُخرى في مسألة « الحبّ » لابدّ من أخذها بعين الاعتبار والاهتمام بها وعدم إهمالها وهي عبارة عن المحافظة على جانب الاعتدال في هذه العاطفة ، فإنّ لها القابليّة في أن تتطرّف في الإنسان وتذهب به إلى حدّ بحيث يعمى بصره فلا يرى شيئاً سوى ما يحبّ أو مَن يحبّ ، ولذا ورد في بعض النصوص : « مَن أحبّ شيئاً أعمى بصره » ، فينبغي للإنسان أن يلقّن نفسه دائماً أن لا يتطرّف في حبّه للأفراد أو الجماعات أو الأشياء إلى حدّ يعمى بصره عن رؤية السلبيّات والنواقص ، عصمنا اللّه وأيّاكم ، والسّلام عليكم.
التعلیقات