ما حكم من يقول عند القيام يا عليّ أو يا محمّد ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 14 سنةالسؤال :
لماذا يقول الشيعة في قيامهم وقعودهم ، وفي عدّة حالات كلمة « يا عليّ » أو « يا محمّد » ، بدل « يا الله » ؟
الجواب :
المؤمن يطلب العون من محمّد أو علي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام ، ويتوسّل بهما إلى الله تعالى الذي أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (1).
وفي الحقيقة تكون كلمة « يا علي » أو « يا محمّد » مستبطناً لكلمة يا الله ، فإنّ عليّاً ومحمّداً وغيرهما لا حول ولا قوّة لهم إلّا بالله تعالى ، فيهم يطلبون من الله تعالى قضاء حوائجنا والله تعالى يفعل ما يشاء ، ويقضي حوائجنا كرامة لمحمّد وعلي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام.
وبما أنّ العبد الخاطئ والعاصي يرى نفسه غير لائق ؛ لأنّه يخاطب الله تعالى ويسأل منه مباشرة ويحتمل أنّ الله تعالى لا يجيب دعاءه لأجل عصيانه ، فمن الطبيعي أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسيلة وواسطة وشفيعاً لا يردّ الله دعاءه ، لأنّه وليّ الله وحبيبه والله تعالى أمرنا بالتوسّل بأوليائه ليظهر للناس كرامتهم ومقامهم عند الله وقربهم منه ، بل من الممكن أن يعطي الله تعالى أولياءه القدرة على قضاء حوائجنا من شفاء المرضى ونحوه بإذن الله تعالى كما خاطب عيسى بن مريم فقال : ( وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ) (2).
وكما قال الله تعالى : ( وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (3).
فجعل إغناء الرسول عِدلاً لإغناء الله تعالى مع أنّه لا حول ولا قوّة للرسول لا وللغيره إلّا بالله العليّ العظيم.
وعلى كلّ حال فالتوسّل والتبرّك بأولياء الله أصل من أصول الإسلام ، ويوجد في القرآن الكريم آيات تدلّ عليه : منها :
قوله تعالى : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ) (4).
وقد كان بإمكان إخوة يوسف أن يستغفروا الله مباشرة ولا يطلبوا من أبيهم الإستغفار ، لكنّهم جعلوا آبائهم ودعائه واستغفاره وسيلة بينهم وبين الله تعالى ، وقرّرهم أبوهم على ذلك ووعدهم الاستغفار لهم.
ومنها قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (5).
يدلّ على أنّ مجرّد استغفارهم لا يفيد بل لا بدّ أن يأتوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ويطلبوا منه أن يستغفر لهم ليغفر الله لهم ، فهذه الآية تأمر المؤمنين بالتوسّل والمجيء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وقد ورد في صحاح العامّة أنّ عمر بن الخطّاب توسّل بالعبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله في الاستستقاء ، وقال :
اللهم إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك ، فتمطرنا ، وها نحن اليوم نتوسّل بعمّ نبيك. (6)
كما ورد أنّ السماء لم تمطر على عهد عمر بن الخطّاب فوقع الناس في شدّة وضيق ، فجاؤوا إلى عائشة وشكوا إليها ، فأمرت أن يفتح كوّة على قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله بحيث يقع القبر تحت السماء ، فلمّا فعلوا ذلك مطرت السماء. (7)
وهل هذا إلّا تبرّك وتوسّل بقبر رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد موته ؟.
الهوامش
1. المائدة : 35.
2. المائدة : 110.
3. التوبة : 74.
4. يوسف : 97 ـ 98.
5. النساء : 64.
6. صحيح البخاري / المجلّد : 4 / الصفحة : 209 / الناشر : دار الفكر :
حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْاَنْصاريُّ حَدَّثَني أَبي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ كانَ اِذا قَحِطُوا اسْتَسْقى بِالْعبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقالَ اللهُمَّ اِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقينا وَاِنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسقِنا قالَ فَيُسْقَوْنَ.
راجع :
صحيح ابن حبان / المجلّد : 7 / الصفحة : 110 ـ 111 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1.
المعجم الأوسط « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 49 / الناشر : دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
المبسوط « للسرخسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 77 / الناشر : دار المعرفة.
7. سنن الدارمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 43 ـ 44 / الناشر : مطبعة الاعتدال :
حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا الى عائشة فقالت انظروا قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم فاجعلوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الابل حتى تفنقت من الشحم فسمي عام الفتق.
راجع :
شفاء السقام « لعلي بن عبد الكافي السبكي » / الصفحة : 309 ـ 310 / الناشر : دائرة العثمانية / الطبعة : 4.
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (ص) « للسمهودي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 123 / الناشر : دار الكتب العلمية / الطبعة : 1.
التعلیقات
١٢