موقف علماء الشيعة من جلالة ووثاقة زيد الشهيد
الزيدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص215 ـ 223
______________________________________(215)
الفصل الثاني عشر
إنّ موقف علماء الشيعة الاِمامية نفس موقف النبي وعترته الطاهرة ـ عليهم السلام ـ وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ كلماتهم في حقه: الفصل الثاني عشر
موقف علماء الشيعة من جلالة ووثاقة زيد الشهيد
1 ـ قال المفيد: كان عين إخوته بعد أبي جعفر _ عليه السلام _ وأفضلهم، وكان ورعاً، عابداً فقيهاً، سخياً، شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين _ عليه السلام _ (1).
2 ـ وقال النسابة أبو الحسن علي بن محمد العمري: كان زيد أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً خرج أيام هشام الاَحول ابن عبد اللّه (2)فقتل وصلب ست سنين، وقيل أُحرق وذري في الفرات ـ لعن اللّه ظالميه ـ (3).
3 ـ وقال الطبرسي: إنّ زيداً كان من علماء آل محمد، غضب للّه فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله (4).
________________________________________
(1) الاِرشاد: 268، ط النجف.
(2) والظاهر عبد الملك.
(3) المجدي في الاَنساب: 1|156.
(4) أُنظر: رياض العلماء: 2|338.
________________________________________
(216)
4 ـ وقال ابن داود: زيد بن علي بن الحسين قتل سنة إحدى وعشرين ومائة، وله اثنتان وأربعون سنة شهد له الصادق _ عليه السلام _ بالوفاء وترحم له(1).5 ـ قال الشهيد الاَوّل في القواعد: وجاز أن يكون خروجهم بإذن إمامٍ واجب الطاعة كخروج زيد بن علي _ عليه السلام _ وغيره من بني علي ـ عليه السلام ـ (2) .
6 ـ قال الشيخ عبد اللّه الاَفندي التبريزي: السيد الجليل الشهيد أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين، إمام الزيدية وكان سيداً كبيراً عظيماً في أهله وعند شيعة أبيه، ولكن اختلفت الاَخبار وتعارضت الآثار بل كلام العلماء الاَخيار أيضاً في مدحه وقدحه، والروايات في فضله كثيرة، وقد ألّف جماعة من متأخري علماء الشيعة ومتقدميهم كتباً عديدة مقصورة على ذكر فضائله كما يظهر من مطاوي كتب الرجال ومن غيرها أيضاً.
ومن المتأخرين ميرزا محمد الاسترآبادي فله رسالة في أحوال زيد بن علي. هذا وأورد فيه كلام المفيد في الاِرشاد بتمامه، ونقل فيها أيضاً ما رواه الطبرسي في أعلام الورى، وما رواه ابن طاووس في ربيع الشيعة ونحوهما، وبالجملة فقد أورد فيها روايات كثيرة في مدحه.
قال بعض أفاضل السادات المعاصرين ضوعف قدره في أوائل شرح الصحيفة: هو أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ أُمّه أُمّ ولد كان جمّ الفضائل عظيم المناقب، وكان يقال له: حليف القرآن. روى أبو نصر البخاري عن أبي الجارود، قال: قدمت المدينة، فجعلت كلّما سألت عن زيد بن علي. قيل لي: ذلك حليف القرآن. ذاك أُسطوانة المسجد من كثرة صلاته.
________________________________________
(1) ابن داود: الرجال: 1|10 (ذكره في القسم الاَوّل الذي خصّه بالموثوقين بخلاف القسم الثاني فقد خصّه بالمجروحين والمهملين).
(2) القواعد: 2|207 (ضمن القاعدة: 221) .
________________________________________
(217)
وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في آخر رسالته المعمولة في إثبات وجود القائم _ عليه السلام _: الآن أيضاً إنّا معشر الاِمامية لا نقول في زيداً ـ رضي اللّه عنه ـ إلاّ خيراً وكان جعفر الصادق _ عليه السلام _ قد قال لاَصحابه: «إنّ زيداً يتخطّى يوم القيامة أهل المحشر حتى يدخل الجنّة» والروايات عن أئمتنا في هذا المعنى كثيرة(1).7 ـ قال الكاظمي: اتّفق علماء الاِسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله، وقد روي في ذلك أخبار كثيرة حتى عقد ابن بابويه في العيون باباً لذلك(2).
8 ـ قال المحدّث النوري: وأمّا زيد بن علي فهو عندنا جليل القدر عظيم الشأن، كبير المنزلة، وما ورد مما يوهم خلاف ذلك مطروح أو محمول على التقية(3).
9 ـ قال المحقّق المامقاني: إنّي أعتبر زيداً ثقة وأخباره صحاحاً اصطلاحاً بعد كون خروجه بإذن الصادق _ عليه السلام _ لمقصد عقلائي عظيم وهو مطالبة حقّ الاِمامة إتماماً للحجّة وقطعاً لعذرهم بعدم مطالب له وقول جمع فيه بالاِمامة بتسويل الشيطان مع نفيه إياها من نفسه، وإثباته إياها لابن أخيه الصادق لا يزري فيه كعدم إزراء نسبة القائلين بإمامته إليه أحكاماً فقهية مخالفة للحق(4)
10 ـ وقال المحقّق الخوئي: وقد استفاضت الروايات غير ما ذكرناه في مدح زيد وجلالته وأنّه طلب بخروجه الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ إلى أن قال: ـ وإنّ استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في أسنادها (5).
________________________________________
(1) رياض العلماء وحياض الفضلاء: 2|318، وقد ترجم زيد بن علي ترجمة وافية، طالع هذا الجزء ص 318 ـ 352.
(2) راجع تكملة الرجال: 352، تنقيح المقال: 1|467.
(3) المستدرك: 3|599.
(4) تنقيح المقال: 1|469، 470.
(5) معجم رجال الحديث: 7|347 ـ 349.
________________________________________
(218)
ثم إنّه أفرد غير واحد من أعلام الاِمامية تأليفاً في زيد وفضله ومآثره، فمنهم: 1 ـ إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي (م 283 هـ) له كتاب أخبار زيد.
2 ـ محمد بن زكريا مولى بني غلاب (م 298 هـ) له أخبار زيد.
3 ـ عبد العزيز بن يحيى الجلودي (م 368هـ) له أخبار زيد.
4 ـ محمد بن عبد اللّه الشيباني (م 372هـ) له كتاب فضائل زيد.
5 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر القمي (م 381هـ) له كتاب في أخباره.
6 ـ ميرزا محمـد الاسترابـادي صاحب الرجـال الكبير (م 1028هـ) لـه رسالة في أحوال زيد.
7 ـ السيد محسن الاَمين العاملي أحد كبار علماء الاِمامية في القرن الرابع عشر (م 1373هـ) له كتاب أبو الحسين زيد الشهيد وقد طبع في الشام.
8 ـ السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم، له كتاب زيد الشهيد وفي ذيله كتاب تنزيه المختار، وقد طبع عام 1355هـ.
هذه كلمات علماء الشيعة الاِمامية في حقّ زيد وليس هناك من الشيعة الاِمامية من يبغضه أو يذمّه ولو ورد فيه روايات ذم فإنّما هي مطروحة أو موَوّلة لاتعادل ماتواترت عليه من الروايات الدالة على وثاقته، وجلالة قدره فمن أراد رمي الشيعة الاِمامية بغير هذا فهو كذاب يُعدُّ من رماة القول على عواهنه.
نعم بعدما خرج زيد، وجاهد وناضل وقتل وصلب وأُحرق اتّخذه أعداء الشيعة ذريعة للطعن على إمام الوقت جعفر الصادق _ عليه السلام _ وتوهم بعض الشيعة أنّ الاِمام من قام ونهض وجاهد، دون غيره وهذا لا صلة له بزيد الثائر.
وبذلك تقف على قيمة كلام رجلين يُعدّان من رماة القول على عواهنه:
أحدهما: أحمد بن تيمية في كتاب «منهاج السنّة».
ثانيهما: الآلوسي البغدادي.
________________________________________
(219)
قال ابن تيمية: إنّ الرافضة رفضوا زيد بن علي بن الحسين ومن والاه، وشهدوا عليه بالكفر والفسوق (1).
وقال الآلوسي: الرافضة مثلهم كمثل اليهود، الرافضة يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ بل يسبونهم كزيد بن علي(2).
أقول: إنّ الرافضة ـ حسب تسمية الآلوسي ـ يقتفون أثر أئمتهم في كل صغيرة وكبيرة، فإذا كان هذا موقف أئمتهم فكيف يمكن للشيعة التخطّي عنه، والعجب أنّ الكاتبين كتبا ماكتبا ولم يرجعا إلى معاجم الرجال للشيعة وقد أطبقت معاجمهم على تزكيته وترفيع مقامه وتبجيله بكل كلمة.
* * *
بين أُباة الضيم وحماة الذل :لم أجد أحداً ممن كتب عن زيد، وكفاحه وجهاده الرسالي الذي عرف به، من القدامى والجدد من يغمطه حقه ويزدري به، ويتكلم فيه بهمز أو لمز، غير الكاتب السلفي: الشيخ شمس الدين الذهبي، ومع أنّه يصف زيداً بأنّه كان أحد العلماء والصلحاء، لكنّه يصف جهاده سقطة وزلّة يقول في موضع من كتبه: «بدت منه هفوة فاستشهد، فكانت سبباً لرفع درجته في آخرته» (3)وفي كتاب آخر: «خرج متأوّلاً، قتل شهيداً وليته لم يخرج» (4).
________________________________________
(1) ابن تيمية: منهاج السنة: 2|126.
(2) السنة والشيعة: 52.
(3) تاريخ الاِسلام: حوادث (121 ـ 141هـ) ص 105. انظر إلى التناقض في كلامه إذ لو كان خروجه زلّة فكيف صار سبباً لرفع درجته في الآخرة.
(4) سير أعلام النبلاء: 5|391.
________________________________________
(220)
أقول: ما ذكره شنشنة أعرفها من كل سلفي يرى الجهاد والكفاح على الظلم والعدوان، أمراً محرّماً، والحياة مع الظالمين ومهادنتهم أمراً مشروعاً وسعادة، فهم حماة الذلّ، ودعاة الهوان، وأين هم من أُباة الظلم والضيم.ومن أُصول الطائفة الاَُولى: الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم، من عدل أو جور، ولا يخرج عليهم بالسيف وإن جاروا (1)وماذكره على طرف الخلاف مع ما حدّثه السبط الشهيد عن جده رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وذلك عندما اقترب من الكوفة استقبله الحر بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثاً من الوالي عبيد اللّه ابن زياد لاِكراه الحسين على إعطاء البيعة ليزيد، وإرساله قهراً إلى الكوفة، فعند ذلك قام الاِمام وخطب بأصحابه وأصحاب الحُرّ بقوله: أيّها الناس إنّ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قال: «من رآى سلطاناً جائراً مستحلاً حُرَمَ اللّه ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يعمل في عباده بالاِثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على اللّه أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هوَلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله...» (2).
كيف يكون جهاده هفوة، مع أنّ الرسول الاَعظم تنبّأ به وأثنى عليه عندما نظر يوماً إلى زيد بن حارثة وبكى وقال: المظلوم من أهل بيتي، سميّ هذا، المقتول في اللّه، المصلوب من أُمتي سميّ هذا، ثم قال: ادنُ منّي يازيد ـ زادك اللّه حباً عندي ـ بإنّك سميّ الحبيب من ولدي (3).وقد بكى الوصي وأبكى، أفيصح العزاء والبكاء على السقطة والزلة.
________________________________________
(1) أبو الحسين الملطي: التنبيه والرد: 15.
(2) الطبري: التاريخ: 4|304.
(3) أخرجه السيوطي في الجامع الكبير كما في الروض النضير: 1|108.
________________________________________
(221)
وما أحسن قول أخي الاَوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول اللّه فخوّفه ابن عمّه وقال: أين تذهب فإنّك مقتول؟ فقال: سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا مانوى حقاً وجاهد مسلما
و واسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلم * كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما(1)
ما عشت أراك الدهر عجبا :و واسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلم * كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما(1)
لا أظنّ من قرأ صحائف حياة الملك الاَموي «هشام بن عبد الملك» يشك في أنّه كان دموياً سفّاكاً، لا يرى لدم الاِنسان أيّة قيمة إذا ظنّ ولو واحداً بالمائة، إنّه يريد خلافه، وقتل زيد وصلبه وإبقاء جثمانه الطاهر على الخشبة أربع أو ست سنوات، ثم حرقه ونسفه وذروه في الرياح والمياه، دليل واضح على أنّ الرجل بلغ في القسوة غايتها.
ومع ذلك كله ترى أنّ ابن سعد جاء في الطبقات ما يضيق به الاِنسان ذرعاً يقول: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا سحبل بن محمد قال: ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء ولا أشدّ عليه من هشام بن عبد الملك وقد دخله من مقتل زيد بن علي ويحيى بن زيد أمر شديد وقال: وددت أنّي كنت افتديتهما.
ثم ينقل عن أبي الزناد: ما كان فيهم أحد أكره إليه الدماء من هشام بن عبد الملك ولقد ثقل عليه خروج زيد بن علي، فما كان شيء حتى أتى برأسه، وصلب بدنه بالكوفة. ولي ذلك يوسف بن عمر في خلافة هشام بن عبد الملك (2).
أقول: نعم ولي ذلك يوسف بن عمر لكن بأمر منه حتى أنّ عامله في الكوفة
________________________________________
(1) المفيد: الاِرشاد: 225.
(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى: 5|326.
________________________________________
(222)
والحيرة كان غافلاً عمّا يجري فيها من وثوب الناس على زيد ومبايعتهم له، إلى أن كشف عنه هشام، وأمره بما أمره.روى أبو الفرج قال: لما قتل زيد رثاه الكميت بقصيدة هجا فيها بني أُمية يقول فيها:
فيا ربّ هل إلاّ بك النصر يُبتغى * وياربّ هل إلاّ عليك المعول
وهي طويلة يرثي فيها زيد بن علي، والحسين بن زيد ويمدح بني هاشم فلما قرأها هشام بن عبد الملك أكبرها وعظمت عليه واستنكرها وكتب إلى خالد يُقسم عليه أن يقطع لسان الكميت ويده، فلم يشعر الكميت إلاّ والخيل محدقة بداره فأُخذ وحبس في المخيّس... (1).يقول ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة 125:
وفيها مات في ربيع الآخر، الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الاَموي، وكانت خلافته عشرين سنة إلاّ شهراً، وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة، وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال. عاش أربعاً وخمسين سنة، وكان أبيض سميناً أحول، سديداً حسن الكلام، شكس الاَخلاق، شديد الجمع للمال قليل البذل، وكان حازماً متيقّـظاً لايغيب عنه شيء من أمر ملكه، قال المسعودي: كان هشام أحول، فظّاً، غليظاً، يجمع الاَموال ويعمّر الاَرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة. اجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لاَحد من الناس، وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب، ولامتها، واصطنع الرجال، وقوّى الثغور واتّخذ القنى، والبرك بمكة وغير ذلك من الآبار التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدولة العباسية، وفي أيامه عمل الحرز فسلك الناس جميعاً في أيامه مذهبه، ومنعوا ما في أيديهم فقلّ الاِفضال وانقطع
________________________________________
(1) الاَغاني: 17|4.
________________________________________
(223)
الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه.ودخل هشام بستاناً له ومعه ندماوَه فطافوا به وفيه من كل الثمار، فجعلوا يأكلون ويقولون: بارك اللّه لاَمير الموَمنين فقال: وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلونه ثم قال: أُدع قيّمه فدُعي به فقال له: أقلع شجره واغرس فيه زيتوناً حتى لا يأكل أحد منه شيئاً، وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الاَمر فقال له: ياهشام أتوَمل الخلافة وأنت جبان بخيل قال: أي واللّه العليم الحليم.
ومن نوادره ما روي أنّه تمادى في الصيد فوقع على غلام فأمر ببعض الاَمر!!فأبى الغلام وأغلظ له في القول وقال له: لا قرب اللّه دارك ولا حيّا مزارك ـ في قصة طويلة فيها ـ أنّه أمر بقتله وقرب له نطع الدم فأنشأ الغلام يقول:
نبئت أنّ الباز علّق مرّة * عصفور برّ ساقه المقدور
فتكلّم العصفور في أظفاره * والباز منهمك عليه يطير
ما فيّ ما يغني لبطنك شبعة * ولئن أكلت فإنّني لحقير
فتعجّب الباز المدل بنفسه * عجباً وأفلت ذلك العصفور
فضحك هشام وقال: يا غلام أحش فاه دراً وجواهر (1).
أقول: إذا كان هذا أكره الخلفاء للدماء وأشدهم عليه فمن هو أحرصهم عليها وعلى إراقتها، وكأنّي بشاعر المعرة يخاطب ابن سعد صاحب الطبقات ومن لفّ لفّه ويقول: فتكلّم العصفور في أظفاره * والباز منهمك عليه يطير
ما فيّ ما يغني لبطنك شبعة * ولئن أكلت فإنّني لحقير
فتعجّب الباز المدل بنفسه * عجباً وأفلت ذلك العصفور
فضحك هشام وقال: يا غلام أحش فاه دراً وجواهر (1).
إذا وصف الطائي بالبخل مادر * وعيّر قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت خفية * وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الاَرض، السماء ترفعاً * وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
فياموتُ زُر إنّ الحياة ذميمةويانفس جدي، إنّ دهرك هازلا
________________________________________وقال السهى للشمس أنت خفية * وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الاَرض، السماء ترفعاً * وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
فياموتُ زُر إنّ الحياة ذميمةويانفس جدي، إنّ دهرك هازلا
(1) عماد الدين الحنبلي: شذرات الذهب: 162 ـ 164.
التعلیقات
١