أئمّة المعتزلة
علناء المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 219 ـ 222
________________________________________(219)
دلّت النّصوص التأريخيّة على أنّ «واصل بن عطاء» هو المؤسّس الأوّل لمنهج الاعتزال، وقد طرح اُصولاً نضجت و تكاملت بأيدي تلامذته و مقتفي منهجه عبر العصور والقرون.الفصل الرابع
أئمّة المعتزلةومن أراد أنّ يكتب تأريخ المعتزلة و طبقاتهم، فعليه أنّ يجعل «واصلاً» رأس مخروط الاعتزال إلى أنّ يصل بالتدريج إلى قاعدته.
وأمّا من تقدّم عليه من الصحابة و التابعين حتّى القدريّة المتبلورة في «معبد الجهني» و «غيلان الدمشقي» وغيرهم...فلا يمتّون للاعتزال بصلة، و إنّ اتّفقوا مع المعتزلة في القول بالتوحيد والعدل، وحريّة الإنسان و استطاعته على الفعل والترك. وذلك لأنّ التوحيد والعدل، كان شعار المسلمين من عصر النّبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى الزمان الّذي طلع فيه منهج الإعتزال، كما أنّ القول بالحريّة و استطاعة الإنسان على أحد الطّرفين قول بأمر فطري جبل عليه الإنسان طوال القرون والأدوار قبل الإسلام و بعده، فلا يعدّ الاعتقاد به إحداثاً للمنهج و تأسيساً له.
نعم، القول بكون الإنسان مسيّراً لا مخيّراً، و أنّ فاعل الخير والشرّ هو الله سبحانه، و أنّ كلّ إنسان خلق لما قدّر له في علمه الأزلي، و أنّ التقدير كاله، لا يتغيّر حكمه وقضاؤه، إحداث منهج جديد رغم أنّ العقلاء و نصوص الكتّاب على خلافه في جميع
________________________________________
(220)
الأدوار.وعلى ضوء هذا، فلا يصحّ عدّ كلّ من قال بواحد من هذه الاُصول سلفاً للاعتزال، وشيخاً للمعتزلة، و إنّ اتّفق معهم فيها.
وعلى هذا الخطّ الّذي رسمناه مشى أبو القاسم البلخي (م 317) في كتابه «مقالات الإسلاميين ـ باب ذكر المعتزلة» فابتدأ في ذكر طبقاتهم بــ «واصل بن عطاء» و «عمروبن عبيد» وانتهى إلى أعلامهم في عصره وقال: «وفي زماننا هذا شيخنا أبوالحسين الخيّاط عبدالرحيم بن محمّد (م 311) و أحمد بن الشنطوي»(1).
نعم، خالفه القاضي عبدالجبّار (م 415)فعدّ للمعتزلة طبقات قبل واصل، فعدّ الخلفاء من الطّبقة الاُولى، والحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ ومحمّد (بن الحنفيّة) بن عليّ من الطبقة الثانية، وأبا هاشم عبدالله بن محمّد (بن الحنفيّة) بن عليّ و أخاه الحسن بن محمّد والحسن البصري وابن سيرين ومن في طبقتهم ممّن حكي العدل عنه من الطّبقة الثالثة، وعدّ غيلان بن مسلم و واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد من الطبقة الرابعة إلى أنّ أنهاهم إلى عشر طبقات(2).
وقد كتب الحاكم الجشمي اليمني الزيدي (ت413 ـ م494) ذيلاً له فأضاف إليها طبقتين اُخريين وهو جزء من كتابه «شرح العيون»(3).
وأمّا أحمد بن يحيى بن المرتضى، فقد مشى على ضوء القاضي فأعاد ما ذكره هو وغيره في باب خاصّ، أسماه «باب ذكر المعتزلة» وهو جزء من كتابه «المنية والأمل» في شرح كتاب الملل والنحل، وقد طبع منه خصوص ذلك الباب كراراً، فنحن ننقل عن النسخة الّتي حقّقها المستشرق «توما أرنلد» طبع دار صادر بيروت.
________________________________________
1. مقالات الاسلاميين: باب ذكر المعتزلة ص 64 ـ 74 وقد طبع من المقالات خصوص هذا الباب بتحقيق فؤاد سيد، ط.تونس. 2. فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص 214 ـ 333. 3. طبع هذا الجزء مع كتاب فضل الاعتزال بتحقيق فؤاد سيد.
________________________________________
(221)
ولقد أجاد أبوالحسين الخيّاط، حيث جعل الاعتقاد بالاُصول الخمسة ملاكاً لصدق الاعتزال وكون المعتقد معتزلياً. قال: «الاعتزال قائم على أصول خمسة عامّة، من اعتقد بها جميعاً كان معتزلياً، ومن نقص منها أو زاد عليها ولو أصلاً و احداً لم يستحقّ اسم الاعتزال، وتلك الاُصول مرتّبة حسب أهميتها وهي:1 ـ التوحيد، 2 ـ العدل، 3 ـ الوعد والوعيد، 4 ـ المنزلة بين المنزلتين، 5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1).
إنّ عدّ أمثال الشريف المرتضى من المعتزلة بحجّة قوله بالتوحيد والعدل، يستلزم أنّ يعدّ شيخه كالمفيد و تلميذه كالطوسي منهم. مع أنّ موقف هؤلاء من تلك الطّائفة موقف النقد والردّ. وقد ردّ الشيخ المفيد (م 413) في أكثر كتبه عليهم، لا سيمّا في كتابه «أوائل المقالات» كما نقد الشريف المرتضى (م 436) خصوص الجزء العشرين من «المغني» للقاضي عبد الجبّار وأسماه «الشّافي» واختصره تلميذه شيخ الطّائفة الطوسي (م 460) وأسماه «تلخيص الشافي» وقد انتشر الجميع بطباعة قديمة و حديثة، ومن طالع تلك الكتب يقف على أنّ موقف الشيعة الإماميّة من المعتزلة موقف الموافقة في بعض الاُصول والمخالفة في البعض الآخر، كشأنهم مع الأشاعرة وغيرهم من الطّوائف الإسلاميّة.
والعجب أنّ أكثر من كتب عن المعتزلة من المتأخّرين اشتبه عليهم الأمر، وربّما عدّوا أعلام الإماميّة من مشايخ الاعتزال و روّاد منهجه، والشيعة الإماميّة بفضل علوم أئمّتهم ونصوص رواياتهم في غنى عن كلّ منهج لا يمتّ بالكتاب والعترة (أعداله وقرنائه) بصلة.
وهذا الفصل الّذي نقدّمه للقرّاء يختص بتعريف أئمّة المعتزلة و مشايخهم الكبار، الّذين نضج المذهب بأفكارهم و آرائهم و وصل إلى القمّة في الكمال.
وأمّا أعلام الطّائفة الّذين كان لهم دور في تبنّي هذا الخطّ من دون أنّ يتركوا أثراً
________________________________________
1. الانتصار: ص 5، ومقالات الاسلاميين للأشعري: ج 1، ص 278.
________________________________________
(222)
يستحقّ الذّكر، في الأصول الخمسة نذكرهم في فصل لاحق حتّى تتميّزالطّافتان. نعم، انطفأء دعوة الاعتزال وضعفت شوكتهم بعد سادس القرون أو سابعها، فلا تسمع لهم ذكراً في الأجيال اللاّحقة فلا إمام ولا علم ولا فقد انقرضوا بسيف السلطة و قسوة الحنابلة والأشاعرة، وتركوا آثاراً وكتباً عبث بها الزمان، فلم يبق إلاّ النّزر اليسير. ولكن آثارهم 000
إنّ آثارنا تدلّ علينا * فانظروا بعدنا إلى الآثار
التعلیقات