خطبه في حث المبايعين على القتال
ثورة زيد
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 312 ـ 317
________________________________________
(312)
خطبه في حث المبايعين على القتال :
قد نقل عن الاِمام الثائر خطب بليغة عند اشتعال الحرب.
1 ـ روي أنّه لمّا خفقت الرايات على رأسه قال: الحمد للّه الذي أكمل لي ديني بعد أن كنت أستحيي من رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أن أرد عليه ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنه عن منكر(2)
2 ـ روى صاحب كتاب: «التقية والتقى» بإسناد إلى خالد بن صفوان، قال: سمعت زيد بن علي يقول: أيّها الناس عليكم بالجهاد، فإنّه قوام الدين
________________________________________
(2) السياغي: الروض النضير: 1|102.
________________________________________
(313)
وعمود الاِسلام ومنار الاِيمان، واعلموا أنّه ما ترك قوم الجهاد قطّ إلاّ حقروا وذلوا... ثم قرأ الفاتحة إلى قوله: "الصراط المستقيم") : وقال: الصراط المستقيم هو دين اللّه وسنامه وقوامه الجهاد، ثم ذكر ما نزل من القرآن في فضل الجهاد من أول القرآن إلى آخره (1)
3 ـ روى الاِمام المهدي في «المنهاج» والاِمام أبو طالب في «الاَمالي» والسيد أبو العباس في «المصابيح» عن سعيد بن خثيم، قال: إنّ زيداً _ عليه السلام _ كتَّب كتائبه فلمّا خفقت راياته رفع يديه إلى السماء، فقال: الحمد للّه الذي أكمل لي ديني، واللّه مايسرّني إنّي لقيت محمداً _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ولم آمر في أُمّته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أن أُجّجت لي نار ثم قُذِفْتُ فيها، ثم صرتُ بعد ذلك إلى رحمة اللّه تعالى، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين _ عليهم السلام _.
ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم، جاء به محمد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ونحن بنوه؟ يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجّة اللّه عليكم، هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتاب اللّه ونقسم فيئكم بينكم بالسوية، فسلوني عن معالم دينكم فإن لم أُنبئكم عما سألتم فولّوا من شئتم ممن علمتم أنّه أعلم مني، واللّه لقد علمت علم أبي علي بن الحسين وعلم جدي الحسين وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه وعيبة علمه، وإنّي لاَعلم أهل بيتي، واللّه ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت محرماً للّه عزّ وجلّ منذ عرفت أنّ اللّه يوَاخذني (2)
ومضى من طرقنا ما لا يجامع بعض ما ورد في هذه الخطبة فقد كان زيد
________________________________________
(1) السياغي: الروض النضير: 1|106.
(2) المصدر نفسه: 1|128.
________________________________________
(314)
معترفاً بأعلمية الاِمام الصادق _ عليه السلام _ فانتظر.
روى الاِمام المهدي في «المنهاج»، وصاحب «المحيط» في كتابه، والاِمام المرشد باللّه في«أماليه» عن محمد بن فرات، قال: وقف زيد _ عليه السلام _ على باب الجسر وجاء إلى أهل الشام، فقال لاَصحابه: انصروني على أهل الشام فواللّه لا ينصرني رجل عليهم إلاّ أخذت بيده أُدخله الجنّة، ثم قال: واللّه لو عملت عملاً هو أرضى للّه من قتال أهل الشام لاَفعلنّه، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبراً، ولاتجهزوا على جريح، أو تفتحوا باباً مغلقاً، فإن سمعتموهم يسبّون علي بن أبي طالب فاقتلوهم من كل وجه (1)
4 ـ روى الاِمام المهدي والسيد أبو العباس الحسني وأبو طالب في «الاَمالي» بالاِسناد إلى سهل بن سليمان الرازي عن أبيه، قال: شهدت زيد بن علي ـ عليه السلام ـ يوم خرج لمحاربة القوم بالكوفة، فلم أر يوماً قط كان أبهى، ولا رجالاً كانوا أكثر قرّاء، ولا فقهاء ولا أوفر سلاحاً من أصحاب زيد بن علي، فخرج على بغلة شهباء وعليه عمامة سوداء، بين يدي قربوس سرجه مصحف. قال: أيها الناس أعينوني على أنباط الشام، فواللّه لا يعينني عليهم منكم أحد إلاّ رجوت أن يأتيني يوم القيامة آمناً، حتى يجوز على الصراط ويدخل الجنّة، واللّه ما وقفت هذا الموقف حتى علمت التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام بين الدفتين (2).
إنّ هذه الخطب تحكي عن روح ثورية وبطولة باهرة، وتفانٍ في سبيل الحقّ، غير أنّ بعض المغالين في حقّه أدخل في خطبه ما لا يدّعيه زيد، ولا يصدقه أهل بيته. ومن المكذوب المنسوب إليه ما روي عن أبي الجارود أنّ زيداً قال:
________________________________________
(1) السياغي: الروض النضير: 1| 127.
(2) المصدر نفسه: 1|127 ـ 128.
________________________________________
(315)
سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنّكم لن تسألوا مثلي، واللّه لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ أنبأتكم بها، ولاتسألوني عن حرف من سنّة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلاّ أنبأتكم به، ولكنكم زدتم ونقصتم، وقدّمتم وأخرّتم، فاشتبهت عليكم الاَخبار (1)
إلفات نظر :
كيف يصدق ذلك الكلام وقد روى ابن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب، قال: ما كان أحد من الناس يقول سلوني، غير علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (2) قال العلامة المجلسي: أجمع الناس كلّ الصحابة ولا أحد من العلماء هذا الكلام (3)
روى الاَصبغ بن نباته قال: لما جلس علي _ عليه السلام _ في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لابساً بردة رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، متنَعِلاً نعل رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، متقلداً سيف رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ثم شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال: «يامعاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، هذا مازقّني رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ زقّاً زقاً، سلوني فإنّ عندي علم الاَوّلين والآخرين، أما واللّه لوثنيت لي وسادة فجلست عليها، لاَفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق عليّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، وأفتيت أهل الاِنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الاِنجيل فيقول: صدق عليّ ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية
________________________________________
(1) السياغي: الروض النضير: 1| 128.
(2) الاستيعاب: 3|39.
(3) المجلسي: البحار: 10|128.
________________________________________
(316)
في كتاب اللّه عزّ وجلّ لاَخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: "يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ ويُثْبِتُ وعِندَهُ أُمُّ الكِتاب") .
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لوسألتموني عن أيّة آية في ليل أُنزلت أو في نهار أُنزلت، مكيّها ومدنيّها، سفريّها وحضريّها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لاَخبرتكم» (1).
* * *
ونزيد بياناً: كيف يصحّ لزيد ومن هو في درجته ومنزلته، أن يدّعي أنّ عنده علم الكتاب والسنّة، ولايشذّ عنه جواب سوَالٍ، مع أنّه لم يدرس إلاّ عند أبيه الاِمام زين العابدين _ عليه السلام _ وكان له من العمر عندما توفي والده (94 أو 95هـ) ما لا يتجاوز العشرين، ولو أكمل دراسته عند أخيه الاِمام الباقر _ عليه السلام _ فليس هو بأرفع من أُستاذه الكبير الذي أطبق العلماء على أنّه كان يبقر العلم بقراً.
إنّ هذه الكلمة إنّما هي لمن كانت له تربية إلهية، وتوعية غيبية، تربى في أحضان الوحي، فصار موضع سرّ النبي، وعيبة علمه إلى أن بلغ شأواً يرى ما رآه النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ويسمع ما سمعه وليس هو إلاّ الاِمام أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي ابن أبي طالب، وهو يصف نفسه بقوله: «يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاِسلام غير رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.
ولقد سمعت رنّة الشيطان، حين نزل الوحي عليه _ صلى الله عليه وآله وسلم _
________________________________________
(1) المجلسي: البحار: 10|117 ح1، والآية 39 من سورة الرعد.
________________________________________
(317)
فقلت: يارسول اللّه ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى إلاّ أنّك لست نبي ولكنك وزير وإنّك لعلى خير»(1).
ولم يكن زيد، إلاّ محدِّثاً واعياً، وفقيهاً بارعاً وله من العلم والفضل، ما للطبقة العليا من تلاميذ أبيه وأخيه غير أنّ الذي رفعه، وأخلد ذكره، إنّما هو جهاده ونضاله، وتفانيه في سبيل اللّه: "فضَّلَ اللّهُ المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجراً عَظِيماً") (2) ، ولا صلة له بعلمه وفضله، ولو قيس الحديث والفقه، إلى ما روى عن الصادقين من العلوم والمعارف لعلم أنّ الاَولى أن ينسب ذلك الكلام إلى الاِمامين لا إلى زيد، ولكنّهما لم يبوحا بذلك أبداً.
________________________________________
(1) الرضي: نهج البلاغة، الخطبة القاصعة: برقم 192.
(2) النساء: 95.
التعلیقات