ثورة يحيى بن زيد بن علي
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 13 سنةيحيى بن زيد بن علي « 107 ـ 125 هـ »
هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب _ عليه السلام _ وأُمّه « ريطة » بنت أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة ، وإيّاها عنى أبو ثميلة الآبار بقوله :
فلعلّ راحم أُمّ موسى والـــــــذي * نجّاه من لجج خضمّ مزبــــــــــد
سيسرُ « ريطة » بعد حزن فؤادها * يحيى ، ويحيى في الكتائب يرتدي
وأُمّ « ريطة » هي بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، أُمّها ابنة المطلب بن أبي وادعة السهمي.
شرف تتابع كابر عن كابر * كالرمح انبوب على انبوب
وقد ذكر أبو الفرج الإصفهاني ثورته واستشهاده على وجه مبسط ، وجاء الجزري بإختصاره في الكامل ونذكر نصّ الثاني :
لمّا قتل زيد بن علي ودفنه يحيى ابنه ، سار بعد قتل أبيه ، إلى خراسان ، فأتى « بلخ » فأقام بها عند الحريش بن عمرو بن داود حتّى هلك هشام ، وولي الوليد بن يزيد. فكتب يوسف بن عمر إلى « نصر » بمسير يحيى بن زيد وبمنزله عند الحريش ، وقال له : خذه أشد الأخذ ، فأخذ « نصر » الحريش ، فطالبه بيحيى ، فقال : لا علم لي به. فأمر به فجلد ستمائة سوط. فقال الحريش : والله لو أنّه تحت قدمي ما رفعتهما عنه. فلمّا رأى ذلك قريش بن الحريش قال : لا تقتل أبي وأنا أدلّك على يحيى ، فدلّه عليه ، فأخذه « نصر » وكتب إلى الوليد يُخبره ، فكتب الوليد يأمره أن يؤمِّنه ويخلّي سبيله وسبيل أصحابه. فأطلقه « نصر » وأمره أن يلحق بالوليد وأمر له بألفي درهم ، فسار إلى « سرخس » فأقام بها ، فكتب « نصر » إلى عبد الله بن قيس بن عباد يأمره أن يسيّره عنها ، فسيّره عنها ، فسار حتّى انتهى إلى « بيهق » ، وخاف أن يغتاله يوسف بن عمر فعاد إلى نيسابور ، وبها عمرو بن زرارة، وكان مع يحيى سبعون رجلاً، فرأى « يحيى » تجاراً ، فأخذ هو وأصحابه دوابّهم وقالوا : علينا أثمانها ، فكتب عمرو بن زرارة إلى « نصر » يخبره ، فكتب « نصر » يأمره بمحاربته ، فقاتله عمرو ، وهو في عشرة آلاف ويحيى في سبعين رجلاً ، فهزمهم يحيى وقتل عمراً وأصاب دوابّ كثيرة وسار حتّى مرّ بهرات فلم يعرض لمن بها وسار عنها.
وسرّح « نصر بن سيّار » سالم بن أحْوز في طلب يحيى ، فلحقه بالجوزجان فقاتله قتالاً شديداً ، فرُمي يحيى بسهم فأصاب جبهته ، رماه رجل من عَنَزة يقال له عيسى ، فقُتل أصحاب يحيى من عند آخرهم وأخذوا رأس يحيى وسلبوه قميصه.
فلمّا بلغ الوليد قتل يحيى ، كتب إلى يوسف بن عمر : خذ عُجَيْل أهل العراق فأنزله من جذعه ، ـ يعني زيداً ـ ، وأحرقه بالنار ثمّ انسفه باليمّ نسفاً. فأمر يوسف به فأُحرق ، ثمّ رضّه وحمله في سفينة ثم ذرّاه في الفرات.
وأمّا يحيى فإنّه لما قتل صلب بالجوزجان ، فلم يزل مصلوباً حتّى ظهر أبو مسلم الخراساني واستولى على خراسان ، فأنزله وصلّى عليه ودفنه وأمر بالنياحة عليه في خراسان ، وأخذ أبو مسلم ديوان بني أُميّة وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى ، فمن كان حيّاً قتله ، ومن كان ميّتاً خلفه في أهله بسوء (1).
وقال السيّد المدني في شرح الصحيفة :
«لما قتل أبوه زيد بن علي ، خرج يحيى حتّى نزل بالمدائن ، فبعث يوسف بن عمر في طلبه ، فخرج إلى الريّ ثمّ إلى نيسابور من خراسان ، فسألوه المقام بها فقال : بلدة لم تُرفع فيها لعلي وآله راية لا حاجة لي في المقام بها ، ثمّ خرج إلى « سرخس » وأقام بها عند يزيد بن عمر التميمي ستّة أشهر ، حتّى مضى هشام بن عبد الملك لسبيله ، وولّى بعده الوليد بن يزيد فكتب إلى « نصر بن سيّار » في طلبه فأخذه ببلخ وقيّده وحبسه ، فقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، لما بلغه ذلك :
أليس بعين الله ما تفعلونــــــــه * عشية يحيى موثق بالسلاسل
كلاب عوت لا قدّس الله سرها * فجئن بصيد لا يحل لآكــــل
وكتب نصر بن سيّار إلى يوسف بن عمر ، يخبره بحبسه وكتب يوسف إلى الوليد ، فكتب الوليد إليه بأن يحذره الفتنة ويخلّى سبيله فخلّى سبيله وأعطاه ألفي درهم وبغلين ، فخرج حتّى نزل الجوزجان (2) فلحق به قوم من أهلها ومن الطالقان ، زهاء خمسمائة رجل ، فبعث إليه « نصر بن سيّار » ، سالم بن أحور فاقتتلوا أشدّ قتال ثلاثة أيّام حتّى قتل جميع أصحاب يحيى وبقي وحده فقتل عصر يوم الجمعة سنة خمس وعشرين ومائة ، وله ثماني عشرة سنة ، وبعث برأسه إلى الوليد ، فبعث به الوليد إلى المدينة ، فوضع في حجر أُمّه « ريطة » فنظرت إليه ، وقالت : شرّدتموه عنّي طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلاً ، صلوات الله عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً.
فلمّا قتل عبد الله بن علي بن عبد الله بن العبّاس ، مروان بن محمّد بن مروان ، بعث برأسه حتّى وضع في حجر أُمّه فارتاعت. فقال : هذا بيحيى بن زيد ، وكان الذي احتزّ رأس يحيى بن زيد ، سورة بن أبحر ، وأخذ العنبري سلبه ، وهذان أخذهما أبو مسلم المروزي فقطع أيديهما وأرجلهما وصلبهما. ولا عقب ليحيى بن زيد (3).
هذا ما يذكره المؤرّخون وقد كان ليحيى عند الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ مكانة عالية ، وقد استشهد ولم يكمل العقد الثاني من عمره الشريف حيث تولد عام 107هـ واستشهد في عام 125 هـ ولما سمع الإمام الصادق شهادته وصلبه حزن حزناً عظيماً ومن كلامه في حقّ يحيى فيما بعد قال : « إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين ابن علي صلوات الله عليه فنزع الله ملكهم ، وقتل هشام ، زيد بن علي فنزع الله ملكه ، وقتل الوليد ، يحيى بن زيد رحمه الله فنزع الله ملكه » (4).
أمّا أعلام الإماميّة فقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ وقال : يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدني ، ومن غرائب الكلام عدّه من أصحاب الكاظم ـ عليه السلام ـ مع أنّه ولد عام 128 هـ بعد ثلاثة سنين من استشهاد يحيى بن زيد.
يحيى بن زيد والصحيفة السجاديّة :
إنّ الصحيفة السجاديّة نسخة من علوم أئمّة أهل البيت ، وهي أدعية للإمام السجّاد تهزّ كلّ إنسان إذا قرأها بدقّة وإمعان ، وقد أودع فيها الإمام كنوزاً من المعارف ، وعلّم الإنسان كيفية الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه ، أنشأها سيّد الساجدين في عصر الظلم والقتل والتشريد وقد كانت نسخة منها عند زيد الثائر ، وقد أوصى بها إلى ولده يحيى ، وهو أيضاً أوصى إلى : محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر تفصيله عمير بن المتوكّل الثقفي البلخي عن أبيه متوكّل بن هارون قال :
لقيت يحيى بن زيد بن علي ـ عليه السلام ـ وهو متوجّه إلى خراسان فسلّمت عليه ، فقال لي : من أين أقبلت ؟ قلتُ : من الحجّ ، فسألني عن أهله وبني عمّه بالمدينة وأحفى السؤال عن جعفر بن محمّد فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي ـ عليه السلام ـ فقال لي : قد كان عمّي محمّد بن علي ـ عليه السلام ـ أشار إلى أبي بترك الخروج وعرّفه أنّه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره ، فهل لقيت ابن عمّي جعفر بن محمّد ـ عليه السلام ـ ؟ قلت : نعم ، قال : فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري ؟ قلتُ : نعم ، قال : بم ذكرني ؟ قلتُ : جعلتُ فداك ما أُحبّ أن أستقبلك بما سمعته منه ، فقال : أبالموت تخوّفني ؟ هات ما سمعته ، فقلت سمعته يقول :
إنّك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب ، فتغيّر وجهه وقال : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) يا متوكّل إنّ الله عزّ وجلّ أيّد هذا الأمر بنا ، وجعل لنا العلم والسيف ، فجمعا لنا وخصّ بنو عمنا بالعلم وحده ، فقلت : جعلت فداك إنّي رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر ـ عليه السلام ـ أميل منهم إليك وإلى أبيك ، فقال : إنّ عمّي محمّد بن علي وابنه جعفر ـ عليهما السلام ـ دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت ، فقلت : يابن رسول الله أهم أعلم أم أنتم ؟
فأطرق إلى الأرض مليّاً ثمّ رفع رأسه وقال : كلّنا له علم غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم ولا نعلم كلّ ما يعلمون.
ثمّ قال لي : أكتبت من ابن عمّي شيئاً ؟ قلت : نعم ، قال : أرينه ، فأخرجت إليه وجوهاً من العلم وأخرجت له دعاء أملاه عليّ أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ وحدّثني أنّ أباه محمّد بن علي ـ عليهما السلام ـ أملاه عليه ، وأخبره أنّه من دعاء أبيه علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ من دعاء الصحيفة الكاملة ، فنظر فيه يحيى حتّى أتى على آخره وقال لي : أتأذن في نسخه فقلت : يابن رسول الله أتستأذن فيما هو عنكم ، فقال : أما أنّي لأخرجن إليك صحيفة من الدعاء الكامل ممّا حفظه أبي عن أبيه ، وانّ أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها ، قال عمير : قال أبي : فقمت إليه فقبلت رأسه ، وقلت له : والله يابن رسول الله إنّي لأدين الله بحبّكم وطاعتكم وأنّي لأرجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم. فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال : أُكتب هذا الدعاء بخط بيّن وحسن وأعرضه عليّ لعلّي أحفظه ، فإنّي كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه قال المتوكّل : فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع ولم يكن أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ تقدم إليّ ألّا أدفعه إلى أحد.
ثمّ دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة فنظر إلى الخاتم وقبّله وبكى ثمّ فضّه وفتح القفل ، ثمّ نشر الصحيفة ووضعها على عينيه وأمرّها على وجهه ، وقال : والله يا متوكّل لولا ما ذكرت من قول ابن عمّي إنّني أُقتل وأُصلب لما دفعتها إليك ولكنت بها ضنيناً ولكني أعلم أنّ قوله حقّ أخذه عن آبائه وأنّه سيصحّ ، فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أُميّة فيكتموه ويدّخروه في خزائنهم لأنفسهم ، فاقبضها واكفينها وتربص بها ، فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض ، فهي أمانة لي عندك حتّى توصلها إلى ابني عمّي : محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ فإنّهما القائمان في هذا الأمر بعدي.
قال المتوكل : فقبضت الصحيفة ، فلمّا قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ : فحدّثته الحديث عن يحيى فبكى واشتدّ وجده به ، وقال : « رحم الله ابن عمي وألحقه بآبائه وأجداده ، والله يا متوكّل مامنعني من دفع الدعاء إليه إلّا الذي خافه على صحيفة أبيه ، وأين الصحيفة ؟ » فقلت : ها هي ، ففتحها ، أو قال : « هذا والله خط عمّي زيد ودعاء جدي علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ » ثمّ قال لابنه : « قم يا إسماعيل فأتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه » فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأنّها الصحيفة التي دفعها إليّ يحيى بن زيد فقبّلها أبو عبد الله ووضعها على عينه وقال : « هذا خط أبي وإملاء جدي ـ عليهما السلام ـ بمشهد منّي » فقلت : يابن رسول الله إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى ، فأذن لي ، وقال : « قد رأيتك لذلك أهلاً » فنظرتُ وإذا هما أمر واحد ولم أجد حرفاً منها يخالف ما في الصحيفة الاَُخرى ، ثمّ استأذنت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ في دفع الصحيفة إلى ابني عبد الله بن الحسن ، فقال : « إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، نعم فأدفعها إليهما » فلمّا نهضت للقائهما قال لي : « مكانك » ثمّ وجّه إلى محمّد وإبراهيم فجاءا ، فقال : هذا ميراث ابن عمّكما يحيى من أبيه قد خصّكما به دون إخوته ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً ، فقالا : رحمك الله قل فقولك المقبول ، فقال : « لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة » قالا : ولم ذاك ؟ قال : « إنّ ابن عمّكما خاف عليهما أمراً أخافه أنا عليكما » قالا : إنّما خاف عليها حين علم أنّه يقتل ، فقال : أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : « وأنتما فلا تأمنا فوالله إنّي لأعلم أنّكما ستخرجان كما خرج وستقتلان كما قتل » فقاما وهما يقولان : لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
فلمّا خرجا قال لي أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : « يا متوكّل كيف قال لك يحيى إنّ عمّي محمّد بن علي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت » قلت : نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمّك يحيى ذلك ، فقال : « يرحم الله يحيى انّ أبي حدثني عن أبيه عن جدّه عن علي ـ عليه السلام ـ إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أخذته نعسة وهو على منبره ، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة ، يردّون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ جالساً والحزن يُعرف في وجهه، فأتاه جبريل ـ عليه السلام ـ بهذه الآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ) (5) يعني بني أُميّة قال : يا جبريل أعلى عهدي يكونون وفي زمني ، قال : لا ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً ، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً ثمّ لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة قال وأنزل الله تعالى في ذلك : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (6) يملكها بنو أُمية ليس فيها ليلة القدر ، قال: فأطلع الله عزّ وجلّ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنّ بني أُميّة تملك سلطان هذه الاَُمّة وملكها طول هذه المدّة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم ، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا ، أخبر الله نبيّه بما يلقى أهل بيت محمّد وأهل مودتّهم وشيعتهم منهم في أيّامهم وملكهم قال وأنزل الله تعالى فيهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) (7) ونعمة الله محمّد وأهل بيته ، حبّهم إيمان يدخل الجنّة وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار ، فأسر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ذلك إلى علي وأهل بيته » (8)وسيوافيك خبر أخيه : عيسى بن زيد بعد أخبار محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن المثنّى وذلك حفظاً للتسلسل الزمني ، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
وقد رثى يحيى بن زيد لفيف من الشعراء منهم دعبل الخزاعي بتائيته المعروفة المشهورة التي تبلغ مائة وعشرين بيتاً رائعاً وفيها من مناقب أهل البيت ومصائبهم الجم الغفير ومطلعها قوله :
تجاوبن بالأرنان والزفــــــــرات * نوائح عجم اللفظ والنطقـات
يخبرن بالأنفاس عن سرّ أنفس * أُسارى هوىً ماضٍ وآخر آت
إلى أن انتقل عن كل ما يوشح به أوائل القصائد إلى قوله :
فكيف ومن أنى بطالب زلفــــة * إلى الله بعد الصوم والصلـــــوات
سوى حبّ أبناء النبي ورهطــه * وبغض بني الزرقــــــاء والعبلات
وهند وما أدّت سمية وابنهـــــا * أُولو الكفر في الاِسلام والفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهــــــــات
ثمّ إلى أن جدّد المطلع بقوله :
بكيت لرسم الدار من عرفـــــــــات * وأجريت دمع العين بالعبرات
وبانَ عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار قد عفت وعــرات
مدارس آيات خلـــــــــت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منــى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ثمّ إلى أن قال عطر الله مرقده وفاه :
أفاطم لو خلت الحسين مجـــدلاً * وقد مات عطشاناً بشط فـــــرات
إذاً للطمت الخد فاطم عنــــــده * وأجريت دمع العين في الوجنـات
أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبـي * نجوم سماوات بــــــــأرض فلاة
قبور بكوفان وأُخرى بطيبـــــــة * وأُخرى بفخ نالها صلواتــــــــــي
وأُخرى بأرض الجوزجان محلهـا * وقبر بباخمرى لدى الغربـــــــات
وقبر ببغداد لنفس زكيّــــــــــــة * تضمنها الرحمن في الغرفــــــات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا * معرسهم منها بشط فــــــــــرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتنـــــي * توفيت فيهم قبل حين وفاتي (9)
الهوامش
1. أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : 103 ـ 108 ، والجزري : الكامل : 5 / 271 ـ 272.
2. الجوزجان : بزاي بين الجيمين المفتوحتين : كورة واسعة من كور بلخ بخراسان.
3. السيد علي خان المدني : رياض السالكين : 1 / 69 ـ 70.
4. المجلسي : البحار : 46 / 182 ح 46.
5. الإسراء : 60.
6.القدر : 1 ـ 3.
7. إبراهيم : 28.
8. الصحيفة السجاديّة : قسم المقدّمة ، لاحظ رياض السالكين : 1 / 69 ـ 187 قسم المتن.
9. ذكرها غير واحد من الاَُدباء والمؤرّخين ، ومن أراد أن يقف على جميعها فليرجع إلى : روضات الجنّات : 3 / 302 ـ 304 والغدير : 2 / 349.
مقتبس من : كتاب « بحوث في الملل والنحل الجزء السابع »
التعلیقات
١