النبوة
عقائد الزيدية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 487 ـ 489
________________________________________(487)
(النبوة) فصل [في معرفة النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ] فإن قيل: فقد أكملت معرفة ربّك، فمن نبيك؟
فقل: محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _.
فإن قيل: فما برهانك على ذلك؟
فقل: لاَنّه جاء بالمعجزة عقيب ادّعائه النبوّة، وكل من كان كذلك فهو نبيّ صادق.
فإن قيل: فما برهانك على أنّه جاء بالمعجز عقيب ادّعائه النبوّة؟
فقل: المعلوم ضرورة أنّه كان في الدنيا قبيلةٌ تُسمّى قريش، وأن فيهم قبيلة تسمّى: بنو هاشم، وأنّه كان فيهم رجلٌ اسمه: محمد بن عبد اللّه، والمعلوم ضرورةً
________________________________________
(488)
أنّه ادّعى النبوة، وأنّه جاء بالقرآن بعد ادعاء النبوة، وأنّه مشتمل على آيات التحدّي، وأنّه كان يتلوها على المشركين ويسمعونها وهم النّهاية في الفصاحة، والمعلوم ضرورةً شدّةُ عداوتهم له.وإنّما قلنا: بأنّه معجز لاَنّه تحداهم على أنّ يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم على أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم بأنّ يأتوا بسورة من مثله فلم يقدروا على ذلك؛ لاَنّهم لو قدروا على معارضته ـ مع شدّة عداوتهم له وعلمهم بأنّ معارضته بمثل ما جاء به تبطلُ دعواه ـ لما عدلوا عنها إلى الشّاقّ من محاربته، التي لا تدل على بطلان دعواه، فدلّ ذلك على كونه معجزاً.
ولاَنّ القرآن مشتمل على الاِخبار بالغيوب المستقبلة، وعلى الاِخبار عن الاَُمور الماضية، فكان الاَمر على ما أخبر في الماضي والمستقبل، فدَلّ ذلك على كونه معجزاً، لايقدر عليه أحد من البشر.
وله معجزات كثيرة تقارب ألف معجزة، نحو: مجيء الشجرة إليه، وجريها على الماء كالسفينة، وسير الشّجرة، وإحيائه الموتى، وتسبيح الحصى في يده، ونحو ذلك كثير، وإنما قلنا بأنّ من كان كذلك فهو نبي صادق؛ لاَنّ إظهار المعجز على أيدي الكَذّابين قبيح، وهو تعالى لا يفعله، وإذا ثبت صدقُهُ وصحّت نبوته، وجب تصديقه فيما أخبرنا به عن الاَنبياء والمرسلين قبله، ووجب القضاء بصحة نبوتهم وتصديق رسالتهم، وهذا واضح.
فصل [في معرفة القرآن]
فإن قيل: فما اعتقادك في القرآن؟
فقل: اعتقادي أنّه كلام اللّه تعالى، وأنّه كلام مسموع محدثٌ مخلوق.
فإن قيل: فما دليلك على ذلك؟
________________________________________
(489)
فقل، أمّا قولي: إنّه كلام اللّه تعالى، فلقوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّه") [التوبة: 6]، المعلوم أن الكلام الذي سمعه المشركون ليس بشيء غير هذا القرآن، ولاَنّ المعلوم ضرورة أنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان يدين ويخبر بذلك، وهو لا يدين إلاّ بالحق، ولا يخبر إلاّ بالصدق، لاَنّ ظهور المعجز على يديه قد استأمن وقوع الخطأ فيما يدين به، وظهور الكذب فيما يخبر به. وأمّا قولي: إنّه مسموعٌ فذلك معلوم بالحسّ ولقوله تعالى: "إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً") (الجن: 1) والمعلوم ضرورة أنّ ذلك المسموع هذا القرآن.
وأمّا قولي: إنّه محدَثٌ؛ فلاَنّه فعل من أفعاله تعالى، والفاعل متقدم على فعله بالضّرورة، ومايتقدمه غيره فهو مُحدَث، ولاَنّ بعضه متقدم على بعض، وذلك يدل على أنّه محدَث، ولقوله تعالى: "مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍج ")[الاَنبياء: 2]. والذكر هو القرآن، لقوله تعالى: "وإنّهُ لَذِكْرٌ لكَ ولِقَوْمِكَ") [الزخرف: 44]، أيْ شَرَفٌ لك ولقومك.
وأمّا قولي: إنّه مخلوقٌ؛ فلاَنّه مُرَتَّبٌ منظومٌ على مقدارٍ معلومٍ موافقٍ للمصلحة. بهذه الصِّفةِ المنزَّلة جَازَ وَصفهُ بأنّه مخلوقٌ، ولِما رواه عمر بن الخطاب، عن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أنّه قال: «كان اللّه ولا شيء ثم خلق الذكر»، والذكر هو القرآن كما تقدم.
ثم قل: وأعتقد أنّه حقّ لا باطل فيه، لقوله تعالى: "وَإِنّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ") [فصلت: 41 و 42].
ثم قل: وأعتقد أنّه لا تناقض فيه ولا تعارض ولا اختلاف، "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوْا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثيراً") [النساء: 82].
التعلیقات