أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
علماءالأشاعرة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 339 ـ 334
________________________________________(339)
(5)أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (479أو 467ـ 548هـ)
الشهرستاني، أحد المهتمين بدراسة المذاهب والشرائع، ويعدّ شخصية ثالثة بين الأشاعرة في معرفة الملل والنحل، بعد الشيخين: أبي الحسن الأشعري، وعبد القاهر البغدادي، وكتابه المعروف بالملل والنحل يعد من المصادر لهذا العلم، ويمتاز عن غيره من الكتب المتقدمة عليه كـ«مقالات الإسلاميين» للأشعري و«الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي بذكر كثير من الآراء الفلسفية المتعلّقة بما وراء الطبيعة، التي كانت سائدة في عصر المؤلف،ولأجل ذلك حاز الكتاب إعجاب الناس وتقديرهم، ومع ذلك كلّه قد خلط بين الحقّ والباطل، خصوصاً في نقل آراء بعض الطوائف الإسلامية.
ويعرّفه ابن خلكان بقوله: كان مبرزاً فقيهاً متكلماً، تفقّه على أحمد الخوافي وعلى أبي نصر القشيري وغيرهما، وبرع في الفقه وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد فيه، وصنف كتباً منها: «نهاية الإقدام في علم الكلام» وكتاب «الملل النحل» و«المناهج والبيّنات» وكتاب «المضارعة» و «تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام» و كان كثير المحفوظ(1)، حسن المحاورة، يعظ الناس، ودخل بغداد سنة 510 وأقام بها ثلاث سنين،وظهر، قبول كثير عند العوام، وسمع الحديث من علي بن أحمد المديني بـ«نيسابور»وغيره، وكتب عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني، وذكره في كتاب
________________________________________
1. كذا في المصدر والأصحّ : «كثير الحفظ».
________________________________________
(340)
«الذيل»، و كانت ولادته سنة 479 أو 467،وتوفّي في أواخر شعبان سنة 548هـ.(1)ويصفه الذهبي بقوله: شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف،ونقل عن السمعاني أنّه كان يميل إلى أهل القلاع (القرامطة) والدعوة إليهم والنصرة لطاماتهم، كما ينقل عن صاحب «التحبير» بأنّه كان إماماً أُصولياً عارفاً بالأدب وبالعلوم المهجورة. وقال ابن أرسلان في تاريخ خوارزم: عالم كيّس متعفف.
ولولا ميله إلى الإلحاد وتخبطه في الاعتقاد، لكان هو الإمام، وكثيراً ما نتعجب من وفور فضله كيف مال إلى شيء لا أصل له، نعوذ بالله من الخذلان، وليس ذلك إلاّ لإعراضه عن علم الشرع، واشتغاله بظلمات الفلسفة. وقد كانت بيننا محاورات فكان يبالغ في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم. حضرت وعظه مرات فلم يكن في ذلك قال الله و قال رسوله. فسأله سائل يوماً فقال: سائر العلماء يذكرون في مجالسهم المسائل الشرعية ويجيبون عنها بقول أبي حنيفة والشافعي، وأنت لا تفعل ذلك؟ فقال: مثلي ومثلكم كمثل بني إسرائيل يأتيهم المن والسلوى، فسألوا الثوم والبصل. ثمّ نقل عن ابن أرسلان أنّه حجّ في سنة 510هـ.(2)
المطبوع من كتبه
1. «الملل والنحل» قد طبع كراراً، وأخيراً في القاهرة في جزءين بتحقيق محمد سيد كيلاني، طبع في 1381هـ.
2. «نهاية الإقدام» وهو مطبوع حرره وصححه «الفرد جيوم» المستشرق ولم يذكر عام الطبع. ومجموع الكتاب يحتوي على عشرين قاعدة كلامية. قال في مقدمة الكتاب: وقد أوردت المسائل على تشعث خاطري وتشعب فكري، ممتثلاً أمره في معرض المباحثات ترتيباً وتمهيداً، سؤالاً
________________________________________
1. وفيات الأعيان:4/273 برقم 611. 2. سير أعلام النبلاء:20/287ـ 288، ولاحظ الروضات:8/26برقم 675.
________________________________________
(341)
وجواباً، وسمّيت الكتاب «نهاية الإقدام (بالكسر) في علم الكلام»(1) وإليك فهرس القواعد:1. القاعدة الأُولى: في حدوث العالم وبيان استحالة حوادث لا أوّل لها،واستحالة وجود أجسام لا تتناهى مكاناً.
2. القاعدة الثانية: في حدوث الكائنات بأمرها بإحداث الله سبحانه.
3. القاعدة الثالثة: في التوحيد.
4. القاعدة الرابعة: في إبطال التشبيه.
5. القاعدة الخامسة: في إبطال مذهب التعطيل وبيان وجوه التعطيل.
6. القاعدة السادسة: في الأحوال.
7. القاعدة السابعة: في المعدوم هل هو شيء أم لا، وفي الهيولي وفي الرد على من أثبت الهيولي بغير صورة الوجود.
8. القاعدة الثامنة: في إثبات العلم بأحكام الصفات العلى.
9. القاعدة التاسعة: في إثبات العلم بالصفات الأزلية.
10. القاعدة العاشرة: في العلم الأزلي خاصة، وأنّه أزلي واحد.
11. القاعدة الحادية عشرة: في الإرادة.
12. القاعدة الثانية عشرة: في كون البارئ متكلّماً بكلام أزلي.
13. القاعدة الثالثة عشرة: في أنّ كلام البارئ واحد.
14. القاعدة الرابعة عشرة: في حقيقة الكلام الإنساني والنطق النفساني.
15. القاعدة الخامسة عشرة: في العلم بكون البارئ تعالى سميعاً بصيراً.
________________________________________
1. نهاية الإقدام: 4.
________________________________________
(342)
16. القاعدة السادسة عشرة: في جواز رؤية البارئ تعالى عقلاً ووجوبها سمعاً.17. القاعدة السابعة عشرة: في التحسين والتقبيح، وبيان أنّه لا يجب على الله تعالى شيء من قبل العقل،ولا يجب على العباد شيء قبل ورود الشرع.
18. القاعدة الثامنة عشرة: في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله تعالى، وإبطال القول بالصلاح والأصلح واللطف، ومعنى التوفيق والخذلان والشرح والختم والطبع، ومعنى النعمة والشكر، ومعنى الأجل والرزق.
19. القاعدة التاسعة عشرة: في إثبات النبوات.
20. القاعدة العشرون: في إثبات نبوة نبيّنا محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .
وقد نسب إليه غير واحد هذين البيتين وجاءا في أوّل كتاب «نهاية الإقدام» و هما:
لقد طفت في تلك المعاهد كلّها * وسيرت طرفي بيـن تلك المعـالم
فلم أُر إّلا واضعـاً كـف حـائر * على ذقـن أو قـارعاً سـن نـادم
نكاتفلم أُر إّلا واضعـاً كـف حـائر * على ذقـن أو قـارعاً سـن نـادم
1. إنّ القول بميل الرجل إلى القرامطة، لا يصدقه كلامه في الملل والنحل، فإنّه قد طرح في هذا الكتاب عقائد الإسماعيلية واستوفى الكلام فيها وختم كلامه بقوله:
وكم ناظرت القوم على المقدمات المذكورة فلم يتخطوا عن قولهم ـ إلى أن قال ـ: وقد سددتم (الطائفة الإسماعيلية) باب العلم وفتحتم باب التسليم والتقليد، وليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهباً على غير بصيرة، وأن يسلك طريقاً من غير بينة.(1)
________________________________________
1. الملل والنحل:1/197ـ 198، ط دار المعرفة بيروت.
________________________________________
(343)
2. يروي الشهرستاني أنّ عقيدة السلف في إجراء الصفات الخبرية على الله سبحانه هو التفويض بقوله:بالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حدّ التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلّت الأفعال عليها و ما ورد به الخبر، فافترقوا فرقتين:
فمنهم من أوّله على وجه يحتمل اللفظ ذلك.
ومنهم من توقّف في التأويل وقالوا: لسنا مكلّفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها.(1)
3. إنّ الرجل يتخبط حقاً في عرض عقائد الشيعة، وكأنّه لم يرجع إلى مصدر شيعي معتبر، يقول في حقّ هذه الطائفة: إنّ الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير. أمّا الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس، وأمّا التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق، ولما ظهرت المعتزلة والمتكلّمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير».(2)
يلاحظ عليه: أنّ الشيعة هم الذين يمثلون أصحاب الإمام علي والسبطين وعلي والسجادوالباقرين والكاظمين... ـ عليهم السَّلام ـ وهؤلاء عن بكرة أبيهم مبرأون عن هذه التهم الساقطة. كيف وهم مقتفون أثر عترة النبي الذين جعلهم الرسول الأعظم قرناء الكتاب في العصمة والهداية، وقد تواترت عليه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ رواية الثقلين، وأنّه قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين:كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(3)
________________________________________
1. الملل والنحل:1/93، وقد عرفت ما في التفويض من الإشكال. 2. الملل والنحل:1/93، وقد عرفت ما في التفويض من الإشكال. 3. راجع في الوقوف على مصادره ونصوصه، كنز العمال:1/172 باب الاعتصام بالكتاب والسنّة. وقد نشرت جماعة دار التقريب بالقاهرة رسالة مستقلة في هذا المجال أنهى فيها صور الحديث وأسناده.
________________________________________
(344)
أفهل يتصور أن يعتقد مقتفو آثارهم تألية الأئمة، أو تشبيه إله العالم بواحد من الخلق؟!4. يقول أيضاً في حقّ الإمامية: صارت الإمامية متمسكين بالعدلية في الأُصول وبالمشبهة في الصفات، متحيرين تائهين.(1)
تمسك الإمامية بالعدل معروف لا شكّ فيه، وكفى ذلك الكتاب والعقل والسنّة المروية عن طريق أهل البيت، وأمّا كونهم مشبهين في الصفات ففرية لا يجد الرجل دليلاً عليها في كتبهم، فهم من أشدّ المنزّهين لله سبحانه عن الصفات الخبرية مثل اليدين والوجه بالمعاني الحقيقية، وكفى في ذلك خطب علي ـ عليه السَّلام ـ في النهج، فقد نزّه الباري سبحانه لا عن الصفات الخبرية وحدها، بل نزّهه عن كونه متصفاً بصفات ذاتية زائدة على ذاته، بل صفاته سبحانه عندهم نفس ذاته،لا بمعنى النيابة، بل بلوغ الذات في الكمال إلى حدّ صارت نفس العلم والقدرة، قال ـ عليه السَّلام ـ : «لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه،ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه».(2)
ففي الكتاب نقول ضعيفة، وساقطة عن هذه الطائفة تحتاج إلى نظارة التنقيب جداً، فلنكتف بهذا المقدار.
________________________________________
1. الملل والنحل:1/172. 2. نهج البلاغة: الخطبة الأُولى.
التعلیقات