معمّر بن عبّاد السلمي
علناء المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 272 ـ 273
________________________________________
1. ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل، ص 31 و 32. 2. المعتزلة: ص 44. 3. البيان والتبيين: ج 1، ص 37، نقلاً عن «المعتزلة» ص 45. والناجر: أشدّ أشهر الصيف حرّاً.
(272)
2ـ معمّر بن عبّاد السلمي (م 215) خريج مدرسة البصرةيكنّى أبا عمرو وكان عالماً عدلاً و تفرّد بمذاهب وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو وأبو الحسين المدائني من تلامذته.
قال القاضي عبدالجبّار: «لمّا منع الرّشيد من الجدال في الدين و حبس أهل علم الكلام، كتب إليه ملك السند: إنّك رئيس قوم لا ينصفون و يقلِّدون الرجال و يغلبون بالسيف، فإن كنت على ثقة من دينك فوجّه إليّ من اُناظره، فإن كان الحقّ معك تبعناك، وإن كان معي تبعتني. فوجّه إليه قاضياً، و كان عند الملك رجل من السمنية وهو الّذي حمله على هذه المكاتبة، فلمّا وصل القاضي إليه أكرمه ورفع مجلسه، فسأله السمني فقال: أخبرني عن معبودك هل هو القادر؟ قال: نعم، قال: أفهو قادر على أن يخلق مثله؟ فقال القاضي: هذه المسألة من علم الكلام وهو بدعة، وأصحابنا ينكرونه.
فقعال السمني: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وعدّ جماعة من الفقهاء، فقال السمني للملك: قد كنت أعلمتك دينهم وأخبرتك بجهلهم و تقليدهم و غلبتهم بالسيف، قال: فأمر ذلك الملك القاضي بالانصراف، وكتب معه إلى الرشيد: إنّي كنت بدأتك بالكتاب وأنا على غير يقين ممّا حكي لي عنكم، فالآن قد تيقّنت ذلك بحضور هذا القاضي ـ وحكى له في الكتاب ما جرى.
فلمّا ورد الكتاب على الرّشيد قامت قيامته، وضاق صدره، وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، هم الّذين نهيتهم عن الجدال في الدين و جماعة منهم في الحبس. فقال: أحضروهم، فلمّا حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة؟ فقال صبي من بينهم: هذا السؤال محال، لأنّ المخلوق لا يكون إلاّ محدثاً، والمحدث لا يكون مثل القديم، فقد استحال أن يقال: يقدر على أن يخلق مثله أو لا يقدر، كما استحال أن يقال: يقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً، فقال الرشيد: وجّهوا بهذا الصبي إلى السند حتّى يناظرهم. فقالوا: إنّه لا يؤمّن أن يسألوه عن غير هذا، فيجب أن توجّه من يفي بالمناظرة في كلّ العلم. قال الرشيد: فمن لهم ؟ فوقع اختيارهم على
________________________________________فقعال السمني: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وعدّ جماعة من الفقهاء، فقال السمني للملك: قد كنت أعلمتك دينهم وأخبرتك بجهلهم و تقليدهم و غلبتهم بالسيف، قال: فأمر ذلك الملك القاضي بالانصراف، وكتب معه إلى الرشيد: إنّي كنت بدأتك بالكتاب وأنا على غير يقين ممّا حكي لي عنكم، فالآن قد تيقّنت ذلك بحضور هذا القاضي ـ وحكى له في الكتاب ما جرى.
فلمّا ورد الكتاب على الرّشيد قامت قيامته، وضاق صدره، وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، هم الّذين نهيتهم عن الجدال في الدين و جماعة منهم في الحبس. فقال: أحضروهم، فلمّا حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة؟ فقال صبي من بينهم: هذا السؤال محال، لأنّ المخلوق لا يكون إلاّ محدثاً، والمحدث لا يكون مثل القديم، فقد استحال أن يقال: يقدر على أن يخلق مثله أو لا يقدر، كما استحال أن يقال: يقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً، فقال الرشيد: وجّهوا بهذا الصبي إلى السند حتّى يناظرهم. فقالوا: إنّه لا يؤمّن أن يسألوه عن غير هذا، فيجب أن توجّه من يفي بالمناظرة في كلّ العلم. قال الرشيد: فمن لهم ؟ فوقع اختيارهم على
(273)
معمر، فلمّا قرب من السند بلغ خبره ملك السند فخاف السمني أن يفتضح على يديه وقد كان عرفه من قبل، فدسّ من سمّه في الطّريق فقتله»(1).
أقول: ما أجاب به الصّبي صحيح، غير أنّ العبارة غير وافية، والمقصود: ما سألته (خلق المثل) محال لا نفس السؤال محال.
قال صاحب كتاب «المعتزلة»: «فلئن صحّت هذه القصّة فإنّها تعني أنّ الرشيد لم يجد في مملكته الواسعة من يدافع عن الإسلام غير المعتزلة.
والواقع أنّ المعتزلة تحمّسوا لهذه القضية كثيراً، فلم يكتفوا بالردّ على المخالفين وتقطيعهم بل تعدّوا ذلك إلى التبشير بالدين الإسلامي و حمل الناس على اعتناقه فكانوا لا ينفكّون يرسلون وفودهم لهذا الغرض إلى البلاد الّتي يكثر فيها المجوس أو غيرهم من الوثنيين»(2).
ويقول صفوان الأنصاري شاعر المعتزلة في مدح واصل وصحبه ما يظهر حقيقة الجهود الّتي بذلوها في سبيل الدفاع عن حوزة الدين و التبشير به:
أقول: ما أجاب به الصّبي صحيح، غير أنّ العبارة غير وافية، والمقصود: ما سألته (خلق المثل) محال لا نفس السؤال محال.
قال صاحب كتاب «المعتزلة»: «فلئن صحّت هذه القصّة فإنّها تعني أنّ الرشيد لم يجد في مملكته الواسعة من يدافع عن الإسلام غير المعتزلة.
والواقع أنّ المعتزلة تحمّسوا لهذه القضية كثيراً، فلم يكتفوا بالردّ على المخالفين وتقطيعهم بل تعدّوا ذلك إلى التبشير بالدين الإسلامي و حمل الناس على اعتناقه فكانوا لا ينفكّون يرسلون وفودهم لهذا الغرض إلى البلاد الّتي يكثر فيها المجوس أو غيرهم من الوثنيين»(2).
ويقول صفوان الأنصاري شاعر المعتزلة في مدح واصل وصحبه ما يظهر حقيقة الجهود الّتي بذلوها في سبيل الدفاع عن حوزة الدين و التبشير به:
رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم * تحكّم جبّار ولا كيد ساحر
إذا قال مرّوا في الشتاء تطاوعوا * وإن كان صيفاً لم يخف شهر ناجر(3)
________________________________________إذا قال مرّوا في الشتاء تطاوعوا * وإن كان صيفاً لم يخف شهر ناجر(3)
1. ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل، ص 31 و 32. 2. المعتزلة: ص 44. 3. البيان والتبيين: ج 1، ص 37، نقلاً عن «المعتزلة» ص 45. والناجر: أشدّ أشهر الصيف حرّاً.
التعلیقات