أصلان أو اُصول خمسة؟
عقائد المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 300 ـ 302
________________________________________(300)
وتحقيق الحقّ حول هذه الاُصول يستدعي رسم اُمور تلقي ضوءاً على الأبحاث التالية:1- أصلان أو اُصول خمسة؟
إنّ القاضي عبدالجبّار ليس أوّل من ألّف في عقائد المعتزلة باسم الاُصول الخمسة بل سبق في ذلك شخصان آخران من خرّيجي المدرستين، أحدهما: أبو الهذيل العلاّف البصري، والثاني: جعفر بن حرب البغدادي.
قال النّسفي في «بحر الكلام»: «خرج أبو الهذيل فصنّف لهم كتابين و بيّن مذهبهم، وجمع علومهم، وسمّى ذلك: «الخمسة الاُصول»، وكلّما رأوا رجلاً قالوا له:هل قرأت «الاُصول الخمسة» فإن قال: نعم، عرفوا أنّه على مذهبهم»(2).
وقال ابن المرتضى: «ومنهم جعفر بن حرب (م 236) الّذي عدّه المرتضى من الطّبقة السابعة فقال: له الاُصول الخمسة»(3).
والظاهر أنّ القاضي أملى شرح الاُصول الخمسة على غرار الكتابين الماضيين وكتبه عدد من تلاميذه، وقد اختلفت كلمة القاضي في عدّ الاُصول، فجعلها في شرح
________________________________________
2. نقله محقق شرح الاُصول الخمسة للقاضي، ص 26، عن مخطوط دار الكتب المصرية لبحر الكلام، ورقة 57. 3. المنية والامل: ص 41. والصحيح «الخمسة».
________________________________________
(301)
الاُصول خمسة على الوجه الّذي عرفت، وجعلها في «المغني»(1) اثنين: التوحيد والعدل. وجعل غيرهما داخلاً في ذينك الأصلين. وجعلها في كتاب «مختصر الحسنى»، أربعة: التوحيد والعدل والنبوّات والشرائع، وأدخل الوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرائع. ويظهر من كلمات تلاميذه الّذين أملى لهم القاضي كتاب «الاُصول الخمسة» أنّ ما فعله في «المغني» هو الأرجح، قالوا: إنّ النبوّات والشرائع داخلان في العدل، لأنّه كلام في أنّه تعالى إذا علم أنّ صلاحنافي بعثة الرُّسل و أن نتعبّد بالشريعة، وجب أن يبعث ونتعبّد، ومن العدل أن لا يُخلّ بما هو واجب عليه. وكذلك الوعد والوعيد داخل في العدل. لأنّه كلام في أنّه تعالى إذا وعد المطيعين بالثّواب، وتوعّد العصاة بالعقاب فلا بدّ من أن يفعل ولا يخلف في وعده ولا في وعيده، ومن العدل أن لا يُخلف ولا يكذب، وكذلك المنزلة بين المنزلتين داخل في باب العدل، لأنّه كلام في أنّ الله تعالى إذا علم أنّ صلاحنا في أن يتعبّدنا بإجراء أسماء و أحكام على المكلّفين وجب أن يتعبّدنا به، ومن العدل أن لا يُخلّ بالواجب وكذا الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأولى أن يقتصر على ما أورده «في المغني»(2).
يلاحظ عليه:أوّلاً: ـ أنّه لو صحّ إدخال المنزلة بين المنزلتين في باب العدل، حسب البيان الّذي سمعت، لصحّ إدخال المعارف العقليّة كلّها تحته بنفس البيان، بأن يقال إنّ الله تعالى إذا علم أنّ صلاحنا أن يتعبّدنا بالمعارف وجب أن يتعبّدنا بها، ومن العدل أن لا يُخلّ بالواجب، ولا أرى أنّ واحداً من المعتزلة يقبل ذلك.
وثانياً ـ إنّ الاُصول الاعتقاديّة على قسمين:
قسم يجب الاعتقاد به بنفس عنوانه ولا يكفي الاعتقاد بالجامع البعيد الّذي يشمله، وذلك كالاعتقاد بنبوّة النّبيّ الأكرم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وعموميّة رسالته وخاتميتها، فالكلّ ممّا
________________________________________
1. من أبسط كتب القاضي وأهمها، يقع في عشرين جزءاً، طبع منه أربعة عشر جزءاً ولم يعثر على الباقي. 2. شرح الاُصول الخمسة: ص 123.
________________________________________
(302)
تجب معرفته بنفس عنوانه ولا يكفي في معرفته عرفان عدله سبحانه، بحجّة أنّ النبوّات والشرائع داخلة تحته، فمن عرف الله سبحانه بالعدل كفى في معرفة ما يقع تحته.ولعلّ المعارف العقليّة الّتي يستقلّ العقل بعنوانها من مقولة القسم الأوّل.
وقسم آخر يكفي فيه الاعتقاد بالعنوان البعيد ولا يلزم الاعتقاد بشخصه، كالاعتقاد ببعض الخصوصيّات الواردة في الحياة البرزخيّة والأخروية.
***
التعلیقات