احاديث حرمة بناء القبور
البناء على القبور
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 191 ـ 197
________________________________________(191)
ب ـ حديث جابر وتحليله سنداً ومتناًإنّ الوهابيين يستدلون بحديث جابر على حرمة البناء على القبور، وقد ورد بنصوص مختلفة، ونحن نذكر نصاً واحداً منها:
روى مسلم في صحيحه: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص
________________________________________
(192)
ابن غياث، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نهى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ أن يجصّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه(1) .والاستدلال بحديث جابر غير صحيح سنداً ومتناً .
أمّا الأول فلأنّ جميع أسانيده مشتملة على رجلين هما في غاية الضعف :
1- ابن جريج: وهو عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج .
2- أبو الزبير. وهو محمد بن مسلم الأسدي .
أمّا الأول فإليك كلمات أئمة الرجال في حقه:
سئل يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج قال: فقال: ضعيف، فقيل له إنّه يقول: أخبرني قال: لا شيء.. كله ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان جاء بمناكير.
وقال مالك بن أنس: كان ابن جريج حاطب ليل .
وقال الدارقطني : يجنب تدليس ابن جريج فإنّه قبيح التدليس، لا يدلس إلاّ في ما سمعه من مجروح.
وقال ابن حبان: كان ابن جريج يدلس في احاديث(2).
وأمّا الثاني: فإليك أقوال علماء الرجال فيه:
فعن إمام الحنابلة عن أيوب إنّه كان يعتبر أبا الزبير ضعيف الرواية .
________________________________________
1. لاحظ للوقوف على متون الحديث المختلفة وأسانيده: صحيح مسلم، كتاب الجنائز ج 3 ص 62، والسنن للترمذي ج 2 ص 208، طبع المكتبة السلفية، وصحيح ابن ماجة، ج 1 كتاب الجنائز، ص 473، وصحيح النسائي ج 4 ص 87 إلى 88، وسنن أبي داود ج 3 ص 216، باب البناء على القبر، ومسند أحمد ج 3 ص 295 و 332 ورواه أيضاً مرسلا عن جابر ص 399 .
2. تهذيب التهذيب ج 6 ص 2 ـ 4 و ص 5 ـ 6 طبع دار المعارف العثمانية. ولاحظ ما ذكرناه في الجزء الأول ص 96 .
________________________________________
(193)
وعن شعبة: لم يكن في الدنيا أحبّ إلىّ من رجل يقدم فأسأله عن أبي الزبير، فقدمت مكة فسمعت منه فبينا أنا جالس عنده، إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فردّ عليه، فافترى عليه فقلت: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟ قال: إنّه أغضبني، قلت: ومن يغضبك تفتري عليه؟ لا رويت عنك شيئاً.وعن ورقاء قال: قلت لشعبة : مالك تركت حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يزن ويسترجع في الميزان.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي الزبير، فقال: يكتب ولا يحتج به قال: وسألت أبا زرعة عن أبي الزبير فقال: يروي عنه الناس قلت: يحتج بحديثه؟ قال: إنما يحتج بحديث الثقات(1) .
باللّه عليك أيصحّ الاستدلال بهذا الحديث؟ أفهل يصحّ هدم آثار النبوة والرسالة والصحابة بهذه الرواية؟ .
على أنّ بعض الأسانيد مشتمل على عبد الرحمن بن أسود المتّهم بالكذب والوضع .
هذا كله ما يتعلّق بالسند، وأمّا المتن ففيه ملاحظتان:
الأُولى: إنّ الحديث روي بِصوَر سبع، مع أنّ النبي نطق بصورة واحدة، ولو رجعت إلى متونه المبعثرة في المصادر الّتي أوعزنا إليهاترى فيها الاضطراب العجيب، وإليك صورها:
1- نهي رسول اللّه عن تجصيص القبر والاعتماد عليه .
2- نهي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الكتابة على القبر .
3- نهي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن تجصيص القبر، والكتابة والبناء عليه، والمشي عليه .
________________________________________
1. تهذيب التهذيب، ترجمة أبي الزبير ج 9 ص 442 طبع حيدرآباد ـ دكن عام 1326، ولاحظ: الطبقات الكبرى ج 5 ص 481 .
________________________________________
(194)
4- نهي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجلوس على القبر، وتجصيصه، والبناء والكتابة عليه .
6- نهي عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجلوس على القبر، وتجصيصه والبناء عليه .
7- نهي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجلوس على القبر وتجصيصه والبناء عليه، والزيارة عليه، والكتابة عليه(1).
مضافاً إلى اختلافات أُخرى في أداء مقصود واحد، فيعبّر عنه تارة بالاعتماد، وأُخرى بالوطء، وثالثة بالقعود.
ومن المعلوم إِنَّ الاعتماد غير الوطء، وهما غير القعود، فمع هذا الاضطراب والاختلاف في المضمون لا يمكن لأي فقيه أن يعتمد عليه؟!.
الثانية: إنّ الحديث على فرض صحته لا يثبت سوى ورود النهي من النبي ولكن النهي منه تحريمي ومنه تنزيهي .
6- نهي عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجلوس على القبر، وتجصيصه والبناء عليه .
7- نهي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عن الجلوس على القبر وتجصيصه والبناء عليه، والزيارة عليه، والكتابة عليه(1).
مضافاً إلى اختلافات أُخرى في أداء مقصود واحد، فيعبّر عنه تارة بالاعتماد، وأُخرى بالوطء، وثالثة بالقعود.
ومن المعلوم إِنَّ الاعتماد غير الوطء، وهما غير القعود، فمع هذا الاضطراب والاختلاف في المضمون لا يمكن لأي فقيه أن يعتمد عليه؟!.
الثانية: إنّ الحديث على فرض صحته لا يثبت سوى ورود النهي من النبي ولكن النهي منه تحريمي ومنه تنزيهي .
وبعبارة أُخرى: نهي تحريم، ونهي كراهة، وقد استعمل النهي في كلمات الرسول في القسم الثاني كثيراً ولأجل ذلك حمله الفقهاء على الكراهة، فترى الترمذي يذكر هذا الحديث في صحيحة تحت عنوان كراهية تجصيص القبور، والسندي شارح صحيح ابن ماجة ينقل عن الحاكم النيسابوري أنّه لم يعمل بهذا النهي (بالمضمون التحريمي) أحد من المسلمين، بدليل أنّ سيرة المسلمين قائمة على الكتابة على القبور .
وأمّا الكراهة فربما تكون مرتفعة بالنسبة إلى المصالح العظيمة المترتبة عليه، كما إذا صار البناءعلى القبر سبباً لحفظ الآثار الإسلامية، وإظهار المودة لصاحب القبر الّذي فرض اللّه مودته على الناس(2)، أو يكون لاستظلال الزائر وتمكّنه من تلاوة القرآن وإهداء ثوابه إلى صاحب القبر، إلى غير ذلك من الأُمور
________________________________________
1. لاحظ في الوقوف على المتون المختلفة للحديث مضافاً إلى المصادر الّتي أوعزنا إليها، كتابنا (الوهابية في الميزان) ص 88 ـ 89 .
2. قال سبحانه: (قل لا أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى) (الشورى/23) .
________________________________________
وأمّا الكراهة فربما تكون مرتفعة بالنسبة إلى المصالح العظيمة المترتبة عليه، كما إذا صار البناءعلى القبر سبباً لحفظ الآثار الإسلامية، وإظهار المودة لصاحب القبر الّذي فرض اللّه مودته على الناس(2)، أو يكون لاستظلال الزائر وتمكّنه من تلاوة القرآن وإهداء ثوابه إلى صاحب القبر، إلى غير ذلك من الأُمور
________________________________________
1. لاحظ في الوقوف على المتون المختلفة للحديث مضافاً إلى المصادر الّتي أوعزنا إليها، كتابنا (الوهابية في الميزان) ص 88 ـ 89 .
2. قال سبحانه: (قل لا أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى) (الشورى/23) .
________________________________________
(195)
الّتي يتمكّن الإنسان منها تحت الظل لا تحت الشمس ولا في برد الليل، فالنهي التنزيهي أشبه بالمقتضيات الّتي ترتفع بأقوى منها .
أحاديث ثلاثة في الميزان
فقد ورد في ذلك المجال أحاديث أُخر نذكرها بسندها ومتنها:
روى ابن ماجة في صحيحه ما يلي:
1- حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد اللّه الرقاشي، حدثنا وهب، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي سعيد أنّ النبي نهى أن يبنى على القبر(1) .
ويذكر ابن حنبل حديثاً آخر بسندين هما:
2- حدثنا حسن، حدثنا بريد بن أبي حبيب، عن ناعم مولى أُم سلمة عن أُم سلمة قالت: نهى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ أن يبنى على القبر أو يجصّص .
3- علي بن إسحاق، حدثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدثني بريد بن أبي حبيب عن ناعم مولى أُم سلمة: أنّ النبي نهى أن يجصّص قبر أو يبنى عليه أو يجلس(2) .
فسند الحديث الأول يشمل على (وهب) وهو مردد بين سبعة عشر رجلا، وفيهم الوضّاعون والكذّابون(3) .
والحديث الثاني والثالث لا يحتج بهما لاشتمالهما على (عبداللّه بن لهيعة) الّذي يقول فيه ابن معين:
ضعيف لا يحتج به، ونقل الحميدي عن يحيى بن سعيد أنّه كان لا يراه شيئاً(4) .
________________________________________
1. صحيح ابن ماجة ج 1 ص 474 .
2. مسند أحمد ج 6 ص 299 .
3. ميزان الاعتدال ج 3 ص 350 ـ 355 .
4. ميزان الاعتدال ج 2 ص 476، وتهذيب التهذيب ج 1 ص 444 .
________________________________________
ثم إنّ القاضي ابن بليهد قد أعوزته الحجة فتمسّك بكون البقيع مسبلة موقوفة، وأنّ البناء على القبور مانع عن الانتفاع بأرضها. سبحان اللّه ما أتقنه من برهان؟ من أين علم أنّ البقيع كانت أرضاً حية وقفها صاحبها على دفن الأموات؟ .
ومن أراد أن يقف على حال البقيع، وأنه لم يكن فيها يوم أُعِدَّت للتدفين أي أثر من الحياة، فليرجع إلى كتاب (وفاء الوفاء) .
أحاديث ثلاثة في الميزان
فقد ورد في ذلك المجال أحاديث أُخر نذكرها بسندها ومتنها:
روى ابن ماجة في صحيحه ما يلي:
1- حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد اللّه الرقاشي، حدثنا وهب، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي سعيد أنّ النبي نهى أن يبنى على القبر(1) .
ويذكر ابن حنبل حديثاً آخر بسندين هما:
2- حدثنا حسن، حدثنا بريد بن أبي حبيب، عن ناعم مولى أُم سلمة عن أُم سلمة قالت: نهى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ أن يبنى على القبر أو يجصّص .
3- علي بن إسحاق، حدثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدثني بريد بن أبي حبيب عن ناعم مولى أُم سلمة: أنّ النبي نهى أن يجصّص قبر أو يبنى عليه أو يجلس(2) .
فسند الحديث الأول يشمل على (وهب) وهو مردد بين سبعة عشر رجلا، وفيهم الوضّاعون والكذّابون(3) .
والحديث الثاني والثالث لا يحتج بهما لاشتمالهما على (عبداللّه بن لهيعة) الّذي يقول فيه ابن معين:
ضعيف لا يحتج به، ونقل الحميدي عن يحيى بن سعيد أنّه كان لا يراه شيئاً(4) .
________________________________________
1. صحيح ابن ماجة ج 1 ص 474 .
2. مسند أحمد ج 6 ص 299 .
3. ميزان الاعتدال ج 3 ص 350 ـ 355 .
4. ميزان الاعتدال ج 2 ص 476، وتهذيب التهذيب ج 1 ص 444 .
________________________________________
(196)
هذه حال الأحاديث الّتي صارت ذريعة بيد الوهابيين لتدمير الآثار الإسلامية منذ أن استولوا على الحرمين الشريفين، حيث لا تمر سنة إلاّ ويدمّر أثر من الآثار الإسلامية بحجة توسيع الحرم الشريف، حتّى المكتبات وبيوتات بني هاشم ومدارسهم، وبيت مضيف النبي أبي أيوب الأنصاري، وفي الوقت نفسه يعكفون على حفظ آثار اليهود في خيبر وغيرهم باسم الحفاظ على الآثار التاريخية.ثم إنّ القاضي ابن بليهد قد أعوزته الحجة فتمسّك بكون البقيع مسبلة موقوفة، وأنّ البناء على القبور مانع عن الانتفاع بأرضها. سبحان اللّه ما أتقنه من برهان؟ من أين علم أنّ البقيع كانت أرضاً حية وقفها صاحبها على دفن الأموات؟ .
ومن أراد أن يقف على حال البقيع، وأنه لم يكن فيها يوم أُعِدَّت للتدفين أي أثر من الحياة، فليرجع إلى كتاب (وفاء الوفاء) .
آخر ما في كنانة المستدل
ذكر البخاري في صحيحه في باب كراهة اتّخاذ المساجد على القبور الخبر التالي:
لما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبّة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صالحاً يقول:
ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا(1) .
إنّ هذا الخبر لو صحّ فهو على نقيض المطلوب أدل، فهو يدل على جواز نصب المظلّة على القبر، ولو كان ذلك حراماً لما صدر من امرأة الحسن بن الحسن ـ عليهما السَّلام ـ لأنه كان بمرأى ومسمع من التابعين وفقهاء المدينة، ولعلها نصبت تلك القبة لأجل تلاوة القرآن في جوار زوجها وإهداء ثوابها إلى روحه .
وأمّا قول الصالح فهو أشبه بقول غير الصالح، كما أنّ الجواب أيضاً
________________________________________
1. صحيح البخاري كتاب الجنائز ج 2 ص 111، السنن للنسائي ج 2 كتاب الجنائز ص 171.
________________________________________
ترى هؤلاء الأغبياء يدمّرون آثار الرسالة وهم يتمسكون في ذلك بركام من الأوهام، ويسخرون من الذين أظهروا حباً لأهل بيت رسول اللّه الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وفرض مودّتهم وولاءهم وقال: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)(1) .
1. سورة الشورى: الآية 23 .
ذكر البخاري في صحيحه في باب كراهة اتّخاذ المساجد على القبور الخبر التالي:
لما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبّة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صالحاً يقول:
ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا(1) .
إنّ هذا الخبر لو صحّ فهو على نقيض المطلوب أدل، فهو يدل على جواز نصب المظلّة على القبر، ولو كان ذلك حراماً لما صدر من امرأة الحسن بن الحسن ـ عليهما السَّلام ـ لأنه كان بمرأى ومسمع من التابعين وفقهاء المدينة، ولعلها نصبت تلك القبة لأجل تلاوة القرآن في جوار زوجها وإهداء ثوابها إلى روحه .
وأمّا قول الصالح فهو أشبه بقول غير الصالح، كما أنّ الجواب أيضاً
________________________________________
1. صحيح البخاري كتاب الجنائز ج 2 ص 111، السنن للنسائي ج 2 كتاب الجنائز ص 171.
________________________________________
(197)
مثله، لأنه بصدد الشماتة على امرأة افتقدت زوجها وهي مستحقة للتعزية والتسلية لا الشماتة، لأنها ليست من أخلاق المسلمين، ولم تكن المرأة تأمل عودة زوجها إلى الحياة حتّى يقال إنها يئست، بل كان نصبها للمظلة للغايات الدينية والأخلاقية .ترى هؤلاء الأغبياء يدمّرون آثار الرسالة وهم يتمسكون في ذلك بركام من الأوهام، ويسخرون من الذين أظهروا حباً لأهل بيت رسول اللّه الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وفرض مودّتهم وولاءهم وقال: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)(1) .
* * *
________________________________________1. سورة الشورى: الآية 23 .
التعلیقات