التوسل بالنبي بتعليم من الصحابي الجليل
التوسل بالأنبياء والصالحين أنفسهم
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 239 ـ 243
________________________________________(239)
2- التوسل بالنبي بتعليم من الصحابي الجليل روى الطبراني عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف: أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: «أللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ نبىّ الرحمة يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي، فتذكر حاجتك، ورح حتّى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفتان (رضي اللّه عنه) فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته وقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتّى كان الساعة؟ وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك اللّه خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلىّ حتّى كلّمته فىّ، فقال عثمان بن حنيف: واللّه ما كلمته، ولكن شهدت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : فتصبر! فقال يا رسول اللّه. ليس لي قائد فقد شقّ علي. فقال النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات...
قال ابن حنيف: فواللّه ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتّى دخل علينا
________________________________________
(240)
الرجل كأنه لم يكن به ضرّ قط(1) .ورواه في المعجم الصغير فقال: لم يروه عن روح بن القاسم إلاّ شبيب بن سعيد، أبو سعيد المكي، وهو ثقة، وهو الّذي يحدث عنه أحمد (ابن أحمد) ابن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد، وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح، وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر (رضي اللّه عنه) وهو فيه عون بن عمار، والصواب شبيب بن سعيد(2).
إنّ دلالة الحديث على جواز التوسل بالنبي أظهر من الشمس وأبين من الأمس، ولكن الكاتب الوهابي أخذ يناقش في الحديث من جوانب أُخرى. فقال: «إنّ هذا الحديث تتجلى فيه آثار الصنع، ويدل عليه أُمور :
1- إنّ ما ذكره لا يوافق سيرة عثمان بن عفان لما اشتهر عنه من الرقة واللين .
2- إنّ معنى التوسل عند الصحابة هو دعاء الشخص المتوسل به إلى اللّه تعالى بقضاء حاجة المتوسل، لا كما يعرفه القوم في زماننا هذا من التوسل بذات المتوسل به .
3- لو كان دعاء الأعمى الّذي علّمه رسول اللّه دعاء ينفع لكل زمان ومكان، لما رأينا أىّ أعمى على وجه البسيطة» .
يلاحظ عليه: أنّ كل واحد من هذه الوجوه ساقط جداً لا يمكن أن يستدل به على جعل [وضع] الحديث .
أمّا الأول: فلأنّ المعروف من الخليفة هو تكريم الأقربين والإحسان إليهم، خصوصاً بني أبيه، لا تعميمه إلى الجميع. هذا هو التاريخ ضبط عطاءه
________________________________________
1. المعجم الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني المتوفي سنة 360 هـ، ج 9 ص 16 ـ 17، باب ما أسند إلى عثمان بن حنيف برقم 8310 .
2. المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 183 ـ 184، طبع دار الفكر .
________________________________________
(241)
لمروان بن الحكم خمس غنائم افريقية، والحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم، وقضى ما استقرضه الوليد بن عقبة من عبد اللّه بن مسعود الّذي كان أمين بيت المال في عصر ولاية الوليد على الكوفة، إلى غير ذلك من عطاياه إلى بني أبيه وأقربائه(1)وفي الوقت نفسه كان أبو ذر يعيش في الربذة ويعاني من جوع أليم، ويليه في الفقر وبساطة الحياة عبد اللّه بن مسعود، وعمار بن ياسر، فلا يمكن أن يقال إنّ الخليفة كان ينظر إلى الجميع بعين واحدة، وقد كان عمله هذا هو الّذي أجهز عليه وانتكث عليه فتله. هذا هو الإمام علىّ ـ عليه السَّلام ـ يصف ذلك العصر بقوله:«إلى أنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ نافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أبِيهِ يَخْضمُونَ مَالَ اللّه خِضْمَةَ الإبلِ نَبْتَةَ الرّبيعِ»)(2) .
وفي رسالته إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة يقول:
(أوْ أبيتَ مِبْطاناً وَحَولي بُطُونٌ غَرْثَى وأكْبادٌ حَرّى، أو أكُونَ كَمَا قَالَ القَائِلُ:)
وَحَسْبُكَ دَاءً أنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة * وَحَوْلَكَ أكْبَادٌ تَحِنُّ إلى القِدّ)(3) .
وهو يشير بذلك إلى الأوضاع السائدة في عصره وعصر من تقدمه .وأمّا الثاني فهو من: غرائب الكلام، فقد جعل مذهبه دليلا على ضعف الرواية، وهو أنّ معنى التوسل عند الصحابة ـ هو التوسل بدعاء الشخص لا بذاته ـ فمن أين يدّعي أن هذا مذهب الصحابة، وما هو المصدر لذاك الحصر؟ مع أنّ الحديثين المرويين من طريق ذلك الصحابي الجليل، يدلان على خلافه .
________________________________________
1. لاحظ في ذلك تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 168، والمعارف لابن قتيبة، ص 84، والأنساب للبلاذري ج 5 ص 52 ولاحظ الغدير ج 8 ص 286، تجد فيه قائمة من عطايا الخليفة الهائلة لنبي أبيه .
2. نهج البلاغة الخطبة 3 .
3. نهج البلاغة قسم الكتب رقم 45 .
________________________________________
(242)
وأمّا الثالث فهو إطاحة بالوحي وازدراء به، ولو صحّ فلقائل أن يقول: لو صحّ قوله سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أسْتَجِب لَكُمْ)(1) يجب أن لا يبقى على وجه البسيطة ذو حاجة .ولو صحّ قوله: (أمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء...)(2) يجب أن لا يبقى على وجه البسيطة مضطرّ أو فقير، مع أنّ البسيطة مليئة بالمضطر والمحتاج .
نعم، إنّ الدعاء سبب لنزول الرحمة ودفع الكربة، ولكن ليس تمام السبب لإنجاح المقصود، بل له شروط ومعدات، وله موانع وعوائق، ولأجل ذلك نرى أنّ كثيراً من الأدعية لا تستجاب مع أنّه سبحانه يحث عباده على الدعاء، وأنّه يستجيب إذا دعاه ويقول:(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم).
هذا كله حول مناقشاته في متن الرواية ومضمونه.. هلمّ معي نستمع مناقشته في السند:
يقول: إنّ في سند هذا الحديث رجلا اسمه (روح بن صلاح) وقد ضعّفه الجمهور، وابن عدىّ، وقال ابن يونس: يروي أحاديث منكرة.
يلاحظ عليه: أنّ الطبراني نقل الرواية بهذا السند:
«حدثنا طاهر بن عيسى بن قريش المصري المقري، ثنا أصبغ بن الفرح، ثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف»(3) .
كما نقله بهذا السند في المعجم باختلاف يسير لا يضرّ بوحدة السند .
________________________________________
1. سورة غافر: الآية 60 .
2. سورة النمل: الآية 62 .
3. المعجم الكبير للطبراني ج 9 ص 17 وفي المعجم الصغير أصبغ بن الفرج مكان (الفرح) .
________________________________________
(243)
ورواه البيهقي بالسند التالي:«أخبرنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد ـ رحمه اللّه ـ أنبأنا الإمام أبوبكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال، قال: أنبأنا أبو عروبة، حدثنا العباس بن الفرج، حدثنا إسماعيل بن شبيب، حدثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني...(إلى آخر السند) (1) .
وأنت ترى أنه ليس في طريق الرواية «روح بن صلاح» بل الموجود هو روح بن القاسم، والكاتب صرّح بأن الرواية رواها الطبراني والبيهقي، وهذا يعرب عن أنّ الكاتب لم يرجع إلى المصادر وإنّما اعتمد على تقوّل الآخرين .
نحن نفترض أنه ورد في سند الرواية روح بن صلاح، ولكن ما ذكره من أنّ الجمهور ضعّفوه أمر لا تصدقه المعاجم الموجودة فيما بأيدينا، وإنما ضعّفه ابن عدي، وفي الوقت نفسه وثّقه ابن حبان والحاكم. وسيوافيك الكلام في حقه في حديث فاطمة بنت أسد، فانتظر. أهكذا أدب نقد الرواية يا شيخ؟ هداك اللّه إلى النهج القويم .
وفي الختام نقول: إنّ السبكي نقل الرواية عن المعجم الكبير للطبراني بنفس السند الّذي نقلناه، وهذا يكشف عن صحة المطبوع(2) .
* * *
________________________________________1. دلائل النبوة ج 6 ص 168 .
2. لاحظ: شفاء السقام ص 139 ـ 140 .
التعلیقات