التوسل بحق السائلين
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 257 ـ 258
________________________________________(257)
أ ـ التوسل بحق السائلين روى عطية بن العوفي عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك، وأسألك بحقّ ممشاي هذا، فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتّقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أن تعيذني من النار وأن تغفر ذنوبي إنّه لايغفر الذنوب إلاّ أنت. إلاّ اقبل اللّه عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك»(1) .
فالحديث واضح مضموناً، ويدل على أن للإنسان أن يتوسل إلى اللّه بحرمة أوليائه الصالحين ومنزلتهم وجاههم، فيجعلها وسيلة لقضاء حاجته .
إنّ الكاتب الوهابي الرفاعي، حيث لم يجد ضعفاً في الدلالة، أخذ يضعف سند الحديث، قائلا بأنّ «في سنده عطية العوفي وهو ضعيف»(2) .
أقول: إنّ الدافع الوحيد لتضعيف عطية، ذلك التابعي الشهير، كما وصفه به الذهبي في ميزان الاعتدال هو تشيّعه وولاؤه لعلي وآله ـ عليهم السَّلام ـ ، ولأجل ذلك نرى أنّ الذهبي ينقل عن سالم المرادي: «كان عطية يتشيّع»، وإنّ التشيّع أحد وجوه التضعيف لدى القوم، ومع ذلك قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ضعيف، وقال ابن معين: صالح .
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: «عطية بن سعد بن جناده العوفي الجدلي الكوفي أبوالحسن صدوق يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً»(3)
وقال في تهذيب التهذيب: قال ابن عدي: قد روى عن جماعة من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة، وعن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدّ من شيعة أهل الكوفة. قال الحضرمي: توفي سنة إحدى عشرة ومائة.
________________________________________
1. سنن ابن ماجة، ج 1 ص 256، الحديث برقم 778 ومسند الإمام أحمد، ج 3، ص 21.
2. التوصل إلى حقيقة التوسل، ص 212 .
3. تقريب التهذيب، ج 2 ص 24، برقم 216 .
________________________________________
(258)
وقال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرض عليه سبّ علىّ ـ إلى أن قال ـ وكان ثقة إن شاء اللّه، وله أحاديث صالحة. كان أبو بكر البزار يعده في التشيع، روى عن جلّة الناس. وقال الساجي: ليس بحجة، وكان يقدّم عليّاً على الكل(1) .وهذه النصوص تعرب عن تضارب الأقوال في حقه، كما تكشف عن أنّ الدافع المهم لتضعيفه، تشيّعه وحبّه وولاؤه وتقديمه علياً، وهل هذا ذنب؟ .
إنّ لوضع الحديث دوافع خاصة يوجد أكثرها في أبواب المناقب والمثالب وخصائص البلدان والقبائل، أو فيما يرجع إلى مجال العقائد، كالبدع الموروثة من اليهود والنصارى في أبواب التجسيم والجهة والجنة والنار، وأمّا مثل هذا الحديث الّذي يعرب بوضوح عن أنه كلام إنسان خائف من اللّه سبحانه، ترتعد فرائصه من سماع عذابه، فبعيد عن الوضع والجعل .
________________________________________
1. تهذيب التهذيب، ج 7 ص 227، برقم 413 .
التعلیقات