رأي علماء الشيعة في أسطورة التحريف وردودهم عليه
محمود الشريفي
منذ 10 سنواترأي علماء الشيعة في أسطورة التحريف وردودهم عليه
رأي علماء الشيعة
من يتابع أقوال علماء الشيعة يجد أنّهم متّفقون على عدم وقوع التّحريف في القرآن ، وفيهم من صرّح بأنّ من نسب إلى الشيعة القول بوقوع التحريف في القرآن فهو كاذب ، وفيهم أيضاً من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وبالجملة فإنّ الشيعة الإماميّة في ماضيهم وحاضرهم تعتقد بعدم تحريف القرآن وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزل الله على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله من دون أيّ زيادة أو نقصان كما جاء التصريح بذلك في كلمات كبار علمائنا ومشاهير مؤلّفينا منذ أكثر من ألف عام حتّى الآن ، ونشير هنا إلى كلمات بعض علمائنا :
١. قال الشيخ محمّد بن علي بن بابوية القمي الملقّب بالصّدوق ـ متوفّى سنة ٣٨١ هـ.ق ـ : اعتقادنا في القرآن أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم عليم ، وأنهّ القصص الحقّ وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به ، اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك. (1)
٢. قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد البغدادي ـ المتوفّى سنة ٤١٣ هـ.ق.) :
وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الّذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ... وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب ـ من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل. وإليه أميل وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها. (2)
٣. قال السيّد المرتضى علم الهدى ـ المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ.ق ـ :
إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه ؛ لأنّ القرآن معجزة النبّوة ومأخذ العلوم الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!
وقال : إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما عليه الآن ، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظه جميعه في ذلك الزمان حتىّ عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على النبيّ صلّى الله عليه وآله ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصّحابة مثل عبد الله ابن مسعود وأبّيّ بن كعب وغيرها ختموا القرآن على النبيّ صلّى الله عليه وآله عدّة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لايعتدّ بخلافهم ؛ فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. (3)
٤. قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ـ المتوفىّ سنة ٤٦٠ هـ.ق. ـ :
أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضاً ؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظّاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى (ره) ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد الّتي لاتوجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها. (4)
٥. قال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي الملقّب بأمين الإسلام ـ المتوفّى سنة ٥٤٨ هـ.ق. ـ :
ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ؛ فإنّه لايليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً. والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، والذي نصره المرتضى قدّس سرّه (5).
٦. قال الشيخ البهائي :
اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه. والصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَإنّا لهُ لحَافِظُونَ ). وما اشتهر بين النّاس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في وبعض المواضع مثل قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء. (6)
٧. رأي الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء :
وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الّذي أنزله الله للإعجاز والتحدّي ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم. (7)
٨. قال الإمام السيّد شرف الدّين العاملي ـ المتوفى سنة ١٣٨١ هـ. ق. ـ : وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالم لهم ، لأنّ قداسة القرآن الكريم من ضروريّات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي ، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإماميّة. وظواهر القرآن ـ فضلاً عن نصوصه ـ من أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم البداهة الأوّلية من مذهب الإماميّة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ، ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة ، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول ، والقرآن الكريم الّذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي النّاس ، لايزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطيعاً إلى عهد الوحي والنبوّة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، وكان الجبرئيل عليه السلام يعارض رسول الله صلّى الله عليه وآله بالقرآن في كلّ عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين.
والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبيّ حتىّ ختموه عليه صلّى الله عليه وآله مراراً عديدة ، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة لدي المحقّقين من علماء الإماميّة ، ولا عبرة بالحشويّة فإنّهم لايفقهون. (8)
٩. قال اللأستاذ العلّامة الطباطبائي :
فقد تبيّن ممّا فصّلنا أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله ووصفه بأنّه ذكر ، محفوظ على ما أنزل ، مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيّه فيه. (9)
١٠. قال السيّد محسن الأمين صاحب كتاب أعيان الشيعة :
لا يقول أحد من الإماميّة ، لا قديماً ولاحديثاً أنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلاً عن كلّهم ، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتدّ بقوله من محقّقيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه ... ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله. (10)
١١. قال آية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي :
المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وقد صّرح بذلك كثر من الأعلام ، منهم رئيس المحدّثين محمّد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإماميّة و ...
ثمّ قال : أنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ... (11)
إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لايقول به إلّا من ضعف عقله أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ. وأمّا العقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته. (12)
١٢. قال قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخميني ـ المتوفى سنة ١٤٠٩ هـ.ق. ـ :
فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابةً ، يقف على بطلان المزعمة وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل ، إلى غريب يقضى منه العجب ، إلى صحيح يدلّ على أنّه مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، إلى غير ذلك من الأقسام التّي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل.
ولولا خوف الخروج عن الطور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة قرون ، وأوضحنا عليك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفّتين ، والاختلافات الناشئة بين القّراء ليس إلّا أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين. (13)
١٣. قال الفيض الكاشاني : قال الله عزّ وجلّ ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) وقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير ؟! وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلّى الله عليه وآله حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب الله ليعلم صحّته بموافقته له ، وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم بفساده. (14)
١٤. قال الشيخ جعفر الجناجي : لا زيادة فيه من سورة ، ولا آية من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين ، وإجماع المسلمين ، وأخبار النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة الطاهرين عليهم السلام ، وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن ... لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح القرآن ، وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر. (15)
١٥. قال السّيد البروجردي الطباطبائي :
قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيّد حسين البروجردي فإنّه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه : بطلان القول بالتحريف ، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وأنّ الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سنداً ودلالة.
وقال : وإنّ بعض هذه الروايات تشتمل على ما يخالف القطع والضرورة ، وما يخالف مصلحة النبوّة. وقال في آخر كلامه الشريف : ثمّ العجب كلّ العجب من قوم يزعمون أنّ الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدّة تزيد على ألف وثلاثمئة سنة ، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر ، ومع ذلك يحتملون تطرّق النقيصة إلى القرآن المجيد. (16)
١٦. رأي السيّد محسن الحكيم الطباطبائي :
وبعد ، فإنّ رأي كبار المحقّقين وعقيدة علماء الفريقين ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أنّ القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي ، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ، ولا من بعد. (17)
١٧. رأي السيّد محمّد هادي الميلاني :
الحمد لله وسلام على عبادة الذّين اصطفى. أقول بضرس قاطع : إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا نقصان ، ولا بتغيير بعض الألفاظ ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة ، لا تغيير الألفاظ والعبارات. وإذا اطلع أحد على رواية وظنّ بصدقها وقع في اشتباه وخطأء ، وإنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً. (18).
١٨. رأي السيّد محمّد رضا الگلبايگاني :
وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظلّه : ولنعم ما أفاده العلّامة الفقيه والمرجع الديني السيّد محمد رضا الگلبايگاني بعد التصريح بأنّ ما في الدفّتين هو القرآن المجيد ، ذلك الكتاب لا ريب فيه ، والمجموع المرتّب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلّى الله عليه وآله ، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان ، وإقامة البرهان عليه : أنّ احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به ، واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل ، وهو مستقلّ بامتناعه عادة.
١٩. رأي الشيخ لطف الله الصافي :
القرآن معجزة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ، وبمثل سورة أو آية منه ، وحيّر عقول البلغاء ، وفطاحل الأدباء ... وقد مرّ عليه أربعة عشر قرناً ، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن يأتي بمثله ، ولن يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية والأعصار المستقبلة ، ويظهر كلّ يوم صدق ما أخبر الله تعالى به : ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا ... ) هذا القرآن ، وهو الروح الأمّة الإسلاميّة وحياتها ووجودها وقوامها ، ولولا القرآن لما كان لنا كيان. هذا القرآن هو كلّ ما بين الدفّتين ليس فيه شيء من كلام البشر ، وكلّ سورة من سوره وكلّ آية من آياته ، متواتر مقطوع به ولا ريب فيه. دلّت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر. هذا هو القرآن عند الشيعة الإماميّة ، ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلّا الجاهل ، أو المبتلى بالشذوذ الفكري.
وغيرهم من العلماء كالسيّد بن طاووس المتوفّى سنة ٦٦٤ هـ ق. والعلّامة الحلّي ـ المتوفّى سنة ٧٢٦ هـ.ق ـ والشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب الكتاب القيّم « وسائل الشيعة » ـ المتوفّى ١١٠٤ هـ.ق ـ ، والعالم المحقّق زين الدّين البياضي صاحب كتاب الصّراط المستقيم ، والقاضي الشهيد سيّد نور الله التستري ، والمقّدس البغدادي ، وكاشف الغطاء ، والشيخ محمّد جواد البلاغي ، والسيّد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم ، وآية الله كوه كمري ، وملّا فتح الله الكاشاني صاحب تفسير منهج الصادقين ، والميرزا حسن الآشتياني في كتابه بحر الفوائد ، والشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال ، والشيخ محمّد النهاوندي في تفسيره المسمّى بنفحات الرحمن ، والسيّد علي نقي الهندي في تفسيره المسمّى بتفسير القرآن ، والسيّد محمّد مهدي الشيرازي ، والسيّد شهاب الدّين المرعشي النجفي وغيرهم. (19)
هذا رأي العلماء الشيعة الذين يمثّلون الشيعة في كلّ عصر ، فهم الخبراء بمذهب التشيّع لأهل البيت عليهم السلام ، الّذين يميّزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه ، فهؤلاء الفقهاء الّذين هم كبار المجتهدين في كلّ عصر يعتبر قولهم رأي الشيعة وعقيدتهم عقيدة الشيعة.
مضافاً إلى أنّ العلماء وفقهاء الشيعة ردوداً على القول بالتحريف ، نذكر خلاصة ردودهم الّتي لخّصها الأستاذ الشيخ علي الكوراني في كتابه بما يلي :
ردود علماء الشيعة على التحريف
١. أنّ واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة
فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل ، حتىّ يخفى قرآنهم الّذي يعتقدون به ويقرأونه ، بل هم ملايين النّاس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي ، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينيّاتهم ومدارسهم وحوزاتهم العلميّة ، لا تجد فيها إلّا نسخة هذا القرآن ... ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلماذا يقرأونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرأون غيره ؟ ولماذا يدرسونه ولا يدرسون غيره ؟!
٢. مذهب التشيّع مبنيّ على التمسّك بالقرآن والعترة
قام مذهب التشيّع لأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله على الاعتقاد بأنّ الله تعالى أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله بأن يوصي أمّته بالتمسّك بعده بالقرآن وعترة النبيّ ، لأنّه اختارهم للإمامة وقيادة الأمّة بعد نبيّه صلّى الله عليه وآله.
وحديث الثقلين حديث ثابت عند الشيعة والسنّة ، فقد رواه أحمد (20) « عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إنّي أوشك أن ادّعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ عترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتىّ يردا عليّ الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما ؟! ».
وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدّد الطرق عند الطرفين بحيث إنّ أحد علماء الهند ألّف في أسانيده وطرقه كتاب « عبقات الأنوار » من عدّة مجلّدات.
وعندما يقوم مذهب طائفة على التمسّك بوصيّة النبيّ بالثقلين ، الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر أهل بيت نبيّهم ... فكيف يصحّ اتّهامهم بأنّهم لا يؤمنون بأحد ركني مذهبهم ؟!
إنّ مثل القرآن والعترة ـ الّذين هم المفسّرون للقرآن والمبلغون للسنّة ـ في مذهبنا كمثل الأوكسيجين والهيدروجين ، فبدون أحدهما لا يتحقّق وجود مذهب التشيّع ...
ولم تقتصر تأكيدات النبيّ على التمسّك بعترته على حديث الثقلين ، بل كانت متكرّرة وممتدّة طوال حياته الشريفة ، وكان أوّلها مبكراً في مرحلة دعوة عشيرته الأقربين ـ التي يقفز عنها كتاب السيرة في عصرنا ويسمّونها مرحلة دار الأرقم ـ يوم نزل قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) فجمع بني عبد المطّلب ودعاهم إلى الإسلام ، وأعلن لهم أنّ عليّاً وزيره وخليفته من بعده !
قال السيّد شرف الدين (21) :
« ... فدعاهم إلى دار عمّه أبي طالب وهم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبولهب ، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، وفي آخره قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا بني عبدالمطّلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها غير عليّ ـ وكان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه. فأخذ رسول الله برقبته وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! (22) » انتهى.
وتواصلت تأكيدات النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد حديث الدار في مناسبات عديدة ، كان منها حديث الثقلين ، وكان منها تحديد من خم أهل بيته الّذين أذهب الله عنهم الرجس ... ثمّ كان أوجها أن أخذ البيعة من المسلمين لعليّ في حجّة الوداع في مكان يدعى غدير خم .. وقد روت ذلك مصادر الفريقين أيضاً ، وألّف أحد العلماء الشيعة كتاب « الغدير » من عدّة مجلّدات في جمع أسانيده وما يتعلّق به.
٣. قاعدة عرض الأحاديث على القرآن عند الشيعة
من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنّة : مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن ، وتعارض الأحاديث فيما بينها. وفي كلتا المسألتين يتشدّد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنّة ، فعلماء السنّة مثلاً يجوّزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتّى لو رواه صحابي واحد .. ولذلك صحّحوا موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء عليها السلام ، حيث صادر منها « فدك » الّتي نحلها إيّاها النبيّ صلّى الله عليه وآله وكانت بيدها في حياة أبيها ، ثمّ منعها إرثها من أبيها صلّى الله عليه وآله بدعوى أنّه سمع النبيّ يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث » ، فما تركه النبيّ يكون صدقة بيد الدولة .. واحتجّت عليه فاطمة الزهراء بالقرآن وقالت له ـ كما روى النعماني المغربي ـ : يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ..؟! لقد جئت شيئاً فَرِياً (23) ، فقال علماء السنّة : إنّ عمل أبي بكر صحيح ، وآيات الإرث في القرآن منسوخة بالرواية الّتي رواها أبوبكر وحده ، ولم يروها غيره !
أمّا إذا تعارض الحديثان فقد وضع علماء الأصول والحديث لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر ، ومن أوّلها عند الفريقين الأخذ بالحديث الموافق لكتاب الله تعالى وترك ما خالفه ... الخ. وزاد علماء الشيعة على ذلك أنّه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده فإنّه يجب عرض كلّ حديث على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقيّة شروط القبول الأخرى ، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبيّ وآله صلّى الله عليه وآله :
ففي الكافي « عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه. (24)
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : خطب النبيّ صلّى الله عليه وآله بمنى فقال : أيّها النّاس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.
وعن أبي عبدالله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن إختلاف الحديث يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به ؟ قال : إذا ورد عليكم حدثي فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وإلّا فالّذي جاءكم به أولى به.
وعن أيّوب بن الحرّ قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف » (25).
وفي تهذيب الأحكام « ... فهذان الخبران قد وردا شاذّين مخالفين لظاهر كتاب الله ، وكلّ حدثي ورد هذا المورد فإنّه لا يجوز العمل عليه ، لأنّه روي على النبيّ صلّى الله عليه وآله وعن الأئمّة عليهم السلام أنّهم قالوا : إذا جاءكم منّا حديث فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فاطرحوه أو ردّوه علينا. وهذان الخبران مخالفان على ما ترى ... (26) » انتهى.
فكيف يتّهم الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن ؟! والقرآن هو المقياس الأوّل في مذهبهم ، وهم يخوضون معركة فكريّة مع إخوانهم السنّة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن ، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم على اجتهادات الخلفاء في مقابل نصّ القرآن والسنّة ، وما زال علماء السنّة إلى عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات !
٤. تاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيّان على القرآن
والشيعة ليسوا طائفة مستحدثة ، بل جذورهم ضاربة إلى زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، حيث كان عدد من الصحابة يلفتون حول علي عليه السلام ، فشجعهم النبيّ على ذلك ، ومدحهم وأبلغهم مدح الله تعالى لهم ، كما ترويه مصادر السنّة والشيعة .. فقد روى السيوطي في تفسير قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فقال :
« وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : كنّا عند النّبي صلّى الله عليه وآله فأقبل عليّ فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ). فكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا أقبل عليٌّ قالوا : جاء خير البريّة.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً : عليٌّ خير البريّة.
وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال لمّا نزلت : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) أنت وشيعتك ، وموعودي وموعودكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب ، تدعون غرّاً محجّلين » انتهى. (27)
فعليُّ وشيعته كانوا وجوداً مميّزاً في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وهم الّذين كانوا مشغولين مع عليّ بجنازة النبيّ ، عند ما بادر الآخرون إلى سقيفة ورتّبوا بيعة أبي بكر ، فأدان عليّ وفاطمة وشيعتهم هذا التصرّف ، واتّخذوا موقف المعارضة .... وعندما بويع عليّ بالخلافة كانوا معه في مواجهة الانحراف وتنفيذ وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله بالقتال على تأويل القرآن .. ثمّ كانوا مع أبنائه الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام .. وعبر القرون كان الشيعة قطاعاً كبيراً حيوياً واسع الامتداد في الأمّة تمثل في مجتمعاتٍ ودولٍ ، وتاريخ معروفٍ مدوّن. وثقافتهم ومؤلّفاتهم كثيرة وغزيرة ، وقد كانت وما زالت في متناول الجميع ، ومحورها كلّها القرآن والسنّة ، ولا أثر فيها لوجود قرآن آخر !!
٥. تفاسير علماء الشيعة ومؤلّفاتهم حول القرآن
يمكن القول بأنّ نسبة عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كانت خمس عدد الأمّة الإسلاميّة ، وبقيّة المذاهب السنّية أربع أخماس .. فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلّفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى خمس مجموع مؤلّفات إخوانهم السنّة ..
إذا لاحظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون ، نكون منصفين إذا توقّعنا من علمائهم عُشر ما ألّفه إخوانهم السنّة حول القرآن بالنصف العشر .. بينما نجد أنّ مؤلّفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث !
وقد أحصت دار القرآن في قم أسّسها مرجع الشيعة الراحل السيّد الگلبايگاني رحمة الله ، مؤلّفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة ، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف ..
فكيف يصحّ أن نعمد إلى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه .. ونتّهمهم بعدم الإيمان بالقرآن ، أو بأنّ عندهم قرآناً آخر !!
٦. فقه الشيعة في احترام القرآن أكثر تشدّداً
توجد مجموعة أحكام شرعيّة عند الشيعة تتعلّق بوجوب احترام نسخة القرآن الكريم وحرمة إهانتها. فلا يجوز عندنا مسّ خطّ القرآن لغير المتوضّئ ، ولايجوز القيام بأي عمل يعتبر عرفاً إهانةً للقرآن ولو لم يقصد صاحبه الإهانة ، كأن يضع نسخة القرآن في مكان غير مناسب ، أو يرميها رمياً غير لائق ، أو ينام ونسخة المصحف في مكان مواجه لقدميه ، أو يضعها في طفل يعبث بها .. إلى آخر هذه الأحكام التي تشاهدها في كتب الفقه العملي الذي يعلّم الناس الصلاة والوضوء والأحكام التي يحتاجها الشيعي في حياته اليوميّة ... فأيّ قرآن تتعلّق به هذه الأحكام التي تعلّمها نساء الشيعة لأطفالهن .. ؟
هل تتعلّق بقرآن الشيعة المزعوم الذي لا يعرفه الشيعة ولا رأوه ؟!
٧. فتاوى علماء الشيعة بعدم تحريف القرآن
وقد صدرت فتاوى علماء الشيعة ـ الماضين والحاضرين ـ جواباً على تهمة الخصوم فأجمع مراجعهم على أنّ إتّهام الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن افتراء عليهم وبهتان عظيم ، وأنّ الشيعة يعتقدون بسلامة هذا القرآن وأنّه القرآن المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله من دون زيادة أو نقيصة (28).
شهادة أعلام التحقيق من أهل السنّة
من الجدير أن نشير هنا إلى شهادات بعض المحقّقين من أهل السنّة بشأن نزاهة مواقف علماء الشيعة الإماميّة تجاه مسألة التحريف وبأنّ أعلام علماء الشيعة لا يعتقدون بعروض التحريف في القرآن. وإليك نماذج من تلكم الشهادات :
١. قال أبوالحسن علّي بن إسماعيل الأشعري :
واختلف الروافض في القرآن ، عل زيد فيه أو نقص منه؟ وهم فرقتان ، فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ القرآن قد نقص منه ، وأمّا الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان ، وكذلك لا يجوز أن يكون قد غيّر منه شيء عمّا كان عليه ، فأمّا ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منهم ، والإمام يحيط علماً به.
والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال ـ لقوطهم بأصل العدل ـ والإمامة يزعمون أنّ القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه ، وأنّه على ما أنزله الله على نبيّه عليه الصلاة والسلام ، لم يغيّر ولم يبدّل ، ولا زال عمّا كان عليه. (29)
هذا كلام أكبر زعيم من زعماء الفكر الإسلامي في القرن الرابع ـ توفّي سنة ٣٣٠ هـ.ق ـ يشهد بوضوح أنّ الأعلام المحقّقين من أكابر الشيعة الإماميّة يرفضون القول بالتحريف في جميع أشكاله.
٢. قال الأستاذ المعاصر الدكتور محمّد عبدالله درّاز :
ومهما يكن من أمر فإنّ هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي بما فيه فرق الشيعة ـ منذ ثلاثة عشر قرناً من الزمان. ونذكر هنا رأي الشيعة ـ أهم فرق الشيعة ـ كما ورد بكتاب أبي جعفر ـ الصدوق ـ :
« إنّ اعتقادنا في جملة القرآن الّذي أوحى به الله تعالى إلى نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله هو كلّ ما تحتويه دفّتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر ... أمّا ما ينسب إلينا الاعتقاد في أنّ القرآن أكثر من هذا فهو كاذب » أمثال هذه الرّوايات الّتي نضرب عنها صفحاً.
قال : وقد ألّف ابن الخطيب محمّد محمّد عبداللطيف في سنة ١٩٤٨ م كتاباً اسمه الفرقان حشّاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة ، ناقلاً لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنّة. وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بيّن بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه ، فاستجاب الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب ، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
أفيقال : إنّ أهل السنّة ينكرون قداسة القرآن ؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان ؟ أو لكتاب ألّفه فلان ؟ فكذلك الشيعة الإماميّة ، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات الّتي في بعض كتبنا. وفي ذلك يقول العلّامة السعيد أبو علي الفضل الطبرسي ابن الحسن الطبرسي (30) في كتابه « مجمع البيان لعلوم القرآن » وهو بصدد الكلام عن الروايات الضعيفة الّتي تزعم أنّ نقصاً ما دخل القرآن ـ يقول هذا الإمام ما نصّه : روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الّذي نصره المرتضى قدّس الله روحه ... وينقل كلان العلّامة الطبرسي بتمامه ، حسبما نقلناه آنفاً ، ثمّ يقول : فهذا كلام صريح واضح الدلالة على أنّ الإماميّة كغيرهم في اعتقاد أنّ القرآن لم يضع منه حرف واحد ، ثمّ قال الأستاذ :
وبناءً فلى ذلك أكّد « لو بلو » أنّ القرآن هو اليوم الكتاب الربّانيّ الّذي ليس فيه أيّ تغيير يذكر ... وكان « و. موير » قد أعلن ذلك قبله ... فلم يوجد إلّا القرآن واحد لجميع الفرق الإسلاميّة المتنازعة. (31)
٣. قال الأستاذ الشيخ محمد محمد المدني (32)
وأمّا أنّ الإماميّة يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله ! وإنّما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا ، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها ، وليس في الشيعة الإماميّة أو الزيديّة من يعتقد ذلك ، كما أنّه ليس في السنّة من يعتقده.
ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل « كتاب الإتقان » للسيوطي ليري فيه أمثال هذه الروايات الّتي نضرب عنها صفحاً. (33)
أقول : هكذا يعترف كلّ من كان منصفاً وراجع كتب الشيعة ونظر إلى رأي علماء الشيعة ودرس عقائدهم وأقوالهم من صدر الإسلام إلى الآن ويتعجّب ممّن اتّهم الشيعة وعلمائهم بأنّهم يعتقدون بالتحريف.
قال السيّد شرف الدّين العاملي :
والباحثون من أهل السنّة يعلمون أنّ شأن القرآن العزيز عند الإمامية ليس إلاّ ما ذكرناه ، والمنصفون منهم يصرّحون بذلك :
قال الإمام الهمام الباحث المتتبّع رحمة الله الهندي في كتابه النفيس « إظهار الحقّ » ما هذا لفظه : القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإماميّة الإثني عشريّة محفوظة عن التغيير والتبديل. ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه ـ أي الفئة الأخباريّة ـ فقوله مردود غير مقبول عندهم.
ثمّ يستشهد الإمام الهندي بكلمات أعلام الطّائفة أمثال : الصدوق والشريف المرتضى والطبرسي والحرّ العاملي وغيرهم من مشاهير.
ويعقّبها بقوله : فظهر أنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإماميّة الإثني عشريّة أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك. وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهده صلّى الله عليه وآله وحفظه ونقله ألوف من الصحابة ، وجماعة من الصحابة كعبدالله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات ، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه.
قال : والشرذمة القليلة الّتي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد بهم فيما بينهم. وبعض الأخبار الضعيفة الّتي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. وهو حقّ ، لأنّ خبر الواحد لا يقتضي علماً ، فيجب ردّه إذا خالف الأدلّة القاطعة ، على ما صرّح به ابن المطهّر الحلّي ـ العلّامة ـ في مبادئ الوصول إلى علم الأصول (34).
الهوامش
1. الاعتقادات للشيخ الصدوق ، ص ٩٣ ـ ٩٢.
2. أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، ص ٥٥.
3. مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٥.
4. التبيان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٣.
5. مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ١٥.
6. آلاء الرحمن ، ص ٢٦.
7. تدوين القرآن ، ص ٤٣.
8. الفصول المهمّة ، ص ١٦٥.
9. الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٢ ، ص ١٠٩.
10. أعيان الشيعة ، ج ١ ، ص ٤١.
11. البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٠٠ و ٢٠١.
12. البيان : ٢٥٩.
13. تهذيب الاُصول تقريراً بقلم العلّامة الشيخ جعفر السبحاني ، ج ٢ ، ص ١٦٥.
14. تدوين القرآن ، ص ٤٢.
15. همان ، ص ٤٣.
16. تدوين القرآن ، ص ٤٤.
17. المصدر نفسه ، ص ٤٤.
18. تدوين القرآن ، ص ٤٥.
19. أكذوبة تحريف القرآن ، ١٠٨ ـ ٩٧.
20. مسند أحمد ج ٣ص ١٧.
21. المرجعات ، ص ١٨٧.
22. المصدر نفسه ، ص ١٨٧.
23. شرح الأخبار ، ج ٣ ، ص ٣٦.
24. الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، ح ١.
25. الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، ح ٢ و ٣ و ٥.
26. تهذيب الأحكام ، ج ٧ ، ص ٢٧٥.
27. الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ٣٧٩.
28. تدوين القرآن ، ص ٣٥.
29. صيانة القرآن من التحريف ، ص ٨٠.
30. هو من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري.
31. صيانة القرآن من التحريف ، ص ٨٣.
32. هو عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية.
33. صيانة القرآن من التحريف ، ص ٨٤.
34. الفصول المهمّة ، ص ١٦٤.
مقتبس من كتاب : [ اسطورة التحريف ] / الصفحة : 67 ـ 94
التعلیقات
١