المراد من أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير
السيد علي الميلاني
منذ 10 سنواتإذن ، لابدّ من بيان المراد من أهل البيت عليهم السلام في هذه الآية المباركة ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).
محلّ الاستدلال في هذه الآية المباركة نقطتان :
النقطة الاُولى : المراد من أهل البيت.
النقطة الثانية : المراد من إذهاب الرجس.
فإذا تمّ المدّعى على ضوء القواعد المقرّرة في مثل هذه البحوث في تلك النقطتين ، تمّ الاستدلال بالآية المباركة على إمامة علي أمير المؤمنين ، وإلاّ فلا يتمّ الاستدلال.
المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة مَن ؟ لابدّ هنا من الرجوع أيضاً إلى كتب الحديث والتفسير ، وإلى كلمات العلماء من محدّثين ومفسّرين ومؤرخين ، لنعرف المراد من قوله تعالى في هذه الآية ، أي : المخاطب بأهل البيت من هم ؟ ونحن كما قرّرنا من قبل ، نرجع أوّلاً إلى الصحاح والمسانيد والسنن والتفاسير المعتبرة عند أهل السنّة.
وإذا ما رجعنا إلى صحيح مسلم ، وإلى صحيح الترمذي ، وإلى صحيح النسائي ، وإلى مسند أحمد بن حنبل ، وإلى مسند البزّار ، وإلى مسند عبد بن حُميد ، وإلى مستدرك الحاكم ، وإلى تلخيص المستدرك للذهبي ، وإلى تفسير الطبري ، وإلى تفسير ابن كثير ، وهكذا إلى الدر المنثور ، وغير هذه الكتب من تفاسير ومن كتب الحديث :
نجد أنّهم يروون عن ابن عباس ، وعن أبي سعيد ، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وعن سعد بن أبي وقّاص ، وعن زيد بن أرقم ، وعن أُمّ سلمة ، وعن عائشة ، وعن بعض الصحابة الآخرين :
أنّه لمّا نزلت هذه الآية المباركة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، جمع أهله ـ أي جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ـ وألقى عليهم كساءً وقال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ».
وفي بعض الروايات : ألقى الكساء على هؤلاء ، فنزلت الآية المباركة.
والروايات بعضها تفيد أنّ الآية نزلت ففعل رسول الله هكذا.
وبعضها تفيد أنّه فعل رسول الله هكذا ، أي جمعهم تحت كساء فنزلت الآية المباركة.
قد تكون القضيّة وقعت مرّتين أو تكرّرت أكثر من مرّتين أيضاً ، والآية تكرّر نزولها ، ولو راجعتم إلى كتاب الإتقان في علوم القرآن للجلال السيوطي لرأيتم فصلاً فيه قسمٌ من الآيات النازلة أكثر من مرّة ، فيمكن أن تكون الآية نازلة أكثر من مرّة والقضيّة متكرّرة.
وسنقرأ إن شاء الله في البحوث الآتية عن حديث الثقلين : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ... » إلى آخر الحديث ، قاله في مواطن متعدّدة.
وقد ثبت عندنا أنّ النبي قال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » أكثر من مرّة ، وإنْ اشتهرت قضيّة غدير خم.
وحديث « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » وارد عن رسول الله في مصادر أهل السنّة في أكثر من خمسة عشر موطناً.
فلا نستبعد أن تكون آية التطهير نزلت مرّتين أو أكثر ، لأنّا نبحث على ضوء الأحاديث الواردة ، فكما ذكرت لكم ، بعض الأحاديث تقول أنّ النبي جمعهم تحت الكساء ثمّ نزلت الآية ، وبعض الأحاديث تقول أنّ الآية نزلت فجمع رسول الله عليّاً وفاطمة والحسنين وألقى عليهم الكساء وقال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ».
فالحديث في :
١ ـ صحيح مسلم (١).
٢ ـ مسند أحمد ، في أكثر من موضع (٢).
٣ ـ مستدرك الحاكم (٣) ، مع إقرار الذهبي وتأييده لتصحيح الحاكم لهذا الحديث (٤).
٤ ـ صحيح الترمذي ، مع تصريحه بصحّته (٥).
٥ ـ سنن النسائي (٦) ، الذي اشترط في سننه شرطاً هو أشدّ من شرط الشيخين في صحيحيهما ، كما ذكره الذهبي بترجمة النسائي في كتاب تذكرة الحفاظ (٧).
ولا يخفى عليكم أنّ كتاب الخصائص الموجود الآن بين أيدينا الذي هو من تأليف النسائي ، هذا جزء من صحيحه ، إلاّ أنّه نشر أو انتشر بهذه الصورة بالاستقلال ، وإلاّ فهو جزء من صحيحه الذي اشترط فيه ، وكان شرطه في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين في صحيحيهما.
٦ ـ تفسير الطبري ، حيث روى هذا الحديث من أربعة عشر طريقاً (8).
٧ ـ كتاب الدر المنثور للسيوطي ، يرويه عن كثير من كبار الأئمّة الحفّاظ من أهل السنّة (9).
وقد اشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أنّ أُم سلمة أرادت الدخول معهم تحت الكساء ، فجذب رسول الله الكساء ولم يأذن لها بالدخول ، وقال لها : « وإنّك على خير » أو « إلى خير » (10).
والحديث أيضاً وارد عن عائشة كذلك (11).
واشتمل بعض ألفاظ الحديث على جملة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى فاطمة ، وأمرها بأن تدعو عليّاً والحسنين ، وتأتي بهم إلى النبي ، فلمّا اجتمعوا ألقى عليهم الكساء وقال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » ممّا يدل على أن النبي كانت له عناية خاصة بهذه القضيّة ، ولمّا أمر رسول الله فاطمة بأن تأتي هي وزوجها وولداها ، لم يأمرها بأن تدعو أحداً غير هؤلاء ، وكان له أقرباء كثيرون ، وأزواجه في البيت عنده ، وحتّى أنّه لم يأذن لاُمّ سلمة أن تدخل معهم تحت الكساء.
إذن ، هذه القضيّة تدلّ على أمر وشأن ومقام لا يعمّ مثل أُمّ سلمة ، تلك المرأة المحترمة المعظّمة المكرّمة عند جميع المسلمين.
إلى هنا تمّ لنا المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة.
وهذا الاستدلال فيه جهة إثبات وجهة نفي ، أمّا جهة الإثبات ، فإنّ الذين كانوا تحت الكساء ونزلت الآية في حقّهم هم : علي وفاطمة والحسن والحسين فقط ، وأمّا جهة النفي ، فإنّه لم يأذن النبي لأن يكون مع هؤلاء أحد.
في جهة الإثبات وفي جهة النفي أيضاً ، تكفينا نصوص الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد وغيرها من الأحاديث التي نصّوا على صحّتها سنداً ، فكانت تلك الأحاديث صحيحةً ، وكانت مورد قبول عند الطرفين.
الهوامش
1. صحيح مسلم ٧ / ١٣٠.
2. مسند أحمد ١ / ٣٣٠ و ٦ / ٢٩٢ و ٣٢٣.
3. المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤١٦.
4. تلخيص المستدرك ( ط مع المستدرك ) ٢ / ٤١٦.
5. صحيح الترمذي ٥ / ٣٢٧ كتاب التفسير و ٦٢٧ و ٦٥٦ كتاب المناقب.
6. خصائص علي من سنن النسائي : ٤٩ و ٦٢ و ٨١ ، ط الغري.
7. تذكرة الحفاظ ١ / ٧٠٠.
8. تفسير الطبري ٢٢ / ٥ ـ ٧.
9. الدرّ المنثور ٥ / ١٩٩.
10. أحمد ٦ / ٢٩٢ ، والترمذي ، وغيرهما.
11. صحيح مسلم ٧ / ١٣٠.
مقتبس من كتاب آية التطهير
التعلیقات