كيف نستنتج التوحيد ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 8 سنواتالسؤال :
السلام عليكم
اريد ان اشارككم ببعض الامور التي تحيرني ، عليكم تعطوني الاجابة الشافية ـ ان شاء الله ـ.
1. يسهل الاستدلال على عظمة الخالق من عظمة وتعقيد المخلوقات كلها ، لكن استصعب فهم سبب التوحيد ـ أي لماذا ليس هناك إمكانيّة لتعدّد الهة ـ وليس يشترط التنافس بينها وحتّى ولو تنافست بعضها على بعض ، فليس شرطاً ان يكون أحدهما هو القاهر فوق الجميع.
سؤالي كيف نستنتج التوحيد ؟
2. لماذا هناك خير وشرّ وامتحان وعقاب ـ أليس الله بقادر على خلق مخلوقات تطيعه ؟
وإن كانت العبادة تفيد العبد وليس الله بحاجة إلى العباد هل يمكن الاستنتاج ان الله أيضاً لا يحتاج لكلّ قضيّة الحساب ؟
3. بما ان الله فرض علينا أمور ـ ومنها أمور تناقض رغباتنا ـ لماذا إذن خلقنا هكذا ، لماذا التحدي ؟
4. كيف نتأكّد انّه هناك حساب وآخرة ؟
حتّى لو فكرنا انّ الدنيا هي جامعة كبيرة صنعت للامتحان ـ فلماذا الأمور ليست واضحة للجميع ـ هل نمتحن ونحن لا نعلم ؟
حتّى أنا ولدت مسلماً الحمد لله ـ ولم أجرأ على التفكر في الله والآخرة ـ حتّى كتابة هذه السطور أجد الصعوبة في التفكير بأمكانيّات أخرى غير الاسلام الحق ، ولكن عليكم بفضل الله توجّهوني إلى إجابات المنطق بلغة سهلة وواضحة ـ بما أنّنا في امتحان يرجى الوضوح ـ كي نعبد الله ليس فقط إيماناً أعمى وانّما على بيّنة وهدى ـ ، اعلم ان الهدى لله يهدي به من يشاء واعلم ان كثير من الامور مجهولة الإجابة وعلمها عند الله فهو أعلم لماذا ـ ولكن علّموني بما علّمكم الله ـ جازاكم الله كل خير ..
الجواب :
هذا هو معنى الامتحان والتمحيص ، فلو كانت الأمور كلّها مطابقة لرغباتنا لم يتحقّق إمتحان وبلاء ولا يصل الإنسان إلى الكمال والسعادة الحاصلة من قوّة الإرادة والصبر والتحمّل وإطاعة الله تعالى.
خلقنا الله تعالى لأجل الوصول إلى الكمال بواسطة معرفته وعبادته وإطاعته ، كما قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56 ] ، ومن المعلوم انّ الوصول إلى الكمال الروحي والنفساني واستحقاق النعيم الأبدي لا يتحقّق إلّا من خلال الإمتحان والتمحيص والبلاء. ومع وجود عوامل الشرّ والخير ومع اختيار الإنسان في أفعاله وأعماله فالحكمة الإلهيّة شاءت ان يكون الإنسان مورداً للإمتحان والبلاء لكي يصل إلى الكمال بواسطة الصبر والتحمّل والتسليم والمقاومة مع عوامل الشرّ وابتاع طريق الهدى ، ومن الطبيعي ان يكون هناك من لا ينجح في هذا الإمتحان ويتردى ولا يصل إلى الكمال.
والله تعالى كما غنيّاً عن عبادة الناس وإطاعتهم ولا يحتاج إلى من يطيعه قهراً وقسراً بل تفضّل على الخلق فخلقهم لأجل مصالح ترجع إليهم لا إليه.
العقل الفطري والبديهي يحكم بوجود الصانع والخالق وكونه حكيماً وعادلاً وعالماً وغنيّاً على الإطلاق ، وهذا الأمر يشعره حتّى الكفّار ولو بصورة ارتكازيّة لكنّهم يخالفون الفطرة ونداء العقل بسبب الأهواء والتعصّب والتقليد الأعمى.
ولما كان الله تعالى حكيماً فلا محالة يرسل الأنبياء والرسل لهداية البشر وإرشادهم إلى الخير والصلاح ، ويأمرهم بكلّ ما هو دخيل في تحصيل الكمال والسعادة ، وينهاهم عن كلّ ما يمنعهم من الوصول إلى الهدف الأسمى ، فكلّ من يطيعه ويختار الأعمال الصالحة يستحقّ الأجر والثواب وكلّ من يعصيه ويخالفه ويرتكب الذنوب والمعاصي يستحقّ العقاب والعذاب ، لأنّ الله تعالى عادل ولا يصدر منه الظلم تجاه عباده وخلقه من العلوم ان جعل المعاصي بمنزلة المطيع ظلم بالنسبة للمطيع.
فلابدّ أن يكون هناك حساب وكتاب وثواب وعقاب بل قد يكون الثواب والعقاب من الآثار الوضيعة والنتائج التكوينيّة للإطاعة والمعصية ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ) [ النساء : 10 ] ، وقوله تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [ الزلزلة : 7 ] ، وهذا امّا يسمّى بتجسيم الأعمال.
وكذا قوله تعالى : ( قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ) [ الإسراء : 42 ] ، وقوله تعالى: ( مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [ المؤمنون : 91 ]. وهذه الآيات كلّها إشارة إلى دليل عقلي للتوحيد وهو دليل التمانع.
وقد أشار إليه ما رواه هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله الصادق عليه السلام. فكان من كلام الإمام الصادق عليه السلام : « لا يخلو قولك انّهما اثنان من أن يكونا قد يمين قويّين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً ؛ فان كانا قويين فلم يدفع كلّ واحد صاحبه ويتفرّد بالتدبير ، وان زعمت ان احدهما قوي والآخر ضعيف ثبت انّه واحد ، كما نقول للعجز الظاهر في الثاني ، وان قلت انّهما اثنان لم يخل من ان يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مفترقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على انّ المدبّر واحد ».
وامّا احتمال انّ الالهين اتّفقا فيما بينهما على أن يخلقا معاً العالم على نسق ونظام واحد ، فجوابه انّ دليل التمانع يدلّ على استحالة افتراض انّ الآلة متعدّد والاستحالة ليست ناشئة من وجود إلهين ، بل من فرض وجود إلهين لأن فرض وجود إلهين يقتضي فرض ان يتنازعا ويختلفا في التدبير ، فلا يتحقّق وجود أيّ مخلوق في العالم لأنّ أحدهما يريده والآخر لا يريده.
التعلیقات