مصحف فاطمة عليها السلام ... بين الحقيقة والأوهام
الشيخ مصطفى قصير
منذ 9 سنواتمصحف فاطمة عليها السلام ... بين الحقيقة والأوهام
لا شكّ انّ أهل البيت عليهم السلام هم ورثة علم رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلّم والامناء عليه ، فقد تواتر عنه صلّى الله عليه وآله انّه قال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » (1) و هو كالصريح بكونه عليه السلام عيبة علمه ومستودع المعارف الالهيّة ، وقد توارثها منه الأئمة المعصومون المطهّرون من ولده. فقد كانوا يتوارثون ما في القران الكريم وكتب الأنبياء السابقين من دقائق المعارف والأحكام الشرعيّة.
ومن جملة التراث العلمي الذي كان يتوارثه أئمّة أهل البيت عليهم السلام « مصحف فاطمة » الذي دوّن فيه علم ما يكون ، ما سمعته الزهراء عليها السلام من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآله كما سنرى من خلال النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وقد كانوا عليهم السلام يحدثون أصحابهم أحياناً عن تلك العلوم المدوّنة عندهم في هذا الكتاب ويبينون حقيقته.
لقد اثار مصحف فاطمة حفيظة العديد من الكتّاب ، واتّخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على اتباع أهل البيت عليهم السلام ، تارة باستغلال اسمه ـ باعتبار انّه يطلق عليه اسم « مصحف » ـ وجعله باباً لاتّهامهم بانّهم لا يعترفون بالقران الموجود بين الدفّتين والمتداول بين المسلمين قاطبة ، فيوقعون الناس في وهم بان مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذى يعتقده الشيعة ، وتارة اخرى بانّ الاعتقاد بمصحف فاطمة يعني الاعتقاد بنزول الوحى بعد الرسول صلّى الله عليه وآله ويرتبون على ذلك نتائج عديدة ، منها : انّ الشيعة يعتقدون بنبوّة فاطمة وعلي عليهما السلام.
وفي هذا المقال نتعرض للبحث عن حقيقة مصحف فاطمة عليها السلام ، ونعالج الشبهات التي تثار حوله ، والضجة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتاب الذين ينقصهم الاطلاع الكافي والدقّة العلميّة ـ ان احسنا الظنّ بهم ـ أو تنقصهم الأمانة والإنصاف.
المصحف في اللغة :
المصحف ـ مثلثة الميم ، ـ من اصحف بالضمّ ـ أيّ جعلت فيه الصحف (2) ، وسمّي المصحف مصحفاً لأنّه اصحف ايّ جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين (3).
وبناء عليه ، فالمصحف ليس اسماً مختصاً بالقرآن الكريم. ويشهد لذلك ما رووه في وجه تسمية المصحف مصحفاً ، فقد روى ابن اشتة في كتاب المصاحف انّه لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر : التمسوا له اسماً ، فقال بعضهم : السفر ، وقال بعضهم : المصحف فان الحبشة يسمّونه المصحف. قال : وكان أبو بكر أوّل من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف (4).
ونحن لا نوافق على مضمون هذه الرواية لأنّنا نعقتد انّ القرآن جمع في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله (5) وكلمة المصحف من أصل عربي ، فلا معنى للإتيان بها من الحبشة ، لكن أوردناها لإقامة الحجّة على من يقبلها.
فالمصحف كل كتاب اصحف وجمع بين دفّتين ، لكن كثرة استعماله في القرآن الكريم اوجبت انصراف الأذهان إليه ، و هو لا يكفي لحمل ما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام التي تتحدّث عن مصحف فاطمة على المصحف المعروف ، خاصّة مع وجود التقييد بإضافته إليها صلّى الله عليه وآله وسلّم.
مصحف فاطمة في أخبار أهل البيت عليهم السلام
1 ـ عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام « ... انّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام » (6).
2 ـ عن أبي حمزة انّ أبا عبد الله عليه السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله وانّما هو شيء القى إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما » (7).
3 ـ عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام « ... ومصحف فاطمة امّا والله ما ازعم انّه قرآن » (8).
4 ـ عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « ان عندي ومصحف فاطمة ما ازعم انّ فيه قرآناً » (9).
5 ـ عن محمّد بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام : « ... وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام اما والله ما هو بالقران » (10).
6 ـ عن علي بن سعيد انّ أبي عبد الله عليه السلام قال : « ... وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن » (11).
7 ـ عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام قال : « عندي مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن » (12).
8 ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله انّه قال : « وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : و ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد » (13).
هذه الروايات وأمثالها تدلّ على انّ مصحف فاطمة الذي يعتقد الإماميّة انّه عند ائمّتهم وضمن ميراثهم العلمي ليس المصحف الذي فيه القرآن الكريم ، وانّه كتاب آخر يتضمن علماً ، لكن ما هو ذلك العلم ؟ تشير إليه بعض الروايات عن أهل البيت عليهم السلام منها :
1 ـ سئل الصادق عليه السلام عن محمّد بن عبد الله بن الحسن فقال عليه السلام : « ما من نبيّ ولا وصيّ ولا ملك الّا هو في كتاب عندي ـ يعنى مصحف فاطمة ـ والله ما لمحمّد بن عبد الله فيه اسم » (14).
2 ـ روي عن الوليد بن صبيح انّه قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : « يا وليد ، انّي نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام فلم أجد لبني فلان فيه الّا كغبار النعل » (15).
3 ـ عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله فقال : « يا فضيل ، أتدري في أيّ شيء كنت انظر قبيل ؟ » قال : قلت : لا ، قال : « كنت انظر في كتاب فاطمة عليها السلام ليس من ملك يملك الأرض الّا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه ، و ما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً » (16).
4 ـ عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « ... وليخرجوا مصحف فاطمة فان فيه وصيّة فاطمة ... » (17).
5 ـ عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « انّ الله تعالى لما قبض نبيّه صلّى الله عليه وآله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه الّا الله عزّ وجلّ ، فارسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدثها ، فشكت ذلك إلى أمير المومنين عليه السلام فقال : إذا احسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي ، فاعلمته بذلك ، فجل أمير المومنين يكتب كلّما سمع حتّى اثبت من ذلك مصحفاً. قال : ثمّ قال : امّا انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (18).
يتبيّن من خلال هذه الروايات انّ مصحف فاطمة ليس قرآناً ، و ليس كتاب أحكام ، فهو مغاير لكتاب علي عليه السلام الذي أملاه عليه رسول الله صلّى الله عليه و آله والذي ورد ذكره في أخبارهم عليه السلام إلى جنب مصحف فاطمة ، و سموه بالجامعة تارة والصحيفة اخرى وكتاب علي عليه السلام غالباً.
وليس هناك أيّ رواية توهم كونه قرآناً ، فضلاً عن كونها ظاهرة في ذلك ليتمسك بها من يفتش عن المطاعن ، وعلى فرض وجودها فانّ الروايات المستفيضة الواضحة والصريحة والتي قدمنا طائفة منها تقتضي رفع ذلك التوهّم أو الظهور لو تمّ وسلم.
فاطمة عليها السلام محدّثة :
قد يتوقّف البعض عند قصّة مصحف فاطمة عليها السلام ، ويرفض مسألة تكليم الملائكة للسيّدة الزهراء عليها السلام نتيجة توهّم التلازم بين النبوّة والوحي ، أو بين النبوّة وتحديث الملائكة. وعليه فان كون الرسول صلّى الله عليه وآله خاتم الأنبياء والرسل يقتضي عدم نزول الملائكة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وهذا دليل على عدم صحّة قصة المصف المذكور وقد اعتمد على هذا النحو من الاستدلال عبد الله القصيمي في كتابه الموسوم بـ « الصراع بين الاسلام والوثنية » متهما الشيعة الإماميّة بأنّهم يزعمون لفاطمة وللائمة من ولدها ما يزعمون للأنبياء والرسل (19). كلّ ذلك اعتماداً على الملازمة المزعومة بين تكليم الملائكة وبين النبوّة. وهذه غفلة ما بعدها غفلة.
تعالى معي إلى كتاب الله عزّ وجلّ و هو يتحدّث عمّن كلمتهم الملائكة أو أوحى الله سبحانه وتعالى اليهم :
1 ـ ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ... ) (20).
2 ـ ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ) (21).
3 ـ ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) (22).
4 ـ ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ ... وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ... ) (23).
فهذه نماذج من النساء حدّثنا القرآن الكريم عنهنّ و لم يكن نبيّات ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدثنهم أو أوحى إليهنّ باسلوب آخر غير تحديث الملائكة ، ولم يستنكر ذلك أحد ففاطمة دلّت النصوص على انّها كانت محدّثة ولم تكن نبيّة وكذلك تقول الشيعة الإماميّة بالنسبة لأئمّة أهل البيت دون ان يدعي أحد منهم لهم النبوّة إذ لا تلازم بينهما كما تقدّم.
ثمّ ان الاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء سلام الله عليها لا يعد علوّاً ولا مبالغة في فضلها فهي سلام الله عليها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.
روى البخاري عن النبى صلّى الله عليه وآله انّه قال : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة » (24).
وروى مسلم عنه (ص) انّه قال لها : يا فاطمة أما ترضين ان تكونى سيّدة نساء المومنين أو سيّدة نساء هذا الاُمّة (25).
وهي سلام الله عليها ممّن نزلت بهم آية المباهلة والتطهير وضمهم الكساء.
ومن الجدير بالذكر انّ الوحي أساليب وأغراض متعددة ولا تلازم بين الوحي والنبوّة وان كان كلّ نبي لا بد ان يوحى إليه وكذلك لا تلازم بين الوحى والقرآنيّة فبالنسبة للرسول صلّى الله عليه و آله وسلّم لم يكن ما نزل عليه من الوحي قرآناً فهناك الأحاديث القدسيّة وهناك تفسير القرآن وتأويله والأخبار بالموضوعات الخارجيّة وأمثال ذلك وكلّها ليست قرآناً.
فاتّضح ان تحديث الملائكة للزهراء سلام الله عليها لم يكن من الوحي النبوي و لا من الوحي القرآني.
المحدّثون عند أهل السنّة :
إذا كان تحدّث الملائكة مع أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً غلوّا فلنق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عند أهل السنّة لنرى كيف يدعى تحدث الملائكة مع الكثير من رجالهم :
1 ـ أخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب ـ وبعد حديث الغار ـ عن أبي هريرة وأخرج مسلم في فضائل عمرا أيضاً عن عائشة انّ عمر بن الخطاب كان من المحدثين وقد حاول شراح البخارى ان ياولوه بانّ المراد انّه من الملهمين أو من الذين يلقى في روعهم أو يظنّون فيصيبون الحق فكأنّه حدث ... و هو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ. ولأجل ذلك قال القرطبي انّه ليس المراد بالمحدثين الصيبين فيما يظنّون لانّه كثير في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح اصابته فترتفع خصوصيّة الخبر وخصوصيّة عمر (26).
2 ـ ممّن ادّعى انّ الملائكة تحدّثهم عمران بن الحصين الخزاعي المتوفى سنة 52 قالوا : كانت الملائكة تسلم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ثمّ أكرمه الله برد ذلك (27).
3 ـ ومنهم أبو المعالي الصالح المتوفى سنة 427 هـ ، رووا انّه كلمته الملائكة في صورة طائر (28).
4 ـ أبو يحيى الناقد المتوفى سنة 285 هـ ، رووا انّه كلمته الحوراء (29).
وأمثال هذه المرويّات في كتب السنّة غير قليل ولم يستنكر ذلك أحد ولهم يتهم أصحابها بالغلو.
وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة ما رواه الكلينى عن حمران بن أعين قال قال أبو جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام « انّ عليّاً كان محدثاً » فخرجت إلى أصحابي فقلت ، جئتكم بعجيبة فقالوا وما هي ؟ فقلت سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كان علي عليه السلام محدّثاً فقالوا ما صنعت شيئاً الّا سألته من كان يحدثه فرجعت إليه فقال لي يحدّثه ملك قلت تقول انّه نبي ؟ قال : فحرّك يده ـ هكذا (30) ـ أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما بلغكم انّه قال وفيكم مثله ؟! (31)
وفي « بصائر الدرجات » هذا الخبر هكذا : عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ألست حدّثتني انّ عليّاً كان محدّثاً ؟ قال : بلى. قالت : من يحدّثه ؟ قال : ملك. قلت : فأقول : انّه نبي أو رسول ؟ قال : لا. بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى ، ومثل ذي القرنين ، (32) « اما بلغك انّ عليّاً سئل عن ذي القرنين ، فقالوا : كان نبيّاً ؟ قال : لا ، بل كان عبداً احبّ الله فاحبّه وناصح الله فناصحه » (33).
ولا بد من الإشارة إلى بعض رواياتنا التي تتحدث عن مصحف فاطمة انّه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وخطّ علي عليه السلام :
1 ـ فعن على بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام : « ... وعندنا والله مصحف فاطمة ، ما فيه آية من كتاب الله وانّه لاملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخطّ علي بيده » (34).
2 ـ عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام « ... وخلفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله انزل عليها املاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وخطّ علي » (35).
3 ـ عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله صلّى الله عليه و آله .. « ... وعندنا مصحف فاطمة صلّى الله عليه وآله امّا والله ما فيه حرف من القرآن ولكنّه املاء رسول الله وخط علي » (36).
هذه الروايات الثلاث تخالف الروايات المستفيضه المتقدّمة في حقيقة مصحف فاطمة ، حيث ذكرت انّه « املاه رسول الله » والثانية منها لا تخلو من تهافت حيث جعلته كلاماً من كلام الله انزل عليها وفي عين الحال جعلته ومن املاءه رسول الله صلّى الله عليه وآله ولو كان من املاه الرسول صلّى الله عليه وآله لما كان منزلاً عليها بل عليه والحاصل انّه لابد من علاج هذه الروايات أو طرحها والعلاج بأحد وجوه :
1 ـ ربّما كان من باباً اشتباه الراوى أو الناسخ حيث خلط بين الصحيفة الجامعة التى أملاها رسول الله على علي وخطّها بيمنه وبين مصحف فاطمة الذى بينت الروايات انّه حدث الملك به فاطم وكتبه على خاصّه كون الاثنين واردين معاً في نفس النصوص المذكورة.
2 ـ ان يكون المراد من رسول الله في هذه الأخبار الملك الذي كان يحدث فاطمة عليه السلام لا النبي صلّى الله عليه و آله ـ كما احتمله المجلسى ـ.
3 ـ كما يحتمل ان يكون مصحف فاطمة عليها السلام متضمّناً لبعض المعارف التى تلقتها عن أبيها رسول الله بالاضافة إلى ما تقدّم من الامور التى كان يحدثها بها الملك ولعلّ الرواية التي تذكر شمول المصحف المذكور لوصيّة فاطمه تقصد هذا فيصحّ عندئذ انّه من املاء رسول الله بهذا الاعتبار والله اعلم.
وعلى أيّ حال فهذا لا يضرّ بمقصودنا وهو نفي التهمة التي تمسك بها المخالفون وحيث صرحت جميع الأخبار بما فيها هذه الثلاثه المتقدمة ـ بنفي القرانيّة عن مصحف فاطمة.
في نهاية المطاف نذكر انّ المصحف المذكور بقي عند أئمّة اهل البيت يتوارثون مع بقيّة الكتب المتضمّنه لعلوم الأنبياء والرسل الماضين ومع صحيفة الأحكام الجامعة التى أملاها رسول لله على علي عليه السلام.
المهمّ هو الإشارة إلى انّ مصحف فاطمة كبقيّة الصحف والكتب لم تنتقل إلى غيرهم ولم تصل إلى شيعتهم وليس هناك أيّ واقع لما يدعيه افترا بعض الكتاب غيرها ومن كون هذا المصحف متداولاً في بعض مناطق الشيعة ، لا في بلاد الحجاز ولا في غيرها ، والمؤسف انّ أصحاب هذه الأقلام يطلقون العنان لأقلامهم دون تدبّر ولا تثبت ويأخذون معلوماتهم من العوام ، ويصدّقون كلّ مقوله للطعن والتشنيع فيثبتونها في كتبهم لتصبح بعد ذلك مصادر يعتمد عليها الماجورون والساعون وراء تفريق المسلمين وزرع الفتن بينهم.
الهوامش
1. راجع مصادر الحديث في الهوامش التحقيقية لكتاب المراجعات للسيد شرف الدين / هامش المرااجعة رقم 48 ص 387 من طبعة المجمع المعالمي لأهل البيت عليهم السلام.
2. الفيروزآبادى القاموس المحيط ماده صحف.
3. الخليل ، العين 3 : 10 و ابن منظور ، لسان العرب ماده الصحف.
4. السيوطى الاتقان في علوم القران 1 : 185 تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم.
5. راجع كتاب حقائق هامة في القرآن الكريم للسيّد جعفر مرتضى العاملى ( فصل جمع القران ).
6. الصفار بصائر الدرجات 153 ط المرعشي ، والكليني ، الكافي 1 : 241 والمجلسي بحار الانوار 26 : 41 والقطب الراوندي الخرائج والجرائح 2 : 526 وفيه تخريج الحديث في مصادر عدة.
7. الصفار ، بصائر الدرجات 159 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 48.
8. الصفار ، بصائر الدرجات 154 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 45.
9. الصفار ، بصائر الدرجات 150 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 37.
10. الصفار ، بصائر الدرجات 151 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 38 : 48 : 271.
11. الصفار ، بصائر الدرجات 156 ، 160 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 43 ، 47 : 272.
12. الصفار ، بصائر الدرجات 154 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 45.
13. الكليني ، الكافي ، 1 : 239 ، الصفار ، بصائر الدرجات : 152 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 35 : 39.
14. ابن شهر آشوب مناقب آل ابي طالب 3 : 249 و الجلسي بحار الأنوار 47 : 32 والمراد بمحمّد بن الله هو محمّد بن عبد الله بن الحسن المثنى.
15. الصفار ، بصائر الدرجات : 161 ، 170 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 48 و156.
16. الكليني ، الكافي 1 : 244 وقريب منه جدّاً نقله الصفار في بصائر الدرجات : 169 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 155 و 47 : 273.
17. الصفار ، بصائر الدرجات 157 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 43.
18. الصفار ، بصائر الدرجات 157 ط. المرعشي ، والمجلسي ، بحار الأنوار 26 : 44 ، والكليني ، الكافي 1 : 240.
19. الأمينى ، الغدير 5 : 50 ـ 51 نقلاً عن الصراع بين والوثنية 1 : 1 و 2 : 35.
20. آل عمران : 42.
21. آل عمران : 45.
22. مريم : 17 ـ 19.
23. هود 69 ـ 73.
24. صحيح البخارى 4 : 209 ـ 219.
25. صحيح مسلم بشرح النووي 16 : 6 ـ 7.
26. صحيح البخارى 4 : 200 وصحيح مسلم بشرح النووي 15 : 166 وسنن الترمذي 5 : 581 وراجع ارشاد الساري شرح صحيح البخاري 6 : 99 و 5 : 431.
27. ابن سعد الطبقات الكبرى 7 ، 11 و 4 : 288 ـ 289 ومعجم الطبراني الكبير 18 : 107 ح 203.
28. ابن الجوزي ، المنتظم 9 : 136 وصفة الصفوة 2 : 280.
29. ابن جوزي المنتظم 6 : 8 والخطيب البغدادي تاريخ بغداد 8 : 362.
30. لعلّ المراد انّه أشار بيده نفياً و « او » لعلّها من زيادة النساخ ، ولعلّها هو ، وفي البصائر وكصاحب سليمان.
31. الكليني الكافي 1 : 271.
32. الصفار ، بصائر الدرجات 323 ط. المرعشي.
33. الأميني ، الغدير 5 : 48 عن بصائر الدرجات ، الا ان في البصائر المطبوعة سقطت هذه العبارة.
34. المجلسي بحار الأنوار 26 : 41 ، 47 : 271 ، والصفار ، بصائر الدرجات : 153 ط. المرعشي.
35. المجلسي بحار الأنوار 26 : 42 ، والصفار ، بصائر الدرجات : 155 ط. المرعشي.
36. المجلسى بحار الأنوار 26 : 48 ، 49 ، والصفار ، بصائر الدرجات : 161 ط. المرعشي.
المصدر : مؤسسة السبطين العالميّة
التعلیقات
١