خصائص الإمام علي عليه السلام
الدكتور نور الدين الهاشمي
منذ 5 سنواتخصائص الإمام علي عليه السلام
لم يعرف التاريخ الإسلامي أعظم من الإمام علي عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنّه أبلىٰ في الإسلام بلاءاً حسناً وكان أخاً لرسول الله منذ صغره إلىٰ أن انتقل إلىٰ الرفيق الأعلىٰ.
وكان عليه السلام أوّل المسلمين وأوّل من صلّىٰ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعنه عليه السلام قال : « أنا أوّل من صلّىٰ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » (1).
وقد بلغت هذه الرواية إلىٰ حدّ التواتر (2).
كما أنّ الإمام علي عليه السلام هو أوّل من صلّىٰ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعنه عليه السلام قال : « أنا عبد الله ، وأخو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين » (3).
وكان أوّل العابدين لله بعد رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو الذي لم يسجد قطّ لصنم ، فولد موحّداً وعاش موحّداً حتّىٰ لقي الله تعالىٰ وكان أوّل المسلمين رغم حداثة عمره ، وصغر سنّه ، وكان محطم الأصنام عند فتح مكّة ، فقال عليه السلام : « قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت أن أتناول السماء فعلت » (4) فكان للإمام علي عليه السلام بذلك جليل القدر والعظمة.
أمّا قوّته وبلاؤه في الحروب فلا أحد يشكّ في قدرته وقوّته وما فَتْحُ خيبر إلّا جزء يسير من البطولات الخالدة له عليه السلام فبعد رجوع أبي بكر وعمر مهزومين قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : والذي نفسي بيده لأعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ليس بفرّار ، يفتح الله علىٰ يده ، فأرسل إلىٰ علي عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينه وقال :
اللهم اكفه أذى الحرّ والبرد فما وجد حرّاً بعد ولا برد (5).
وللبلاء الحسن والقوّة التي أظهرها الإمام علي عليه السلام في خيبر وخصوصاً ممّا تعارف عليه أصحاب السير والتواريخ من حمل الإمام علي عليه السلام باباً لا يستطيع عشرة أشخاص حملها ، قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن جابر بن عبد الله الأنصاري : « لولا أن يقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارىٰ في عيسىٰ ابن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمر بملأ إلّا أخذوا من تراب رجليك ، ومن فضل طهورك ، فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنّك منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنّه لا نبي بعدي ... » وبعد نهاية الحديث خرّ علي عليه السلام ساجداً ثمّ قال :
« الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلىٰ خير البريّة خاتم النبيين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه إليّ وفضلاً منه عليّ » (6).
وهذا جزء يسير من بطولاته القتاليّة في الدفاع عن الإسلام وردّ اعتداء الكافرين ، اين غيره يوم الأحزاب حينما تجابن الكلّ عن مبارزة عمرو بن عبد ودّ حتّىٰ خرج له الإمام وهزمه. واين غيره يوم حنين حيث فرَّ الكلّ فبقي هو ومجموعة من بني هاشم. واين بطولات غيره يوم بدر وهو يردي الوليد بن عتبة قتيلاً ويوم أحد وهو يرد عن رسول الله ضربات الكفّار. إنّها جزء قليل من تاريخ الإمام علي الجهادي والذي حاول البعض نسيانه وجعله في طي النسيان.
أمّا العلم فلا أحد يشكّ في أعلميّته عليه السلام ، وهو القائل ولم يقلها أحد غيره : اسألوني قبل أن تفقدوني ، وكذلك قول عمر بن الخطاب : « ويل لعمر من مسألة ليس لها أبو الحسن » ، ويؤكّد هذا الأمر حديث مدينة العلم حيث قال صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما رواه ابن عبّاس :
« أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » (7).
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إن أقضىٰ أمّتي علي بن أبي طالب ، وأعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب » (8).
وكذلك قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « علي مع الحقّ والحقّ مع علي يدور الحقّ معه حيث دار » (9).
وأمّا قرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلا ينكرها إلّا جاحد وما أحاديث الولاية وسدّ الأبواب والمؤاخاة إلّا دليل علىٰ مميّزات هذا الرجل العظيم في الإسلام الذي سعىٰ المؤرّخون في تاريخ الإسلام أن يطمسوا هويّته لكن أبى التاريخ إلّا أن يحفظ مكانته رغم تحايلات المؤرّخين التي أظهرنا بعضها ، والتي حاولت الحطّ منه وإصباغ التاريخ بشخصيات عملت السلطة لإبرازهم في التاريخ الاسلامي ، حتّىٰ تعطي المشروعيّة لعمليّة السلب التي قاموا بها ، ممّا اضطرّ العلماء المدافعين عن هذا النموذج المصطنع إلىٰ خلق مجموعة من القوانين لحفظ هذا التاريخ المزيف والتي أثبت التحقيق التاريخي مدىٰ زيفها وبرغماتيتها في التعامل مع الأحداث.
ونورد هنا كلاماً مختصراً للعلّامة أحمد بن محمّد بن الصديق الحسيني المغربي وهو يذكر آراء بعض العلماء في تعاملهم مع الأحاديث الواردة في حقّ علي عليه السلام حيث قال :
الذهبي لا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام فإنّه سامحه الله إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره وغَضَبٌ أذهب وجدانه حتّىٰ لا يدري ما يقول وربّما سبّ ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع ، ولكنّه لا يفعل ذلك فيمن يروي لأحاديث موضوعة في مناقب أعدائه (10).
وهذا رأي عالم عاش في صعيد الأحاديث ودوّن التاريخ ، فترى كيف يمكن أن تكون العقليّات المتولّدة من خلال ما يروىٰ لها من زيف وأكاذيب ، وما الداعي إلىٰ ذلك ؟
الهوامش
1. خصائص الإمام علي للنسائي ص 15 تحقيق السيّد جعفر الحسيني ، ط 1 ، 1419 دار الثقلين ـ قم ، الترمذي في الجامع الصحيح : 5 / 640 و 642.
2. رواه أحمد في مسنده : 1 / 141 ، 4 / 368 ، وابن الأثير في أُسد الغابة : 4 / 17 ، وابن عبد البر في الاستيعاب : 3 / 23 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وابن المغازلي في مناقب عليّ ص 14 ، والطبراني في الكبير 5 / 198.
3. سنن ابن ماجة : 1 / 44.
4. إعلام الورىٰ بأعلام الهدى : للطبرسي 1 / 362 ، مسند أحمد : 1 / 84 و 151.
5. انظر : إعلام الورىٰ بأعلام الهدى : 1 / 364 ، ومسند أحمد : 1 / 99 و 133.
6. المصدر السابق : 5 / 366.
7. فتح الملك العلىٰ بصحة حديث باب مدينة العلم علي للعلّامة أحمد بن محمّد الصديق الحسني المغربي ص 3 المطبعة الإسلاميّة الأزهر ـ مصر.
8. مصباح الهداية في إثبات الولاية ، السيّد علي الموسوي البهبهاني : ص 156.
9. المصدر السابق ص 157.
10. فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي ص 98 ـ 99.
مقتبس من كتاب : [ تاريخ الشيعة بين المؤرّخ والحقيقة ] / الصفحة : 125 ـ 129
التعلیقات