ما علاقة بين التوسّل والآية كريمة : ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا ) ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 8 سنواتالسؤال :
ما علاقة بين التوسّل والآية كريمة : ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا ) ؟
الجواب :
لا ربط لهذه الآية بالتوسّل ، فان الآية تمنع عن الإعتقاد بالوهيّة غير الله تعالى وخالقيّته حيث يجعل ندّاً وشريكاً لله تعالى وتمنع أيضاً عن العبادة لغير الله تعالى حيث يجعل غير الله تعالى ندّاً وشريكاً لله تعالى في العبادة.
أمّا التوسّل فهو التقرّب إلى الله تعالى بأوليائه وجعلهم وسائط عند الله تعالى لكي يقضي حوائجنا كرامة لأوليائه ، بل الله تعالى أراد أن يظهر مقام ومرتبة أوليائه فأمرنا بالتوسّل بهم عنده ، قال تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، والوسيلة كلّ ما يتقرّب العبد به إلى الله تعالى ولا تختصّ بفعل الطاعات والعبادات ، بل تتحقّق بالتقرّب إلى الله تعالى بواسطة أوليائه ، ولذا ورد في صحيح البخاري وغيره انّ عمر بن الخطاب كان يتوسّل بالعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وآله في الإستسقاء وطلب المطر من الله تعالى ويقول :
اللّهُمَّ اِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُسْقينا وَاِنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسقِنا قالَ فَيُسْقَوْنَ. (2)
اعلم انّه يجوز يحسن التوسّل والإستغاثة والتشفّع بالنبي صلّى الله عليه وآله إلى ربّه سبحانه وتعالى وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين ، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ، وانّ التوسّل بالنبي صلّى الله عليه وآله جائز في كلّ حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدّة حياته في الدنيا وبعد موته.
وقد روى السيوطي في الدر المنثور في ذيل قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) (3) توسّل آدم عليه السلام بالنبي الأعظم حينما أراد التوبة من خطيئته. (4)
وقد ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 180 ان الإمام الشافعي كان ينشد :
آل النبي ذريعتي |
وهم إليه وسيلتي | |
ارجو بهم أعطى غداً |
بيدي اليمين صحيفتي (5) |
ونقل عن الشافعي قول : لقد ثبت بالتجربة انّ التوسّل بقبر موسى به جعفر الكاظم عليه السلام موجب لاستجابة الدعاء. (6)
وقد روى أحمد بن حنبل في المسند :
عن عثمان بنِ حُنَيف ، أن رجلاً ضريراً أتى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : يا نبيَّ الله ، ادعُ الله أن يُعافيني ، فقال : « إنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذلِكَ ، فهو أَفْضَلُ لآخِرتكَ ، ، وإنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَك ». قال : لا بل ادع الله لي. فأمره أن يتوضأ ، وأن يُصَلِّيَ ركعتين ، وأن يدعو بهذا الدعاء : « اللهم إني أسألُكَ وأتوجَّهُ إليك بنبيك محمد صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة ، يا محمدُ إني أتوجَّهُ بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى ، وتُشَفِّعُني فيه ، وتُشَفِّعُهُ فيَّ ». قال : فكان يقولُ هذا مراراً. ثم قال بعد : أحسب أن فيها : أن تشفعني فيه . قال : ففعل الرجلُ ، فَبَرأ. (7)
قال القسطلاني في المواهب اللدنيّة :
فقال عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا يا أيها الناس برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في عمه العباس ، فاتخذوه وسيلة إلى الله. (8)
قال ابن الأثير في اسد الغابة :
واستسقى عُمَرُ بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما عام الرِّمَادة لما اشتد القحط ، فسقاهُمُ الله تعالى به ، وأَخصبت الأرض. فقال عمر : هذا والله الوسيلة إلى الله ، والمكان منه. (9)
قال المحدث المشهور أبو حاتم حيان في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام :
« حين إقامتي في طوس كنت إذ أوقعت في شدّة وضيق أزور قبر علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ واطلب من الله تعالى التخلّص منها ، فيستجيب الله تعالى دعائي ويرتفع عنّي ذلك الضيق ، وهذا شيء جرّبته مراراً ».
أقول : هذا مضمون كلامه ومن أراد نصّ كلامه فليراجع المصدر ـ الأصول الأربعة في ترديد الوهّابيّة ص 35 ـ.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني :
قال وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول خرجنا مع امام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشائخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس قال فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا. (10)
الهوامش
1. المائدة : 35.
2. صحيح البخاري / المجلّد : 2 / الصفحة : 16 / الناشر : دار الفكر.
راجع :
الطبقات الكبرى « لابن سعد » / المجلّد : 4 / الصفحة : 21 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 1.
أنساب الأشراف « للبلاذري » / المجلّد : 4 / الصفحة : 7 / الناشر : جمعية المستشرقين الألمانية.
3. البقرة : 37.
4. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور « لجلال الدين السيوطي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 58 / الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر.
5. الصواعق المحرقة « لأحمد بن حجر الهيثمي » / الصفحة : 180 / الناشر : مكتبة القاهرة / الطبعة : 2.
6. حياة الحيوان الكبرى « للدميري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 189 / الناشر : دار الكتب العلمية / الطبعة : 1 :
وتوفي موسى الكاظم في رجب سنة ثلاث وقيل سنة سبع وثمانين ومائة ببغداد مسموماً ، وقيل إنه توفي في الحبس وكان الشافعي يقول قبر موسى الكاظم الترياق المجرب.
7. مسند أحمد بن حنبل / المجلّد : 28 / الصفحة : 480 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1.
راجع :
السنن الكبرى « للنسائي » / المجلّد : 6 / الصفحة : 169 / الناشر : دار الكتب العلمية / الطبعة : 1.
المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 9 / الصفحة : 31 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
المستدرك « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 519 / الناشر : دار المعرفة.
8. المواهب اللدنية « للقسطلاني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 374 ـ 375 / الناشر : المكتبة التوفيقية.
9. أسد الغابة « لابن أثير » / المجلّد : 3 / الصفحة : 63 / الناشر : دار الفكر.
10. تهذيب التهذيب « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : 7 / الصفحة : 339 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 1.
التعلیقات