علي عليه السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل البعثة
اسلام الموسوي
منذ 6 سنواتعلي عليه السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل البعثة
وهو فصل تمهيدي نتناول فيه شخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام من حيث نسبه وصفته وأسمائه وألقابه ومولده ونشأته في بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
نسبه :
هو سيِّد العرب ، يعسوب المؤمنين ، مولىٰ الموحّدين ، أسد الله الغالب عليُّ بن أبي طالب بن عبدالمطَّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (1).
القرشي ، الهاشمي ، المكِّي ، المدني.
قيل : « هو أوّل هاشمي ولد من أبوين قرشيين هاشميين » (2) وفي عبارة الكليني : « وهو أوّل هاشمي ولده هاشم مرَّتين » (3).
ولا يصحُّ ذلك ، لأنَّ اُمَّه ولدت قبله طالباً وعقيلاً وجعفراً من أبوين هاشميين !!
والصحيح أن يقال : « وأمُّه أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً » (4) ..
وهو والد ابنين هاشميين ، لأبوين وجدَّين كلِّهم من بني هاشم.
كنيته : أبو الحسن.
ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخوه ، آخاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مرَّتين ؛ فإنَّ رسول الله آخىٰ بين المهاجرين ، ثُمّ آخىٰ بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ، وقال لعليٍّ في كلِّ واحدة منها : « أنت أخي في الدنيا والآخرة » (5).
وهو وزير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصيُّه وخليفته في أُمَّته ، وجامع فضائله وشمائله ، ووارث علمه وحكمه ، وختنه علىٰ ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.
وأوّل خليفة من بني هاشم ، هاجر الهجرتين ، ماشياً حافياً ، وشهد بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلَّها ، إلَّا معركة تبوك ، فقد خلَّفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علىٰ المدينة ، كان ذلك أحد مواضع قوله له : « أنت منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنّه لا نبي بعدي » (6) وأبلىٰ في جميع المعارك بلاءً عظيماً ، وكان اللواء في أكثر المواضع بيده.
جدُّه وأبوه :
جدّه عبدالمطَّلب ، الملقَّب بشيبة الحمد ؛ لشيبة كانت في رأسه (7) ، وقيل : « اسمه شيبة » (8) ، وكنيته : أبو البطحاء ، لأنَّهم استسقوا به سقياً فكنَّوه به (9) .. وقد بلغ من الشرف في قومه ما لم يبلغه أحد من قبل.
وكان عبدالمطَّلب جدُّ رسول الله يكفله ، وعبدالمطَّلب يومئذٍ سيِّد قريش غير مدافَع ، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعطِ أحداً ، وسقاه زمزم وذا الهُدُم ، وحكَّمته قريش في أموالها ، وأطعم في الُمحل حتّىٰ أطعم الطير والوحوش في الجبال.
قال أبو طالب :
ونُطعمُ حتىٰ تأكُلَ الطيرُ فضلَنا |
إذا جَعَلَتْ أيدي المُفيضينَ تَرْعَدُ |
وكان علىٰ ملَّة إبراهيم الخليل ؛ فرفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّوجلَّ ، وسنَّ سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السُنَّة من رسول الله بها وهي : الوفاء بالنذور ، ومائة من الإبل في الديّة ، وألَّا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتىٰ البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل الموؤدة ، والمباهلة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، والحدُّ عليه ، والقرعة ، وألَّا يطوف أحدٌ بالبيت عرياناً ، وإضافة الضيف ، وألَّا ينفقوا إذا حجَّوا إلَّا من طيِّب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحُرم ، ونفي ذوات الرايات (10).
هكذا كان مجاهراً بدينه ، داعياً إلىٰ الخلق الكريم والمبادئ السامية التي جاءت بها الأديان ، وكان له في هذه الخصال دور لا يشاركه فيه أحد ، حتّىٰ أنَّ قريشاً كانت تسميه إبراهيم الثاني.
وكان يفرش له بفناء الكعبة والناس من حوله يهابونه ، فلا يقرب فراشه أحد ، إلَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد كان يتخطَّىٰ رقاب عمومته ، ويجلس علىٰ فراش جدِّه ، ولما حاولوا منعه قال لهم : دعوا ابني ، إنَّ لابني هذا شأناً ..
وتوفِّي عبدالمطَّلب ولرسول الله ثماني سنين ، وكانت قد أتت علىٰ عبدالمطَّلب مائة وعشرون سنة ، وقيل : مائة وأربعون سنة (11).
وعن أمِّ أيمن قالت : أنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يمشي تحت سريره وهو يبكي ، وقيل : كان لعبدالمطَّلب يوم مات ثمانون سنة (12).
وأعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ودُفن بالحجون ، وقيل : إنَّه حُمل علىٰ أيدي الرجال عدَّة أيَّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب.
وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال : « إنَّ الله يبعث جدِّي عبدالمطَّلب أُمَّة واحدة في هيئة الأنبياء وزيِّ الملوك » (13).
وورث أبو طالب ـ والد عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام ـ زعامة أبيه عبدالمطَّلب ، وكفالته رسول الله ، فكان خير كافل ومعين ، وقد كان كأبيه سيِّداً شريفاً مهيباً.
قال عليُّ بن أبي طالب : « أبي ساد فقيراً ، وما ساد فقيرٌ قبله » (14) ، وخرج برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ بُصرىٰ من أرض الشام وهو ابن تسع سنين ، وقال : « والله لا أكِلك إلىٰ غيري » (15).
وتولَّىٰ العناية برسول الله والقيام بشؤونه من سنة ثمان من مولده الشريف ، وحتّىٰ العاشرة من النبوَّة ، وذلك اثنان وأربعون سنة ، وظلّ يدافع عن النبي ورسالته حتّىٰ آخر نفس من حياته ، وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلَّى موقفه هذا في كثير من أشعاره ، منها قوله :
ليعلم خيار الناس أنَّ محمداً |
نبيٌّ كموسىٰ والمسيح ابن مريم |
وقوله :
ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمداً |
رسولاً كموسىٰ خطَّ في أوَّل الكتبِ |
وقوله في لاميَّته الشهيرة :
لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ |
لدينا ولا يُعنَىٰ بقولِ الأباطلِ |
|
فأصبح فينا أحمد في اُرومةٍ |
تُقصِّر عنه سَورَة المتطاوِلِ |
|
حَدِبْتُ بنفسي دونه وحميتُه |
ودافعت عنه بالذُّرا والكلاكلِ |
|
فأيَّده ربُّ العباد بنصره |
وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ (16) |
وتوفِّي أبو طالب بعد وفاة خديجة بثلاثة أيَّام ـ أيّ قبل هجرة الرسول من مكَّة إلىٰ المدينة بثلاث سنين ـ في شوال أو في ذي القعدة ، وله ستّ وثمانون سنة ، وقيل بل تسعون (17) ، وسمَّىٰ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا العام بعام الحزن ، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتّىٰ مات أبو طالب » (18).
وقال السدي : مات أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة ، ودُفن بالحجون عند عبدالمطَّلب.
ولمَّا قيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنَّ أبا طالب قد مات ، عظُم ذلك في قلبه ، واشتدَّ له جزعه ، ثُمَّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرَّات ، وجبينه الأيسر ثلاث مرَّات ، ثُمَّ قال : « يا عمّ ربّيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عنِّي خيراً » ومشىٰ بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : « وصلتك رحم وجُزيتَ خيراً » ، وقال : « اجتمعت علىٰ هذه الأُمَّة في هذه الأيَّام مصيبتان لا أدري بأيِّهما أنا أشدُّ جزعاً » يعني : مصيبة خديجة وأبي طالب رضي الله عنهما (19).
وسُئل الإمام السجَّاد عليه السلام عن إيمان أبي طالب ، فقال : « واعجباً ، إنَّ الله نهىٰ رسوله أن يقرَّ مسلمة علىٰ نكاح كافر ؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلىٰ الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتَّىٰ مات » (20).
وهو من أوضح البراهين علىٰ إيمان أبي طالب رضي الله عنه.
أُمُّه :
فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم ـ جدُّ النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بن عبد مناف بن قصي الهاشميّة القرشيّة ، وأُمُّها فاطمة بنت قيس بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي (21) بنت عمّ أبي طالب.
وقال أهل السير : « هي أوّل هاشميّة تزوّجت هاشميّاً وولدت خليفة هاشميّاً » (22) وهي من سابقات المؤمنات إلىٰ الإيمان ، وكانت قبل ذلك علىٰ ملَّة إبراهيم الخليل عليه السلام ، هاجرت مع رسول الله في جملة المهاجرين إلىٰ المدينة المنوَّرة ـ علىٰ ساكنها السلام ـ ماشية ، حافية ، وهي أوَّل امرأةٍ بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكَّة بعد خديجة زوج الرسول ..
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يعاملها كما يعامل ابنٌ برَ أمَّه حتّىٰ يوم وفاتها. حيث توفِّيت في المدينة المنوَّرة سنة أربع من الهجرة ، وأنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « اليوم ماتت أمِّي » (23) ، وشهد جنازتها فصلَّىٰ عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر ، ونزل في قبرها لتأمن ضغطته (24).
وروي أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « يُحشر الناس يوم القيامة عراة » فقالت : واسوأتاه ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « فإنِّي أسأل الله أن يبعثك كاسية » (25).
وسمعته يذكر عذاب القبر فقالت : واضعفاه ، فقال : « إنِّي أسأل الله أن يكفيك ذلك » (26) ..
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل ذلك يزورها ويقيل عندها في بيتها ، وقال ابن عبَّاس : « وفيها نزلت ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... ) (27) » (28) وإنَّها كانت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمنزلة الأمِّ ، تفضِّله علىٰ أبنائها وتغدقه من حنانها وكان شاكراً لبرِّها .. وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنَّها كانت أمِّي ، إنّها كانت لتجيع صبيانها وتُشبعني ، وتشعثهم وتدهنني ، وكانت أمِّي » (29).
إخوته :
وله عليه السلام خمس إخوة كلُّهم من أمِّه فاطمة بنت أسد : ثلاثة ذكور وبنتان ، فالذكور : طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وبين كلِّ واحد وآخر عشر سنين والبنتان : أم هاني ، وجمانة. وفي ما يلي نذكر موجزاً عن أحوالهم :
١ ـ طالب : وهو أكبر ولد أبي طالب ، وبه كان يكنَّىٰ ، أخرجه المشركون يوم بدر لقتال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كرهاً ؛ فقال :
اللَّهمّ إمّا يغزون طالب |
في منقبٍ من هذه المناقب |
|
وليكن المغلوب غير غالب |
وليكن المسلوب غير السالب |
فلمَّا انهزم المشركون يوم بدر لم يوجد في القتلىٰ ، ولا في الأسرىٰ ، ولا رجع إلىٰ مكَّة ، ولا يُدرىٰ ما حاله ، وليس له عقب (30).
٢ ـ عقيل (31) : وهو أكبر من جعفر بعشر سنين كذلك ، ويكنَّىٰ أبا يزيد.
قال له النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنِّي أحبُّك حبَّين ، حبَّاً لقرابتك ، وحبَّاً لما كنتُ أعلم من حبِّ عمِّي إيَّاك » (31).
وكان عقيل ممَّن خرج مع المشركين إلىٰ بدر مكرهاً ، فأُسر يومئذٍ ولم يكن له مال ؛ ففداه عمُّه العبَّاس. ثمَّ أتىٰ مسلماً يوم الحديبيّة ، وهاجر إلىٰ النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة ثمانٍ ، وشهد غزوة مؤتة.
قال الواقدي : « أصاب عقيل يوم مؤتة خاتماً عليه تماثيل ، فنفله إيَّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فكان في يده » (32).
وكان سريع الجواب المسكت للخصم ، وله فيه أشياء حسنة يطول ذكرها ، وكان أعلم قريش بالنسب ، وأعلمهم بأيَّامها ، ولكنَّه كان مبغَّضاً إليهم ، لأنَّه كان يَعدُّ مساوئهم.
وكان علىٰ رأس ثلاثة اعتمدهم عمر بن الخطَّاب في تثبيت أسماء العرب وأنسابهم في الديوان الذي أقامه ، ويعدُّ هذا الديوان أوَّل كتاب في الأنساب يكتبه المسلمون ، وقد كان عقيل رأساً فيه.
وكانت له طنفسة ـ بساط ـ تطرح له في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويجتمع الناس إليه في علم النسب وأيَّام العرب ، وكان يكثر ذكر مثالب قريش ، فعادوه لذلك ، وقالوا فيه بالباطل ، ونسبوه إلىٰ الحمق ، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة.
وكان ممَّا أعانهم عليه مفارقته أخاه عليَّاً عليه السلام ، ومسيره إلىٰ معاوية بالشام ، فقيل : « إنَّ معاوية قال له يوماً : هذا أبو يزيد ، لولا علمه بأنِّي خير له من أخيه ، لما أقام عندنا ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنت خير لي في دنياي ، وقد آثرت دُنياي ، وأسأل الله خاتمة خيرٍ بمنِّه » (33).
وكانت زوجته فاطمة بنت عُتبة بن ربيعة خالة معاوية ، وعاش عقيل إلىٰ سنة خمسين من الهجرة وتوفِّي بعدما ذهب بصره.
ومن أولاده : يزيد ، وبه كان يكنَّىٰ ، وسعيد ، وأمُّهما أمُّ سعيد بنت عمرو من بني صعصعة.
وجعفر الأكبر وأبو سعيد ـ وهو اسمه ـ وأمُّهما أمُّ البنين كلابية.
ومسلم وهو الذي بعثه الحسين عليه السلام إلىٰ الكوفة وبها استشهد وقبره هناك يزار.
وعبدالرحمن وعلي وجعفر وحمزة ومحمّد ورملة وأم هاني وفاطمة وأم القاسم وزينب وأم النعمان وجعفر الأصغر ، أولاد لأمَّهات شتَّىٰ.
٣ ـ جعفر (34) : وهو المعروف بـ « جعفر الطيَّار » فقد كان أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلقاً وخُلُقاً (35) ، أسلم بعد إسلام أخيه عليٍّ بقليل.
وكان لجعفر من الولد عبدالله ، وبه كان يُكنَّىٰ ، وله العقب من ولد جعفر ، ومحمَّد وعون لا عقب لهما ، وُلدوا جميعاً لجعفر بأرض الحبشة في المهاجرة إليها ، وأمُّهم أسماء بنت عُميس بن معبد بن تيم.
وقد كان من السابقين الأوَّلين إلىٰ الإسلام .. فقد روي أنَّ أبا طالب رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليَّاً عليه السلام يصلِّيان ، وعليٌّ عن يمينه ، فقال لجعفر رضي الله عنه : « صِلْ جناح ابن عمِّك ، وصَلِّ عن يساره » (36).
وقيل : أسلم بعد واحد وثلاثين إنساناً ، وكان هو الثاني والثلاثين ، قاله ابن إسحاق ، وله هجرتان : هجرة إلىٰ الحبشة ، وهجرة إلىٰ المدينة ..
وكان رسول الله يسمِّيه : أبا المساكين ... ولمَّا هاجر إلىٰ الحبشة أقام بها عند النجاشي ، إلىٰ أن قدم علىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين فتح خيبر ، فتلقَّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واعتنقه ، وقبَّل بين عينيه ، وقال : « ما أدري بأيِّها أنا أشدُّ فرحاً ؛ بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر » ؟ وأنزله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ جنب المسجد (37).
٤ ـ أمُّ هاني : قال ابن سعد : « اسمها جعدة ، وقيل : فاخته ، وقيل : هند ، وهي التي أجارت زوجها وقوماً من المشركين يوم فتح مكّة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « قد أجرنا من أجرت » .. وهاجرت إلىٰ المدينة » (38).
٥ ـ جُمانة : تزوَّجها أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطَّلب ، وهاجرت إلىٰ المدينة ، وتوفِّيت في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ..
وذكر ابن سعد لأبي طالب ابنة أُخرىٰ وقال : اسمها ريطة وقيل : أسماء ، وذكر أيضاً لأبي طالب ابناً آخر ، وقال : اسمه : طليق ، واسم أمِّه وعلة ، والله أعلم بالصواب (39).
وليد الكعبة :
من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين علىٰ ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتّىٰ موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محلّ الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.
هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.
وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (40). قبل البعثة بعشر سنين (41). حوالي عام ٦٠٠ م ـ ٢٣ قبل الهجرة ـ ، وقيل : « ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل » (42).
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين ، قد وُلِد الألوف من البشر ، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار ، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبديّة ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق ! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد علىٰ كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام !!
تلك ولادة أكرمه الله بها ، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها ..
إنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد لمَّا ضربها الطلق ، جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة ، من شدّة المخاض ، مستجيرة بالله وَجِلةً ، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض ؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول :
« يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنىٰ البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنىٰ هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني إلَّا ما يسرت عليَّ ولادتي ».
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلىٰ حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالىٰ ، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلىٰ يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام (43).
وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء :
أنشد الحميري « ت ١٧٣ هـ » :
وَلدَتْهُ في حرم الإله وأمنه |
والبيت حيث فناؤه والمسجد |
|
بيضاء طاهرة الثياب كريمة |
طابت وطاب وليدها والمولد |
|
ما لُفَّ في خِرَقِ القوابِل مِثلُه |
إلّا ابن آمنةَ النبيِ محمّد |
وله أيضاً في أمير المؤمنين عليه السلام :
طبتَ كهلاً وغلاماً |
ورضيعاً وجنينا |
|
ولدىٰ الميثاق طيناً |
يوم كان الخلقُ طينا |
|
وببطن البيت مولوداً |
وفي الرمل دفينا (44) |
وقال عبدالباقي العمري في عينيته الشهيرة :
أنت العليّ الذي فوق العُلىٰ رُفعا |
ببطن مكة عند البيت إذ وُضعا |
وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة ـ شرح عينية عبدالباقي العمري ـ ما نصّه : « وفي كون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة ... ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، بل لم تتّفق الكلمة عليه ، وأحرىٰ بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين ، سبحان من يصنع الأشياء ، وهو أحكم الحاكمين » (45).
صفته :
نشأ عليه السلام مكين البنيان ، شاباً وكهلاً ، حافظاً لتكوينه المكين حتّىٰ ناهز الستين من عمره الشريف ، كان قوي البنية ، ممتلئ الجسم ، كثير الشعر ، ربعة في الرجال لا هو بالطويل ولا بالقصير ، عريض المنكبين ، له مشاش كمشاش السبع الضاري ، يغلظ من أعضائه ما استغلظ من أعضاء الأسد ويدقُّ منها ما استدقّ ..
هذا وتدلُّ أخباره ـ كما تدلُّ صفاته ـ علىٰ قوَّة جسديّة ، فربَّما رفع فارساً بيده فجلد به الأرض غير جاهد ، وما صارع أحداً إلَّا وصرعه ..
يتكفَّأ في مشيته علىٰ نحو ما يقارب مشية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الذي جعله أُسوته وقدوته منذ أن نشأ وحتَّىٰ مات.
وذكر بعضهم أنَّه كان آدمَ ـ أيّ أسمر ـ شديد الأدمة ، عظيم العينين غليظ الساعدين أقرب إلىٰ القصر من الطول ، عريض اللحية ..
ولم يصفه أحد بالخضاب ، سوىٰ سواد بن حنظلة ، قال ابن سعد : والصحيح أنَّه لم يخضب ، وروي أنَّه كان يصفِّر لحيته بالحنَّاء ثُمَّ ترك (46).
أسماؤه وألقابه :
كثيرة أسماؤه وألقابه عليه السلام ومختلف في بعضها بين العلماء ، فقال مجاهد : « إنَّ أُمُّه سمَّته عليَّاً عند ولادته.
وقال عطاء : إنَّما سمَّته أُمُّه حيدرة ، بدليل قوله يوم خيبر : « أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدرة » ، فلمَّا علا علىٰ كتفي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وكسَّر الأصنام سُمِّي عليَّاً من العلوّ والرفعة والشرف » (47).
وليس هذا بالمعتمد ، فقد عُرف باسم « عليٍّ » منذ الصغر.
وعن ابن عبَّاس : « كانت أُمُّه إذا دخلت علىٰ هُبل لتسجد له وهي حامل به علىٰ بطنها فيتقوَّس فيمنعها من السجود فسُمِّي عليَّاً » (48). ولا يصحُّ ؛ لأنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد كانت تتعبَّد علىٰ ملَّة إبراهيم الخليل ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.
وقال سبط ابن الجوزي : « وقول مجاهد أظهر ؛ لأنَّه ثبت المستفيض بهِ ، ولايمنعها من تسميته عليَّاً أن تسمِّيه حيدرة ، لأنَّ حيدرة اسم من أسامي الأسد لغلظ عنقه وذراعه ، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام ، فيكون عليٌّ اسمه الأصلي ، وحيدرة وصفاً له » (49).
وعنه أيضاً : « وقد سمَّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم « ذا القرنين » ذكر ذلك بإسناده المتَّصل إلىٰ سلمة بن الطفيل، عن عليٍّ عليه السلام ، قال : « قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنَّ لك في الجنَّة قصراً ، وإنَّك ذو قرنيها » » (50).
قال : « وهذا حديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين ، ورواه النسائي مسنداً ».
وقد عُرف عليه السلام بألقاب كثيرة ، جاء كثير منها في حديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم منها : « يعسوب المؤمنين » وأصل اليعسوب هو ملك النحل ، ومنه قيل للسيِّد : يعسوب ، والمؤمنون يتشبَّهون بالنحل ؛ لأنَّ النحل تأكل طيباً.
ويلقَّب أيضاً : الولي ، والوصي ، والتقي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وشبيه هارون ، وصاحب اللوىٰ ، وخاصف النعل ، وكاشف الكرب ، وأبو الريحانتين ، وبيضة البلد ، وغيرها كثير (51).
وكنَّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأبي تراب لمَّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب ، فكان ذلك من أحبِّ ألقابه إليه.
وجاء في سبب تسميته ـ كما نقله ابن إسحاق عن عمَّار بن ياسر ـ أنَّه قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فلمَّا نزلها رسول الله وأقام بها ، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ، فقال لي عليٌّ عليه السلام : « يا أبا اليقظان ، هل لك في أن نأتي هؤلاء القوم لننظر كيف يعملون ! » قلت : إن شئت ، فجئناهم ونظرنا إلىٰ عملهم ساعة ثُمَّ غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعليٌّ واضطجعنا في صور من النخل علىٰ التراب اللين ونمنا ، والله ما أيقظنا إلَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يُحرِّكنا برجله ، وقد تترَّبنا من تلك البقعة التي نمنا فيها ، ففي ذلك اليوم قال الرسول لعليٍّ عليه السلام : « ما لك يا أبا تراب » ! (52)
رواه أيضاً ابن جرير الطبري (53) في تاريخه ، ثُمَّ ذكر سبباً آخر في هذه التسمية ، خلاصته أنَّه قيل لسهل بن سعد الساعدي : إنَّ بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك لتسبَّ عليَّ بن أبي طالب علىٰ المنبر ، وتقول له : يا أبا تراب ، قال : والله ما سمَّاه بذلك إلَّا رسول الله. قلت : وكيف ذاك ؟ قال : دخل عليٌّ عليه السلام علىٰ فاطمة الزهراء ، ثُمَّ خرج من الدار ، وذهب إلىٰ المسجد واضطجع في فيئه ، ثُمَّ دخل رسول الله علىٰ فاطمة وسألها عن عليٍّ عليه السلام ، فقالت له : « هو ذاك مضطجع في المسجد » ، فجاءه رسول الله فوجده وقد سقط رداؤه عن ظهره ؛ فقال له : « اجلس أبا تراب » فوالله ما سمَّاه بذلك إلَّا رسول الله ، وكان أحبَّ أسمائه إليه.
وأخرجه أحمد بن حنبل من وجه آخر ، قال : حدَّثنا ابن نمير ، عن عبدالملك الكندي ، عن أبي حازم ، قال : جاء رجل إلىٰ سهل بن سعد ؛ فقال : هذا فلان يذكر علي بن أبي طالب عند المنبر ، فقال : ما يقول ؟ قال : يقول : أبو تراب ، ويلعن أبا تراب ، فغضب سهل وقال : والله ما كنَّاه به إلَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وما كان اسم أحبَّ إليه منه.
وقال الزهري : والذي سبَّ عليَّاً في تلك الحالة مروان بن الحكم ؛ لأنَّه كان أميراً في المدينة من قبل معاوية ، وذكر ذلك الحاكم أبو عبدالله النيسابوري أيضاً (54).
ولقَّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً بأمير المؤمنين ، حتَّىٰ قال فيه : « سلِّموا علىٰ عليٍّ بإمرة المؤمنين » (55).
ومن ألقابه (56) أيضاً : المرتضىٰ ، ونفس الرسول ، وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، وأمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم النار ، وصاحب اللواء ، وسيِّد العرب ، وكشَّاف الكرب ، والصدِّيق الأكبر ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ـ أيّ مدينة العلم ـ وغرَّة المهاجرين ، والكرَّار غير الفرَّار ، والفقَّار ، وبيضة البلد.
واجتمعت في عليِّ بن أبي طالب خلاصة الصفات التي اشتهرت بها أُسرته الهاشميّة من النبل والشجاعة .. وممَّا قاله القائلون عن شجاعته : إنَّه ما عُرف عن بطل في العالم إلَّا كان مغلوباً حيناً ، وغالباً حيناً ، إلَّا عليٌّ عليه السلام فهو الغالب أبداً ودائماً ، ومن هنا كان العرب يفخرون بأنَّ قريبهم قُتل بسيف عليٍّ ، ويجعلون من هذا دليلاً علىٰ أنَّ صاحبهم بارز عليَّاً ، وهو الموت الذي لابدَّ منه.
وعُرف أيضاً بالمروءة والعلم والذكاء ، وقد كان يقول : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب » (57). وهو أعلم أصحاب رسول الله قاطبة بلا منازع ، وفي هذا أحاديث كثيرة تشهد له ، ووقائع كثيرة تصدّقه.
نشأته :
كلُّ مولود يولد تتعاقبه وراثة الأجيال ، فيأخذ من الأب والأمِّ ما يكوِّن به شخصيَّته النفسيّة والروحيّة والأخلاقيّة ، والإمام عليٌّ عليه السلام معروف النسب ، فهو ابن سادة العرب ، أهل المروءة والشجاعة والكرم ، توارثوا السيادة وخصالها أباً عن جدٍّ ، عن أبيهم إبراهيم خليل الرحمن.
كما هيَّأ الله سبحانه الأسباب لعليٍّ ليكون أكثر الناس قرباً من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخصِّهم به .. بل ليكون النبيُّ أقرب إليه من أبيه وأخوته ، ففي الثامنة من عمر علي عليه السلام ـ وربّما كان حوالي عام ٦٠٦ م ـ دخلت قريش أزمة شديدة طاحنة ، وسنة مجدبة منهكة ، شحَّت فيها موارد العيش ، وكان وقعها علىٰ أبي طالب شديداً ، إذ كان ذا عيال كثير وقلَّة من المال لا يفي بنفقة رجل مثله ، فعند ذاك قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمَّيه الحمزة والعبَّاس : « ألا نحمل ثقل أبي طالب ، ونخفِّف عنه عياله ؟ ».
فجاءوا إليه وسألوه أن يسلِّمهم وِلده ليكفوه أمرهم ، فقال لهم : دعوا لي عقيلاً وخُذوا من شئتم ، فأخذ العبَّاس طالباً ، وحمزة جعفراً ، وأخذ محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم عليَّاً عليه السلام (58).
وانتقل عليٌّ عليه السلام وهو في مطلع صباه إلىٰ كفيله محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فرُبِّي في حجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يفارقه ، وكانت فاطمة بنت أسد كالأُمِّ للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد كالأُمِّ لعليٍّ عليه السلام.
فنشأ عليٌّ عليه السلام في بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يرعاه وينفق عليه ، فحاز بذلك من الشرف ما لم يحزه غيره .. فقد نشأ يستلهم من معلِّمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية ، وكذا دقائق الحكمة والمعرفة ، حتَّىٰ أدرك من الحقائق ما لم يدركه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد غيره ، حتّىٰ تطبّع بصفات كافله ، ولم تكن فيه صفة إلَّا وهي مشدودة بصفات معلِّمه الأوّل والأخير ، وما من شيء أنكره قلب محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلَّا وأنكره قلب عليٍّ عليه السلام ، وكان هذا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وأدرك التلميذ من معلِّمه العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة ، بل وأسرار الوجود ، وأصبح المثل الأعلىٰ في جميع شمائله وأفعاله ، وتحلَّىٰ بأعلىٰ ذروة من ذرىٰ الكمال الروحي والأخلاقي.
ووصف عليه السلام تلك الأيام القيِّمة مبيّنا فضلها واختصاصه بها على من سواه ، فقال :
« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمُّني إلىٰ صدره .. وكان يمضغُ الشيء ثُمَّ يُلقمنيه ، وما وجد لي كذبةً في قول ، ولا خطلة في فعل .. ولقد كنت أتَّبعه اتباع الفصيل أثر أمِّه ، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحراء فأراه ، ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرىٰ نور الوحي والرسالة ، وأشمُّ ريح النبوَّة. ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرَّنَّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيِسَ من عبادَتِهِ. إنَّك تسمعُ ما أسمعُ ، وترى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَسْت بِنَبِيٍّ ، ولكنَّكَ لَوزيرٌ وإنَّك لَعَلَىٰ خيرٍ ... » (59).
الهوامش
1. أسد الغابة / ابن الأثير ٤ : ١٠٠ ، البداية والنهاية / ابن كثير ٧ : ٢٢٣.
2. أسد الغابة ٤ : ١٠٠ ، إعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠٦ ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ط ١ / ١٤١٧هـ ، الإرشاد / الشيخ المفيد ١ : ٦ ، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.
3. الكافي / الكليني ١ : ٤٥٢ باب : مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
4. البداية والنهاية ٧ : ٢٢٣.
5. أسد الغابة ٤ : ٩١ ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣ : ١٠٣.
6. مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٦٤.
7. تذكرة الخواص : ١٤.
8. البداية والنهاية ٧ : ٢٢٣.
9. انظر تفاصيل ذكره في تذكرة الخواص : ١٤.
10. تاريخ اليعقوبي / أحمد بن أبي يعقوب ٢ : ١٠ ـ ١١ دار صادر.
11. انظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣.
12. انظر تذكرة الخواص : ١٨.
13 و 14. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.
15. أنظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.
16. أنظر : السيرة النبوية / ابن هشام ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٥ ، دار الفكر ، ١٤١٥ هـ.
17. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥.
18. البداية والنهاية ٣ : ١٣.
19. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٥.
20. الصحيح من سيرة النبيِّ الأعظم ٣ : ٢٣٨.
21. الطبقات الكبرىٰ لابن سعد ٨ : ١٧٨.
22. تذكرة الخواص : ١٠.
23 و 24. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤.
25 و 26. تذكرة الخواص : ١٠.
27. سورة الممتحنة : ٦٠.
28. تذكرة الخواص : ١٠.
29. تاريخ اليعقوبي : ١٤.
30. أنظر تذكرة الخواص : ١١.
31. أنظر ترجمته في : أسد الغابة ٤ : ٧٠ ـ ٧٣ ، الطبقات الكبرى ٤ : ٣١ ، سير اعلام النبلاء ١ : ٢١٨ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، تذكرة الخواص : ١١.
32. تذكرة الخواص : ١٢.
33. تذكرة الخواص : ١١.
34. أنظر أُسد الغابة ٤ : ٧١.
35. أنظر في ترجمته : الطبقات الكبرى ٤ : ٢٥ ، أسد الغابة ١ : ٤٢١.
36. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لجعفر : « أشبه خَلقُك خلقي وأشبه خُلُقك خُلقي فأنت منِّي ومن شجرتي » ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرىٰ ٤ : ٢٦.
37 و 38. أُسد الغابة ١ : ٤٢١.
39. أنظر : تذكرة الخواص ١٢ ، بتصرف.
40. أنظر تذكرة الخواص : ١٣ ، بتصرف.
41. أنظر إعلام الورىٰ ١ : ٣٠٦ ، إرشاد المفيد ١ : ٥ ، عليٌّ وليد الكعبة / الأوردبادي : ٣ منشورات مكتبة الرضوي ، كشف الغمَّة / العلَّامة المحقِّق الأربلي ١ : ٥.
42. الإصابة / ابن حجر ٢ : ٥٠٧.
43. كشف الغمَّة ١ : ٥٩.
44. كشف الغمَّة ١ : ٦٠.
45. علي وليد الكعبة / الأوردبادي : ١١ ط النجف الأشرف.
46. علي وليد الكعبة : ٣.
47. أنظر : الطبقات الكبرىٰ ٣ : ١٨ ـ ١٩ ، تذكرة الخواص : ١٧.
48 و 49. تذكرة الخواص : ٣ ـ ٤.
50 و 51. تذكرة الخواص : ٤.
52. نفس المصدر.
53. سير اعلام النبلاء ١ : ٢٩٨.
54. تاريخ الطبري ٢ : ١٢٣ بتصرف.
55. تذكرة الخواص : ٥.
56. أنظر : ارشاد المفيد ١ : ٤٨.
57. للمزيد أنظر : المناقب / الخوارزمي ٤٠ ـ ٤٣ ط مؤسسة النشر الإسلامي.
58. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٤٣ ، ينابيع المودة / القندوزي : ٦٥.
59. الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٢.
60. نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح الخطبة ١٩٢ بتصرف.
مقتبس من كتاب : [ الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ ] / الصفحة : 9 ـ 29
التعلیقات