خصائص أمير المؤمنين الخاصّة
اسلام الموسوي
منذ 7 سنواتخصائصه الخاصّة
لقد تفرَّد عليٌّ عليه السلام بخصائص تستحقّ أن يفرد فيها كتاب لعظمتها وكثرتها ، وإنَّها لتؤلِّف كتاباً جيّداً ، لا تكرار فيه ولا تشابه.
ولقد جرىٰ ، قبل عهود التصنيف ، علىٰ ألسنة الصحابة ، أشياء من ذلك لم تجرِ بحقِّ غيره ، فمنهم من ذكر جملة منها تذكيراً بحقِّه ، وإنكاراً علىٰ أُناس جهلوه أو تجاهلوه ، ومنهم من ذكر له خصالاً يتمنّىٰ لو كانت له واحدة منها ، وبعض هذا الذي ورد علىٰ ألسنة الصحابة سنجعله مدخلاً لهذا الفصل ، لننتقل بعده إلىٰ فضائل وخصائص مفردة :
١ ـ تمنّى عمر بن الخطَّاب لنفسه واحدة من خصال ثلاث اجتمعن في عليٍّ عليه السلام ، فقال : لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي خصلة منها أحبُّ إليَّ من أن أُعطىٰ حُمر النعم !
قيل : وما هنَّ يا أمير المؤمنين ؟
قال : تزوُّجه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسكناه المسجد مع رسول الله ، يحلُّ له فيه ما يحلُّ له ، والراية يوم خيبر (1).
٢ ـ وسعد بن أبي وقَّاص يتمنَّىٰ لنفسه واحدة من ثلاث أُخر اجتمعن في عليٍّ عليه السلام ويردُّ بها علىٰ معاوية اللعين ، وهو يراوده علىٰ سبِّ أمير المؤمنين عليه السلام !
قال معاوية لسعد : ما يمنعك أن تسبَّ ابن أبي طالب ؟
قال سعد : لا أسبُّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حُمر النعم !
قال معاوية : ما هنَّ يا أبا إسحاق ؟
قال : لا أسبُّه ما ذكرت حين نزل عليه الوحى ؛ فأخذ عليَّاً وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ، ثُمَّ قال : « ربِّ إنَّ هؤلاء أهل بيتي ».
ولا أسبُّه ما ذكرت حين خلَّفه في غزوة تبوك ، غزاها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال له علي : « خلَّفتني علىٰ الصبيان والنساء ! » ، قال : « ألا ترضىٰ أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ ؟ إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي ».
ولا أسبُّه ما ذكرت يوم خيبر ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لأُعطينَّ هذه الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويفتح الله علىٰ يديه » ، فتطاولنا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : « أين عليٌّ » ؟ قالوا : هو أرمد.
فقال : « ادعوه » فدعوه ، فمسح عينيه بريقه ، ثُمَّ أعطاه الراية ففتح الله عليه (2).
٣ ـ وسعد أيضاً يذكر ثلاث خصال أُخر لعليٍّ عليه السلام يتمنَّىٰ إحداهنَّ ، ويشهد منهنّ بفضل عليٍّ وحقِّه ، رغم أنَّه قد تخلَّف عنه في حروبه ..
قيل لسعد : إنَّ عليَّاً يقع فيك أنَّك تخلَّفت عنه.
فقال سعد : والله إنَّه لرأي رأيته ، وأخطأ رأيي ! إنَّ عليَّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً لأن أكون أُعطيت إحداهنَّ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها :
لقد قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خُمٍّ ، بعد حمد الله والثناء عليه : « هل تعلمون أنِّي أولىٰ بالمؤمنين ؟ » قلنا : نعم. قال : « اللَّهمَّ من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، والِ من والاه وعادِ من عاداه ».
وجيء به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر ، فقال : « يا رسول الله إنِّي أرمد ». فتفل في عينيه ودعا له فلم يرمد حتّىٰ قُتل ، وفتح عليه خيبر.
وأخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمَّه العبَّاس وغيره من المسجد ، فقال له العبَّاس : تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك ، وتسكن عليَّاً ؟!
فقال : « ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكنَّ الله أخرجكم وأسكنه » (3).
٤ ـ وعبدالله بن عبَّاس ، في حديث أكثر جمعاً ، يردُّ علىٰ نفر ينتقصون من عليٍّ عليه السلام في أيَّام معاوية ، فيقول : أُفٍّ ، وتُفٍّ !! وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره !
ثُمَّ ينطلق ابن عبَّاس يذكر نماذج من هذه الفضائل ، فيبدأ بحديث راية خيبر ، ثُمَّ يقول : ثُمَّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلاناً بسورة التوبة ، فبعث عليَّاً خلفه فأخذها منه ، وقال : « لا يذهب بها إلَّا رجل هو منِّي وأنا منه ». ثُمَّ يذكر قول النبيِّ له : « أنت وليِّي في الدنيا والآخرة » .. وأنَّ عليَّاً أوّل من آمن .. وحديث الكساء وآية التطهير .. وحديث مبيت عليٍّ في فراش النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الهجرة .. وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أما ترضىٰ أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلَّا أنَّه ليس بعدي نبي ، إنَّه لا ينبغي أن أذهب إلَّا وأنت خليفتي » .. وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي ومؤمنة » .. وحديث سدِّ الأبواب إلَّا باب عليٍّ ، وحديث الغدير : « من كنت مولاه ... » الحديث (4).
ونظائر هذا ممَّا ورد علىٰ ألسنة الصحابة فيه عليه السلام كثير وكثير ، نكتفي بهذا القدر منه ، لننتقل إلىٰ إفراد بعض خصائصه عليه السلام ، ممَّا نزل فيه من القرآن الكريم ، وممَّا جاء فيه في الحديث الشريف :
أوّلاً : في القرآن الكريم :
١ ـ نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
عليٌّ أحد المدعوين في مباهلة وفد نصارىٰ نجران ، إذ قال عزَّ من قائل : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (5) ، أولئك هم الذين اصطفاهم الله وانتخبهم رسول الله : عليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام ، بهم خلَّد التأريخ حدثاً عظيماً يعدُّ من احدىٰ معاجز حضرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وأجمع المفسِّرون علىٰ أنَّ المقصود من ( أَنفُسَنَا ) نفس محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونفس عليٍّ عليه السلام (6).
٢ ـ عليٌّ عليه السلام من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخاصَّته :
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام هم المدعوون بأصحاب الكساء الخمسة ، والمشار إليهم بقوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (7).
نزل الروح الأمين بهذه الآية المباركة ، حينما جلَّل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً : بكساءٍ حبري ، وغشَّاهم به ، ثُمَّ أخرج يديه المباركتين فألوىٰ بهما إلىٰ السماء ، ثُمَّ قال : « اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً » (8).
٣ ـ القرآن الكريم يأمر بالصلاة علىٰ آل بيت النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
ولمَّا كان الإمام عليٌّ عليه السلام من أهل بيت محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم فله شأن في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (9) وممَّا لاريب فيه كانت هذه « الصلاة » من الواجبات في حال التشهّد ؛ لما ثبت بالتواتر حينما سألوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : كيف نصلِّي عليك يا رسول الله ؟
فقال : « قولوا : اللَّهمَّ صلِّ علىٰ محمّدٍ وآل محمّدٍ ، كما صلَّيت علىٰ إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك علىٰ محمّدٍ وآل محمّدٍ كما باركت علىٰ إبراهيم وآل إبراهيم (10) ».
وفي هذا الشأن أنشد الشافعي أبياته الشهيرة :
يا أهل بيت رسول الله حبُّكمُ |
فرضٌ من الله في القرآن أنزله |
|
كفاكمُ من عظيم الشأن أنَّكمُ |
مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاة له (11) |
٤ ـ علي عليه السلام يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله :
تخلَّف عليٌّ عليه السلام يوم الهجرة ليبيت في فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويصرف الأعداء عنه ، ويؤدِّي الأمانات إلىٰ أهلها ، حتّىٰ تكتمل رسالة الإسلام المحمَّدية ، فنزل فيه قوله تعالىٰ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (12).
٥ ـ عليٌّ عليه السلام وسورة الدهر :
لم يختلف أهل التفسير علىٰ أنَّ سورة « الإنسان » أو « هل أتىٰ » نزلت خاصَّةً في عليٍّ وأهل بيته عليهم السلام (13) ، في قصَّة التصدُّق علىٰ المسكين واليتيم والأسير ، ( فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ... إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) (14).
٦ ـ في بيوت أذن الله أن ترفع :
لمَّا تلىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله تعالىٰ : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) (15) ، قيل له : أيّ بيوت هذه ؟!
قال عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام : « بيوت الأنبياء » ، ثُمَّ قيل له : هذا البيت منها ـ إشارة إلىٰ بيت عليٍّ وفاطمة عليهما السلام ـ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « نعم ، من أفاضلها » (16).
٧ ـ بعليٍّ كفىٰ الله المؤمنين القتال :
في استبساله يوم وقعة الأحزاب قيل : إنَّ الآية المباركة : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) (17) نزلت في الإمام عليٍّ عليه السلام. حتّىٰ أنَّ ابن مسعود كان يقرأ الآية : ( وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) بعليٍّ بن أبي طالب (18).
٨ ـ ليس أفضل من إيمان عليٍّ عليه السلام وجهاده في سبيل الله :
والآية الكريمة تشهد بجهاد عليٍّ وبطولاته : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (19) ، عند تفاخر « العبَّاس وطلحة » بالسقاية وسدانة الكعبة (20).
ثانياً : في الحديث الشريف :
١ ـ أوَّلهم إسلاماً :
ومَنْ أصدق من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ قال لعليٍّ : « أنت أوَّل مَنْ آمن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدِّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين » (21).
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « السُّبَّق ثلاثة : السابق إلىٰ موسىٰ : يوشع بن نون ، والسابق إلىٰ عيسىٰ : صاحب ياسين ، والسابق إلىٰ محمَّدٍ : عليُّ بن أبي طالب » (22).
وحينما اختصَّه بمصاهرته في فاطمة سيِّدة النساء ، قال لها : « لقد زوَّجتك أعظمهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً » (23).
لو لم تكن لعليٍّ عليه السلام سوىٰ هذه الخصال لكفاه ذلك فخراً ، وفضلاً ، وعزَّاً علىٰ غيره من العالمين !
٢ ـ أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دون غيره :
من يجهل حديث المؤاخاة ، وقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا أخوك وأنت أخي » (24) ؟! فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأخِّره حينما آخىٰ بين المهاجرين والأنصار إلَّا لنفسه ، ليكون أخاه ووارثه ، يرث منه ما ورّثت الأنبياء من قبله .. فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي لم يكن له خطير ولا نظير من العباد وعليُّ بن أبي طالب أخوان في الدنيا والآخرة ( إخْوَاناً علىٰ سُرُرٍ مُتَقابِلِين ) (25).
٣ ـ وأحبُّ الخلق إلىٰ الله :
ذات ليلة أُهدي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طير مشوي ، فلم تطب نفسه أن يأكله لوحده ، فدعا ربَّه قائلاً : « اللَّهمّ .. ائتني بأحبِّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير » كان يتمنَّىٰ أن يأكل معه أحبُّ الخلق إلىٰ الله عزَّ وجلَّ لتتمَّ البركة ويعمَّ الفضل ، وإذا طارق يحوم حول الباب ، وكان هناك من يمنعه ، يرجع ويعود يطرق الباب ، حتّىٰ أذن له في الثالثة أو الرابعة ، وإذا به عليُّ بن أبي طالب ، ولمَّا رآه رسول الله قال : « ما حبسك عنِّي » ؟! قال عليه السلام : « والذي بعثك بالحقِّ نبيَّاً إنِّي لأضربُ الباب ثلاث مرَّات ويردَّني أنس » (26).
هكذا التقىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع أحبِّ الخلق إليه والىٰ الله علىٰ مائدة النور.
٤ ـ إلَّا باب عليٍّ :
لمّا كان لنفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبواب شارعة في المسجد النبوي الشريف ، أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بسدِّ الأبواب إلَّا باب عليٍّ عليه السلام فتكلَّم الناس في ذلك ، فلمَّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قولهم ، قام وخطب فيهم فقال : « أمَّا بعد .. فإنِّي أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب إلَّا باب عليٍّ ، وقال فيه قائلكم ، والله ما سددته ولا فتحته ، ولكنِّي أُمرتُ فاتبعته » (27).
ومثله حديث « المناجاة » يوم الطائف ، حيث قال الناس : لقد أطال نجواه مع ابن عمِّه ! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ما أنا انتجيته ، ولكنَّ الله انتجاه » (28).
٥ ـ الذائد عن الحوض :
إنَّه صاحب حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم القيامة ، يثبته قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « كأنِّي أنظر إلىٰ تدافع مناكب أُمَّتي علىٰ الحوض ، فيقول الوارد للصادر : هل شربت ؟ فيقول : نعم ، والله لقد شربت ، ويقول بعضهم : لا والله ما شربت فيا طول عطشاه » (29).
وقال لعليٍّ عليه السلام : « والذي نبَّأ محمَّداً وأكرمه ، إنَّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً ، كما يذاد البعير الصادي عن الماء ، بيدك عصا من عوسج كأنِّي أنظر إلىٰ مقامك من حوضي » (30).
وفي رواية عن عليٍّ عليه السلام قال : « والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ، لأقمعنَّ بيدي هاتين عن الحوض أعداءنا ، ولأوردنَّ أحبَّاءنا » (31).
٦ ـ ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ) (32) :
خصَّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دون غيره بساعة من السحر ، يأتيه فيها كلَّ ليلة ، يطرق الباب ـ وذلك عند نزول الآية ـ ويقول : « الصلاة ، رحمكم الله ، إنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً » (33).
٧ ـ علي عليه السلام يبلِّغ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأمرٍ من السماء :
لمَّا بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر بتبليغ سورة براءة أميراً علىٰ الحج .. بعث خلفه عليَّاً عليه السلام ليأخذها منه ! فيعود أبو بكر ويسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أحدث فيَّ شيء ، يا رسول الله ؟ فيقول صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا ، ولكنِّي أُمرت ألَّا يبلِّغ عنِّي إلَّا أنا أو رجل منِّي » (34).
٨ ـ كرَّار وليس بفرَّار :
تقدّمت قصّة خيبر ، ورجوع صاحب الراية الأوّل ، ثم الثاني يجبّن أصحابه ويجبّنونه.
وإذا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقسم ـ والرواية عن عليٍّ عليه السلام ـ ويقول : « والذي نفسي بيده ، لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه الله ورسوله ، كرّاراً ليس بفرَّار ، يفتح الله علىٰ يديه ، فأرسل إليَّ وأنا أرمد ؛ فتفل في عينيَّ وقال : اللَّهمَّ اكفه أذىٰ الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرَّاً بعدُ ولا برداً » (35).
هذه بعض الخصائص التي ذكرها أهل المناقب والسير ، في حقِّ أخي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ووصيِّه ، ووزيره ، وأمينه ، وخليفته من بعده علىٰ أُمَّته فلولاه « لم تثبت الملَّة ، ولا استقرت الشريعة ، ولا ظهرت الدعوة ، فهو عليه السلام ناصر الإسلام ووزير الداعي إليه ، من قبل الله عزَّ وجلَّ ، وبضمانه لنبيِّ الهدىٰ عليه السلام النصرة ، تمَّ له في النبوَّة ما أراد ، وفي ذلك من الفضل ما لا توازنه الجبال فضلاً ، ولا تعادله الفضائل كلُّها محلَّاً وقدراً » (36).
الهوامش
1. المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ : ١٣٥ / ٤٦٣٢.
2. المستدرك ٣ : ١١٧ / ٤٥٧٥.
3. المستدرك ٣ : ١٢٦ / ٤٦٠١.
4. مسند أحمد ١ : ٣٣١ ، المستدرك ٣ : ١٤٣ / ٤٦٥٢.
5. سورة آل عمران : ٦١.
6. انظر : معالم التنزيل البغوي ١ : ٤٨٠ ، الكشَّاف / الزمخشري ١ : ٣٧٠ ، أسباب النزول / الواحدي : ٧٤ ـ ٧٥ ، دار ومكتبة الهلال بيروت ١٩٩١ م ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣٢ ـ ٢٤٠٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ / ٣٧٢٤ ، سير أعلام النبلاء ـ سيرة الخلفاء الراشدين ـ : ٢٣٠.
7. سورة الأحزاب : ٣٣.
8. من مصادر حديث الكساء : تفسير الرازي ٨ : ٨٠ ، أسباب النزول : ٢٥٢ ، مسند أحمد ٤ : ١٠٧ و ٦ : ٢٩٢ ، ٣٠٤ ، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤ ، مصابيح السُنَّة ٤ : ١٨٣ / ٤٧٩٦ ، المستدرك ٢ ؛ ٤١٦ و ٣ : ١٤٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٨٣ ، الصواعق المحرقة ، باب ١١ الفصل١ : ١٤٣ ، الخصائص : ٤ ، شواهد التنزيل ٢ : ٩٢ / ٦٣٧ ـ ٧٧٤ ، أُسد الغابة ٤ : ٢٩ ، الخصائص الكبرىٰ للسيوطي ٢ : ٤٦٤ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٧ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩ : ٦١ / ٦٩٣٧.
9. سورة الأحزاب : ٥٦.
10. صحيح البخاري ٦ : ٢١٧ / ٢٩١ ، الترمذي ٥ : ٣٥٩ / ٣٢٢.
11. الصواعق المحرقة باب ١١ فصل ١ : ١٤٨.
12. سورة البقرة : ٢٠٧ ، وانظر التفسير الكبير ٥ : ٢٠٤.
13. أنظر : الكشَّاف ٤ : ٦٧٠ ، تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٣ ، فتح الباري / الشوكاني ٥ : ٣٤٩ ، روح المعاني ٢٩ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، معالم التنزيل ٥ : ٤٩٨ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٧٣ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٥٥٢ ، تفسير النسفي ٣ : ٦٢٨ ، أسباب النزول : ٣٢٢.
14. سورة الإنسان : ١١ و ٢٢.
15. سورة النور : ٣٦.
16. الدرُّ المنثور ، عند تفسير الآية ، وقال : أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة ، وذكره الحاكم في شواهد التنزيل : من سورة النور / ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ، والآلوسي في روح المعاني ١٨ : ١٧٤.
17. سورة الأحزاب : ٢٥.
18. أنظر : دلائل الصدق ٢ : ١٧٤ ، ما نزل من القرآن في عليٍّ / أبو نعيم : ١٧٢ ، تحقيق المحمودي.
19. سورة التوبة : ١٩ ـ ٢٠.
20. أنظر أصحاب التفاسير المعتمدة كالطبري والبغوي والقرطبي وابن الجوزي والرازي والخازن ، عند تفسير الآيات من سورة التوبة.
21. إرشاد المفيد ١ : ٣١ ـ ٣٢ ، إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٦ ، أنساب الأشراف ٢ : ١١٨ / ٧٤ ، وكذا نقله المجلسي في البحار ٣٨ : ٢٢٧ / ٣٣.
22. الصواعق المحرقة باب ٩ فصل ٢ / ٢٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٢ ، كنز العمَّال ١١ / ٣٢٨٩٦ ، الرياض النضرة ٣ : ١١٠ ، ذخائر العقبىٰ : ٥٨ ، المناقب للخوارزمي : ٢٠ ، شواهد التنزيل ٢ : ٢١٣ / ٩٢٤ ـ ٩٣١.
23. مسند أحمد ٥ : ٢٦ ، سير أعلام النبلاء ـ سير الخلفاء الراشدين ـ : ٣٢٠.
24. سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢٠ ، مصابيح السُنَّة ٤ : ١٧٣ / ٤٧٦٩ ، المستدرك ٣ : ١٤ ، ورواه غيرهم بنصوص أُخرىٰ انظر : مسند أحمد ١ : ٢٣٠ ، سيرة ابن هشام ٢ : ١٠٩ ، الطبقات الكبرىٰ ٣ : ٢٢ ، السيرة النبوية ابن حبان : ١٤٩ ، شرح نهج البلاغة ٦ : ١٦٧ ، جامع الأصول ٩ : ٤٦٨ / ٦٤٧٥ ، كنز العمَّال ١١ / ٣٢٨٧٩ ، عيون الأثر ١ : ٢٦٥ ، الروض الأُنف ٤ : ٢٤٤. أُسد الغابة ٢ : ٢٢١ و ٤ : ١٦ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٤٨ ، تاريخ الخلفاء : ١٣٥.
25. سورة الحجر : ٤٧.
26. أنظر قصَّة الطائر المشوي بالمصادر التالية : سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢١ ، الخصائص للنسائي : ٥ ، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل ٢ : ٥٦٠ / ٩٤٥ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ : ١٣٠ ـ ١٣٢ ، مصابيح السُنَّة ٤ : ١٧٣ / ٤٧٧٠ ، أُسد الغابة ٤ : ٣٠ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٦٣ ، جامع الأصول ٩ : ٤٧١ ، الرياض النضرة ٣ : ١١٤ ـ ١١٥ ، وقال الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين : ٤٦ : أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين إسناداً ، تذكرة الحفَّاظ : ١٠٤٣.
27. سنن الترمذي ٥ : ٦٤١ / ٢٧٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٣١ ، فضائل الصحابة ٢ : ٥٨١ / ٩٨٥ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٧ : ١٣ ، المستدرك ٣ : ١٢٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ ـ ١١٥ ، الرياض النضرة ٣ : ١٥٨ ، الخصائص للنسائي : ١٣ ، الإصابة ٤ : ٢٧٠ ، جامع الأصول ٩ : ٤٧٥ / ٦٤٩٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٧٤ و ٣٧٩ ، الخصائص بتخريج الأثري ح / ٢٣ ، ٤١.
28. سنن الترمذي ٥ : ٦٣٩ / ٣٧٢٦ ، مصابيح السُنَّة ٤ : ١٧٥ / ٤٧٧٣ ، جامع الأصول ٩ / ٦٤٩٣ ، تذكرة الخواص : ٤٢ ، مناقب الخوارزمي : ٨٢ شرح نهج البلاغة ٩ : ١٧٣ / ٢١ ، الرياض النضرة ٣ : ١٧٠ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٦٩.
29. إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٩ : ٢١٦ / ٦.
30. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦٣ ، مناقب الخوارزمي : ٦٠.
31. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦٢.
32. سورة طه : ١٣٢.
33. تفسير القرطبي ١١ : ١٧٤ ، تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٧ ، روح المعاني ١٦ : ٢٤٨ ، وانظر الخصائص بتخريج الأثري ح / ١١٢ ، ١١٣ ، وخرَّجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة من وجوه.
34. مسند أحمد ١ : ٣ ، ٣٣١ و ٣ : ٢١٢ ، ٢٣٨ و ٤ : ١٦٤ ، ١٦٥ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٩٨.
35. خصائص النسائي : ٣٩ / ١٤ و١٥٩ / ١٥١ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢٢ ، إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ ، مسند أحمد ١ : ٩٩ و ١٣٣ ، مستدرك الحاكم ٣ : ٣٧ ، وانظر فرائد السمطين ١ : ٢٥٣ / ١٩٦ و ٢٦١ / ٢٠١.
36. إرشاد المفيد ١ : ٥٠ ـ ٥١.
مقتبس من كتاب : [ الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ ] / الصفحة : 114 ـ 126
التعلیقات