الباب الذي أوجب الله على المسلمين الدخول منه
محمّد گوزل الحسن الآمدي
منذ 5 سنواتالباب الذي أوجب الله على المسلمين الدخول منه
وكنت أفكر في قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب ».
وقد ورد هذا الحديث بهذا اللفظ عن كلّ من : علي عليه السلام وعبد الله بن عبّاس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر بطرق كثيرة ، وقد اعترف المحدّثون بصحّة بعض الطرق الواردة عن الثلاثة الأُول.
وجاء في رواية جابر : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي : « هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ـ يمدّ بها صوته ـ أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».
وأخرجه الحاكم النيسابوري عن ابن عبّاس وجابر ، وذكر صدر رواية جابر في موضع وذيلها في موضع آخر ، واعترف بصحّته.
وأخرجه ابن عدي عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله.
وأورده المتّقي الهندي في عدّة مواضع من كنزه ذاكراً اعتراف ابن جرير وابن معين والحاكم بصحّته ، ثمّ قال : قال الحافظ صلاح الدين العلائي : قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره ، ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع ، دفعاً بالصدر.
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا دار الحكمة وعلي بابها ـ أو أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ـ ومن أراد فليأت الباب ».
وأفرد أحمد بن محمّد المغربي حول هذا الحديث كتاباً مستقلا باسم : « فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي ». وذكر الحديث بطرق كثيرة ، وردّ على من طعن فيه ، فقال في موضع منه : وأمّا الذهبي فلا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام ، فإنّه ـ سامحه الله ـ كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدّة أتلفت شعوره ، وغضبٌ أذهب وجدانه حتّى لا يدري ما يقول ، وربما سبّ ولعن من روى فضائل علي عليه السلام ، كما وقع منه في غير موضع من « الميزان » و « طبقات الحفاظ » تحت ستارة أن الحديث موضوع ، ولكنّه لا يفعل ذلك فيمن يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه ، ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضى منه العجب من الذهبي رحمه الله تعالى وسترنا بمنّه آمي .
ثمّ استمرّ في مناقشة كلام الذهبي ، فمن أراد فليراجع (1).
والحديث المروي عن كلّ من أمير المؤمنين عليه السلام وجعفر بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وابن عبّاس وأبي رافع وبريدة ووهب وغيرهم حول قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ).
قال السيوطي : أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن البخاري عن بريدة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي : « إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي » ، فنزلت هذه الآية : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ).
وأخرجه الحسكاني بعدّة طرق في شواهده.
وقريب من هذا ما روي عن أبي رافع وابن عبّاس ووهب وبعض الطرق المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي رواية واردة عنه عليه السلام : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « يا علي إنّ الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك ، وأعلّمك لتعي ، وأنزلت عليَّ هذه الآية : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ، فأنت الأذن الواعية لعلمي ، وأنا المدينة وأنت الباب ، ولا يُؤتى المدينة إلّا من بابها ».
وقال الصالحي الشامي : وروى سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول ، وسعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عنه عن علي ، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة ، وأبو نعيم من طريق آخر عن علي في قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) .. ثم ذكر الحديث كما تقدّم (2).
والحديث المروي عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي عليه السلام : « يا علي أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي » (3).
والحديث المروي عن أبي ذر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « علي باب علمي ومبيّن لأمَّتي ما أُرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة » (4).
وقول أمير المؤمنين عليه السلام : علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألف باب من العلم ، واستنبطت من كلّ باب ألف باب.
وفي رواية : كلّ باب يفتح ألف باب.
وفي رواية أخرى : فتشعب لي من كلّ باب ألف باب.
وفي رواية عن ابن عبّاس : علّمه ألف ألف كلمة كلّ كلمة تفتح ألف كلمة.
ذكر فخر الدين الرازي هذا الحديث في تفسيره الكبير ثمّ قال : فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (5).
وقوله عليه السلام : سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلّا أخبرتكم به. وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل ... (6).
وكنت أقول في نفسي : إنّ علمائنا لم يدخلوا المدينة من بابها ولم يأخذوا الحكمة من أهلها ، فلماذا لم يوجد في كتب أهل السنّة من هذا العلم إلّا شيء يسير ؟!
وإذا قابلنا بين ما روى محدّثو أهل السنّة عنه وبين ما رووا عن غيره ممّن لم يُسلِموا إلّا في أواخر عهد الرسالة أمثال أبي هريرة ، وجدنا فرقاً عظيماً.
فهذا محمّد بن إسماعيل البخاري الذي نعدّ كتابه أصحّ الكتب بعد كتاب الله ! قد روى فيه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام تسعة وعشرين حديثاً ، وروى عن أبي هريرة أربعمائة وستّة وأربعين حديثاً.
وذاك مسلم القشيري روى عن الامام عليه السلام ثمانية وستّين حديثاً مع الأحاديث المتكرّرة عنه في صحيحه ، وروى عن أبي هريرة ألفاً وخمسين حديثاً كذلك (7).
بل وصلتْ نتيجةُ عدم الاهتمام بهذا الشخص الذي أُمِرْنا باتّباعه وأخذ العلم والدين منه إلى الجهل بمحل دفنه ومرقده المقدّس.
الهوامش
1. حلية الأولياء : 1 / 63 ـ 64 ، سنن الترمذي : 5 / 402 ح : 3744 ، المستدرك : 3 / 126 ـ 127 و 129 ، مصابيح السنة : 2 / 451 ح : 2687 ب : 31 من كتاب الفتن ، المناقب للخوارزمي / 83 ، 200 ح : 69 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي 80 ـ 87 ح : 120 ـ 129 ، كنز العمال : 13 / 147 و 148 و 149 ح : 36462 و 36463 و 36464 و 11 / 600 و 614 ح : 32889 و 32890 و 32978 و 32979 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي / 52 ، تاريخ بغداد : 2 / 377 م : 4887 / 348 م : 2186 و 7 / 173 م : 3613 و 11 / 48 ـ 50 م : 5728 و 204 و 205 م : 5908 ، منتخب الكنز : 5 / 30 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن أخي تبوك / 427 ح : 2 ، الرياض النضرة : 3 / 159 ، ذخائر العقبى / 141 ، فردوس الأخبار : 1 / 76 ح : 108 و 109 و 111 ، المعجم الكبير : 11 / 55 ح : 11061 ، مجمع الزوائد : 9 / 114 ، لسان الميزان : 2 / 123 م : 513 و 1 / 197 م : 620 ، الفصول المهمة / 36 ، الصواعق المحرقة / 122 ، ميزان الاعتدال : 1 / 109 و 110 م : 429 ، كلام المغربي المذكور في فتح الملك العلي / 98 ـ 99 ، المؤتلف والمختلف : 2 / 625 ، كفاية الطالب / 102 ـ 103 و 192 ـ 193 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : 11 / 243 م : 1396 ، تاريخ دمشق : 42 / 226 و 378 ـ 383 ، فرائد السمطين : 1 / 98 ـ 99 ح : 67 ، 68 ، سبل الهدى والرشاد : 11 / 292 ، تهذيب الآثار ، مسند علي بن أبي طالب : 4 / 104 ، 105 ، مناقب الأسد الغالب / 31 ، ينابيع المودة / 65 و 71 و 72 و 183 ، الكامل لابن عدي : 1 / 311 و 316 م : 27 و 32 و 3 / 201 م : 474 و 6 / 302 م : 1336 ، مقتل الحسين / 76 ، علل الحديث : 3 / 247 س : 386 ، تهذيب الكمال : 11 / 462 م : 4003 و 13 / 303 م : 4673 وحكى فيه تصحيح ابن معين للحديث ، الاستيعاب : 3 / 205 في ترجمة علي عليه السلام ، الشريعة : 3 / 232.
2. الدرّ المنثور : 8 / 267 حول آية : 12 من سورة الحاقة ، حلية العلماء : 1 / 67 ، شواهد التنزيل : 2 / 363 ـ 377 ح : 1008 ـ 1027 ، مجمع الزوائد : 1 / 131 ، كنز العمال : 13 / 135 ـ 136 و 177 ح : 36426 و 36525 ، مختصر تاريخ دمشق : 20 / 250 ، المناقب للخوارزمي / 282 ح : 276 و 277 ، كفاية الطالب / 94 ـ 95 ، سبل الهدى والرشاد : 11 / 289 ، تاريخ دمشق : 42 / 361 ، فرائد السمطين : 1 / 200 ح : 156 ب : 40 ، البحر الزخار : 6 / 211 ح : 2252 و 9 / 324 ـ 325 ح : 3878 ، الشريعة للآجري : 3 / 259 ـ 260 ح : 1644.
3. منتخب كنز العمال : 5 / 33 ، المستدرك : 3 / 122 ، تاريخ دمشق : 42 / 387 ، المناقب للخوارزمي / 329 ح : 346 ، كنز العمال : 11 / 615 ح : 32983.
4. كنز العمال : 11 / 614 ح : 32981.
5. مفاتيح الغيب تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا ) آية : 33 من سورة آل عمران : 8 / 23 ، فتح الملك العلي / 19 ، كنز العمال : 13 / 164 و 165 ح : 36420 و 36500 ، فرائد السمطين : 1 / 101 ح : 70 ، ينابيع المودة / 77 ـ 78 ب : 14.
6. الاصابة في تمييز الصحابة : 4 / 467 م : 5704 ، الاستيعاب : 3 / 208 في ترجمة علي عليه السلام ، فتح الملك العلي / 37 ـ 38 ، جواهر المطالب : 1 / 204 ، جامع المسانيد والسنن : 19 / 16 ، تاريخ دمشق : 42 / 397 ـ 400 ، أنساب الأشراف : 2 / 351 ، كفاية الطالب / 181 ، ينابيع المودّة / 74 ب : 14 ، درر السمطين / 126.
7. هدى الساري مقدمة فتح الباري / 660 و 661 ، الفهارس لصحيح مسلم بشرح النووي / 396 ـ 422 و 500 و 501.
مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 49 ـ 54
التعلیقات