هؤلاء الذين زاروا القبور
السيّد فاروق الموسوي
منذ 5 سنواتهؤلاء الذين زاروا القبور
قال الواقدي :
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يزور قتلى اُحدٍ في كلّ حول ، وإذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول :
« السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ».
وكان أبوبكر يفعل مثل ذلك ، وكذلك عمر بن الخطاب ؛ ثمّ عثمان ، ثمّ معاوية ؛ حين يمرّ حاجّاً ومعتمراً.
قال :
وكانت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله تأتيهم بين اليومين والثلاثة فتبكي عندهم وتدعو.
وكان سعد بن أبي وقاص يذهب إلى ماله بالغابة ، فيأتي من خلف قبور الشهداء فيقول : السلام عليكم ثلاثاً ، ويقول : لا يُسلِّم عليهم أحد إلّا ردّوا عليه السلام إلى يوم القيامة.
قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على قبر مصعب بن عمير ، فوقف عليه ، ودعا وقرأ : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ، ثمّ قال :
« إنّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فائتوهم فزوروهم وسلّموا عليهم ، والذي نفسي بيده لا يُسلِّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه ».
وكان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو ويقرأ ويقول مثل ذلك.
وكانت اُمّ سلمة ـ رحمها الله ـ ، تذهب فتُسلِّم عليهم في كلّ شهر ، فتظلّ يومها ، فجاءت يوماً ومعها غلامها نبهان فلم يُسلِّم ، فقالت : أيّ لُكع ! ألا تُسلّم عليهم ؟! والله لا يسلم عليهم أحد إلّا ردّوا عليه إلى يوم القيامة.
قال : وكان أبو هريرة وعبدالله بن عمر يذهبان فيُسلِّمان عليهم.
قالت فاطمة الخزاعيّة : سلّمت على قبر حمزة يوماً ومعي اُخت لي ، فسمعنا من القبر قائلاً يقول : وعليكما السلام ورحمة الله ! قالت : ولم يكن قربنا أحد من الناس (1).
الحمد لله الذي أعثَرَنا على هذا النصّ الجليل ، ومن كتب إخواننا أبناء السنّة ، وهو نصّ في غاية الأهمّية والوضوح ، نصّ يحمل أسماء وشخصيّات مرموقة لديكم تزور القبور ، كما نقله الواقدي ، والشخصيّات هي :
1 ـ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يزور القبور.
2 ـ فاطمة الزهراء البتول عليها السلام كانت تزور القبور.
3 ـ علي بن أبي طالب عليه السلام كان يزور القبور.
4 ـ أبوبكر ـ عبدالله بن أبي قحافة ـ كان يزور القبور.
5 ـ عمر بن الخطاب كان يزور القبور.
6 ـ عثمان بن عفّان كان يزور القبور.
7 ـ معاوية بن أبي سفيان كان يزور القبور.
8 ـ سعد بن أبي وقّاص كان يزور القبور.
9 ـ أبو سعيد الخدري كان يزور القبور.
10 ـ اُمّ سلمة ـ اُمّ المومنين ـ كانت تزور القبور.
11 ـ وكما أسلفنا فإنّ عائشة كانت تزور قبر أخيها عبد الرحمن
وتردّ على من يستنكر ، بقولها : « ثمّ أمر ».
12 ـ أبو هريرة كان يزور القبور.
13 ـ عبدالله بن عمر كان يزور القبور.
14 ـ فاطمة الخزاعية واُختها كانتا تزوران القبور.
أمّا :
ابن تيميّة ومحمّد بن عبد الوهاب ، فيظهر لهما أنّهما أكثر ورعاً ممّن ذكرنا ، ولكن ختمت النبوّة بمحمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وآله ، وكأنّهما كانا أكثر تقویً وخشيةً لله تعالى ؛ لأنّهما لا يريان حِلِّية زيارة القبور.
مع ما أمر الرسول صلّى الله عليه وآله بزيارتها : « فائتوهم فزوروهم وسلِّموا عليهم » ، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله نافذ ومطاع ؛ لأنّه لا ينطق عن هوىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (2).
قال تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ... ) (3).
وهذا شأن من آمن بهم من الوهابيّة ، فحاربوا زيارة القبور ، وكفّروا أهل لا إله إلّا الله على زيارتهم للقبور ، وما زالوا ، ..
ولو أحصينا ما جاؤوا به من البدع ، وما أحدثوه في الدين ، وما حذفوه ، لجمعنا منه كتاباً قيماً ، ولكنْ نَذَرُهم في طغيانهم يعمهون ، ليروا ما قدمت أيديهم يوم لا ينفع ولا بنون ...
ونقول لابن تيميّة ومحمّد بن عبد الوهاب ومن تابعهما : لماذا تعصون الله تعالى والرسول الكريم صلّى الله عليه وآله جهراً علناً والله تعالى يقول : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (4).
أليس هذا قول الله تعالى ؟!
ويقول جلَّ وعلا : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ) (5). أليس هذا قول الله تعالى ؟!
أفي هذا مجال للاجتهاد والنظر ؟ وهل بلغ بكم العلم حتّى تفرضوا غير ما فرض الله ؟
وممّا أورده أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في تاريخه قوله :
روى أبو مويهبة مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : أرسل إليَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في جوف الليل ، فقال :
« يا أبا مويهبة ، إنّي قد اُمرت أن أستغفر لأهل البقيع ، فأنطلق معي » ، فإنطلقت معه ، فلمّا وقف بين أظهرهم ، قال :
« السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنِ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه !
أقبلتِ الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شر من الأولى ».
ثمّ أقبل عليَّ ، فقال :
« يا أبا مويهبة إنّي قد اُوهبت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنّة ، فخيّرتُ بينها وبين الجنّة ، فاخترت الجنة » ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلْد فيها والجنّة جميعاً ، فقال :
« لا يا أبا مويهبة ، إخترت لقاء ربّي » ، ثمّ إستغفر لأهل البقيع وإنصرف ، فبدأ بوجعه الذي قبضه الله فيه (6).
تأمّل أخي القارئ العزيز :
الناقل والمنقول عنه ؛ من إخواننا أهل السنّة ، الناقل شارح نهج البلاغة ، والمنقول عنه الطبري ، والنصّ واضح لا يقبل الخطأ ، والعقل والنقل بذلك ناهض إن رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول :
« إنّي قد أمرت لأستغفر لأهل البقيع ، فإنطلق معي ».
فلماذا ينتقص من يزور القبور ، ويستغفر لأهلها من الآباء والأمّهات ، والأنبياء والأوصياء والصلحاء ، ليأخذ العبر ، ويذكر الموت والآخرة ؟!
يا إخوة الإسلام :
إن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، إستغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً ، وأطلبوا العذر والعفو ممّن ظلمتم ، قبل أن تفضحوا في الآخرة على رؤوس الأشهاد !
لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ، قال تعالى :
( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (7).
الهوامش
1. شرح نهج البلاغة : 15 / 40 ـ 41.
2. النجم : 3 و 4.
3. الحشر : 7.
4. الحشر : 7.
5. الأحزاب : 21.
6. شرح نهج البلاغة ، لإبن أبي الحديد : 13 / 27 ، تاريخ الطبري : 2 / 660.
7. القصص / 83.
مقتبس من كتاب : [ نافذة على زيارة القبور ] / الصفحة : 156 ـ 160
التعلیقات