السفراء الأربعة البغداديون
الشيخ علي الكوراني
منذ 5 سنواتالسفراء الأربعة البغداديّون
عاش السفراء الأربعة رضوان الله عليهم في بغداد ودفنوا فيها ، فقد انتقل عثمان بن سعيد العمري بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام إليها ، وفي تلك الفترة ضعف مركز سامراء وانتقل منها الخلفاء إلى بغداد ! ولم يبق منها إلّا مشهد الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام. « معجم البلدان : 3 / 176 ».
ويدلّ حديث أحمد بن الدينوري « دلائل الإمامة / 304 » على أن محمّد بن عثمان العمري رحمه الله كان في بغداد بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام سنة 260 هجريّة.
بل نصَّ حديث وفد قم الذين وصلوا إلى سامراء أيّام وفاة الإمام العسكري عليه السلام « كمال الدين / 478 » : « وأمرنا القائم عليه السلام أن لا نحمل إلى سرّ من رأى بعدها شيئاً من المال ، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ، وتخرج من عنده التوقيعات .. وكنّا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النوّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات ».
وقال الصدوق في كمال الدين / 442 : « ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطّار ، ومن الكوفة : العاصمي. ومن الأهواز : محمّد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان : محمّد بن صالح. ومن أهل الري : السامي ، والأسدي يعني نفسه. ومن آذربيجان : القاسم بن العلا. ومن نيسابور : محمّد بن شاذان النعيمي. ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين ».
السفير الأوّل : عثمان بن سعيد العَمْري قدّس سرّه
عثمان بن سعيد العمري السمَّان الأسدي. كان من شبابه رحمه الله بوّاب الإمام الهادي عليه السلام ووكيله ، ثمّ كان وكيل الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
وقد وثّقه كلاهما صلوات الله عليهما ، ففي غيبة الطوسي / 215 ، عن محمّد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله ، الحسنيين قالا : « دخلنا على أبي محمّد الحسن عليه السلام بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتّى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن .. في حديث طويل يسوقانه ، إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلّا يسيراً حتّى دخل عثمان فقال له سيّدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان ، فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال. ثمّ ساق الحديث إلى أن قالا : ثمّ قلنا بأجمعنا : يا سيّدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك ، وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى. قال : نعم ، واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأن ابنه محمّداً وكيل ابني مهديكم ». وإثبات الهداة : 3 / 511.
وفي الطرائف / 183 : « وكان له عليه السلام وكلاء ظاهرون في غيبته ، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم ، يخبرون عنه بالمعجزات والكرامات ، وجواب أمور المشكلات ، بكثير ممّا ينقله عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الله تعالى من الغائبات منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان من الجانب الغربي ببغداد ».
وتوفّي عثمان بن سعيد قدّس سرّه في بغداد ، وقبره فيها قرب الميدان ، وهو مزار للشيعة ، ولذلك قام الوهابيّون بالإعتداء عليه ، وفجّروا قربه عبوات في هذه الأيّام ، أواخر شهر رمضان سنة 1430 :
http://www.alcauther.com/html/modules.php?name=News&file=article&sid=10392
« نفذ التكفيريّون وأعوانهم البعثيّون تفجيرين بعبوتين ناسفتين ، استهدفتا المرقد الشريف لعثمان بن سعيد العمري سفير الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، وأكّد مصدر أمني مطلع لشبكة نهرين نت أن الإرهابيّين زرعوا عبوتين ناسفتين ، واحدة في المرقد الشريف والأخرى في مرآب قريب من المكان. وأضاف المصدر بأن حصيلة هذين التفجيرين كان استشهاد 3 مواطنين وجرح ثمانية آخرين. والجدير بالذكر أنّ المرقد الشريف للسفير عثمان بن سعيد العمري يقع بالقرب من ساحة الميدان في العاصمة بغداد ، وأن هذا التفجير يأتي ضمن سلسلة تفجيرات تستهدف المراقد المقدّسة من جديد ».
السفير الثاني : محمّد بن عثمان بن سعيد العَمْري قدّس سرّه
روى الطوسي في الغيبة / 368 : « سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول : كان محمّد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه ، له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخصّ به من أبي القاسم بن روح ، حتّى أنّه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لمَّا لم يكن له تلك الخصوصيّة. فلمّا كان وقت مضيِّ أبي جعفر رضي الله عنه وقع الإختيار عليه ، وكانت الوصية إليه ».
وقال العلامة في خلاصة الأقوال / 250 و432 : « محمّد بن عثمان بن سعيد العمري ، بفتح العين ، الأسدي ، يكنّى أبا جعفر ، وأبوه يكنّى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمّد قد حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج ، فسئل عن ذلك فقال : للناس أسباب. ثمّ سئل بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك ، في جمادي الأولى سنة خمس وثلاث مائة ، وقيل سنة أربع وثلاث مائة ، وكان يتولّى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة. فلمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان الوفاة واشتدّت حاله ، حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله محمّد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه الأكابر ، فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا في أموركم إليه ، وعوّلوا في مهمّاتكم عليه ، فبذلك أمرت وقد بلَّغت. ثمّ أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري ، فلمّا حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه. ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاث مائة ».
وكانت وفاة محمّد بن عثمان قدّس سرّه أواخر جمادى الأولى سنة 305 ، وقبره ببغداد في محلّتهم المعروفة باسم الخلاني ، وهو مشهد كبير من معالم بغداد ، يقصده الناس للزيارة والصلاة في مسجده. « تهذيب المقال : 2 / 401 ، ومقدمة علل الشرائع ».
السفير الثالث : أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قدّس سرّه
في غيبة الطوسي / 226 ، عن « محمّد بن همام : إن أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس الله روحه ، جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها ، فقال لنا : إن حدث عليَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرتُ أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعَوِّلوا في أموركم عليه ».
وقال الشيخ الطوسي في الغيبة / 391 : « قال ابن نوح : وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له : كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟ فقال : هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجّة لعلي كنت أدلّ على مكانه ، وأبو القاسم فلو كانت الحجّة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ! أو كما قال ».
وقال جعفر بن متيل رحمه الله كما في كمال الدين / 503 : « لما حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة ، كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال لي : قد أمرت أن أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحوّلت عند رجليه ».
وفي كمال الدين / 519 : « قال الحسين بن علي بن محمّد المعروف بأبي علي البغدادي : ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا من هو ؟ فأخبرها بعض القميّين أنّه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها ، فدخلت عليه وأنا عنده فقالت له : أيّها الشيخ أيّ شيء معي ؟ فقال : ما معك فألقيه في الدجلة ، ثم ائتني حتّى أخبرك ! قال : فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثمّ رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدّس الله روحه فقال أبو القاسم لمملوكة له : أخرجي إليَّ الحُق ، فأخرجت إليه حُقَّةً فقال للمرأة : هذه الحُقّة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة ، أخبرك بما فيها أو تخبريني ؟ فقالت له : بل أخبرني أنت ! فقال : في هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق ! فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً ! ثمّ فتح الحقة فعرض عليَّ ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت : هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغُشِيَ عليَّ وعلى المرأة ، فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة » !
وروى الطوسي في الغيبة / 394 ، عن الصفواني قال : « أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه ، فقام بما كان إلى أبي القاسم ، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكّل بعده ، ولمن يقوم مقامه فلم يُظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن ».
السفير الرابع : أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدّس سرّه
قال العلامة الحلّي في خلاصة الأقوال / 250 ، و432 : « وأوصى أبو القاسم ابن روح إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري ، فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه. والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري .. ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاث مائة ».
وفي كمال الدين : 2 / 516 ، عن الحسن بن أحمد المكتب قال : « كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدّس الله روحه ، فحضرته قبل وفاته بأيّام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم . يا علي بن محمّد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله عزّ وجلّ وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم. قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيّك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه ! ومضى رضي الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه » وغيبة الطوسي / 242 ، وإعلام الورى / 417 ، والإحتجاج : 2 / 478 ، والخرائج : 3 / 1128 ، وغيرها.
أقول : المنفي هو المشاهدة مع ادّعاء السفارة ، بقرينة قوله عليه السلام : « وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة » أمّا المشاهدة بدون ادّعاء سِمَة فهي ممكنة وقد وقعت كثيراً.
مقتبس من كتاب : [ الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد ] / الصفحة : 35 ـ 41
التعلیقات