تواترحديث المنزلة ومنزلته
الشيخ محمد كنعان
منذ سنةتواترحديث المنزِلة ومنزلته
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « يَا عَلِيُّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ».
حديث معروف بحديث المنزلة رواه المسلمون متواتراً ، وهو من الأحاديث المجمع على صدورها وصحّتها ، وان ذكروه بألفاظ مختلفة وطرق متعدّدة ، لكن المؤدّيات تكاد أن تكون واحدة.
امّا ما رواه في الطبقة الأولى من الصحابة :
علي بن أبي طالب عليه السلام ، عبد الله بن عبّاس ، جابر بن عبد الله الأنصاري ، عبد الله بن مسعود ، سعد بن أبي وقّاص ، عمر بن الخطّاب ، أبو سعيد الخدري ، البراء بن عازب ، جابر بن سمرة ، أبو هريرة ، مالك بن الحويرث ، زيد بن أرقم ، أبو رافع ، حذيفة بن أسيد ، أنس بن مالك ، عبد الله بن أبي أوفى ، أبو أيّوب الأنصاري ، عقيل بن أبي طالب ، حبشي بن جنادة ، معاوية بن أبي سفيان ، أم المؤمنين أم سلمة ، أسماء بنت عميس.
وقال على أثر ذلك ابن عبد البر في الأستيعاب : وهو من أَثبت الآثار وأَصحَّها. (1)
وذكر الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، حيث يقول : وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي. (2)
ويقول عنه الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حد التواتر. (3)
وعدّه من المتواتر أيضاً الحافط السيوطي في كتابه « الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة » (4).
وكذلك تبعه الشيخ علي المتقي في كتابه « قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» (5).
وأيضاً ممّن اعترف بتواتره الدهلوي في كتابه « إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء » (6).
وأغرب ما نجد في رواية هذا الحديث ما أورده ابن عساكر في « تاريخ دمشق » ، وتبعه في النقل ابن حجر في « الصواعق المحرقة » :
جاء رجل إلى مُعَاويَة فسأله عن مسألة ، فقال : سَلْ عنها عَلي بن أَبي طالب ، فهو أعلم ، فقال : أريد جوابك يا أمير المؤمنين فيها ، فقال : ويحك ، لقد كرهت رجلاً كان رَسُول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً ، ولقد قال له : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه لا نبي بعدي » ، ولقد كان عُمَر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه ، وكان إذا أشكل على عُمَر شيء قال : ها هنا علي ؟ قُم ، لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمَهُ من الديوان. (7)
ولا ينقطع العجب ممّن يروي هذا الحديث أن يجرّد السيوف والرماح لقتل هارون هذه الأمّة وأعلمها وأفقهها ، والذي غرّه النبيّ صلّى الله عليه وآله بالعلم غرّاً ، لكنّ الدنيا تجرّ على الأباة وتصفو للطغاة.
بعد كلّ هذا يجب أن نبحث في حقيقة منزلة هارون من موسى عليهما السلام لنعلم منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله.
المنزلة الأولى : النبوّة
قال الله تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ) (8).
والنبوّة ممنوعة عن علي عليه السلام وغيره بالنصوص القرآنيّة والنصوص الواردة في السنّة الشريفة ، ومنها حديث المنزلة الذي يصرّح فيه النبي صلّى الله عليه وآله بأنّه لا نبي بعده بألفاظ متعدّدة.
إذن هذا الجزء من المنزلة لا يدعيه أحد ، يعني النبوّة وهو خارج عن موضوع النقاش وموضع إجماع لدى المسلمين جميعاً.
المنزلة الثانية : الوزارة
قال الله تعالى : ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ) (9).
وفي آية أخرى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ) (10).
وفي آية ثالثة : ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ) (11).
وهذه المنزلة أي منزلة الوزارة ثابثة لعلي عليه السلام بهذا الحديث قطعاً ويعضده أحاديث أخرى ، أذكر منها على سبيل المثال لا على الحصر ، ما ذكره البغوي في تفسيره عن حادثة يوم الدار بعد نزول آية : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (12) :
فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : « يا بني عبدالمطلب إني قد جئتكم بخيريّ الدنيا والآخرة. وقد أمرني الله تعالى أن أدعوَكم إليه ، فأيّكم يوازرني على أمري هذا ؟ ويكون أخي ووصي وخليفتي فيكم ، فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقلت ـ وأنا أحدثهم سناً ـ أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. قال : فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا » ، فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع. (13)
وفي رواية الحلبي في سيرته :
فقام عليّ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. (14)
كما روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وصاحب كتاب الدر المنثور ، وصاحب كتاب الرياض النظرة :
وعن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « اللهم إني أقول ـ كما قال أخي موسى ـ اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي علياً اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً ». (15)
وأن أراد متتبع أن يخص ما ورد من لفظ الوزارة من رسول الله صلّى الله عليه وآله في علي عليه السلام ، لوجد جملة أحاديث متطابقة في هذا الصرح.
المنزلة الثالثة : الخلافة
يدلّ على ذلك قول الله عزّ وجل : ( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (16).
وثبوت الخلافة لعلي عليه السلام كخلافة هارون من موسى عليهما السلام توجب على الأمّة وجوب الطاعة. لأنّه الخليفة وليس لأنّه نبي فقط ، وإلّا لزم القول بعدم وجوب طاعة الخلفاء الثلاثة أيّ أبي بكر وعمر وعثمان ، وهذا ما لا يلتزم به أحدٌ من أهل السنّة على الإطلاق ، لأنّهم يروون وجوب طاعتهم باعتبارهم خلفاء وليس هم أنبياء على كلّ الأحوال.
الهوامش
1. الاستيعاب في معرفة الأصحاب « لابن عبد البر » / المجلّد : 3 / الصفحة : 1097 / الناشر : دار الجيل / الطبعة : 1.
2. فتح الباري في شرح صحيح البخاري « لابن حجر العسقلاني » / المجلّد : 7 / الصفحه : 74 / الناشر : المكتبة السلفيّة.
3. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام « لمحمّد بن يوسف الكنجي الشافعي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 283 / الناشر : دار إحياء تراث أهل البيت عليهم السلام :
هذا حديث متفق على صحته.
رواه الائمة الحفاظ ، كأبي عبد الله البخاري في صحيحه ومسلم ابن الحجاج في صحيحه ، وأبي داود في سننه ، وأبي عيسى الترمذي في جامعه ، وأبي عبد الرحمان النسائي في سننه ، وابن ماجة القزويني في سننه ، واتفق الجميع على صحته حتى صار ذلك إجماعا منهم.
قال الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حد التواتر.
4. راجع :
الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة « للسيوطي » / الصفحة : 38 و 131 ـ 132 / الناشر : دار التأليف.
5. راجع :
قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة « للسيوطي » / الصفحة : 281 / الناشر : المكتب الإسلامي.
6. نفحات الأزهار « للسيّد علي الميلاني » / المجلّد : 17 / الصفحة : 162 / الناشر : المؤلّف / الطبعة : 1 :
وقال ولي الله الدهلوي في مآثر أمير المؤمنين عليه السلام : « فمن المتواتر حديث : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. روي ذلك عن : سعد بن أبي وقاص ، وأسماء بنت عميس ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن عبّاس وغيرهم ».
7. تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : 59 / الصفحة : 74 / الناشر : دار الفكر.
8. مريم : 53.
9. طه : 29.
10. الفرقان : 35.
11. القصص : 34.
12. الشعراء : 214.
13. معالم التنزيل في تفسير القرآن أو تفسير البغوي « للبغوي » / المجلّد : 6 / الصفحة : 131 / الناشر : دار الطيبة.
14. السيرة الحلبيّة أو إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون « للحلبي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 406 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 2.
15. الرياض النضرة في مناقب العشرة « لمحب الطبري » / المجلّد : 3 / الصفحه : 118 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 2.
16. الأعراف : ١٤٢.
التعلیقات