مذاهب الغلو التي كانت في بغداد
الشيخ علي الكوراني
منذ 5 سنواتمذاهب الغلو التي كانت في بغداد
وأشهرها مذهب الحلاج ، والشلمغاني ، ومذهب بشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة. وقد ترجم علماؤنا لعدد من المغالين وحذروا منهم.
ومذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا : « إن سلمان الفارسي والمقداد وعمّاراً وأبا ذر وعمر بن أميّة الضمري ، هم الموكّلون بمصالح العالم ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً » . [ خلاصة الأقوال للعلامة / 364 ].
ولعلّ أوّل من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي ، الملعون على لسان الإمام المهدي عليه السلام ، فسُمِّيَ أتباعه الكرخيّة والكرخيّين.
قال الطوسي في الغيبة / 414 : « وكان الكرخيّون مخمسة ، لا يشكّ في ذلك أحدٌ من الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به .. وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا ».
وقال العلّامة الحلّي قدّس سرّه في خلاصة الأقوال / 364 ، عن علي بن أحمد الكوفي : « كان إماميّاً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرة سديدة ، ثمّ خلط وأظهر مذهب المخمسة وصنف كتاباً في الغلو والتخليط. وقال ابن الغضائري : كذّاب غال صاحب بدعة ومقالة ».
وترجم في معجم البلدان : 4 / 447 ، لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب ، لكنّه من كرخة الأهواز ، لا كرخة بغداد ، قال : « أبو جعفر الكرخي المعروف بالجرو ، وهذا الرجل مشهور بالجلالة فيهم قديماً وكان مقيماً بالبصرة ، قال : وشاهدته أنا وهو شيخ كبير وقد اختلت حاله ، فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمّال البصرة ... استفاض عنهم أنّهم كانوا مخمسة يعتقدون أن عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ومحمّداً صلّى الله عليه وآله خمسة أشباح أنوار قديمة ، لم تزل ولا تزال ، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة ، وهي مقالة مشهورة ».
وأصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري ، ومذهبه تطوير لمذهب « العلياوية » الذي ظهر في زمن الإمام الصادق عليه السلام !
فقد روى الطوسي رحمه الله في رجاله : 2 / 701 : « عن مرازم قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : تعرف مبشر ، بشر بتوهّم الإسم قال : الشعيري ، فقلت : بشار ؟ قال : بشار ! قلت : نعم جار لي ! فقال عليه السلام : إنّ اليهود قالوا ووحّدوا الله ، وإنّ النصارى قالوا ووحّدوا الله ، وإنّ بشاراً قال قولاً عظيماً ! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك ! قال مرازم : فلمّا قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم ، فخرج إليَّ فقلت له : يقول لك جعفر بن محمّد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك ! فقال لي : وقد ذكرني سيّدي ! قال قلت : نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ! فقال : جزاك الله خيراً وفعل بك ، وأقبل يدعو لي !
ومقالة بشار هي مقالة العلياويّة يقولون إنّ عليّاً عليه السلام هرب وظهر بالعلويّة الهاشميّة ، وأظهر أنّه عبده ورسوله بالمحمديّة ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي لأنّه أوّل هذه الأشخاص في الأمّة ، وأنكروا شخص محمّد صلّى الله عليه وآله وزعموا أنّ محمّداً عبد علي !
وأقاموا محمّداً صلّى الله عليه وآله مقام ما أقامت المخمسة سلمان ! وجعلوه رسولاً لمحمّد صلّى الله عليه وآله فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ » !
وفي رجال الطوسي : 2 / 775 : « لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمّد فهو الإمام ! ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمّة ، إلى وقت خروج موسى بن جعفر عليه السلام ! وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ! وقالوا بالتناسخ ...
وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياويّة وأصحاب أبي الخطاب أن كلّ من انتسب إلى أنّه من آل محمّد فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب ، وأنّهم الذي قال الله تعالى فيهم إنهم يهود ونصارى في قوله : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ... إذ كان محمّد عندهم وعلي هو ربّ لا يلد ولا يولد ولا يستولد ! تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.
وكان سبب قتل محمّد بن بشير لعنه الله ، لأنّه كان معه شعبذة ومخاريق ... وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنّه صورة أبي الحسن ـ الإمام الكاظم عليه السلام ـ في ثياب حرير ، وقد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها ، حتّى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ! وكان يقول لأصحابه انّ أبا الحسن عليه السلام عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أنّي نبي فهلموا أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطويّة معه فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم ؟ فيقولون : لا ، ليس في البيت أحد ، فيقول : أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثمّ يقدم تلك الصورة ، ثمّ يرفع الستر بينه وبينهم ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنّه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنّه يكلّمه ويناجيه ويدنو منه كأنّه يسارُّه ، ثمّ يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً !
وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها ، فهلكوا بها فكانت هذه حاله مدّة ، حتّى رفع خبره إلى بعض الخلفاء أحسبه هارون أو غيره ممّن كان بعده من الخلفاء وأنّه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال : يا أمير المؤمنين استبقني فإنّي أتّخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه ! فكان أوّل ما اتّخذ له الدوالي ، فإنّه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان فأعجبه ذلك ، مع أشياء عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنّة. فقوّده ـ جعله قائداً ـ وجعل له مرتبة.
ثمّ إنّه يوماً من الأيّام انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق ، فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل والإباحات ! وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن عليهما السلام يدعوان الله عليه ويسألانه أن يذيقه حرّ الحديد فأذاقه الله حرّ الحديد ».
وقد انخدع بهذه المذاهب والبدع بعض العوام. لكنّها انتهت والحمد لله.
مقتبس من كتاب : [ الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد ] / الصفحة : 45 ـ 48
التعلیقات