الفوائد البديعة من وسائل الشيعة
السيد علي الميلاني
منذ سنةالفوائد البديعة من وَسَائِل الشّيعَةِ (1)
بسم الله الرحمٰن الرحـيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين ، من الأوّلين والآخرين .
وبعد . .
فإنّه لمّا وصلنا إلىٰ أحكام نافلة الليل في بحوثنا الفقهيّة في كتاب الصلاة ، استوقفني ما جاء في إحدىٰ روايات المسألة ، ونبّهني علىٰ أمرٍ كنت في غفلة منه حتّىٰ تلك الساعة . .
وهذا أوّلاً نصّ الرواية :
« عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك ، من صلحائهم ، شكا إلَيّ ما يلقىٰ من النوم ، وقال : إنّي أُريد القيام بالليل . . .
قلت : فإنّ من نسائنا أبكار الجارية ، تحبّ الخير وأهله وتحرص علىٰ الصلاة ، فيغلبها النوم ، حتّىٰ ربّما قضت وربّما ضعفت عن قضائه ، وهي تقوىٰ عليه أوّل الليل .
فرخّص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء » (1) .
فقلت في نفسي : سبحان الله ! كنّا ـ ولا نزال ـ نرجع إلىٰ كتاب وسائل الشيعة لننظر في أدلّة الأحكام الشرعيّة ، وأمّا الفوائد الأُخرىٰ المشتملة عليها تلك النصوص ، فلم نلتفت إليها ولم نهتمّ بها .
انظر إلىٰ هذه الرواية . . كيف علّم الأئمّة عليهم السلام الشيعة وأدّبوهم علىٰ الأحكام والسُـنن فضلاً عن العمل بالأحكام الإلزامية ، حتّىٰ إنّ الجواري الأبكار في البيوت « تحرص » علىٰ صلاة الليل ، بحيث لمّا يغلبها النوم « تقضي » الصلاة بالنهار ، لكنّها لمّا تضعف عن القضاء « تشكو » إلىٰ وليّها ما تلقاه من غلبة النوم ثمّ من الضعف عن القضاء ، فيأتي الرجل إلىٰ الإمام عليه السلام ليسأل لها عن الوظيفة الشرعيّة في هذه الحالة ! !
نعم . . هكذا ربّىٰ أهل بيت النبيّ الشيعة ، يلتزمون بالنوافل ، حتّىٰ « أبكار الجارية » منهم ، وإلىٰ هذا الحدّ يحرصون عليها ولا يتركونها . .
وهكذا شأن أهل بيت النبيّ ، الّذين كانوا أوصياءه وخلفاءه في الغرض الذي من أجله بُعث ، كما في قوله تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (2) .
وإلّا لَما أمر بالتمسّك بهم ـ دون غيرهم ـ من بعده ، في قوله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم في حقّهم : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّىٰ يردا علَيّ الحوض » .
ولَما شبّههم في النجاة بسفينة نوح ؛ إذ قال صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (3) .
ولَما حثّ علىٰ الكون معهم في جميع الأحوال ، كما في الحديث الوارد عنه ـ في كتب الفريقين ـ بتفسير قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (4) .
ولمّا عزمت ـ علىٰ أثر التدبّر في الرواية المذكورة ـ علىٰ دراسة شاملة لروايات كتاب الوسائل ـ في مفاهيمها عدا الأحكام التكليفيّة ـ وقفت علىٰ مناهج تربويّة راقية ، وتعاليم أخلاقيّة عالية ، وفوائد قيّمة من علوم مختلفة . . . ممّا يتجلّىٰ به جانب ممّا أفاضه الله عليهم من العلوم ، وأوقفهم عليه من الحقائق . . . ما لا يوجد في غيرهم بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم أبداً .
إنّ مَن يدرس الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام دراسة واعية ، يطّلع علىٰ بعض حالاتهم القدسيّة وملكاتهم المعنويّة ، التي جعلتهم القادة والقدوة في سبيل تحصيل المعارف الحقّة وطريق السير إلىٰ الله ، كما ورد عنهم عليهم السلام في قولهم : « بنا عُرف الله وبنا عُبد الله » (5) .
وإنّ مَن يدرس ما ورد عنهم ـ في الأبواب المختلفة ـ لا يشكّ في إحاطتهم بكافّة العلوم ، وأنّهم هم ورثة علم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعنهم أُخذ ، وبواسطتهم انتشر في البلاد الإسلاميّة ، من الحجاز والعراق والشام واليمن وغيرها . .
ولذا ورد عنهم عليهم السلام : « إنّه ليس أحد عنده علم إلّا شيء خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فليذهب الناس حيث شاؤوا فوالله ليس الأمر إلّا ههنا . وأشار بيده إلى بيته » (6) .
وورد عنهم القول لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : « شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت » (7) .
وإنّ مَن يدرس كلامهم ـ كما ورد عنهم ـ وينقله بلا دخل أو تصرّف من عنده . . . فإنّ الناس سوف يتبعونهم ، كما روي عنهم من « أنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا » (8) .
فعلينا أن ندرس كلامهم ، وأن ننقل ما درسنا منه إلىٰ الناس ، وأن يكون نقلنا له بلا تصرّف فيه ، وأمّا المخالفون لهم ، فقد سعوا في إنكاره وكتمه ، ومنعوا من نقله وتعليمه . .
وبعد ، فقد كانت تلك الرواية هي الحافز لدراسة الروايات من تلك الجهات ، وبالتالي تأليف هذا الكتاب ، ثمّ كانت الأُمور المذكورة هي الداعي إلىٰ نشـره ؛ لعلّي أكون قد أدّيت بعض الواجب ، وقد سمّيته بـ :
« الفوائد البديعة من أخبار وسائل الشيعة »
وبالله التوفيق .
(1) بُني الإسلام علىٰ خمس ، علىٰ : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية
عقد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله ـ قبل الورود في أدلّة الأحكام الشرعيّة بحسب الأبواب الفقهيّة ، ابتداءً بكتاب الطهارة وٱنتهاءً بكتاب الديّات ـ أبواباً بعنوان : « أبواب مقدّمة العبادات » ، فأورد في الباب الأوّل روايات كثيرة بالمضمون المذكور ، يعبّر عنها بـ : « مباني الإسلام » . . والذي نقصده نحن هو : فهم المراد من « الولاية » في هذه الروايات ، فلنذكر بعضها مرقّمةً بأرقامها ، ثمّ نتكلّم عليها :
2 ـ عن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس : علىٰ الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية » .
قال زرارة : وأيّ شيء من ذلك أفضل ؟
فقال : الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ .
4 ـ عن عمرو بن حريث أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام : « ألا أقصّ عليك ديني ؟
قال : بلىٰ .
قلت : أدين الله بشهادة أن لا إلٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّـداً رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، والولاية . . . » وذَكَر الأئمّة عليهم السلام .
« فقال : يا عمرو ! هذا دين الله ودين آبائي ، الّذي أدين الله به في السرّ والعلانيّة » .
6 ـ وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « وولايتنا » .
قال الشيخ الحرّ : الجهاد من توابع الولاية ولوازمها ؛ لِما يأتي ، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
7 ـ وفي رواية عنه : « أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، لا تصحّ واحدة منها إلّا بصاحبتها » .
9 ـ وفي رواية عجلان بن أبي صالح : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أوقفني علىٰ حدود الإيمان .
فقال : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين » .
10 ـ وعن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس . . . والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية » .
13 ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ؛ فهذا الإسلام » .
20 ـ وفي خبر عرض عبد العظيم الحسني دينه علىٰ الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليهما السلام : « إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم . . . » .
23 ـ وفي رواية عن « عبد الرزّاق بن همام ، عن معمر (9) بن قتادة ، عن أنس ، قال رسول الله : جاءني جبرئيل فقال لي : يا أحمد ! الإسلام عشرة أسهم . . . والعاشرة : الطاعة ، وهي : العصمة » .
24 ـ وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس . . . والولاية لنا أهل البيت . فجعل في أربع منها رخصةً ، ولم يجعل في الولاية رخصة . . . والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذا مالٍ أو لا مال له ، فهي لازمة » .
26 ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : « المحمديّة السهلة ـ السمحة ـ إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام شهر رمضان ، وحجّ البيت الحرام ، والطاعة للإمام ، وأداء حقوق المؤمن » .
29 ـ وفي رواية عنه عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس دعائم : علىٰ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وولاية أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السلام » .
34 ـ وفي أُخرىٰ (10) عنه عليه السلام : « أيّ الأعمال أفضل بعد المعرفة ؟
فقال : ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة . . . وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا ، وخاتمته معرفتنا . . . » .
35 ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « ثمّ الولاية ، وهي خاتمتها والحافظة لجميع الفرائض والسُنن » .
38 ـ وفي رواية ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّه سُئل عن الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره ، ولا يعذرهم علىٰ جهله ؟ فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والصلاة الخمس . . . والايتمام بأئمّة الحقّ من آل محمّد » .
39 ـ وعن أبي جعفر : « عشر من لقي الله بهنّ دخل الجنّة . . . والولاية لأولياء الله ، والبراءة من أعداء الله » .
أقول :
لا ريب في أنّ الصلاة والزكاة والصيام والحجّ من فروع الدين ، ومن الأحكام الشرعيّة الضروريّة ، وأنّ الجاحد لها ـ بعد قيام الحجّة عليها له ـ كافر مرتدّ ، وقد عقد الشيخ الحرّ الباب اللاحق لهذا المعنىٰ ، وعنوانه : « باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها ، ممّا تقوم الحجّة فيه بنقل الثقات » . . . وجاء في جملة تلك الأخبار :
« عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ قال : الإسلام قبل الإيمان ، وهو يشارك الإيمان ؛ فإذا أتىٰ العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهىٰ الله عنها ، كان خارجاً من الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلىٰ الإيمان ولم يخرجه إلىٰ الكفر والجحود والاستحلال . .
وإذا قال للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلىٰ الكفر » .
إلّا أنّ الكلام في : « الولاية » ؛ فما المراد منها في مباني الإسلام ؟
قد تُفسّر « الولاية » في هذه الأخبار بـ : « الحكومة » ، بأن يكون المراد : إنّ الله فرض على المؤمنين الصلاة والزكاة ونحوهما ، وفرض عليهم السعي لقيام حكومة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، وذلك :
* أوّلاً : لمجيء « الولاية » في سياق الصلاة والزكاة . . . ممّا هي من فروع الدين .
* وثانياً : لوجـود قرائن في نفس الأخبار علىٰ هذا المعنىٰ ، كقوله عليه الصلاة والسلام في الخبر الأوّل : « الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ » ؛ فمعنىٰ « مفتاحهنّ » أنّ الولاية ، أي « الحكومة » ، هي الطريق والسبب الموصل إليهنّ ، و « الوالي » ، أي « الحاكم » ، هو المرشد إليهنّ ، والحامـل للناس علىٰ العمل بهنّ ، ولولا الحكومة ونفوذ الكلمة لَما حصل ذلك . .
وكقوله عليه السلام : « وولايتنا » في الخبر الثالث ، وهذا هو الذي فهمه الشيخ الحرّ إذ قال : « الجهاد من توابع الولاية . . . » ؛ فلولا « الولاية » بمعـنىٰ « الحكومة » وبسط اليد ونفوذ الكلمة من « الحاكم » الشرعي ، لَما تحقّق الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المسلمين .
لكن التحقيق : أنّ المراد من « الولاية » في هذا المقام هو : « الولاية المطلقة » ، وهي : « الإمامة الكبرىٰ » و « الخلافة العظمىٰ » بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، التي من جملة شؤونها وأبعادها : « الحكومة » .
وتوضـيح ذلك :
إنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم له الولاية التشريعيّة ـ أي الأولويّة بالناس من أنفسهم ـ التي دلّ عليها قوله تعالىٰ : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (11) ، وغيره من الأدلّة . . . وهذه الولاية تعمّ جميع الشؤون ، وتقتضي وجوب الإطاعة والانقياد له في أوامره ونواهيه علىٰ الإطلاق ، سواء في الأُمور الخاصّة أو العامة ، في الحرب أو السلم ، وفي غير ذلك من المجالات .
ثمّ إنّ هذه الولاية بكلّ أبعادها قد ثبتت من بعده لأمير المؤمنين عليه السلام بالأدلّة القطعيّة من الكتاب والسُـنّة ، ومن ذلك حديث الغدير ، حينما خاطب صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم المسلمين مشيراً إلىٰ الآية المذكورة : « ألست أوْلىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلىٰ . قال : فمَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه . . . » .
ولذا عرّفوا الإمامة بعد النبيّ بأنّها : « رئاسة عامّة في الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبيّ » .
فكانت الرئاسة العامّة والحكومة الدنيويّة من شؤون الإمامة يتولّاها الإمام الحقّ بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، وعلىٰ الناس الإطاعة المطلقة له والانصياع التام لأوامره ونواهيه . .
فما قد يترآىٰ من كلمات بعض من الترادف بين « الحكومة » و « الإمامة » فاشتباه فاحش ، بل الترادف هو بين « الخلافة » و « الإمامة » ، والتفريق بينهما اشتباه آخـر .
وعليه ، فإنّ المراد من « الولاية » في أخبار مباني الإسلام هو هذا المعنىٰ ، لا الحكومة ؛ وذلك لأنّها وإن جاءت مع الصلاة و . . . في سياقٍ واحد مُعنونة بعنوان واحد ، كـ : « الأثافي » و « الدعائم » و « التكاليف » و « الفرائض » لكنّ الروايات الأُخرىٰ في الباب ، توضّح المراد وتفسّر ما يوهم الخلاف ؛ لأنّ الحديث يفسّـر بعضـه بعضاً (12) . .
ففي الرواية ( رقم 4 ) : ذَكَر الأئمّة عليهم السلام ؛ وكان معرفتهم والقول بإمامتهم « دين الله . . . » ، إلىٰ جنب : « شهادة أن لا إلٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول الله . . . » .
وكذلك في الرواية ( رقم 12 ) ؛ إذ جاء فيها : « عن دين الله الذي افترض الله عزّ وجلّ علىٰ العباد ، ما لا يسعهم جهله ، ولا يقبل منهم غيره ؟
فقال ـ عليه السلام ـ : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصلاة . . . والولاية » .
وفي الرواية ( رقم 20 ) : « هذا ـ والله ـ دين الله الذي ارتضاه لعباده . . . » .
وفي الرواية ( رقم 9 ) : ذكر الشهادتين ثمّ الأربعة ، ثمّ قال : « وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصادقين » ، وكذلك في الرواية ( رقم 39 ) ، ولعلّ في قوله « والدخول مع الصادقين » إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) المتقدّم سابقاً .
ويلاحظ أنّه في الرواية ( رقم 39 ) ذكر الشهادتين و « الولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله » ضمن أُمور « عشر من لقي الله بهنّ دخل الجنّة » ، كما ذكر الولاية كذلك في الرواية ( رقم 28 ) ، وقال : « أُولئك أهل الإيمان » .
لكنّه في الرواية ( رقم 13 ) لمّا بيّن الإسلام قال : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس » ، فذكر الشهادتين والأربعة ، ولم يذكر « الولاية » .
وبذلك يظهر :
* أوّلاً : الفرق بين « الإسلام » و « الإيمان » .
* وثانياً : إنّ « الإيمان » شرط الدخول في الجنّة ؛ وهذا مفاد الرواية ( رقم 25 ) : عن النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « أطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جـنّة ربّكم » ؛ لأنّ المراد من « ولاة الأمر » هم : « الأئمّة المعصومون » ؛ إذ الأمر بإطاعة وليّ الأمر إطاعة مطلقة ، دليل علىٰ عصمة « وليّ الأمر » ، وإلّا لم يؤمر بإطاعته كذلك ، ولا أحد من الحكّام في تاريخ الإسلام بمعصوم .
* وثالثاً : إنّه لا يتحقّق « الإيمان » إلّا بالولاية لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم ، ولا تكفي الولاية بدون البراءة .
ثمّ إنّ الرواية ( رقم 21 ) تفيد أنّ الله فرض « الولاية » علىٰ الأُمّة « ليميّز الخبيث من الطيّب » .
وفي الرواية ( رقم 28 ) مدح عظيم للشيعة ؛ ففيها : « من عادىٰ شيعتنا فقد عادانا » ، و « من ردّ عليهم فقد ردّ علىٰ الله » ، ولا بدّ أن يكون ذلك من أجل تشيّعهم لأهل البيت عليهم السلام بالمعنىٰ الصحيح ، واتّباعهم لهم حقّ المتابعة والإطاعة ، كما هو ظاهر الرواية .
هذا ، وفي الرواية ( رقم 20 ) دلالة واضحة علىٰ اختلاف المرتبة بين « الولاية » و « الأربعة » .
وجاء في الرواية ( رقم 34 ) : « وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا ، وخاتمته معرفتنا » ، وفي الرواية ( رقم 33 ) : « وختم ذلك بالولاية » ، وفي الروايتين نقاط :
1 ـ إنّه يعتبر في « الولاية » : « المعرفة » .
2 ـ إنّ الأربعة ـ وكذا غيرها ـ مشروطة بمعرفة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ؛ فلولاها لم يترتّب أثر علىٰ شيء من تلك الأُمور .
3 ـ الموافاة أيضاً شرط . . بأن يقدم المؤمن علىٰ الله مع « المعرفة » ؛ فلو مات ـ حتّىٰ مع قيامه بتلك الأعمال ، وحتّىٰ مع المعرفة ـ منكراً لولاية أهل البيت عليهم السلام ما تُقبّل منه شيء !
وأفادت الرواية ( رقم 36 ) ترتّب أثر دنيوي كبير علىٰ « الولاية » ؛ إذ قال عليه السلام : « انّ الله يدفع بمَن يصلّي من شيعتنا عمَّن لا يصلّي من شيعتنا . . . » ، مضافاً إلىٰ أنّ « الولاية » بالمعنىٰ الصحيح لا تتحقّق إلّا بالإطاعة في الواجبات والمحرّمات وغيرها .
هذا ، وقد عقد الشيخ الحرّ العاملي ( الباب 29 ) من أبواب مقدّمة العبادات للروايات الدالّة علىٰ النقاط الثلاث المذكورة ، وقد جعل عنوانه : « باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمّة عليهم السلام وﭐعتقاد إمامتهم » ، وكان من جملة أخباره :
رقم 2 : « عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث ـ قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمٰن : الطاعة للإمام بعد معرفته ؛ أمَا لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له علىٰ الله حقّ في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان » .
وفي عدّة روايات بأسانيد مختلفة : والله لو عبد عمره ما بين الركن والمقام ، صائماً نهاره وقائماً ليله ، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا ، لم ينفعه ذلك شيئاً (13) .
رقم 19 : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالىٰ : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (14) ، قال : « ألا ترىٰ كيف اشترط ؟ ولن تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتّىٰ اهتدىٰ ؟ والله ، لو جهد أن يعمل ما قُبل منه حتّىٰ يهتدي . قلت : إلىٰ من جعلني الله فداك ؟ قال : إلينا » .
وقد ورد من طرق العامّة روايات تفسّر الآية المباركة كذلك ؛ كما في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق وتهذيب الكمال ، وفي التفاسير ، مثل الدرّ المنثور للسيوطي 3 / 390 ، وروح المعاني للآلوسي 11 / 45 ، وفتح القدير للشوكاني 2 / 414 ، وغيرها . .
وروى الحاكم الحسكاني (15) ، قال : « أخبرنا أحمد بن محمّد بن أحمد الفقيه (16) ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمّد بن جعفر (17) ، قال : حدّثنا موسـىٰ بن هارون (18) ، قال : حدّثنا إسماعيل بن موسىٰ الفزاري (19) ، قال : حدّثنا عمر بن شاكر البصري (20) ، عن ثابت البناني (21) في قوله : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) ، قال : إلىٰ ولاية أهل بيته » (22) .
وكذلك ما دلّت عليه الروايات السابقة ؛ فإنّ ذلك مروي في كتب العامّة وبأسانيدهم المختلفة أيضاً ، وإنْ أبدلوا لفظ « الولاية » بـ : « المحبّة » . .
قال ابن عساكر :
« أنبأنا ابن السمسار ، أنبأنا علي بن الحسن الصوري ، أنبأنا سليمان ابن أحمد بن أيوب الطبراني اللخمي بأصبهان ، أنبأنا الحسين بن إدريس الحريري التستري ، حدّثنا أبو عثمان طالوت بن عباد البصري الصيرفي ، أنبأنا فضال بن جبير ، أنبأنا أبو أُمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : خلق الله الأنبياء من أشجار شتّىٰ ، وخلقني وعليّاً من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعليّ فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها ، فمَن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ هوىٰ .
ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ لم يدرك محبّتنا ، لأكبّه الله علىٰ منخريه في النار ، ثمّ تلا : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (23) » (24) .
وروىٰ ابن عساكر أيضاً بإسناد له قوله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم :
« ولو أنّ أُمّتي صاموا حتّىٰ يكونوا كالحنايا ، وصلّوا حتّىٰ يكونوا كالأوتار ، ثمّ أبغضوك ، لأكبّهم الله في النار » (25) .
* * *
(2) لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا
عن أبي عبد الله عليه السلام (26) . .
وهذه الكلمة من أحسن الكلام ، وفيها قاعدة عامّة وفائدة مهمّة في الحثّ علىٰ التعقّل والتعلّم ، والاحتياط في الأُمور ، والمحافظة علىٰ العقائد وضـروريات الدين . .
إنّه قد يطلق « الجهل » ويراد منه ما يقابل : « العقل » ، وقد يطلق ويراد منه ما يقابل : « العلم » ، وكلاهما محتمل هنا ؛ فإن كان المراد هو الأوّل ، ففيه الحثّ علىٰ التعقّل والتفهّم للأُمور ، وإن كان المراد هو الثاني ، ففيه الحثّ علىٰ التعلّم . . وإلّا فالاحتياط .
وعلىٰ كلّ حال ، فإنّ مقتضى الحكمة في حال الجهل بالشيء هو « التوقّف » والسكوت حتّىٰ يرتفع الجهل ويتّضـح الحال ، هذا في مطلق الأُمور ؛ لأنّ الموافقة علىٰ الشيء والقبول له ، أو الإنكار للشيء والردّ له ، مع الجهل بالحقيقة ، قد يؤدّي إلىٰ الباطل ، وترتيب الأثر عليه عملاً قد يوقـع في الضلالة .
وأمّا في خصـوص القضايا الراجعة إلىٰ العقيدة الثابتة بدليل قطعي ، فعن أبي جعفر عليه السلام : « كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان ، وكلّ شيء يجرّه الإنكار والجحود فهو الكفر » (27) ؛ وذلك لأنّ كثيراً من المسائل العقائديّة يعسر بل يتعذّر دركها أو فهم تفاصيلها علىٰ العقول ، حتّىٰ كبار العقلاء والعلماء ، لكن لمّا كانت من الضروريات فلا بُدّ من التسليم ، ولو علىٰ الإجمال ، ولا أقلّ من عدم الجحد والإنكار ؛ وإلّا كان من الكافرين .
* * *
(3) كان أبي يبعث أُمّي وأُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة
عن الإمام الكاظم عليه السلام في جواب عبـد الله الكاهلي ، في رواية ، قال :
« قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ امرأتي وٱمرأة ابن مارد تخرجان في المآتم فأنهاهما ، فتقول لي امرأتي : إنْ كان حراماً فانهنا عنه حتّىٰ نتركه ، وإن لم يكن حراماً فلأيّ شيء تمنعناه ؟ فإذا مات لنا ميّت لم يجئنا أحد ! قال : فقال أبو الحسن عليه السلام عن الحقوق تسألني ، كان أبي يبعث أُمّي وأُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة » (28) .
وفي بيان هذه الرواية نقول :
1 ـ إنّ عقد المأتم علىٰ الميّت كان في عصر النبيّ والأئمّة عليهم السلام من الآداب والسُـنن في مجتمع المسلمين . .
ومن الواضح أنّ أقلّ ما يجري ـ في مجلس من هذا القبيل ـ هو ذكر محاسن الميّت ورثاؤه والبكاء عليه .
ومن أخبار الباب ما عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « مات الوليد ابن المغيرة ، فقالت أُمّ سلمة للنبيّ صلّىٰ الله عليه وآله : إنّ آل المغيرة قد أقاموا مناحةً فأذهب إليهم ؟ فأذِن لها ، فلبست ثيابها وتهيّأت ، . . . فندبت ابن عمّها بين يدي رسول الله فقالت : . . . فما عاب رسول الله ذلك ولا قال شيئاً » (29) .
2 ـ إنّ المأتم لا يختصّ بالرجل ، بل كان للنساء مأتم كذلك ، فإنهنّ ـ وخاصّة نساء البيوتات ـ كنّ يحضـرن المأتم المقام علىٰ الميّت .
3 ـ وإنّ الرجال كانوا لا يمانعون نساءهم من النوح وحضور المآتم ، بل بالعكس ؛ فإنّهم كانوا يحبّذون ذلك ويبعثون نساءهم للمشاركة مع ذوي الميّت في حزنهم وعزائهم ، ما لم يستلزم ذلك ما لا يجوز أو لا ينبغي ، فلا منع إلّا بعنوان ثانوي . .
كما في الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام : « إنّما تحتاج المرأة إلىٰ النوح لتسيل دمعتها ، ولا ينبغي لها أن تقول هجراً ، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح » (30) .
4 ـ إنّ الإمام أبا عبـد الله الصادق عليه السلام كان يرسل أُمّه وزوجته ـ أُمّ الإمام الكاظم عليه السلام ـ لمآتم أهل المدينة ، ولا يكتفي بإرسال بعض الأخوات أو البنات أو القريبات ، ممّا يدلّ علىٰ اهتمامه بالأمر .
5 ـ إنّ جملة : « كان أبي يبعث » ظاهرة في الاستمرار .
6 ـ إنّ قول المرأة لزوجها الكاهلي : « فإذا مات لنا ميّت لم يجئنا أحد » ، يفيد : إنّ الحضور في مآتم الناس من الحقوق المتبادلة ، فإنّك إن حضرت مجلس أخيك يرىٰ نفسه ملزماً بالحضور في مجلسك إذا مات لك ميّت ؛ لأنّه يعتبر ذلك دَيْناً عليه أن يقضـيه ؛ وإلّا فلا يلتزم .
7 ـ ولذا قال الإمام عليه السلام : « تقضيان حقوق أهل المدينة » .
والمستفاد من هذه الرواية أمران : أحدهما عام ، والآخر خاصّ . .
* أمّا الأوّل :
فإنّ كلّ ما كان من الآداب والعادات والتقاليـد الاجتماعيّة موجباً لتقوية روابـط المحبّة وأواصـر الأُخوّة بين الناس من غير أن يستلزم مفسـدة ، فإنّه محبّذ عند الشارع أيضاً ، مندوب إليه ومحبوب لديـه .
* وأمّا الثاني :
فإنّ السُـنن الجارية في المجتمع في خصوص تكريم الميّت بإقامة المأتم عليه ، والبكاء والرثاء له ، وحضور الآخرين ، والمواساة لذوي الميّت وأصحاب العزاء . . كلّ ذلك قد أمضاه الشارع المقدّس قولاً وفعلاً وتقريراً . .
وممّا ورد في ذلك من رواياتنا :
* عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ : « لمّا مات إبراهيم ابن رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ـ هملت عين رسول الله بالدموع ، ثمّ قال رسول الله : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون » (31) .
* وعن أحدهما ـ عليهما السلام ـ : لمّا ماتت رقيّة . . . كانت « فاطمة عليها السلام علىٰ شفير القبر ، تنحدر دموعها في القبر » (32) .
* و « إنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم حين جاءته وفاة جعفر ابن أبي طالب وزيد بن حارثة ، كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّاً ويقول : كانا يحدّثاني ويؤنساني فذهبا جميعاً » (33) .
* و « أوصىٰ أبو جعفر عليه السلام بثمانمائة درهم لمأتمه ، وكان يرىٰ ذلك من السُـنّة ؛ لأنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم قال : اتّخذوا لآل جعفر طعاماً ، فقد شغلوا » (34) .
* و « أوصىٰ أبو جعفر عليه السلام أن يُندب في المواسم عشر سـنين » (35) .
* و « ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام ، فناح عليها سنةً ، ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنةً ، ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً فقطع النوح فقيل له : أيُناح في دارك ؟
فقال : إنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم قال ـ لمّا مات حمزة ـ : لكن حمزة لا بواكي له » (36) .
* وعن أبي عبد الله عليه السلام : « لمّا قُتل جعفر بن أبي طالب ، أمر رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم فاطمة ـ عليها السلام ـ أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام ، وتأتيها ونساؤها وتقيم عندها ثلاثة أيّام ، فجَرَت بذلك السُـنّة أن يُصنع لأهل المصيبة طعاماً ثلاثاً » (37) .
* وعنه : « ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيّام » (38) .
* وعن عمر بن عليّ بن الحسين : « لمّا قُتل الحسين بن عليّ عليه السلام ، لبس نساء بني هاشـم السـواد والمسـوح ، وكنّ لا يشتكين من حرٍّ ولا برد ، وكان عليّ بن الحسين يعمل لهنّ الطعام للمأتم » (39) .
* وقد سبق أن فعلنَ ذلك لمّا قُتل الحسن بن عليّ عليه السلام بالسمّ ، وقد ذُكر ذلك في مصادر الجمهور أيضاً بترجمته ؛ قال ابن سعد : « فلمّا مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً » (40) .
* بل رووا أنّه : « حدّت نساء بني هاشم عليه سنةً » (41) .
* بل لقد عُطّلت الأسواق سبعاً ؛ قالوا : « ومكث الناس يبكون علىٰ الحسـن بن عليّ سبعاً ، ما تقوم الأسواق » (42) .
وغير ذلك كثير ، ممّا فيه الأمر بمثل تلك الأُمور والتقرير لها .
* بل الفعل أيضاً ؛ فقد روي في كتب الفريقين أنّ الإمام الحسن عليه السلام قد خرج إلىٰ الناس بعد استشهاد أمير المؤمنين وعليه ثياب سود (43) .
فمَن كان متّبعاً للسُـنّة النبويّة ، ومقتدياً بالأئمّة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام ، لا ينكر فوائد هذه المراسم ، ولا يوسوس في شرعيّتها . .
وأمّا أتباع بعض النواصـب والمبتدعة ، فلا كلام لنا معهم .
* * *
(4) كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم
عـن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « كونوا دعاةً للناس بغير ألسـنتكم ؛ ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فإنّ ذلك داعية » (44) .
وفي هذه الرواية فائدة جليلة . .
إنّ الإنسان قد يكون واسطةً في التبليغ ، بأن يؤمر بتبليغ مطلب إلىٰ فرد أو أُمّة ، فإذا قام بواجب التبليغ ، بأن أدّىٰ الرسالة كما أُمر بها ، كان ممتثلاً للأمر ومؤدّياً للتكليف ، سواء علم بمضمون الرسالة أم لم يعلم ، وسواء عمل به أم لا .
وقد يتصدّىٰ الإنسان لتعليم علم من العلوم أو تدريس كتاب من الكتب ، فإنّه ـ إذا أحسن التعليم والتدريس ـ يكون قد قام بالواجب عليه ومؤدّياً للوظـيفة المطلوبة مـنه ، وإن لم يطبّق علىٰ نفسه ما علّمه للغير ، وقـد رأينا في المدرّسين لعلوم اللغة العربيّة ـ من النحو والصرف ونحوهما ـ من يتقن العلم ويحسن تدريسـه ، بل يُعدّ من أفضل الأساتذة فيه ، لكنّه لمّا يتكلّم أو يقرأ يلحن .
وقد يريد الإنسان أن يكون داعياً ، وهذا يختلف عن « المبلّغ » و « المعلّم » تماماً ؛ لأنّ المقصود من « الداعوية » هو أن يدعو الناس إلىٰ نفسه ويقول لهم : كونوا مثلي ، ولذا جاء في رواية أُخرىٰ في الباب : « كونوا دعاةً إلىٰ أنفسكم بغير ألسنتكم » (45) ، فكأنّه يطرح نفسه في المجتمع بعنوان أنّه من خرّيجي مدرسـة أهل البيت عليهم السلام ، ومن المؤدّبين بآدابهم والحاملين لعلومهم . . . فيدعو الآخرين لأن يكونوا مثله ، ويدخلوا مدخله . .
يكونون مثله ؟ ! في أيّ شيء ؟
1 ـ في الفكر والعقيدة ؛ بأن يمثّل أهل البيت عليهم السلام في فكرهم : في المبدأ والمعاد ، وفي النبوّة والإمامة ، وفي سائر المعارف الدينيّة .
2 ـ في العبادة والعمل ؛ بأن يكون تابعاً لأهل البيت عليهم السلام في أداء الفرائض والالتزام بالنوافل والسُـنن .
3 ـ في الأخلاق والصفات ؛ بأن يكون مبتعداً عن الصفات السيّئة ، ومتخلّقاً بالأخلاق الفاضلة الكريمة .
فمَن توفّرت فيه تعاليم أهل البيت عليهم السلام في الأبعاد الثلاثة المتعلّقة بالفكر والجوارح والنفس ، جاز له أن ينتسب حقيقةً إلىٰ مدرسة العترة الطاهرة ، ويدّعي الانتماء الواقعي إلىٰ مذهبهم ، وصلح لأن يكون داعيةً إليهم ، وكان أهلاً لأن يدعو « الناس » قاطبةً ، وحينئذٍ لا حاجة إلىٰ القـول باللسان ، ولذا جاء في الرواية : « وكونوا زيْناً ولا تكونوا شيْناً » (46) ؛ لأنّ هكذا إنسان يعرّف مذهبه وٱنتمائه إليه بسلوكه بين الناس ؛ قال عليه السلام : « ليروا منكم . . . » ولم يقل : « ليسمعوا منكم » ، بل « ليروا » بالفعل « الورع والاجتهاد . . . » .
والروايات في الوصـيّة بالورع والاجتهاد كثيرة ، بل إنّ بعض الأصحاب لمّا طلب من الإمام أن يوصيه بشيء ، لم يوصه إلّا بذلك ؛ قال : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أوصني . قال : أُوصيك بتقوىٰ الله والورع والاجتهاد » (47) .
ومعلومٌ أنّ « الورع » فوق « التقوىٰ » .
فمَن كان ذا ورع عند الشبهات ، وذا اجتهاد في العبادات ، خاصّةً في الصلاة ، وفاعلاً للخيرات ، بجميع معاني الكلمة ، كان « زَيْناً » لأهل البيت عليهم السلام ، وقدوةً صالحةً في المجتمع ؛ لأنّ تلك الحالات والملكات الموجودة فيه « داعية » للآخرين « بغير لسان » .
فالمستفاد من النصوص في المقام ـ بإيجاز ـ هو :
إنّه لا مانـع من أن يقوم الشـخص بتبليغ تعاليم أهل البيت أو يتصدّىٰ لتدريس بعض علومهم عليهم السلام . . إن كان أهلاً لذلك . .
وأمّا كونه داعياً إلىٰ مذهبهم ، بأن ينصب نفسه كمعرّف لفكرهم وتعاليمهم ، فقد وضعوا له شروطاً وصفات يجب أن تتجسّد فيه ، فإذا توفّرت فيه ووصلت إلىٰ تلك المرحلة ، فلا حاجة إلىٰ « الألسنة » .
* * *
(5) صلاة الأئمّة ألف ركعة في كلّ يوم وليلة
عقد صاحب الوسائل ـ رحمه الله ـ باباً بعنوان : « باب استحباب صلاة ألف ركعة في كلّ يوم وليلة بل كلّ يوم وكلّ ليلة إن أمكن » ، فروىٰ فيه :
أمير المؤمنين عليه السلام :
عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « إن استطعت أن تصلّي في كلّ يوم ألف ركعة فصلّ ، إنّ عليّاً عليه السلام كان في آخر عمره يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة » .
وعنه عليه السلام : « إن استطعت أن تصلّي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل ، فإنّ عليّاً عليه السلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة » .
الإمام الحسين عليه السلام :
وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما أقلّ ولد أبيك ؟ قال : « العجب كيف ولدت له ! كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتىٰ كان يتفرّغ للنساء ؟ » .
الإمام السجّاد عليه السلام :
وعن أبي جعفر عليه السلام : « كان علي بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين . . . » .
وعنه عليه السلام : « كان علي بن الحسين عليه السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة » .
وعن عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : « سمعت أبا حازم يقول : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة حتّىٰ خـرج بجبهته آثار سجوده مثل كركرة البعير » .
الإمام الرضا عليه السلام :
عن إسماعيل بن علي ، عن أبيه أخي دعبل بن علي ، عن الرضا عليه السلام ، أنّه خلع علىٰ دعبل قميصاً من خزٍّ وقال له : « احتفظ بهذا القميص ؛ فقد صلّيت فيه ألف ليلة ، كلّ ليلة ألف ركعة ، وختمت فيه القرآن ألف ختمة » .
وعن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : جئت إلىٰ باب الدار التي حبس فيها الرضا عليه السلام بسرخس وقد قيّد ، وٱستأذنت عليه السجّان فقال : لا سبيل لك عليه . قلت : ولم ؟ قال : لأنّه ربما صلّىٰ في يومه وليلته ألف ركعة » .
أقول :
روي عن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنّه قال : « أيّها الناس ! إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه » (48) ؛ فكانت المعرفة شرطاً للعبادة . .
كما في خبر آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ قال : « المتعبّد علىٰ غير فقهٍ كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح » ؛ ولذا فقد فُضّلت عبادة العالم علىٰ عبادة غيره بمراتب كثيرة جدّاً ، كما في الخبر : « ركعتان من عالمٍ خير من سبعين ركعة من جاهل » (49) .
هذا ، وكلّما ازدادت المعرفة بالله ازدادت العبودية له ، فأمير المؤمنين عليه السلام الذي قال : « لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » (50) ، قال الإمام الرضا عليه السلام عنه : « كان عليّ ـ والله ـ عبداً صالحاً أخو رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله ، ما نال الكرامة من الله إلّا بطاعته لله ولرسوله » (51) .
وقد بيّن الإمام الرضا عليه السلام تلك « الكرامة » في كلام له وصف أمير المؤمنين عليه السلام فيه ؛ إذ قال : « عبدٌ اختصّه الله بقدرته ليبيّن بها فضله عنده ، وآثره بكرامته ليوجب بها حجّته علىٰ خلقه ، وليجعل ما آتاه الله من ذلك ثـواباً علىٰ طاعته ، وباعـثاً علىٰ اتّباع أمره ، ومؤمّناً عباده المكلّفين من غلط مَن نصبه عليهم حجّةً ولهم قدوةً » (52) .
فهي « كرامة » من الله جُعلت له « ثواباً علىٰ طاعته » ؛ ليكون « باعثاً » للمكلّفين علىٰ « اتّباع أمره » ، ولتتمّ به « حجّته » عليهم .
وهكذا كان أئمّتنا عليهم الصلاة والسلام ، فالعبادة لله عن معرفة منهم حصّلت لهم تلك المنزلة ، وكلّما ازدادوا كرامةً عند الله وقرباً منه ازدادوا خشيةً وخضوعاً له ، كما نقول في زيارتنا لهم :
« وأشهد أنّكم الأئمّة الراشدون ، المهديون ، المعصومون ، المكرّمون ، المقرّبون ، المتّقون ، الصادقون ، المطيعون لله ، القوّامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون بكرامته . . اصطفاكم بعلمه ، وٱختاركم لسرّه ، وٱجتباكم بقدرته ، وأعزّكم بهداه ، وخصّكم ببرهانه ، وٱنتجبكم لنوره ، وأيّدكم بروحه ، ورضيكم خلفاء في أرضه ، وحججاً علىٰ بريّته . . عصمكم الله من الزلل ، وآمنكم من الفتن ، وطهّركم من الدنس ، وأذهب عنكم الرجس ، وطهّركم تطهيراً .
فعظّمتم جلاله ، وأكبرتم شأنه ، ومجّدتم كرمه ، وأدمتم ذكره ، ووكّدتم ميثاقه ، وأحكمتم عقد طاعته . . . » .
نعم ، هكذا كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والشواهد علىٰ ذلك لا تحصىٰ ولا تحصر ، بل إنّه ممّا يعترف به خصومهم وأعداؤهم ، والفضل ما شهدت به الأعداء !
هذا ، وإنّ صلاة أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم السلام ألف ركعة في اليوم والليلة ـ بما لذلك من دلالات وآثار ، كما أشرنا إلىٰ بعضها في ضوء الأخبار ـ من جملة الأُمور المقتضية للأفضلية ، لأنّ هذه الأعمال والحالات غير مذكورة بتراجم أحدٍ من مشاهير الصحابة سوىٰ أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فيكون الأفضل فيما بينهم علىٰ الإطلاق ، وقد تقرّر في محلّه عند جمهور العلماء من الفريقين تعيّن الأفضل للإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم .
ومن هنا ذكر ذلك العلّامة الحلّي ـ رحمه الله ـ في مناقب أمير المؤمنين ، وأضاف قائلاً : وكذلك كان عليّ بن الحسين عليه السلام .
ولمّا كان ابن تيمية من القائلين بتعيّن الأفضل للإمامة ، لكنّه من النواصـب المعاندين لأمير المؤمنين ، فقد اضطرّ لأن يقول في الجواب : « هذا لا يمكن إلّا علىٰ وجه يكره في الشريعة أو لا يمكن بحالٍ ، فلا يصلح ذكر مثل هذا في المناقب » (53) .
فإن كان الإشكال عدم رجحان هذا العمل ، فاندفاعه واضح جدّاً ؛ لاتّفاق الكلّ علىٰ أنّ الصلاة خير موضوع ، والإكثار منها سُـنّة بلا خلاف .
وإن كان الإشكال عدم إمكانه ، فإنّ أدلّ دليل علىٰ إمكان الشيء وقوعه ؛ فأخبار صلاة أئمّتنا عليهم السلام ثابتة عند أصحابنا ، وقد أقرّ علماء العامّة بصلاة الإمام أبي عبد الله سيّد الشهداء عليه السلام (54) . .
وبصلاة الإمام السجّاد عليه السلام كذلك ؛ فقد روىٰ الذهبي والمزّي وٱبن عساكر وٱبن حجر عن مالك بن أنس ، قال : « بلغني أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة إلىٰ أن مات . قال : وكان يسمّىٰ زين العابدين لعبادته » (55) .
وروىٰ ابن عساكر بعدّة أسانيد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : « كان أبي عليّ بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فلمّا حضرته الوفاة بكىٰ . قال : فقلت : يا أبة ! ما يبكيك ؟ فوالله ما رأيت أحداً طلب الله طلبك ، ما أقول هذا إنّك أبي .
فقال : يا بني ! إنّه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا كان لله عزّ وجلّ فيه المشيئة ، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه » (56) .
وممّا يجوز لنا الاحتجاج به في الردّ علىٰ كلام ابن تيمية ما ذكره الحفّاظ منهم بتراجم غير واحد من الأعلام بأنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، نذكر منهم :
1 ـ علي بن عبد الله بن العبّاس (57) .
2 ـ ميمون بن مهران الرقّي (58) .
3 ـ بلال بن سعد الأشعري (59) .
4 ـ عامر بن عبد الله الأسدي المدني (60) .
5 ـ مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير (61) .
6 ـ كهمس بن الحسن (62) .
7 ـ أبو عبد الله محمّد بن خفيف الشيرازي (63) .
هـذا ، وقد تقدّم عن غير واحد من أعلام العامّة القول بأنّ الإمام أبا عبد الله الحسين الشهيد عليه السلام والإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليه السلام ، كانا يصلّيان كلّ يوم وليلة ألف ركعة ، وقد روىٰ الشيخ الحرّ قول أبي حازم بذلك في الإمام السجّاد عن ولده عبد العزيز . .
* أمّا « أبو حازم » فهو : سلمة بن دينار ، من رجال الصحاح السـتّة عند أهل السُـنّة ، وصـفه الذهبي بـ : « الإمام القدوة الواعظ ، شيخ المدينة المنوّرة » ، مات سنة 133 ، 135 ، 140 هـ (64) .
* وأمّا ابنه « عبد العزيز » : فمن رجالها كذلك ؛ قال ابن حجر : « صدوق فقيه » (65) .
وروىٰ الشيخ الحرّ ـ رحمه الله ـ خبر صلاة الإمام الرضا عليه السلام ألف ركعة في كلّ يوم وليلة عن الإمام نفسه في قصّة القميص الذي أعطاه دعبل الخزاعي ـ رحمه الله ـ وقد جاء الخبر في ذلك في غير واحد من مصادرنا ، ولعلّ من أقدمها رواية الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ ومجمل ذلك هو (66) :
قصّة القميص :
دخل دعبل علىٰ الإمام الرضا عليه السلام فقال له : يا بن رسول الله ! إنّي قد قلت فيكم قصيدةً وآليت علىٰ نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك .
فقال له الإمام عليه السلام : هاتها يا دعبل .
فأنشده . . . إلى أن قال :
أرىٰ فيئـهم في غيرهم متقسّماً |
وأيديهم من فيئهم صفراتِ |
فجعل الإمام يردّد هذا البيت ويبكي ويقول : صدقت يا دعبل .
فقال :
إذا وتروا مدّوا إلىٰ واتريهم |
أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ |
فجعل الإمام يقلّب كفّيه ويقول : أجل إنّها ـ والله ـ منقبضات .
فقال :
قبور بكوفان وأُخرىٰ بطيبةٍ |
وأُخرىٰ بفخٍّ نالها صلواتي | |
وقبر ببغداد لنفسٍ زكيّةٍ |
تضمّنها الرحمٰن في الغرفاتِ |
فقال له الإمام عليه السلام : أفلا أُلحق لك بهذا الموضـع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ » .
قال دعبل : بلىٰ يا بن رسول الله .
فقال الإمام :
وقبر بطوسٍ يا لها من مصـيبةٍ |
ألحّت علىٰ الأحشاء بالزفراتِ | |
إلىٰ الحشر حتّىٰ يبعث الله قائماً |
يفرّج عنّا الغمّ والكرباتِ |
فقال دعبل : لا أعلم قبراً بطوس ، لمَن هذا القبر ؟
قال عليه السـلام : ذاك قبري ، ولا تمضي الأيّام والليالي حتّىٰ يصـير مختلف شـيعتي ، فمَن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة .
ولمّا فرغ دعبل من إنشاد قصيدته أعطاه الإمام عليه السلام صرّةً وجبّة خزّ ، وٱنصرف دعبل .
فلمّا كان في الطريق اعترض اللصوص القافلة وأخـذوا كلّ ما كان معهم ، وجلسوا ناحيةً يقتسمون ما سلبوه ، فتمثّل أحدهم بقول دعبل : أرىٰ فيئهم . . . فقال له دعبل : لمَن هذا البيت ؟ قال : لرجل من خزاعة يدعىٰ : دعبل بن علي . فقال : أنا دعبل . فردّوا علىٰ القافلة جميع ما أخذوه .
ثمّ إنّ دعبل وصـل إلىٰ قم ، فأنشد أهاليها القصيدة وأخبرهم بما أعطاه الإمام عليه السلام ، فسألوه أن يبيعهم الجبّة فأبىٰ ، فلحقه جماعة منهم وأخذوا منه الجبّة ودفعوا إليه ألف دينار بدلاً عنها ، فطلب منهم قطعةً منها ليضـعها في كفنه فأعطوه .
وفي هذه القصّة فوائد :
أوّلاً : ذكر طرف من عبادات الإمام الرضا عليه السلام .
وثانياً : علم الإمام بالمغيّبات ؛ ففي القصّـة علىٰ ذلك دلالات .
وثالثاً : مسألة التبرّك بالنبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وعقيدة المسلمين بمختلف الفرق منذ صـدر الإسلام ، ولعلّنا نشرح هذا الموضوع في الموضـع المناسب إن شاء الله تعالىٰ .
ورابعاً : التأمّل والتدقيق في ألفاظ ومضامين النصوص الواردة قد يوصل إلىٰ معانٍ أكثر عمقاً ؛ فالنصّ المذكور يصف الّذين استولوا علىٰ القافلة بـ : « اللصوص » ، ويذكر أنّ : رئيسهم كان يصلّي ، وقد حلّ كتاف دعبل وجميع أهل القافلة ، وردّ ما أُخذ منهم إليهم ؛ لكرامة دعبل ، وهذه قرائن يمكن أن نستظهر منها أنّ هؤلاء لم يكونوا لصوصاً همّهم السلب والنهب فقط ، بل هم من المضطهدين الثائرين علىٰ ظلم الخليفة ، وأنّ استيلاءهم علىٰ القافلة هو بعض أعمالهم في محاربة الخليفة وتضعيف سلطانه في البلاد .
وجاء خبر صلاة الإمام الرضا عليه السلام عن أبي الصلت الهروي أيضاً في رواية أُخرىٰ . .
* أمّا أبو الصلت الهروي ـ وهو عبد السلام بن صالح ـ : فمن علماء الحديث والكلام ، خَدَمَ الإمام الرضا وروىٰ عن كبار العلماء ورووا عنه .
وقد ذُكر في كتب الحديث والرجال ، لا سـيّما بمناسبة روايته حديث « مدينة العلم » ، وهو : عن أبي معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » .
هذا الحديث الصحيح الدالّ علىٰ أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من سائر الصحابة أجمعين ، فحاول بعض النواصب الطعن فيه بالقدح في أبي الصلت ، لكنّ جماعةً من أعاظم أهل السُنّة انبروا لإثبات صحّة الحديث وللدفاع عن وثاقة أبي الصلت . وإنْ شئت التفصيل فارجع إلىٰ الجزء الحادي عشر من كتابنا الكبير نفحات الأزهار .
* وتبقىٰ قضـيّة سجن الإمام الرضا عليه السلام في سرخس ، وهي مدينة بين « نيسابور » و « مرو » ؛ يقول الراوي : « لمّا قدم عليّ بن موسىٰ الرضا عليه السلام نيسابور أيّام المأمون ، قمت في حوائجه والتصرّف في أمره ما دام بها ، فلمّا خرج إلىٰ مرو شيّعته إلىٰ سرخس ، فلمّا خرج من سرخس أردت أن أشيّعه إلىٰ مرو ، فلمّا سار مرحلةً أخرج رأسه من العماريّة وقال لي : يا عبد الله ! انصرف راشداً فقد قمت بالواجب وليس للتشييع غاية . . . » (67) .
ومن هذا الخبر يظهر أنّ الإمام عليه السلام لم يتوقّف في « سرخس » ، بل توجّه إلىٰ مرو مباشرةً ؛ قال المسعودي : « وصل إلىٰ المأمون أبو الحسن علي بن موسىٰ الرضا وهو بمدينة مرو ، فأنزله المأمون أحسن إنزال » (68) .
ثمّ إنّه في سنة 201 جعل المأمون الإمام عليه السلام وليّ عهده ، بإشارةٍ من الفضل بن سهل الذي كان وزيره ومدبّر أُموره ، فلمّا بلغ خبره العبّاسيّين ببغداد ساءهم ذلك ، فأخرجوا إبراهيم بن المهدي وبايعوه بالخلافة ، والفضل يخفي الأخبار عن المأمون ، حتّىٰ بلغه الخبر ، فغضب علىٰ الفضل وندم من ولاية عهد الإمام عليه السلام ، فعزم علىٰ المسير إلىٰ بغداد ومعه الإمام الرضا والفضل بن سهل .
روي عن الحسن بن عباد ـ وكان كاتب الرضا عليه السلام ـ قال : دخلت عليه وقد عزم المأمون بالمسير إلىٰ بغداد ، فقال الرضا : يا بن عباد ! ما ندخل العراق ولا نراها . قال : فبكيت وقلت : آيستني أن آتي أهلي وولدي . فقال : أمّا أنت فستدخلها ، وإنّما عنيت نفسي (69) .
أمّا الفضل ، فقد احتال المأمون عليه حتّىٰ قتله في حمّامٍ بسرخس ، وهناك سجن الإمام عليه السلام في دارٍ كما في الرواية عن أبي الصلت .
وأمّا الإمام عليه السلام ، فقد احتال عليه حتّىٰ سمّه ؛ قال ياسر الخادم : لمّا كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتلّ أبو الحسن عليه السلام ، فدخلنا طوس وٱشتدّت به العلّة ، فبقينا بطوسٍ أيّاماً (70) ، فلمّا قضىٰ نحبه أمر المأمون بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبر هارون ، وذلك في سـنة 203 (71) .
وينبغي الإشارة هنا إلىٰ نقاط :
1 ـ ذكر الخطيب البغدادي ، وعنه ابن عساكر : أنّ الإمام عليه السلام مات بسرخس (72) ، وهو غلط فاحش ، إلّا أنّ صدوره من مثلهما ليس بغريب .
2 ـ قد ذكرت المصادر أنّ المباشر لقتل الفضل غيلةً في الحمام بسرخس هو خال المأمون وٱسمه : غالب ، وأضافت عدّة منها أنّه قد تعاون معه في ذلك أربعة من مماليك المأمون ـ وفي بعضها : من خواصّه ـ لكنّه جعل لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار ، فقالوا له : أنت أمرتنا بقتله . فأنكر وضـرب أعناقهم (73) !
3 ـ قد تكلّم بعض العلماء في أخبار أنّ المأمون قد سمّ الإمام عليه السلام ، مستدلّين بأنّه قد توجّع له وأظهر الحزن عليه ، لكنّه استدلالٌ عجيبٌ ؛ فقد رأينا المأمون يجعل عشرة آلاف دينار لمن جاء بقتلة الفضل ثمّ يضرب أعناقهم وقد أمر هو بقتله ! !
وأيضاً ، فقد أظهر حزناً شديداً لمصرع الفضل وعزّى والدته وقال : إنّ الله أخلفني عليك بدل ابنك .
فبكت وقالت : كيف لا أحزن علىٰ ولدٍ أكسبني ولداً مثلك (74) ؟
وبعد . .
فإنّ خبر سجن الإمام عليه السلام في سرخس يحتاج إلىٰ دراسة أكثر !
* * *
(6) امتحنوا شيعتنا بثلاث
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال :
« امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة ؛ كيف محافظتهم عليها ؟ وعند أسرارهم ؛ كيف حفظهم لها عند عدوّنا ؟ وعند أموالهم ؛ كيف مواساتهم لإخوانهم فيها ؟ » (75) .
بيان :
إنّه ليس كلّ مَن يدّعي شيئاً تُسمع دعواه ، ويُقبل منه ما يقول . .
ومَن ادّعىٰ التشـيّع لأهل البيت عليهم السلام تُقبل منه الدعوىٰ كيفما كان ؟ !
من الناس مَن يدّعي « الحـبّ » لأهل البيت ، ومنهم مَن يدّعي « التشـيّع » لهم ، لكنّ الحـبّ صفة نفسانية وحالة باطنية تبرزها الإطاعة للمحـبوب « فإنّ المحبّ لمَن يحبّ مطيع » ، أمّا « التشيّع » فمفهومٌ لا يتحقّق إلّا بالطاعة .
والحبّ من المفاهيم المشكّكة ، فهو يقبل القلّة والكثرة ، والشدّة والضعف ، لكنّ « التشيّع » لا يصـدق إلّا بالاتّباع المطلق ؛ فمَن تابع أهل البيت عليهم السلام في بعض الأُمور ولم يتابعهم في البعض الآخر ـ فضلاً عن أنْ يخالفهم ـ فليس بشيعةٍ لهم . .
ولذا جاء عن الإمام عليه السلام : « والله ما أنا بإمامٍ إلّا لمَن أطاعني ، فأمّا مَن عصاني فلست له بإمام .
لِمَ يتعلّقون باسمي ؟ !
ألا يكفّون اسمي من أفواههم ؟ ! » .
أي : فالّذين يدّعون التشـيّع ويقولون نحن جعفريّة ولا يطيعون عليهم أنْ يكفّوا اسم الإمام من أفواههم ، إنّه يقول : « فوالله لا يجمعني الله وإيّاهم في دار » (76) .
وقد أمر الإمام عليه السلام بامتحان من يدّعي التشيّع لهم بثلاثة أُمور كلّ منها يشير إلىٰ بعد من الأبعاد الأساسيّة في الحياة الفردية والاجتماعية :
1 ـ البعد العبادي :
فالصلاة ـ في البعد العبادي في مدرسـة أهل البيت عليهم السلام ـ : « عمود الدين ، مثلها كمثل عمود الفسطاط ، إذا ثبت العمود ثبتت الأوتاد والأطناب ، وإذا مال العمود وٱنكسر لم يثبت وتد ولا طنب » (77) .
ويقول عليه السلام : « أحبّ الأعمال إلىٰ الله عزّ وجلّ : الصلاة » (78) .
ويقول : « أوّل ما يحاسب به العبد : الصلاة ، فإنْ قُبلت قُبل سائر أعماله ، وإذا رُدّت رُدّ عليه سائر عمله » (79) .
وقال رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ علىٰ الصلوات الخمس لوقتهنّ ، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله العظائم » (80) .
بل قال صلّىٰ الله عليه وآله : « ما بين الكفر والإيمان إلّا ترك الصلاة » (81) .
ولعلّه لهذا السبب قدّم الإمام عليه السلام الصلاة في الذكر علىٰ غيرها في روايتنا .
2 ـ البعد الاجتماعي :
الظاهر ـ بقرينة قوله عليه السلام : « عند عدوّنا » ـ أنّ المراد هو : الأسرار المتعلّقة بالمذهب لا الأسرار الشخصيّة في الشؤون الفردية ، وإنْ لم يبعد إرادتها كذلك . .
لقد لاقىٰ أهل البيت عليهم السلام منذ اليوم الأوّل أنواع الظلم والأذىٰ من الحكّام الظالمين ، فإنّهم لم يألوا جهداً مدّة ملكهم في القضاء علىٰ الأئمّة وذرّية رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، فكانوا بين قتيل وأسير وهارب وخائف ، فلا تجد في بلاد الإسلام بلدةً إلّا وفيها قبرٌ لأحدهم تشارك في قتله الأُمويّون والعبّاسيّون ، أو مات شريداً بعيداً عن أهله ووطنه . .
ثمّ بذل أعوان الظلمة غاية جهدهم معهم في إخمال ذكر أهل البيت وإطفاء نورهم ، وحملوا الناس علىٰ شتمهم وسبّهم ولعنهم علىٰ المنابر ، وإخفاء فضائلهم وستر مناقبهم .
وما لاقىٰ أهل البيت من الأعداء لوناً من الشدائد والمحن إلّا لاقاه أتباعهم ، وما قاسوا نوعاً من الظلم إلّا قاساه أشياعـهم ؛ فلماذا داسوا بطن عمّار ، ونفوا أبا ذرّ ، وقتلوا حِجراً وعمرو بن الحمق . . وجرىٰ ما جرىٰ علىٰ الكميل ورشـيد الهجري وميثم التمّار . . واتّصل البلاء ولا يزال إلىٰ يومنا هذا ؟ !
أمّا محو أسماء الشيعة من الديوان ، وحرمانهم من العطاء ، وردّ شهاداتهم في المحاكم . . . فهذا أقلّ ما وقع عليهم ، حتّىٰ إذا احتاج إلىٰ أكلةٍ أو شربةٍ باع ثوبه ، وإلّا عاش بحسرةٍ أو مات فقراً . .
ثمّ ما اكتفوا بذلك ، فأحدثوا المذاهب والأقوال في مقابل الدين ومذهب أهل بيت سـيّد المرسلين ، ووضعوا المدارس ونصبوا فيها المدرّسـين وحملوا الناس علىٰ الانتماء إليها ، حتّىٰ نشأ أبناؤهم عليها وكادوا لا يعرفون غيرها . .
في مثل هذه الظروف ، التي لا يجرأ أحد علىٰ ذكر حديث عن أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين ، بل لا يمكنه أن يتفوّه باسمه ، حتّىٰ جاء في رواية عن أبي عبد الله عليه السلام : « إيّاكم وذكر عليّ وفاطمة ؛ فإنّ الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر عليّ وفاطمة » (82) ، كان من الطبيعي أن يأمر الأئمّة عليهم السلام بـ « الكتمان » و « التقيّة » ، وينهوا عن « الإذاعة » .
ولعلّ الفرصة تسنح لنا أن نتكلّم عن ذلك ببعض التفصيل في موضع آخر إن شاء الله تعالىٰ .
3 ـ البعـد الاقتصادي :
يقول عليه السلام : « وعند أموالهم ؛ كيف مواساتهم لإخوانهم فيها ؟ » .
وفي رواية أُخرىٰ : « اختبروا إخوانكم بخصلتين ، فإن كانت فيهم وإلّا فاعزب ثمّ اعزب ثمّ اعزب : المحافظة علىٰ الصلوات في مواقيتها ، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر » (83) .
و « البرّ » في « العسر واليسر » هو : « المواساة » .
وقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام وقد قيل له : إنّ الشيعة عندنا كثير . فقال : « فهل يعطف الغني علىٰ الفقير ؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ؟ ويتواسون ؟ فقلت : لا . فقال : ليس هؤلاء شيعة ، الشيعة مَن يفعل هذا » (84) .
فهو في هذا الخبر ينفي أن يكون غير المواسي لأخيه الشيعي شيعيّاً .
وفي الخبر السابق يقول في مَن ليست فيه هذه الخصلة : « فاعزب ثمّ اعزب ثمّ اعزب » ، أي : ابتعد عنه ، قالها ثلاث مرّات لا مرّة واحدة ، وهي عبارة أُخرىٰ عن أنّه ليس من الشيعة ؛ لأنّ الأئمّة طالما يأمرون شيعتهم بالتواصل والتقارب فيما بينهم . . .
للموضـوع صلة . . .
الهوامش
1. وسائل الشيعة 4 / 255 ح 5078 و 5079 .
2. سورة الجمعة 62 : 2 .
3. وسائل الشيعة 27 / 34 ح 33145 .
4. سورة التوبة 9 : 119 .
5. كتاب التوحيد ـ للشيخ الصدوق ـ : 152 .
6. وسائل الشيعة 27 / 69 ح 33223 .
7. وسائل الشيعة 27 / 69 ح 33224 . وسنشرح بالتفصيل انتشار العلوم عنهم في موضـعه ؛ فانتظر .
8. وسائل الشيعة 27 / 92 ح 33297 .
9. الظاهر أنّه معمر ـ وهو ابن راشد ـ وأنّه قتادة ـ أي ابن دعامة ـ فالصحيح « عن » بدل « بن » .
10. في هذه الرواية : « والذي بعث محمّداً ـ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ـ بالحقّ بشيراً ونذيراً ، لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفيس كربته أفضل من حجّة وطواف . . . » .
11. سورة الأحزاب 33 : 6 .
12. قاعدة حديثية مستفادة من النصوص ، يستدلُّ بها في البحوث عند الخاصّة والعامّة .
13. وسائل الشيعة 1 / 122 ح 308 ـ 312 .
14. سورة طه 20 : 82 .
15. توجد ترجمته في تذكرة الحفّاظ 3 / 1200 ، سير أعلام النبلاء 18 / 268 ، الجواهر المضـيّة في طبقات الحنفية 2 / 496 ، منتخب السياق في تاريخ نيسابور : 463 ، وغيرها .
16. المتوفّىٰ سنة 430 ؛ المنتخب من السياق : 107 ، العِبَر 2 / 262 ، شذرات الذهب 3 / 245 .
17. المتوفّىٰ سنة 369 ؛ سير أعلام النبلاء 16 / 287 .
18. المتوفّىٰ سنة 294 ؛ تاريخ بغداد 13 / 50 ، سير أعلام النبلاء 12 / 116 .
19. المتوفّىٰ سنة 245 ؛ الجرح والتعديل 1 / 196 ، الثقات 8 / 104 ، الكاشف 1 / 129 ، تهذيب الكمال 3 / 210 .
20. صحيح الترمذي 4 / 256 ، الثقات 5 / 151 .
21. تهذيب الكمال 4 / 346 ، سير أعلام النبلاء 5 / 220 ، تقريب التهذيب 1 / 115 .
22. شواهد التنزيل 1 / 492 .
23. سورة الشورىٰ ٤٢ : ٢٣ .
24. تاريخ دمشـق 42 / 65 .
25. تاريخ دمشق 42 / 66 .
26. وسائل الشيعة 1 / 32 ح 47 .
27. وسائل الشيعة 1 / 30 ح 40 .
28. وسائل الشيعة 3 / 239 ح 3510 .
29. وسائل الشيعة 17 / 125 ح 22157 .
30. وسائل الشيعة 17 / 127 ح 22161 .
31. وسائل الشيعة 3 / 280 ح 3651 .
32. وسائل الشيعة 3 / 279 ح 3649 .
33. وسائل الشيعة 3 / 280 ح 3654 .
34. وسائل الشيعة 3 / 238 ح 3509 .
35. وسائل الشيعة 3 / 239 ح 3511 .
36. وسائل الشيعة 3 / 241 ح 3516 .
37. وسائل الشيعة 3 / 235 ح 3499 .
38. وسائل الشيعة 3 / 237 ح 3503 .
39. وسائل الشيعة 3 / 238 ح 3508 .
40. ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد : 90 ، تهذيب الكمال 6 / 252 وغيرهما .
41. تاريخ دمشق 13 / 295 ، البداية والنهاية 8 / 44 .
42. منتخب مذيّل تاريخ الطبري : 19 .
43. شرح نهج البلاغة 16 / 22 .
44. وسائل الشيعة 1 / 76 ح 171 .
45. وسائل الشيعة 1 / 76 ح 170 .
46. وسائل الشيعة 1 / 76 ح 170 .
47. وسائل الشيعة 1 / 86 ح 202 .
48. سفينة البحار 6 / 218 باب العين « عرف » .
49. سفينة البحار 6 / 16 باب العين « عبـد » .
50. غُرر الحِكم ـ للآمـدي ـ 2 / 142 .
51. بحار الأنوار 25 / 287 .
52. بحار الأنوار 25 / 277 .
53. منهاج السُـنّة 2 / 176 .
54. العقد الفريد 4 / 384 ، المختصر في أخبار البشر 1 / 191 ، وغيرهما .
55. تذكرة الحفّاظ 1 / 75 ، تهذيب التهذيب 7 / 269 ، تهذيب الكمال 13 / 241 ، تاريخ دمشـق 41 / 378 .
56. تاريخ دمشـق 41 / 379 .
57. الطبقات الكبرىٰ 5 / 313 ، الثقات 5 / 160 ، تهذيب الكمال 20 / 390 ، البداية والنهاية 8 / 306 ، سير أعلام النبلاء 5 / 253 .
58. تاريخ دمشق 61 / 367 ، تهذيب الكمال 29 / 226 ، تذكرة الحفاظ 1 / 99 ، سير أعلام النبلاء 5 / 77 .
59. تاريخ دمشق 10 / 484 ، تهذيب الكمال 2 / 292 ، سير أعلام النبلاء 5 / 90 ، البداية والنهاية 9 / 380 .
60. تاريخ دمشق 26 / 17 ، صفة الصفوة 3 / 202 .
61. سير أعلام النبلاء 7 / 29 ، الإصابة 2 / 276 ، صفة الصفوة 2 / 176 ، ميزان الاعتدال 4 / 118 ـ 119 .
62. سير أعلام النبلاء 6 / 316 ـ 317 ، حلية الأولياء 6 / 211 ، صفة الصفوة 3 / 314 .
63. تاريخ دمشق 52 / 414 .
64. سير أعلام النبلاء 6 / 96 .
65. تقريب التهذيب 1 / 508 .
66. انظر تفصيل القصّـة في : عيون أخبار الرضا عليهالسلام 2 / 263 ، إكمال الدين وتمام النعمة : 373 .
67. عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 147 ـ 148 ، وكذلك في معجم البلدان 3 / 208 .
68. مروج الذهب 4 / 28 حوادث السنة 200 ؛ وٱنظر : بحار الأنوار 49 / 142 ـ 143 .
69. الأنوار البهيّة ـ للشيخ عبّاس القمّي ـ : 233 ـ 234 .
70. الأنوار البهيّة : 233 ـ 234 .
71. بحار الأنوار 49 / 142 ـ 143 .
72. تاريخ بغداد 10 / 182 ، تاريخ دمشـق 33 / 281 ـ 282 .
73. سير أعلام النبلاء 10 / 284 وٱنظر الهامش ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم 10 / 112 .
74. سير أعلام النبلاء 10 / 99 ـ 100 .
75. وسائل الشيعة 4 / 112 ح 4650 .
76. وسائل الشيعة 16 / 238 ح 21453 .
77. وسائل الشيعة 4 / 27 ح 4424 .
78. وسائل الشيعة 4 / 38 ح 4454 .
79. وسائل الشيعة 4 / 34 ح 4442 .
80. وسائل الشيعة 4 / 112 ح 4648 .
81. وسائل الشيعة 4 / 42 ح 4468 .
82. وسائل الشيعة 16 / 238 ح 21454 .
83. وسائل الشيعة 12 / 148 ح 15903 .
84. الكافي 2 / 173 .
مقتبس من مجلّة : تراثنا / العدد : 79 ـ 80 / الصفحة : 7 ـ 50
التعلیقات