آراء العلماء حول رؤية الهلال
الشيخ محمد كنعان
منذ 3 سنواتآراء العلماء حول رؤية الهلال
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (1)
موضوع الخلاف بين مراجعنا الكرام حول موضوع الهلال ، بالحقيقة نريد أن نحكي عن الأمور بأسمائها ، هناك خلاف في الرأي حول موضوع الهلال بين ما كان عليه المرحوم السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ الذي كان يقول بوحدة الأفق ، فيما هو مشترك ليلي ، يعني : اذا اشتركنا مع بلد آخر في ليل أو جزء الليل كأن نشترك مع أمريكا في بعض الليل.
نعم ، هذا أفق واحد ، فإن شاهده أولئك اجتزئنا برؤيتهم إن كانت الرؤية ضمن الضوابط الشرعيّة.
وأمّا سماحة السيد السيستاني ـ حفظه الله ـ فيرى أن البلدان لها آفاق متعدّدة فلا أقصد بالبلدان ما رسمه سايكس بيكو الضابط الفرنسي والأنجليزي لا يقصد ذلك قد يكون في بلد واحد عدّة آفاق كاختلاف الأفق بين البصرة والرمادي. فهو يرى تعدّد الآفاق فإذا ثبت في مكان ما ، في دولة ما ، ليس بالضرورة أن يثبت رؤيته في المناطق المجاورة.
فالسيّدان ـ رحم الله ـ السيّد الخوئي و ـ حفظ الله ـ السيّد السيستاني يرون بأن الرؤية هي المعتمدة يعني كيف يثبت الهلال بالرؤية إذا رؤيته كان حجّةً عليك أو بشهادة عدلين ممّن لا يتلونان بشهادتهما ممّن لا تتعارض شهادتهما ، أو بمضي ثلاثين يوم من الشهر الماضي ، أو بالشياع ، كأن يروه آلاف من الناس في يومٍ واحد.
السيّد الخوئي يرى أن في ثبوته بحكم الحاكم موضع إشكال حتّى السيّد السيستاني رأيه قريب من هذا الرأي وإن كان بتفصيل.
وأمّا الانتقال من حالة الحكم الشرعي إلى حالات أخرى كولادة الهلال أو ما شاكل ذلك فلم تعتمد من قبل أئمّتنا عليهم السلام ـ وبكلّ بساطة ـ الحسابات كانت موجودة من خمسة آلاف عام ، وليس من زمن النبي صلّى الله عليه وآله ؛ بل في الرواية عندما يكتب للمعصوم عليه السلام وان من الحسابين ، وليس من المنجّمين من قبلنا ، إنه يقول يرى في مصر وإفريقيا والأندلس (2) ـ لاحظ خطّ العرض تماماً ـ ؛ فما تقول ؟
عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظنّي ولكن بالرؤيّة ». (3)
لأن لو كان المدار ولادة الهلال ما تضبط مع أيّ أحد حقيقة ؛ لأن إذا ولدَ الآن الهلال ماذا نفعل وما نقول للذين الآن في أمريكا : أوقفوا الأكل ! وادفعوا كفّارة ! وهذا يوم واجب صيامه ! ما هذا الكلام ! وماذا نفعل نحن ، نقضي اليوم ؟! وفي اليابان الآن صار عندهم الصباح ، ما نقول لهم : صوموا الآن ؛ فلا أحد من المسلمين يلتزم بولادة الهلال.
ونحى البعض منحى آخر ، فقال : ولادة الهلال مع إمكان رؤيته ، فكيف إمكانيّة الرؤية ؟
على سبيل المثال : إمكانيّة الرؤية في البحرين ـ ونسبة الرطوبة 90 بالمئة ـ غير إمكانيّة الرؤية بهماليا ، حيث الجو صافي. فعند ما تراه في هضبة التبت للقمر يحتاج أن يستجمع 30 ألف من الضوء فترة الرؤية ، أمّا في الأمارات العربيّة المتّحدة في أجواء الرطوبة الآن يحتاج أن يستجمع 45 ألف من الضوء لكي نرى القمر.
إذن ، الموضوع لم يعد موضوع علمي ، فصار سباق في القدرة على الرؤية بين بلد وآخر وبين جهة وآخرى وبين تلسكوب وآخر. مثلاً الآن نجد بعض المراصد يقولون تستطيع أن ترى القمر بعد 13 ساعة من ولادته ، ومراصد أخرى تقول بعد 13 ساعة و45 دقيقة ، ومرصد ثالث يقول 16 ساعة ، فأين هو العلم في ذلك ؟! هذا ظنّ ، والله لا يعبد بالظنّ ، ومن بعد ذلك هل توجد قاعدة علميّة يمكن الاستناد اليها.
ثمّ هي فكرةٌ فاتت الله ورسوله والأئمّة والتقطناها نحن كيف ذلك ؟!
ما كان قادر رسول الله صلّى الله عليه وآله يسأل جبرئيل ، ويقول له وأنت نازل هل رأيت الهلال ، أم لا ؟ وأئمّتنا لم يقولوا لنا أحسبوا ، فإن وصلتم بالحساب إلى ولادته ، فأحسبوا بعد ولادته 14 ساعة. هل هم يتفنّون بتعذيبنا ؟! أم هم رحمةٌ لنا ؟! فإنّهم قالوا : « إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا » (4).
أذن ، الرواية يشترك فيها الفقير والغني ، فلم يجعل الله أحكام لأهل الشمال يفتخرون بها على أهل الجنوب الفقير صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. قد يكون حد بصر هذا الفقير المكتحل أكثر بكثير من الغني المترف ، فجعل الله علامة متساوية للجميع « صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية » (5).
الهوامش
1. البقرة : 189.
2. وسائل الشيعة « للحرّ العاملي » / المجلّد : 10 / الصفحة : 297 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 3.
3. وسائل الشيعة « للحرّ العاملي » / المجلّد : 10 / الصفحة : 252 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 3.
4. وسائل الشيعة « للحرّ العاملي » / المجلّد : 10 / الصفحة : 297 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 3.
5. وسائل الشيعة « للحرّ العاملي » / المجلّد : 10 / الصفحة : 253 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 3.
التعلیقات