الإمام محمد الباقر عليه السلام
السيد هاشم الهاشمي
منذ 6 أشهرالإمام محمّد الباقر عليه السلام
اسمه « محمّد » ومن أشهر ألقابه « الباقر » ، « باقر العلوم » ، وكنيته « أبو جعفر » أبوه : الإمام السجاد ، واُمه : فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام ، ولد أوّل رجب سنة « 57 » هجريّة في المدينة ، ومدّة إمامته : « 19 » عاماً وعشرة أشهر من سنة « 95 » إلى « 114 ». وخلفاء زمان إمامته : الوليد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك من خلفاء بني اُمية ، واستشهد بالسمّ في المدينة يوم الاثنين 7 ذي الحجة سنة « 114 » بأمر هشام بن عبد الملك ، ومرقده الشريف في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.
تقسّم حياته لمرحلتين :
1 ـ ثلاث سنوات وستة أشهر وعشرة أيام مع جدّه الحسين عليه السلام ، وأربع وثلاثين عاماً وخمس عشر يوماً مع أبيه السجاد.
2 ـ مرحلة إمامته : « 19 » عاماً وشهران وعشرة أيام. حيث كانت بدايات الصراع بين الاُمويين والعباسيين ، استفاد منها الإمام عليه السلام في تربية الطلاب ، ونشر مفاهيم الإمامية ، وسعی في سبيل إيجاد التحوّل الثقافيّ بين المسلمين.
امتاز الإمام عليه السلام حسب مرحلته بالعلم ، وقد أذعن له العلماء حتى من سائر المذاهب الإسلامية ودرسوا علی يديه ، ولذلك سمّي « باقر العلوم » ، وقد نشأ في مدرسته مجموعة من أعلام الإمامية ، أمثال أبان بن تغلب وزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم وغيرهم.
دور الإمام الباقر عليه السلام :
1 ـ نشبت كثير من الثورات في عصر الإمام عليه السلام ضد النظام الاُموي ، ولكن الإمام
عليهالسلام لم يشارك في هذه الثورات لأنّ الظروف لم تكن مهيّئة للمشاركة فيها.
2 ـ قام بتوعية المسلمين وبناء جيل من المتعلّمين الواعين والفقهاء الكبار من أجل
بناء قاعدة إسلامية شيعية ، تحمل راية الإسلام في المستقبل وتتصدّى لمظاهر الإنحراف.
3 ـ الوقوف بشدة أمام التيارات الفكرية المنحرفة وإظهار الحقيقة الإسلامية التي جاء
بها القرآن وبشّر بها النبي صلىاللهعليهوآله ، حيث كان يتميز باحتجاجاته العلميّة ضد الخصوم
المعاندين لمذهب أهل البيت عليهمالسلام التي نقلتها مختلف المصادر.
4 ـ مدرسة الإمام الباقر عليهالسلام : إنّ سياسة بعض الخلفاء المعاصرين له كانت متساهلة
بعض الشيء ، دفعت الإمام عليهالسلام إلى أن يقوم بنشاط إسلامي فكري وعلمي كبير
لمواجهة التيّارات المنحرفة وقد ذكرت لنا كتب السير مئات من العلماء والفقهاء الذين
تخرّجوا من جامعة الإمام الباقر عليهالسلام والذين ألّفوا مئات الكتب التي تتحدّث عن آرائه
وعلومه.
الإمام الباقر عليهالسلام وعبد الملك بن مروان :
كانت الدراهم والدنانير التي يتعامل بها المسلمون في عهد الاُمويين من صنع الروم ،
وذات مرّة ساءت العلاقات بين ملك الروم والدولة الاُموية ، فهدّد ملك الروم أن يسبك
الدراهم وعليها عبارة تشتم النبي صلىاللهعليهوآله ، فضاق عبد الملك الخليفة بالأمر ، لأنّ عدم التعامل
قد يؤدّي إلى أزمة اقتصادية ، فعرض عبد الملك الأمر علی الإمام الباقر فعلّمهم الإمام عليهالسلام
طريقة ضرب النقود في خطّة يستحيل معها التلاعب في وزن الدراهم والدنانير أو
تزويرها. وقال الإمام عليهالسلام إذا فعلت ذلك فأمر بالتعامل بها ، وهدّد المخالفين بأشدّ
العقوبات ، وبذلك انقطع الطريق أمام ملك الروم واستغنی المسلمون عن نقوده.
استمرّت مدرسة الإمام الباقر عليهالسلام مدة « 18 » عاماً ، خلّفه بعدها ولده الإمام الصادق
عليهالسلام الذي عاش في الفترة التي سقطت فيها الدولة الاُموية ، وقامت علی إنقاضها الدولة
العباسية.
وقد ورد من الإمام عليهالسلام الكثير من الروايات والأقوال في مختلف المجالات نكتفي
بذكر وصية من وصاياه لأحد تلامذته « جابر بن عبد الله الجعفي » يقول عليهالسلام :
« واعلم أنّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ولا عقل كمخالفة
الهوی ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنی
كغنی النفس ولا قوة كغلبة الهوی ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستضعاف الدنيا ، ولا
معرفة كمعرفتك بنفسك ولا نعمة كالعافية ولا عافية كمساعدة التوفيق ... » (1).
__________________
(1) بحار الأنوار 75 : 164.
الإمام الباقر عليهالسلام
إذا كنت في موقفٍ حائرٍ
وجرحك عاد بلا جابر
وسُدَّت بوجهك كلّ الدروب
وعُدت وحيداً بلا ناصر
فوجّه خطاك لآل الرسول
توسّل إلى الله بالباقر
سيدفع عنك صروف الزمان
لتنعم في ظلّه الناضر
إمامٌ تفجّرَ فيض العطاء
مدى الدهر من علمه الوافر
لقد بقر العلم لمّا همی
من الغيب في قلبه الطاهر
ليكتب للخلق نهج الفلاح
لدنياه والعالم الآخر
لتنهل منه جميع القلوب
أفانين من بحره الزاخر
وكل إمام له دوره
لحفظ الهدی النابض الزاهر
ليبقى أصيلاً تراث الرسول
من الزيف في الزمن الماكر
فدور الحسين ضحايا تخيف
قوى البغي بالموقف الثائر
مدى الدهر يبقى نداء الحسين
فهل للرسالة من ناصر
وأدوار بعض كراماتهم
تشدّ لها أعين الناظر
ودور الإمام بحفظ الشريعة
في عالم بالهوى سادر
وهبّ وصادق آل الرسول
لنشر الهدى في المدى الغابر
وحفظ الأحاديث من زائفٍ
يُحرّف فيها ومن قاصر
وقد عبقت عبر دنيا الوحول
نسائم نشر الهدی العاطر
وقد خفّفت عاصفات المتاه
من سطوة الحاقد الزاجر
هنالك إذ أشغل الظالمين
صراعٌ علی سلطة الحاضر
طويل المناجاة في ليله
تقدّس من قائمٍ ذاكرِ
ويطرق سراً بيوت الجياع
لتُطعَم من بذله الساتر
ويكدح في الزرع حتى يعيش
كريماً على كدّه الشاكر
وينشر بين الورى علمه
ونور الهدى طاب من ناشر
وإن جاءه مكربٌ عاثرٌ
فتهمي عطاياه للعاثر
تصدّى لنشر تراث النبي
أصيلاً برغم قوى الجائر
أحاديثه الكُثر أرست لنا
دعائم مذهبنا العامر
كراماته وعباداته
حديث الجميع بلا ناكر
تشدُّ إليها قلوب العباد
لتهدى إلى نوره الباهر
وتفزع منها قوى الجائرين
وتغلي على حقدها الغادر
وراحت تخطّط كيف تصدُّ
مسيرة زحف الهدى الآسر
فدسّت له السمَّ في ظنّها
ستُسكت صوت الهدى الهادر
وقد خسأت إنّه خالدٌ
مدى الدهر في نهجه الظافر
ربيع الثاني 1428
مقتبس من كتاب : [ أنوار الولاء ] / الصفحة : 99 ـ 106
التعلیقات