جون مولى أبي ذر
الشيخ ذبيح الله المحلاتي
منذ 4 أشهرجون مولى أبي ذر
ذكره الشيخ وأبو علي وابن داود والمامقاني وصاحب الإصابة وأُسد الغابة وإبصار العين واللهوف والمناقب وشرح الشافية وغيرهم (1). وكان جون مولى أبي ذر عبداً أسود من أهل النوبة ، وكان الفضل بن عبّاس بن عبد المطّلب مولاه فاشتراه أمير المؤمنين بمائة وخمسين ديناراً ووهبه لأبي ذر ليخدمه ، وبقي عند أبي ذر حتّى نفاه عثمان إلى الربذة فذهب معه إلى الربذة إلى أن توفّي أبو ذرّ عاد إلى المدينة في العام الثاني والثلاثين أو الواحد والثلاثين ، واتصل بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام وعاش معه وبعد شهادته لجأ إلى الأمام الحسن عليه السلام وبعد شهادته لجأ إلى الإمام الحسين عليه السلام وكان يقوم على خدمة الإمام زين العابدين عليه السلام إلى أن خرج الإمام الحسين من المدينة إلى مكّة ومنها إلى كربلاء ، فكان جون معهم.
قال : يريد النهار ، والجون الأسود ، ومن الأضداد ، والجمع جون ـ بالضمّ ـ مثل قولك : رجل أصمّ وقوم صُمّ ، والجون من الخيل ومن الإبل الأدهم الشديد السواد ، والجونة عين الشمس ، وإنّما سمّيت جونة عند مغيبها لأنّه سود حين مغيبها ( كذا ).
وفي الزيارة الرجبيّة : « السلام على جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري ».
وفي شرح الشافية : برز جون بن جوي إليهم فقاتل حتّى قتل من القوم عشرين رجلاً ثمّ استشهد.
( منه )
أقول : قال ابن حجر : ( الجوي ) بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب التيمي ، مختلف في صحبته ، وسأذكره في القسم الرابع إن شاء الله. ( راجع : الإصابة ، ج 1 ص 256 ) وذكره في القسم الرابع ، فقال : جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم التميمي ، تابعيّ ، غلط بعض الرواية فوصل عنه حديثاً أسقط اسم صحابيه فذكره لذلك البغوي وغيره الصحابة وأبوه صحابيّ يأتي في موضعه. ( الإصابة 1 : 271 ) فأنت ترى أنّ صاحب الترجمة عربيّ وليس مولى ، ولا ذكر لأبي ذر في الترجمتين اللتين أوردناهما ، ويظهر لي أنّ المؤلّف رحمه الله غير دقيق في ضبط الأسماء أو أنّه ينقل عمّن لا دقّة له وهذا هو الأجدر به لفضله وعلمه الواسع رحمه الله. ( المترجم )
وذكر الطبري وابن الأثير وصاحب مقاتل الطالبيّين أنّ جون ماهر في صنع السلاح وكانت بصيرته تامّة به ، وله قدرة على ترميمه لذلك لم يكن ليلة عاشوراء مع الحسين في الخيمة سواه ( يعالج سيفه ويصلحه ) (2).
روى الشيخ المفيد في الإرشاد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال : إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه ، وأبي يقول :
يا دهر أُفّ لك من خليل |
كم لك بالإشراق والأصيل |
|
من صاحب أو طالب قتيل |
والدهر لا يقنع بالبديل |
|
وإنّما الأمر إلى الجليل |
وكلّ حيّ سالك سبيلي |
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتّى فهمتها وعرفت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأه ، ومن شأن النساء الرقّة والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه ، فقالت : وا ثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن .. الخ (3).
وقال السيّد في اللهوف : ثمّ برز جون مولى أبي ذر وكان عبداً أسود ، فقال له الحسين عليه السلام : أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقنا ( فوقع جون على قدمي أبي عبد الله يقبّلهما ويقول : ) يا بن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم ، والله إنّ ريحي لنتن ، وإنّ حسبي للئيم ولوني لأسود وريحي لنتن ، فتنفّس عليَّ بالجنّة لتطيب ريحي ويبيضّ لوني ، لا والله لا أُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ( فاذن له الحسين ) ثمّ برز رضوان الله عليه (4) وهو يرتجز يقول :
كيف ترى الفجّار ضرب الأسود |
بالمشرفيّ القاطع المهنّد |
|
أحمي الخيار من بني محمّد |
أذبّ عنهم باللسان واليد |
|
أرجو بذاك الفوز عند المورد |
من الإله الواحد الموحّد |
إذ لا شفيع عنده كأحمد
وحمل عليهم حملة منكرة حتّى نال الشهادة رضوان الله عليه.
وقال في منتهى الآمال بأنّه قتل خمساً وعشرين رجلاً أرسلهم إلى دار البوار حتّى استشهد ، فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال : اللهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمّد صلّى الله عليه وآله.
روى الصدوق في الخصال عن الباقر عن أبيه السجّاد عليهما السلام ، قال : إنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك ...
وهذه أبيات في رثاء جون :
آزادهٴ فرخنده نسبْ جونِ نکونام |
کز خدمت شه يافت نکونامى ايّام |
|
ناليد وهمى گفت بشاهنشه اسلام |
کاين بنده که پرورده از آن سفرهٔ انعام |
|
زين چشمهٔ توفيق چرا در نکشد جام |
کز بهر نثار تو بپرورده مرا مام |
گر خون سياهست تو را قابل قربان
هر چند که بويم بته رنگ سياهست |
پاکيزه وروشن شود ار قابل شاهست |
|
با مهر تواَم چهره سيه خيرت ماه است |
سرگشتهٔ راه تور دادار گواه است |
|
اين است مقصد وجان واقف راه است |
درشاه پرستى همه را رتبه وجاه است |
منهم بفداى تو غلامِ درِ ايشان
مقابلة بالعربيّة ..
لقد زاد عزّاً في الزمان تطامنت |
له غرر الأحساب جون بجهده |
|
غداة سما إذن الجهاد بنفسه |
ونال بسيف قاتل نجم سعده |
|
وقال لمولاه الحسين ودمعه |
يسيل كغيث هاطل فوق خدّه |
|
أمولاي إنّي العبد عند قصاعكم |
فهل يمنع المولى شهادة عبده |
|
لعلّي أنال المجد تحت لوائكم |
وهل يرتقي الإنسان إلّا بمجده |
|
أرى الفوز في لقيا الحمام بساحكم |
كراضٍ بلسع النحل من أجل شهده |
|
ولوني وريحي قد هوى بي كلاهما |
فدعني ينلني المجد سيفي بحدّه |
|
ولا حسبي زاكٍ ولا الأصل صالح |
فلا تحرم العبد الجنان بردّه |
|
عساني أنال الخير عند محمّد |
وأصبح يوم الحشر من بعض جنده |
|
فيبيضّ وجهي أو تطيب أرومتي |
ويعذب ريحي إذ أفوز بوعده |
|
أقيل غداة الروع تحت أراكه |
وأسعد في اللأواء في ظلّ رنده |
|
ويخلد ذكري في الزمان ومن ينل |
رضاكم غداً يوم القيامة يجده |
|
وأسعد في لقيا التبولة إذ ترى |
دم السبط يلقى المزج في دم عبده (5) |
معراج المحبّة :
شهش فرمود کاى عبد وفادار |
تو آزادى از اين ميدان پيکار |
|
تو تابع آمدى ما را براحت |
ميفکن خويش را در رنج و زحمت |
|
غمين شد جان جون سختْ پيمان |
بشه گفت اين سخن با چشمِ گريان |
|
بپروردم بسى بى رنج و زحمت |
ز باقى ماندهٔ آن خان نعمت |
|
نمک نشناسى اى شه از پليدى است |
فدا گشتن جزاى کاسه ليسى است |
|
نسب باشد لئيم وچهرهام تار |
تنم بى قدر وخونم همچه مردار |
|
بمن منّت نه اى دادار گردون |
که گردد رشک مشک نافهام خون |
|
نمىخواهى که روى تيرهٔ من |
شود چون مهر روز حشر روشن |
|
سيه خون را چه سر در جنگ بازم |
به خونهاى شما مخلوط سازم |
|
اجازت يافت جون با سعادت |
روان شد سوى ميدان شهادت |
|
ز هستى رو سوى ملک بقا کرد |
شه آمد بر سر بالين دعا کرد |
|
ز تأثير دعاى شاه شافع |
ز جسمش بود بوى مشک شافع |
|
تنش ديدند همچون نقره پاک |
چه ماه افتاد از افلاک بر خاک |
مباراة بالعربيّة :
قال له مولاه يا عبدي الوفي |
إنّك حرّ فتحمّل أو قف |
|
تبعتنا تطلب منّا العافية |
ونعمة لدى الكرام وافيه |
|
إيّاك أن تقذف في هذا القضا |
نفساً وإن كان لك القتل رضا |
|
قد عشت فينا عمراً مستعبداً |
مضيّعاً فلا تكن لنا الفدا |
|
فغصّ بالدمع وقال سيّدي |
سوف ترى الكفّار ضرب الأسود |
|
قضيت عمري لاحساً قصاعكم |
وكم شبعت حين نلت صاعكم |
|
فهل ترى لي أن أدير ظهري |
وقد قضيت في فناكم عمري |
|
أهرب من هذا الردى إلى ردى |
هيهات حتّى أغتدي لك الفدى |
|
ضِعةُ أصلي وسواد لوني |
لذاك أُدعى بينهم بالجون |
|
رائحتي ينفر منها الشمّ |
وليس لي أب هنا أو عمّ |
|
كيف أُخلّيك وحيداً فردا |
قد حشد الرجس عليك الجندا |
|
مننت من قبل وأكثرت المنن |
فمن هذا اليوم بالقول الحسن |
|
وأذن لكي ألتحف الشهاده |
فإنّها من بعدها السعاده |
|
رائحتي تطيب مثل أصلي |
ولم تطب إلّا بحسن الفعل |
|
ويشرق الجبين منّي بالسنا |
ملتمعاً ساعة أحظى بالمنى |
|
وما المنى غير جهاد بالسيف |
حين به آخذ منهم حيفي |
|
ألست ترضى سيّدي للوني |
بأن يكون كالسناء الجون (6) |
|
ويغتدي المسك إذا المسك انفتق |
يقول هذا ريح جون من نشق |
|
والله لا برح أو تنساب |
دمائنا ويُصبغ التراب |
|
إن مازجت دمائكم دمائي |
فذاك عندي غاية الرجاء |
|
أُرضي به الله واُرضي المصطفى |
مولاي قلبي للقائه هفا |
|
فنال إذناً من أبي الأحرار |
وصال فيهم مثل ليث ضاري |
|
وخضّب الأرض النجيع الأحمر |
وسيفه صاعقة تدمر |
|
ومذ هوى للأرض من جواده |
أقبل مولاه إلى وساده |
|
وفوق خدّه أقام خدّه |
وأسعد الله بهذا جدّه |
|
وقال أنت الحرّ نعم الحرّ |
والحرّ يوم الروع لا يفرّ |
|
إنّ الذي أرادك عبد قنّ |
مستبعد النفس بما يكنّ |
|
سوف يظلّ الوجه منك ساطعا |
حتّى تلاقي في النشور الشافعا |
|
وقال من واراه في التراب |
كالشمس أشرقت من الحجاب |
|
وريحه يذكو كريح السند |
وفاز دون غيره بالسعد |
الهوامش
1. يقول في الإصابة : جون بن جوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي مولى أبي ذر الغفاري ، مختلف في صحبته. والجون الأبيض ، وأنشد أبو عبيدة في ذلك :
غيّر يا بنت الجليس لوني |
مرّ الليالي واختلاف الجون |
2. ليس في الكتب المذكورة إلّا الجملة التي وضعناها بين قوسين ، فراجعها.
3. الإرشاد ، ج 2 ص 93. والعجب من الشيخ المفيد كيف يزعم أنّها وثبت حاسرة ومعنى حسر يعني كشف ( راجع الصحاح ) وهل يرضى المسلم أن تخرج خفرة الوحي أمام ناظر أخيها حاسرة أي مكشوفة الوجه والرأس ، وهذه من هفوات العلماء التي ينبغي إعادة النظر فيها.
4. المؤلّف جعل عبارة اللهوف العربيّة في الهامش وترجمتها في المتن إلّا ما كان بين قوسين فإنّه زيادة منه ، راجع اللهوف ، ص 64.
5. على عادتي في الترجمة أتناول قطعة الشعر فألمّ ببعض معناها ثمّ أنظم قطعة شعريّة قريبة الشبه بها وإن لم تكن ترجمة لها ، وهذا عندي أجدى من ترجمتها نثراً. ( المترجم )
6. الجون : من أسماء الأضداد ، يقال للأبيض جون كما يقال للأسود.
مقتبس من كتاب : فرسان الهيجاء / المجلّد : 1 / الصفحة : 106 ـ 113
التعلیقات