هل كل ما ينطق به النبي محمد صلى الله عليه وآله من الوحي ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 3 سنواتالسؤال :
هل كل ما ينطق به النبي محمد صلى الله عليه وآله من الوحي ؟!
ان كان كذلك فلماذا قال له الله سبحانه وتعالى ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ ) ؟! فالله سبحانه وتعالى لن يأمره أو يوحي إليه بشيء ثم ينهاه عنه مباشرة.
وان كان ليس كلّ كلامه وحي ، فكيف نفرق بين الوحي و غير الوحي في ما ينطق به النبي محمّد صلى الله عليه وآله ؟
الجواب :
قد يجاب عن ذلك بجوابين :
أوّلاً : الوحي على أقسام ومنه الإلهام الربّاني.
وقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) [ النجم : 3 ـ 4 ] ، ناظر إلى جميع ما يصدر من النبي صلّى الله عليه وآله من المنطق والكلام ، حتّى في الأمور الإعتياديّة. لكن بعض ما ينطق به ، هو من قبيل الوحي الإصطلاحي ، أيّ يوحى إليه بواسطة جبرئيل أو ملك آخر ، والبعض الآخر من قبيل الإلهام الإلهي.
وأمّا قوله تعالى : ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ ) [ التحريم : 1 ] ؛ فليس معناه انّ النبي صلّى الله عليه وآله تكلّم بكلام ، ثمّ نهاه الله تعالى عنه ، بل كان كلامه بإذن الله ، وإلهامه لحكمة ومصلحة.
ثمّ أراد الله تعالى أن يبيّن انّ النبي صلّى الله عليه وآله ، انّما حرّم على نفسه ما أحلّ الله تعالى ، لأجل إرضاء زوجاته ، ومن باب الاتّفاق والارفاق ، ولا منافاة بين ان يلهم الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله ، بأن يحرم على نفسه الحلال وينطق بذلك ، ثمّ يبيّن ان هذا التحريم ليس نافذاً.
وانّه انّما حرّم على نفسه الحلال لأجل إرضاء زوجاته. والحكمة في ذلك بيان الحكم الإلهي بصورة عمليّة وواضحة ، مضافاً إلى بيان سوء معاشرة بعض أزواج النبي صلّى الله عليه وآله معه ، بحيث اضطرّ إلى الإلتزام بترك ما هو حلال عليه.
وثانياً : قد يلتزم بانّ الآية المباركة تختصّ بأحكام الدين ومعارفه وتشريعاته ، وكلّ ما ينطق به النبي صلّى الله عليه وآله من باب تعليم شرائع الدين.
وأمّا الكلام العادي والعرفي ، فهو يصدر عنه باختياره ولا يكون مجبراً عليه ، ولا حاجة إلى الوحي الإلهي فيه ، لكن معذلك الله تعالى يسدّده ويوفقه.
وبناء على ذلك نقول : لم يصدر ما نطق به النبي صلّى الله عليه وآله حينما حرّم على نفسه الحلال بالوحي الإلهي ، وانّما هو عمل طبيعي ، ولما كان فيه نوع من الضيق على النبي صلّى الله عليه وآله ووقوعه في الحرج والمشقّة ، أراد الله تعالى ان يجعله في سعة وراحة ، فأوحى إليه : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ). وإذا كان فيه نوع من العتاب ، فلأجل انّ الله تعالى يحبّ النبي صلّى الله عليه وآله ، ويشفق عليه ، ولا يريد ان يقع في ضيق وشدّة.
وبناء على ذلك ، فالوحي الإلهي يرتبط بأمور الشريعة المقدّسة وأحكامها وتشريعاتها ، وأمّا ما سوى ذلك ، فهو من قبيل الكلام أو الفعل العادي.
والجواب الأوّل هو الأصحّ.
التعلیقات