المهدي والمسيح الخصائص والهدف المشترك
سحر جبار يعقوب
منذ 14 سنةالمهدي والمسيح الخصائص والهدف المشترك
الباحثة: سحر جبار يعقوب/ أستاذة القانون العام ـ كلية القانون
خطة البحث
المقدمة
المبحث الاول: ماهية الخصائص المشتركة
بين عيسى المسيح (عليه السلام ) والامام لمهدي(عج)
المطلب الاول: مرحلة الطلب قبل الولادة
المطلب الثاني: ملابسات الولادة المباركة(
الفرع اللاول: خفاء الولادة
الفرع الثاني: النطق
الفرع الثالث: النشأة
المطلب الثالث: الغيبة والاختلاف(
الفرع الاول: الغيبة
الفرع الثاني: الاختلاف
المبحث الثاني: الهدف المشترك
المطلب الاول: استلام المهمة الالهية
المطلب الثاني: صلاة النبي عيسى (عليه السلام ) خلف الامام (عج )
المطلب الثالث: دور عيسى (عليه السلام ) في دولة الامام (عج )
الفرع الاول: تخفيف حالة الاحتقان السياسي بين الامام (عج) وحكومات الغرب
لفرع الثاني: هداية البشرية(
الفرع الثالث: قتل الدجال
الفرع الرابع: المسيح (عليه السلام ) ضمن التشكيلة الحكومية للامام (عج )
الخاتمة
المصادر
المقدمة
أن المشكلة الأولى التي تعاني منها البشرية في عالم اليوم وخصوصاً المسلمين. هي حالة التخبط الناشئة من فراغ عقائدي. مما دعى الكثير من ضعفاء النفوس من المتسلقين على أكتاف الآخرين من استغلال هذا الفراغ بغية الوصول الى بعض المكاسب الدنيوية. لهذا ولغيره وجدنا من المفيد الاشارة ولو بعدة وريقات الى مسألة التشابه بين الامام الغائب(عج) والمسيح(عليه السلام ) كونهما يشتركان في اقامة الدولة العالمية.
واذا كان موضوع الامام المهدي (عج) قد حظي بهذا القدر الواسع من الاهتمام من قبل الباحثين في الدراسات الإسلامية. لذا فان ضرورة الإلمام بهذا الموضوع تستدعي التوقف أمام أهم الخصائص المشتركة بين الإمام (عج) وعيسى(عليه السلام ) , ثم بيان الهدف المشترك الذي يجمع هذان الشخصين وأخيرا, سندرج خاتمة تؤكد على أهم ما تم الخروج به من البحث. مع الاشاره الى إننا قد أثرنا القضية بشكل مختصر من دون الخوض في بعض التفاصيل التي نجد انفسنا غير مؤهلين علمياً لدراستها كوننا لسنا من اهل الاختصاص.
املين أن تكون بداية موفقة
المبحث الأول
ماهية الخصائص المشتركة بين عيسى المسيح (عليه السلام )
والإمام المهدي(عج)
توجد ثمة مشتركات تجمع الإمام المهدي (عج) مع النبي عيسى(عليه السلام ) لذا حاولنا في هذا المبحث الخوض في بيان تلك الخصائص وإيراد بعض منها في ثلاث مطالب:
تناول الأول منها مرحلة الطلب قبل الولادة، أما الثاني فقد أشار الى ملابسات الولادة في حين تطرق الثالث إلى الغيبة والاختلاف.
المطلب الأول: مرحلة الطلب قبل الولادة
- ورد في الوصية الثانية من الإنجيل الأول بلفظ الأجيال وفيها ذكر مولد عيسى المسيح وإقبال مجوس من المشرق إلى بيت المقدس يقولون أين هو ملك اليهود لأننا رأينا نجمة في المشرق فقدمنا لندخل في طاعته فلما سمع الملك اضطرب وتشاءم وجمع رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا في بيت لحم من أرض يهوذا هو مكتوب نبي(1). ما ورد في هذه الوصية يؤكد لنا معرفة علماء المجوس المسبقة بولادة نبي الله عيسى(عليه السلام ) من خلال أشارات موجودة في كتبهم والتي تؤكد ولادته وبيان تلك الحادثة وكيفية التنبؤ من خلال ظهور نجمة في السماء لذلك جدوا في طلبه للدخول في طاعته والأيمان برسالته في مقابل هذا الموقف نجد المعسكر الأخر الذي يمثل ملك اليهود هيردوس الذي عزم على معرفته لا لشيء سوى القضاء عليه والتخلص منه خوفاً على سلطانه من هنا تجد أن نقطة الالتقاء الأولى بين عيسى المسيح (عليه السلام ) والإمام المهدي (عج) هي عزم السلطات القابضة على طول الخط في اكتشاف أمر الوليد للتخلص منه. وقبل الدخول في محاولة السلطة العباسية البحث عن الأمام المنتظر (عج) وتصفيته كان من اللازم علينا أن نذكر وبإيجاز إلى ما يشير إليه مصطلح مهدي. لاشك أن المحدثين والأدباء والشعراء استخدموا كلمة مهدي لكل شخص تلبس بالهدى والصلاح ودعا إلى الحق والخير والصراط المستقيم. كما استعملها رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ألا أن هذه الكلمة أصبحت علماً على الأمام الثاني عشر(عج ) بما تعنيه في الروايات الواردة على لسان الخاتم (صلى الله عليه واله وسلم ) وأئمة الهدى (عليهم السلام ) فقضية المهدي المنتظر (عج) ليست من مختصات الفكر الشيعي , اذ قد ذهب إلى الخوض في لجج هذه الفكرة جماعة من الكتاب العرب والمستشرقين لان الاعتقاد بوجود مصلح منتظر يخلص البشرية مما تتخبط فيه وتعانيه أمر شائع في كل الديانات سواء أكانت سماوية أم غير سماوية . من كل هذا نرى أن دولة الظلم والقابضين على السلطة فيها كانت جادة في طلب الأمام على مر الأزمان لوجود علم مسبق إذ أن من يقيم دولة الحق والعدل الإلهي شخص يحمل مؤهلات ومواصفات معينة لا تتوافر في أحد منهم هذا الشخص مؤيد ومسدد بقدرة إلهية تجعله قادر على إعادة العباد إلى حظيرة العبادة بعد الابتعاد عنها. هذا المنقذ يزيل دولة الشرك من على وجه الأرض ويفتح هذا العالم على عوالم أخرى قصرت عقولنا عن إدراكها . أذن قضية المهدي المخلص قضية لا غبار عليها. فقد روى أحاديث المهدي بالذات جماعة من أهل السنة في صحاحهم كالترمذي، وأبي داو ود، والحاكم ابن ماجة، وأسندوها الى جماعة من خيار الصحابة كعلي بن أبى طالب(عليه السلام )، وابن عباس ، وابن عمرو ، وابن مسعود، وطلحة، وأم سلمة وغيرهم(2).
كما أكد الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) في عشرات المناسبات على قضية المهدي إذ تواترت النص عليه من الأئمة(عليهم السلام ) واحد بعد أخر لا سيما الأمام الحادي عشر وخلال الشهور الأخيرة من شهادته تأكيداً منه على إمامته وبحضور ثقاة الصحابة و خواصهم كما انه استخدم طريقة المشاهدة لتثبيت إمامة الأمام الحجة (عج ) والتأكيد على ولادته ووجوده ونفي كل ما قيل بعدم ولادة ولد للإمام العسكري(عليهم السلام )(3).
لذلك بات من اللازم أن تتخذ تدابير الغيبة وإجراءاتها بما يضمن الإبقاء على هذا الأمام حياً بعيد عن السلطة العباسية التي تعاملت مع الأطروحة المهدية تعاملاً حقيقيا ومن المؤكد ان من يعيش هذه الهواجس والأفكار سيتعامل مع ألائمه ( عليهم السلام) تعاملاً مشوبا بالحذر والخوف فقد وضعت العيون وفرضت الإقامة الجبرية على بعض الأئمة السلام عليهم) ولاسيما الأمام العسكري(عليه السلام ) اذ تم اتخاذ إجراءات أمنية كفيلة بدرء الخطر أو تطويقه على اقل قدر قبل استكمال مرحلة الولادة يهذا كانت السلطة جادة في جميع المعلومات ووضع العيون حتى أن بيت الأمام العسكري(عليه السلام ) لم يسلم من ذلك الهدف هو معرفة الوليد والقضاء عليه ألا أن القدرة الإلهية والمشيئة الربانية شاءت أن تخفى ولادته حتى عن اقرب الناس.
المطلب الثاني
ملابسات الولادة المباركة
في هذا المطلب يجد الفرد العديد من نقاط الالتقاء بين المسيح والحجة (عج )
الفرع الأول: خفاء الولادة
لقد ذكرت الروايات الشريفة ولادة النبي عيسى والإمام المهدي المنتظر (عج ) فقد كانت ولادتهما تحمل جانباً إعجازيا. إذ خفي أمر الحمل والولادة عن اقرب المقربين, ذكر القطب الراوندي في قصص الأنبياء رواية عن يحيى بن عبد الله عن أبى عبد الله (عليه السلام ) في حديث طويل، ان مريم (عليها السلام ) ظهر عليها الحمل , وكانت في وادٍ فيه خمسمائة بكر يعبدون. وقال: حملته لسبع ساعات فلما ضربها الطلق خرجت من المحراب الى بيت دير لحم(4) .
كما ورد في البحار في تفسير "واذكر في الكتاب" (5). قال: خرجت إلى النخلة اليابسة فاتخذت من دونهم حجابا قال في محرابها فأرسلنا أليها روحنا يعني جبرائيل(عليه السلام ) فتمثل لها بشراً سوياً قالت أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا فقال جبرائيل(عليه السلام ) إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاماً زكياً فأنكرت قوله إذ لم يكن من العادة أن تحمل المرأة من دون رجل. ولم يعلم جبرائيل كيفية القدرة حقاً "كذلك قال ربك هو علي هين" قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى (عليه السلام ) في الليل فوضعته في الغداة وكان حملها لتسع ساعات إذ جعل الباري الشهور ساعات(6) بعد الوقوف على هذه الرواية واستطلاع غيرها نجد أن الكل متفق على الخطوط العامة الرئيسية للولادة إلا أن الاختلاف في بعض الجزئيات التفاصيل كيفية إلقاء الروح أو مدة الحمل إلا أن مما هو مقطوع فيه أن عيسى(عليه السلام ) ولد من غير أب مثله كآدم (عليه السلام ) خلق من غير أب أو ام لذلك لا يمكن أن ينكر أحد ولادة المسيح ابن مريم(عليه السلام ) . وبالعودة إلى ولادة صاحب العصر (عج) نجد ذات الشيء إلا أننا متفقون على الأمور الكلية والجزئية المتعلقة بحادثة الولادة المباركة فقد جاء في الروايات الواردة عن أهل السنة والشيعة الصحيحة التي تثبت أن السيدة نرجس لم تعلم بالحمل ألا قبل الولادة بلحظات ويدل على ذلك قول السيدة حكيمة عمة الإمام العسكري(عليه السلام) التي نقلت حادثة الولادة وكل ما يتعلق بها. فقد ورد في اكمال الدين أنه بعث أليها الأمام فقال يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فأنها ليلة النصف من شعبان فان الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه فقالت من أمه؟ قال نرجس قالت له: والله جعلني فداك ما بها اثر حمل فقال : هو ما أقول لك، قالت: فدخلت فلما سلمت وجلست جاءت لتنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي كيف امسيت؟ فقلت: بل أتت سيدتي وسيدة أهلي فأنكرت قولي وقالت: ما هذا ياعمة؟ فقلت: يا بنية أن الله سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيداً في الدنيا والآخرة فجلست واستحييت ثم قال لي أبو محمد(عليه السلام ) إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل فان مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لان فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى(عليه السلام ) و هذا نظير موسى(عليه السلام )(7). يظهر في هذه الرواية أن السيدة نرجس لم تظهر عليها علامات الحمل التي تظهر على النساء في الحالة الاعتيادية للحمل مما يدلل على خفاء ولادة الأمام وأن ولادته كانت نوعا من الأعجاز لا سيما وأن السلطة العباسية كانت في أعلى درجات الخوف واتخاذ الإجراءات الأمنية المشددة التي تعبر عن حالة الهيجان التي يعيشها النظام خوفاً من ولادة من يزيل عرشهم.
الفرع الثاني: النطق
لا نقصد بهذا العنوان القدرة على النطق الاعتيادية التي تكون حينما يبلغ الطفل المرحلة العمريه الني تؤهله لذلك , و إنما قصدنا الحالة الإعجازية وهي التكلم في ظلمة الرحم والتكلم بعد الولادة مباشرة بحيث يستحيل على أقران الطفل التحدث في تلك السن المبكرة. لقد أشارت الروايات أن عيسى(عليه السلام ) تكلم في بطن أمه وبعد وضعه مباشرة ليعلم أمه كيفية تجهيزه ثم لينفي عنها ما اتهمها به بنو إسرائيل حينما جاءت به تحمله فقد ورد في البحار أن مريم حينما وضعت عيسى(عليه السلام) نظرت أليه وقالت: " يا ليتني مت قبل هذا أو كنت نسياً منسيا" ماذا أقول لخالي؟ وماذا أقول لبني إسرائيل؟ فناداها عيسى(عليه السلام ) من تحتها؟ " ألا تحزني قد جعل ربك عنك سريا" أي نهرا "هزي ألبك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا"علما أن النخلة كانت يابسة منذ دهر طويل مدت يدها فأورقت وأثمرت و سقط عليها الرطب الطري وطابت نفساً فقال لها المسيح: قمطيني ثم افعلي كذا وكذا ثم قال لها: فكلي واشربي فأما ترين من البشر أحد فقولي أنى نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسيا.(8)
هذا مورد تكلم فيه المسيح(عليه السلام ) ولعل المورد الأخر حينما جاءت به تحمله إلى قومها فلما رأوها فزعوا واختلفوا في شأنه فقال بعضهم هو الله وقال البعض هو عبد الله ونبيه. وقالت اليهود ابن الله ورد عن يزيد الكناسي قلت للصادق(عليه السلام) كان عيسى حين تكلم في المهد حجة الله جلت عظمته على أهل زمانه؟ قال: كان يومئذ نبيا وحجة على زكريا في تلك الحالة وهو في المهد وقال: كان آية للناس ورحمة من الله لمريم حينما تكلم وعبر عنها ونبيا وحجة على من سمع كلامه في تلك الحالة لعل المسيح(عليه السلام ) تكلم رحمة لامه كي يبرء ساحتها مما أصابها من بني إسرائيل بعدما قذفوها بالزنا حينما قالوا (يأخت هارون لقد جئت شيئاً فرياً) وقبل هذا تكلم المسيح في بطن أمه فقد روى مجاهد أنه قال: قالت مريم إذا كنت خلوت حدثني وكلمني واذا كنت بين الناس سبح في بطني(9). وقد روى أن أم يحيى قالت لمريم بنت عمران أني أرى ما في بطني يسجد كما في بطنك. ولعل هذا تفضيل لعيسى على يحيى بن زكري(10).
وعند مقارنة هذه الحالة مع ولادة المصلح العالمي نجد أن السيدة حكيمة تروي أنه كما ظهرت أثار الحمل فجأة على السيدة نرجس طلب الأمام العسكري(عليه السلام ) منها أن تقرأ عليها سورة القدر. تروي السيدة حكيمة كلما قرأت أية أجابني الجنين بنفس الآية، فضلاً عن هذا تروي أنه لما ولد الخلف الصالح ولد ساجداً يتلقى الأرض بمساجده . . . فصاح أبو محمد(عليه السلام ) هلم الي ابني يا عمة، فجئت به إليه فوضع يده تحت إليته وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه و أمر يده على عينه وسمعه ومفاصله ثم قال: تكلم با بني؟ فقال: اشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ثم صلى على علي أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم(11).
قال إبراهيم بن محمد وحدثتني نسيم خادمة أبي محمد(عليه السلام ) وقالت: قال لي صاحب الزمان (عج) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده. فقال لي: يرحمك الله قالت نسيم: ففرحت بذلك. فقال لي: ألا أبشرك في العطاس؟ فقلت بلى: قال: هو امان من الموت لثلاثة أيام(12).
الفرع الثالث: النشأة
مما يشترك به المسيح(عليه السلام ) والأمام المنتظر (عج) هو النشأة المخالفة لنشأة الأطفال فقد ورد عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر عن الأمام الباقر(عليه السلام ) لما ولد عيسى(عليه السلام) كان ابن يوم كأنه ابن شهرين فلما كان ابن سبعة اشهر أخذته والدته و أقعدته عند المعلم فقال المؤدب: قل بسم الله الرحمن الرحيم قال عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال المؤدب: قل أبجد فقال : يا مؤدب ما أبجد؟ وأن كنت لا تدري فاسألني حتى أفسر لك قال فسره لي: فقال عيسى(عليه السلام ) الألف الاء الله , الباء بلهجة الله , الجيم جمال الله , والدال دين الله , أما تفسير هوز الهاء هول جهنم , الواو ويل لأهل جهنم، الزاي زفير جهنم حطي، الحاء حطت الخطايا على المذنبين والمستغفرين. كلمن كلام الله لا مبدل لكلماته سعفص صاع بصاع والجزاء , بالجزاء , قرشت قرشهم فحشرهم. فقال المؤدب: أيها المرأة لا حاجة له إلى التعليم(13).
أما الأمام الغائب (عج) فقد دلت الروايات ومنها ما ذكرته السيدة حكيمة أن نشاته كانت بصورة تخالف نشأت الأولاد العادية تذكر أنه بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه ألي أبن أخي (عليه السلام) فدعاني فدخلت عليه فأذا أن بصبي يتحرك يمشي بين يديه فقلت: يا سيدي هذا ابن سنتين فبتسم (عليه السلام ) ثم قال: أن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة فانهم ينشئون على خلاف ما ينشأ غيرهم وأن الصبي إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة وأن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عز وجل وعند الرضاعة تعطيه الملائكة، وتنزل عليه كل صباح ومساء قالت السيدة حكيمة. فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوماً إلى أن رايته رجلاً قبل مضي ابو محمد(عليه السلام ) بأيام قلائل فلم اعرفه فقلت لابي محمد(عليه السلام ) من هذا الذي تأمرني أن اجلس بين يديه؟ فقال: أين نرجس وهو خليفتي من بعدي(14). من كل هذا نخرج بنتيجة هي هؤلاء أناس مختارون من قبل الباري لقيادة البشرية ولاستلام مهمة الهية وهي إقامة دولة عالمية على الأرض لذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يوجد مثل هذا التشابه الواضح بين الطرفين.
المطلب الثالث: الغيبة والاختلاف
مما يلتقي به المسيح (عليه السلام ) والإمام المنتظر(عج) هو الغيبة إذ كانت لكل منها غيبة مع اختلاف في تفاصيل كل غيبة فضلاً عن هذا أختلف الناس بشأن هذين الشخصين ولعلنا سنذكر في هذا المطلب ذلك.
الفرع الأول: الغيبة
(تضاربت الروايات في بيان جزئيات رفع المسيح إلى السماء ألا إننا سنقتصر على رأي بعض المفسرين بشأن الآية الكريمة "يا عيسى اني متوفيك ورافعك ألي " فقد ورد في تفسير هذه الآية أقوال منها:ـ
1ـ أنى متوفيك، أي قابضك ألي وافياً لم ينالوا منك شيئاً من قولهم توفيت منك كذا وكذا أي تسلمته.
2ـ أنى متوفيك وفاة نوم ورافعك الي في النوم من قوله "هو الذي يتوفاكم بالليل .
3ـ ما قال ابن عباس: وفاة موت. وقال: انه توفاه أي أماته ثلاث ساعات.
أما النحويون فيقولون:ـ هو على التقديم والتأخير أي ( رافعك ومتوفيك ) لان الواو لا توجب الترتيب ويدل عليه ما ورد عن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) عيسى لم يمت وانه راجع(15) إليكم قبل يوم القيامة. فيكون التقدير أي قابضك بالموت نزولك من السماء وايا كانت الروايات التي تتحدث عن آلية رفع المسيح(عليه السلام ) وكيفية شبه لبني إسرائيل قتل غيره. ألا أنه مما هو مقطوع فيه أن المسيح رفع إلى السماء من غير موت و إنما يكون موته بعد نزوله واشتراكه مع الأمام المنتظر في إقامة الدولة العالمية. يذكر القرطبي في تفسيره كيفية رفع المسيح(عليه السلام ) "أنه حينما أراد اليهود قتل عيسى(عليه السلام ) هنا قال المسيح (عليه السلام ) للحواريين ايكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة؟ فقال: رجل أنا يانبي الله أما المسيح فكساه الله الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة إلى السماء"(16).
بلا أدنى شك إذا كنا نتحدث عن الغيبة فمولانا المنتظر كانت غيبة ألا أنها ليست واحدة و إنما غيبتان إحداهن أطول من الأخرى في الأولى رجع إلى اهله وكان له فيها سفراء أربع يشكلون حلقة الاتصال بينه وبين الناس . أما في الغيبة الكبرى فقد أوكل مسألة النيابة العامة إلى الفقهاء العدول ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة بمعنى أن الغيبة الكبرى لا مشاهدة فيها ولا خروج للإمام ألا بأذن الله في الوقت المحدد لتفجير الثورة التي تعمل على استئصال كل جذور الفساد والانحطاط من المجتمع .
ومن المفيد ان نذكر آلية بدء غيبة الإمام الصغرى, إذ تذكر الروايات أنه وبعد تسلم الأمام العسكري الوليد (عج) من السيدة حكيمة واستنطاقه وإرساله لامه كي يسلم عليها أخذته أحد الطيور لعله روح القدس الموكل بالأئمة (عليهم السلام ) الى السماء بينما تبعته سائر الطيور تذكر السيدة حكيمة ثم قال لي ابو محمد(عليه السلام ) يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وأتيني به فذهبت فسلم عليها وردته ثم قال (عليه السلام ) يا عمة إذا كان اليوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لا سلم على أبى محمد(عليه السلام ) وفتحت الستر لا تفقد السيد (عليه السلام ) فلم أره: فقلت جعلت فداك ما فعل بسيدي؟ فقال: يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسى(17).
أما الية الغيبة الكبرى فقد بدأت بعد وفاة السفير الرابع للإمام
الفرع الثاني: الاختلاف
اختلف بنو إسرائيل بشأن المسيح(عليه السلام ) سواء في ولادته فالبعض قال: أنه ابن الله أو هو الله أو هو نبي الله مبعوث إليهم .أو في قتله فقد قيل أنه قتل أو لا لم يقتل وهكذا تفرق اليهود بشانه . ففي رواية بإسناد عن سدير الصيرفي عن أبى عبد الله (عليه السلام ) قال: أما غيبة عيسى(عليه السلام ) فان اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل فكذبهم الباري عز وجل بقوله "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " . وبإسناد إلى محمد بن مسلم عن أبى جعفري قال: أن في القائم من أهل البيت (عليهم السلام ) شبهاً من خمسة من الرسل . .وأما شبهه من عيسى(عليه السلام ) فاختلاف من اختلف فيه قالت طائفة منهم ما ولد وقالت طائفة مات، وطائفة قالت قتل وصلب. عن أبى عبد الله (عليه السلام ) أنه قال: ينزل مع القائم تسعة آلاف ملك وثلاثمائة عشر ملكاً وهم الذين كانوا مع عيسى(عليه السلام ) لما رفعه الله إليه (18). وفي حديث طويل قال عيسى مخاطباً اليهود: أما أنكم ستتفرقون بعدي على ثلاثة فرق: فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون الصفا صادقة في الجنة ثم رفع الله عيسى أليه(19) . ذات الشيء نراه في قضية مولانا الغائب (عج ) , فقد دب الاختلاف في اصل الوجود المقدس الأمام , ذهبت جماعة من أهل العامة إلى أنه لم يولد للأمام العسكري(عليه السلام ) ولد . فقد ورد عن اسحق بن محمد بن أبو مرفوعا إلى سعد بن عبد الله قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن موسى(عليه السلام ) يقول: صاحب هذا الأمر من يقول الناس: لم يولد(20). عن جعفر بن محمد بن مسرور بن عامر عن معلى ابن محمد قال: خرج عن أبى محمد(عليه السلام ) حين قتل الزبير: هذا جزاء من افترى على الله تبارك وتعالى في أوليائه زعم أنه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة الله وولده ولد سماه م ح م د (21).
كما روى محمد بن يعقوب الكليني رفعه قال: قال أبو محمد(عليه السلام ) حين ولد الحجة (عج ) رغم الظلمة انهم يقتلوني ليقطعوا هذا النسل فكيف رأو قدرة الله وسماه المؤمل(22). وذهب آخرون إلى القول أن القائم هو الحسن بن علي(عليه السلام ) وأنه يعيش بعد موته مستندين إلى ماروي عن الصادق(عليه السلام ) إنما سمي القائم قائماً لا نه يقوم بعدما يموت. و إنما قصد الموت هنا هو موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته ومما لا ريب فيه أن القول بإمامة العسكري(عليه السلام ).
قول مردود لان الأمام العسكري(عليه السلام ) هو حادي عشر أئمة الهدى والمصلح العالمي ثاني عشر أئمة الهدى . فضلاً عن هذا ما روي عن ابي حمزة الثمالي مرفوعاً إلى سعد بن عبد الله ألا شعري أنه قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام ) تبقى الأرض بغير أمام؟ فقال : لو بقيت بغير أمام ساعة لساخت. كما ذهب جماعة إلى القول بإمامة جعفر وهذا بالتأكيد ادعاء مرفوض لان جعفر لم يكن معصوم وما يشترط في الأمام العصمة فضلاً عن كونه اعلم أهل زمانه بالأحكام(23) .
بالإضافة إلى كل هذه الآراء المطروحة نجد أن اللا مهديين جنحوا بدعاوى المهدوية السابقة إلى إنكار عقيدة الأمام المهدي (عج) في أخر الزمان من خلال الادعاء بمهدويه عمر بن عبد العزيز أو مهدوية محمد بن عبد الله والمهدي العباسي(24). ونحو ذلك من الادعاءات التي لا تجد لها أساس من الصحة.
المبحث الثاني: الهدف المشترك
يحمل هذا العنوان العديد من المواضيع التي لها من الأهمية الشيء الكثير بحيث تستوقف الفرد أمامها ليزيل الستار عما قد يحيط بها من غموض.
المطلب الأول: استلام المهمة الإلهية
لعل ما يلتقي به الأمام المهدي ( عج) مع المسيح(عليه السلام ) هو استلامهم للمهمة الإلهية في وقت مبكر بمعنى اتيانهما الحكمة واعتلائهم لهذا المنصب الجليل في وقت الصغر, فالإمام المهدي (عج) استلم ولاية العهد وهو ابن خمس سنوات صبي لم يبلغ الحلم . هذه النقطة تعد من الشبهة التي قد يطرحها المقابل على معتقدات الشيعة في إمامة الغائب المبكرة . ألا أنه يمكن الرد عليها وبكل سهولة لا سيما إذا أكدنا أن هذه المسألة الكلامية يمكن أن تفسر في أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الباري جل وعلا . وليس لأحد من الناس أي دخل أو اختيار فيها اذ يجوز أن يكون النبي صغيرا لم يبلغ الحلم ولا مانع عقلي يحول من دون ذلك لان الباري جل شأنه قادر على أن يجمع في الصبي شرائط الرسالة والإمامة إذا العقل لا يستبعد من الباري أن يتخذ أحد ولياً ويجعله رسولاً أو نبياً . فقد ورد عن يزيد الكناسى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام ) كان عيسى (عليه السلام ) حين تكلم في المهد حجة الله جلت عظمته على أهل زمانه؟ قال: كان يومئذ حين تكلم وعبر عنها نبياً وحجة على من يسمع كلامه في تلك الحال ثم صمت ثم تكلم حتى مضت له سنة وكان زكريا(عليه السلام ) الحجة على الناس بعد صمت عيسى(عليه السلام ) بسنتين مات زكريا فورثه عيسى(عليه السلام ) الكتاب والحكمة وهو صبي صغير فلما بلغ عيسى(عليه السلام ) سبع سنين تكلم بالنبوة حين أوصى الله اليه وكان عيسى(عليه السلام ) الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين(25). لعل هذا اصدق دليل وابلغ شاهد على قدرته جل وعلا في اتخاذه الأولياء والرسل صغاراً هذا , وقد ورد في بصائر الدرجات عن علي بن أسباط، وقال: رأيت أبا جعفر(عليه السلام ) وقد خرج علي فاحددت النظر أليه والى رأسه ورجله لأصف قامته لا صحابنا بمصر فخر ساجداً وقال: أن الله احتج في الإمامة ما احتج في النبوة قال تعالى "وآتيناه الحكم صبيا " وقال جلت قدرته "فلما بلغ اشده وبلغ أربعين سنة" فقد يجوز أن يعطى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يعطى الحكمة وهو ابن أربعين سنة هذا وقد ورد في ينابيع المودة عن كتاب فصل الخطاب بعد ذكر مولد المهدي قال فقالوا أتاه الله تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب في طفولته وجعله أية للعالمين كما أعطاه ليحيى وعيسى من قبل كما ذكر ابن حجر في صواعقه المحرقة بعد ذكر وفاة الأمام العسكري(عليه السلام) قال: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة (عج) عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة(26).
على آية حال فان مولانا الغائب (عج) خلف أباه في إمامة المسلمين وهذا يعني أنه كان أمام بكل ما تعنيه هذه الكلمة وبكل ما تحويه من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر فالإمامة المبكرة ظاهرة سبقه أليها عدد من آبائه فالإمام الجواد(عليه السلام ) تولى الإمامة وهو في الثامنة من العمر والإمام الهادي(عليه السلام ) تولاها وهو في التاسعة من عمره اما الأمام العسكري(عليه السلام ) فقد تولى منصب الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره الشريف . يلاحظ هذا أن الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في أمامنا المهدي (عج) والإمام الجواد(عليه السلام ) ونحن نسميها ظاهره لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آبائه تشكل مدلولاً حسياً جلياً عاشه المسلمون ورعوه في تجربتهم مع الأمام بشكل آخر.
المطلب الثاني
صلاة النبي عيسى(عليه السلام ) خلف الأمام المهدي(عج)
دلت الروايات أن المسيح(عليه السلام ) يصلي خلف الأمام المهدي(عج) وأن الأمام هو من يتقدم في الصلاة . كما وله رتبة التقدم في الجهاد , ولعل هذه الأخبار مما ثبت طرقها وصحتها عند الشيعة وكذلك ترويها السنة على حد سواء فهذا الإجماع من كافة أهل الإسلام وما عدا هذا الإجماع فقوله مردود فقد ورد عن الحسن بن علي(عليه السلام ) "ما من أحد ألا ويضع في عنقه بيعه لطاغية زمانه ألا القائم الذي يصلي روح الله عيسى (عليه السلام ) خلفه"(27). وهذا وقد يطرح تساؤل أيهما أفضل الأمام المهدي (عج) أو المأموم المسيح(عليه السلام ) في الصلاة والجهاد معاً؟ يمكن الرد على هذا السؤال إنهما قدوتان نبي وأمام وأن كان أحدهما قدوته لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الأمام إذ يكون قدوة للنبي في تلك الحالة وليس فيها من تأخذه في الله لومة لائم وهما أيضا معصومان من ارتكاب القبائح كافة والمداهنة والرياء والنفاق ولا يدعوا الداعي لا حدهما لموضع ورد الشريعة المحمدية بذلك بدليل قول الخاتم ( صلى الله عليه واله وسلم ) "يام القوم أقرأهم فان استووا فأعلمهم فان استووا فأقدمهم فان استو فأقدمهم هجرة فان استووا فاصحبهم وجهاً " فلو علم الأمام أن عيسى(عليه السلام ) أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه , وكذلك قد تحققت لعيسى أن الأمام اعلم منه لما صلى خلفه ولولا ذلك لم يسعه الإقتداء بالإمام . هذه هي درجة الفضل في الصلاة ثم الجهاد وهو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك . ولولا ذلك لم يصح لا حد جهاد بين يدي الخاتم ( صلى الله عليه واله وسلم ) ولا بين يدي غيره والدليل على صحة هذا قوله تعالى " أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة و الإنجيل و القرآن ومن أ أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " ولان الأمام المهدي (عج) يعد نائباً عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) في انه لهذا لا يبرر للمسيح(عليه السلام ) أن يتقدم على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) وكذلك نائبه (28).
المطلب الثالث
دور عيسى (عليه السلام ) في دولة الأمام (عج)
لا ريب أن للمسيح (عليه السلام ) دور في أكثر من مجال في دولة الأمام الموعود في القرآن "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين"(29) .
ويمكن أن نلمس هذا الدور في اكثر من مجال.
الفرع الأول: تخفيف حالة الاحتقان السياسي بين الأمام (عج) وحكومات الغرب
نحن نشهد لا بل نعيش اليوم حالة التخبط والتهتك التي تعيشها دول العالم الغربي , وبالتأكيد فان هذا الخط يمثل الخط المخالف لمعالم الدين الإسلامي الحنيف وخط أهل البيت الذي ينتهجه الأمام المهدي (عج) عند ظهوره الشريف , ومن المؤكد أن الأمام سيعمل على نشر الدين الإسلامي في ربوع العالم هذا الدين الذي تصفه الروايات بأنه إسلام جديد بمعنى انه سيظهر ويدعوا إلى الدين الإسلامي الذي جاء به الخاتم ( صلى الله عليه واله وسلم ) لا الذي تم التلاعب به لخدمة مصلحة دنيوية . بمعنى انه سيقضي على حالة الاحتقان الطائفي والتعصب المذهبي , اذ سيجعل دول العالم الغربي وبعض الدول العربية التي تعيش اليوم عظمتها على الأرض تدين بالمذهب الاثني عشري لهذا فان دول العالم الغربي ستعمل جاهدة على القضاء على الثورة وإخمادها والحيلولة من دون وصول نور الإسلام إلى تلك البلدان القابعة تحت الفكر والإلحاد والزندقة , لهذا نجدها ستقف بوجه الأمام وتحاول جاهدة إشعال فتيل الحرب بينها وبينه , لذا فان توقيت نزول المسيح(عليه السلام ) من السماء وصلاته خلف الأمام سيكون وسيلة لامتصاص هذه النقمة وتخفيف حدة العداء الحاصل , وعندها سيشارك المسيح(عليه السلام ) في عقد هدنة بين الأمام والروم تستمر حسب الروايات الى سبع سنين ألا أن الغرب وبالتعاون مع اليهود وتحريضهم سيغدرون بالإمام بعد ثلاث سنين أو سنتين . وبعض الروايات تذكر أن الهدنة تنقض في حمل امرأة على أية حال بعد نقض الهدنة ستقع المعركة العظيمة التي ستكون أعظم من معركة تحرير القدس , إذ سيحاول اليهود الذي هربوا من القدس تأليب حكومات الغرب ضد الإمام ألا انه وفي هذه المعركة سيتم القضاء على اليهود برمتهم(30).
الفرع الثاني: هداية البشرية
اختلف المفسرون في تفسير الآية الكريمة "وأن من أهل الكتاب ألا ليؤمن به قبل موته ".
فذهب الطبرسي أن الاختلاف وقع في أقوال منها:
1ـ أن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح (عليه السلام ) أي لا يبقى أحد من آهل الكتاب من اليهود والنصارى ألا ويؤمن بالمسيح(عليه السلام ) قبل موت المسيح(عليه السلام ) إذا انزله الله إلى الأرض وقت خروج المهدي (عج) في أخر الزمان فتصبح الملل كلها ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية ودين إبراهيم(عليه السلام ) .
2ـ أن الضمير في (به) يعود إلى المسيح(عليه السلام ) والضمير في موته إلى الكتاب ومعناه لا يكون أحد من آهل الكتاب يخرج من الدنيا ألا ويؤمن بعيسى قبل موته(31) .
ذهب علي بن إبراهيم في تفسيره مسنداً الى شهر بن حوشب قال: قال الحجاج أشهر أية في كتابي الله أعيتني فقلت: أيها الأمير أي ايه هي؟ فقال: "وان من اهل الكتاب ألا ليؤمن به قبل موته "قال أني لأمر باليهودي والنصراني فنضرب عنقه ثم ارمقه بعيني فما أراده يحرك شفتيه حتى يجمد فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت قال: كيف هو؟ قلت: أن عيسى على نبينا واله وعليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى اهل ملة يهودي ولا غيره ألا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي(عج)(32).
لا شك أن فكرة ظهور المنقذ هذه فكرة آمن بها أهل الأديان كما أسلفنا في فقرات سابقة واعتنقتها معظم الشعوب . وبناءا على هذا سيكون لظهور المسيح في العالم الغربي الوقع الأكبر لا سيما انه سيظهر في مرحلة حاسمة في العالم , إذ سيكون العالم المسيحي القوى الكبرى في العالم ويشكلون بلا منافسة أكبر عائق أمام وصول الإسلام الى شعوب تلك المنطقة لذا فان المسيح(عليه السلام ) سيلعب دورا مهما اذ سيعمل على زيارة تلك الدولة وإظهار المعاجز والكرمات والآيات , وعندئذ سيقع على عاتقه مهمة التبليغ وإيصال الدين الإسلامي الى تلك الدول ومن الطبيعي أن لظهور منقذ البشرية الموعد في الديانة المسيحية ما يؤدي إلى انتشار الفرح والسرور في شعوب تلك المنطقة لا نه المخلص لهم من الظلم والاضطهاد , وسيدخل العالم المسيحي في الدين الإسلامي(33).
الفرع الثالث: قتل الدجال
(ورد عن نعيم بن صخرة عن يحيى عن إمامه ألباهلي قال: ذكر الخاتم ( صلى الله عليه واله وسلم) الدجال فقالت له ام شريك فأين المسلمون يومئذ يا رسول الله ( صلى اله عليه واله وسلم ) قال: بيت المقدس يخرج حتى يحاصرهم وأمام المسلمين رجل صالح فيقال صل بنا الصبح فإذا كبر ودخل فيها نزل عيسى بن مريم(عليه السلام ) فإذا راه ذلك الرجل عرفه القهقري عيسى(عليه السلام ) فيقدم فيضع عيسى(عليه السلام ) يده بين كتفيه ثم يقول: صل بنا فإنما أقمت لك فيصلي عيسى(عليه السلام ) وراءه ثم يقول افتحوا الباب ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو سلاح وسيف محلي فإذا نظر الى عيسى ذاب كما يذوب الرصاص في النار وكما يذوب الملح في الماء ثم يخرج هارباً فيقول عيسى(عليه السلام ) أن لي فيك ضربة لن تفوتني بها فيدركه فيقتله فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا انطقه. . .(34)
عن جعفر بن محمد الفزاري رفعه إلى أبى جعفر(عليه السلام ) قال: ياخثيمه سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد حتى يكون خروج الدجال وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الله الدجال على يديه(35). من جملة هذه الروايات وغيرها التي تبشر بحركة الدجال ترى أن ظهوره إنما يكون بعد مدة غير قصيرة من قيام دولة الأمام وعموم الرفاهية لدول العالم وظهور العلم والتقنية الحديثة لذلك فحركته تعد حركة إباحية ناتجة من الترف والبطر.
صفوة القول هي حركة متطورة وذات أبعاد عقائدية وسياسية إذ يستخدم الدجال أحدث الوسائل في ادعاءاته وسيكون أكثر متبعية من اليهود والنساء والمراهقين والمراهقات وعندها ستحدث فتنة عند المسلمين(36). فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام ) لم انه (عليه السلام ) يجعل عيسى(عليه السلام ) خليفته على قتال الأعور الدجال يخرج أميرا على جيش المهدي يطلب الأعور الدجال وقد اهلك الحرث والنسل . .يدعو الناس لنفسه بالربوبية فمن أطاعه انعم عليه ومن ابى قتله، وقد وطئ الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس، وقد أطاعه جميع أولاد الزنا من مشارق الأرض ومغاربها ثم يتوجه الى ارض الحجاز فيلحقه عيسى(عليه السلام ) عطية على عقبة (هرثا) فيزعق عليه عيسى(عليه السلام ) زعقة ويتبعها بضربه فيذوب الدجال كما يذوب الرصاص في النار(37). نرى من هذه الرواية أن الضربة التي تقضي على الدجال انما تكون بأحدث الأسلحة العسكرية التي يستخدمها المسيح(عليه السلام ) وليست بأسلحة تقليدية كما يدعي البعض.
الفرع الرابع: المسيح(عليه السلام ) ضمن التشكيلة الحكومية للأمام (عج)
يعد عيسى المسيح(عليه السلام ) أحد أقطاب دولة الأمام المهدي (عج) إذ سيكون وزير في تلك الدولة ومن الطبيعي أن يكون للشخصيات العاملة في الدولة الموعودة الوزن والثقل الأكبر سيما انهم سيكونون من بين الأنبياء وخلفائهم والأتقياء من صالحي العصر والأمم السابقة. بمعنى أنها تركيبة حكومية خاصة تتألف فضلاً عما ذكر من عدد من أصحاب الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) تذكر الروايات أن لعيسى(عليه السلام ) دوراً في دولة الأمام اذ سيكون أما وزيراً أو نائباً للوزير أو عاملاً على بيت المال يعني أنه سيكون بتعبير اليوم وزير للمالية في دولة الأمام المرتقبة.
عن كعب أن عيسى(عليه السلام ) يقول للقائم " فإنما بعثت وزيراً ولم ابعث أميرا " وعن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) قال: وهو أي عيسى(عليه السلام ) الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه "وعنه أيضا " ينزل عيسى(عليه السلام ) ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف"(38). من جملة ما ذكر في المطلب السابق نجد أن النبي عيسى(عليه السلام ) دور هذا الدور لا يمكن التنصل عنه أو إغفاله ولو للحظة لا نه مشارك وعنصر فعال في دولة الأمام وعامل مساعد في إقامة دولة تعد آخر الدول وخاتمتها على الأرض تلك الدولة التي وعد الله بها المتقون.
الخاتمة:
تم استعراض جملة من المشتركات بين الإمام المنتظر (عج) والنبي عيسى(عليه السلام ). وقد تجاوزنا عن بعض نقاط الشبهة التي تركناها خوفاً من الوقوع في بعض الروايات غير الدقيقة لهذا توقفنا على ما وجدناه فقط وبعد اكمال فقرات هذا البحث الموجز نجد من المفيد الخروج بعدة نتائج منها:ـ
1ـ أن ظهور المسيح(عليه السلام ) وصلاته خلف الأمام المهدي(عج) إنما يكون في زمن يكون الأمام (عج) بأمس الحاجة إلى مساعد الا وهو المسيح(عليه السلام ) بمعنى أن لتوقيت نزول المسيح من الفائدة الشيء الكثير فضلاً عما يحمله من الجنبة الإلهية لا سيما أن البعض يسأل لماذا لم يكن نزول المسيح(عليه السلام ) قبل ظهور الإمام أو لا في وقت يقترب من مع ظهور الإمام لماذا لم يكن ضمن المبايعين في مكه.
2ـ أن التصدي لمسألة غيبة المسيح(عليه السلام ) والتعرف عليها والأيمان بها تفتح ذهنية الفرد المسلم ويبتعد عن ذهنه أي شبهه قد تطرح في موضوع غيبة مولانا المنتظر (عج) أو طول عمره الشريف لا سيما أن المسيح(عليه السلام ) غاب غيبة واحدة وهو مرفوع الى السماء في حين الأمام الغائب معنا في الأرض وله غيبتان في الأولى كان يلتقي بالناس عن طريق أساليب معينة وكان له سفراء خاصين أما في العام فالمشاهدة متعذرة لهذا فان التصديق بغيبة عيسى(عليه السلام) وطول عمره ولا سيما أن عمره أطول من عمر مولانا الغائب (عج) سيجعل من غيبة مولانا المهدي (عج) أو طول عمره شيء بديهي.
3ـ يمكن القول وبشكل مختصر جداً أن الأمام المهدي (عج) والمسيح(عليه السلام ) شخصان ادخرهما الباري لمهمة إلهية جليلة الأهداف متعددة الجوانب تلك هي عملية تغيير شاملة للحياة الإنسانية على وجه الأرض و إقامة مرحلة جديدة بكل ما تعنيه وتحمله هذه الكلمة من معاني هي مرحلة الانفتاح على العوالم الأخرى.
المصادر:
أولا : القرآن الكريم
ثانيا: الكتب
1ـ ابن طاووس، علي بن موسى متوفى عام 664 ه. ق: الملاحم والفتن، ( مؤسسة الأمير / النجف) 2005.
سعد السعود، ( مطبعة الحيدرية / النجف 1950).
2ـ الاربلي، علي بن علي متوفى عام 693ه: كشف الغمة في معرفة الأئمة ( دار الأضواء، بيروت).
3ـ البحراني، هاشم: مدينة المعاجز، متوفى عام 1107هـ، ( بهمن: 1413 ه. ق ).
4ـ الجزائري، نعمة الله: النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين ( بهمن 2005).
5ـ الحسني، هاشم معروف: سيرة الأئمة الاثني عشر، ( شريعت :1424 ه.ق ).
6ـ الراوندي، قطب الدين متوفي عام 573 ه: قصص الانبياء.
7ـ الصدر : صدر الدين: المهدي، ( قم :1424 ه .ق ).
8ـ الصدوق، محمد بن علي متوفي عام 381ه: اكمال الدين واتمام النعمة.
9ـ الطبري، محمد جرير من إعلان القرن الخامس الهجري: دلائل الامامية، (البعثة).
10ـ الطبرسي، نجم الدين: في رحاب حقوق الأمام المهدي، ( نكارش :1425ٌ ).
11ـ الطوسي، محمد بن الحسن متوفى عام 460 ه: الغيبة،( بهمن: 1415 ه.ق. ).
12ـ القرطبي، محمد: تفسير القرطبي الجامع الأحكام القرآن،( دار إحياء التراث العربي/ بيروت 1982 ).
13ـ القمي، علي بن بأبويه المتوفى عام 329 ه .ق : الإمامة والبتصره.
14ـ المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، (مؤسسة الوفاء/ بيروت 1983 .
15ـ االنيسابوري، الفتال: روضة الواعظين .
16ـ عبد الوهاب، حسين من إعلان القرن الخامس: عيون المعجزات ،( الحيدرية/ النجف 1954)
17ـ كوراني، علي: عصر الظهور ، ( دار الهدى :2004 ).
18ـ المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة.
الهوامش:
(1) ـ ابن طاووس، علي بن موسى: سعد السعود، ط، ( المطبعة الحيدرية/ النجف 1950) ، ص53ـ54
(2) ـ الصدر ، صدر الدين: المهدي، رقم 424ه ، ص.114ـ115
(3) ـ الحسني ،هاشم معروف : سيرة الأئمة لاثني عشر،ط1، ( شريعت 1424ه.ف )،ص526
(4) ـ الراوندي، قطب الدين: قصص الانبياء،ط1،ص264
(5) ـ سورة مريم،اية 16
(6) ـ المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ج14،ط2،( مؤسسة الوفاء/ بيروت 1983 )، باب17،ج6،ص208
(7) ـ الصدق، محمد بن علي بن الحسين: اكمال الدين وإتمام النعمة،باب ،4،ج2،ص425ـ426
النيسايوري، الفتال: روضة الواعضين،ص256
(8) ـ بحار الأنوار للمجلسي: مصدر سابق، ج14، باب 17،ج6،ص209.
الجزائري، نعمة الله : النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين،ص456
(9) ـ روضة الواعظين النيسايوري،نصدر سابق،ص255
(10) ـ عبد الوهاب، حسين: عيون المعجزات، ص129
(11) ـ اكمال الدين للشيخ الصدوق، مصدر سابق، باب 42،ج1 ص424.
البحراني، هاشم: مدينة المعاجز،ج1،ط1، ( مؤسسة المعارف الإسلامية 1413ه . ق ) باب1، ص12
(12) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق،ج51،باب1،ح7،ص5
(13) ـ قصص الأنبياء للراوندي، مصدر سابق،ص266
(14) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق ، ج51، باب1، ح14،ص24.
مدينة المعاجز للبحريني ، مصدر سابق،ح8،ص25
(15) ـ قصص الأنبياء للجزائري، مصدر سابق،ص475
(16) ـ القرطبي محمد : تفسير القرطبي الجامع لاحكام القرآن، ط2، ج4، ( دار أحياء التراث العربي/ بيروت؛ 1985 )،ص99.
(17) ـ كمال الدين للصدوق، مصدر سابق، باب 42،ح1،ص424 وما بعدها.
(18) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق، ج14،باب3،ح15،ص339
(19) ـ المصدر السابق، باب23،ح6،336.وماوراها
(20) ـ القمي، علي بن بابويه: الإمامة والتبصره، باب 28،ح94،ص109
(21) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق،ج51،باب1،ح4،ص4
(22) ـ الطوسي، محمد بن الحسن: الغيبة،ط61( مطبعة ياسمين، 1411ه.ق )،ح186،ص223
(23) ـ الغيبة للطوسي، مصدر سابق، ح1،ص220
(24) ـ المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، سلسلة المعارف الاسلامية، مركز الرسالة ، ص152ـ153
(25) ـ قصص الأنبياء للراوندي، مصدر سابق، ص265
(26) ـ المهدي للصدر، مصدر سابق، ص114ـ115
(27) ـ كمال الدين للصدوق، مصدر سابق، باب29،ح2،ص315
(28) ـ الاربلي، علي بن يحيى: كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج3، ( بيروت ) ص281 ومابعدها , المهدي للصدر مصدر سابق ص98
(29) ـ سورة القصص، اية 5
(30) ـ كوراني ، علي: عصر الظهور، ط1،دار الهدى, 2004,ص248.
(31) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق، ج14، باب4،ح13،ص350
(32) ـ قصص الانبياء للجزائري ، مصدر سابق، ص475 ومابعدها
(33) ـ عصر الظهور الكوراني، مصدر سابق،ص248
(34) ـ طاووس: السيد علي بن موسى: الملاحم والفتن، ط1، ( مؤسسة الامير/ النجف، 2005 ) باب186، ص57
(35) ـ بحار الأنوار للمجلسي، مصدر سابق،ج14،باب24،ح10،ص348 ومابعدها
(36) ـ عصر الظهور للكوراني، مصدر سابق ، ص248
(37) ـ الطبسي، نجم الدين: في رحاب حكومة الامام المهدي،ط1، ( نكارش 1425 ه.ق )،ص114
(38) ـ في رحاب، للطبسي، مصدر سابق، ص208 ـ209
الملاحم والفتن ، بن طاووس، مصدر سابق ، باب 187، ص57
التعلیقات