صدور كتاب الحضور في زمن الغيبة
المدير
منذ 14 سنةتضمن الإصدار الجديد لسماحة الشيخ حسن الصفار دعوة صريحة للواعين من أبناء الأمة للتسامي عن الهموم الخاصة والتفكير بعقلية الأمة والعمل من أجل المصلحة العامة ليتحقق بذلك حضور نهج الإمام في زمن الغيبة. كما دعا علماء المذاهب ومفكري المدارس الإسلامية، ليسجلوا إنجازاً ومشاركة تحسب في رصيد الإسلام الحضاري، وتؤكد حضور الإسلام كفكر ومنهج على الساحة العالمية. وقد خصص الفصل الأول من الكتاب والذي عنوانه: الحضور في زمن الغيبة للحديث عن فكرة وجود الإمام المهدي وأنه يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، مشبعاً الموضوع من مختلف جوانبه الفكرية والمعرفية، واستقل الباب الثاني للكتاب للحديث حول ليلة ميلاد الإمام المهدي (ليلة النصف من شهر شعبان) حيث تحدث عن فضل هذه الليلة وعظيم شرفها وأهميتها في النصوص الدينية مستعرضاً أبرز برامج الاحتفاء بهذه الليلة المباركة العبادية منها والاجتماعية. يقع الكتاب في 82 صفحة من الحجم الصغير، وطُبع منه ما يقارب (20.000) نسخة في ثلاث طبعات في لبنان والكويت والبحرين.
في مقدمة الكتاب أكد الكاتب أن الاحتفاء بليلة النصف من شعبان يجب أن يجب أن يكون باعثاً لتطلعات الإصلاح، وآمال التغيير، وأن يشكل دافعاً لتحمل المسؤولية تجاه قيم الحق والعدل، التي سيقود الإمام المهدي حركة تطبيقها على المستوى الإنساني العالمي. منتقداً تلك التوجهات التي تحاول صرف هذه المناسبة عن معانيها وأهدافها الحقيقية، وتحوّلها إلى مجرد مناسبة طقوسية، وبدل أن يكون الاعتقاد بالإمام المهدي ملهماً للأمل ودافعاً للعمل، صار ضمن هذه التوجهات سبباً للركود والجمود، وفقدان الأمل والتطلع، فالتغيير والإصلاح مهمة الإمام المهدي ومسؤوليته، أما نحن فواجبنا الانتظار والترقب. مضيفاً أن مناسبة النصف من شعبان يجب أن تصبح محطة وقود إيماني روحي، وتعبئة فكرية رسالية، للالتزام بنهج أهل البيت وخطهم الإسلامي الأصيل.
وفي الباب الأول من الكتاب أكد الشيخ الصفار على اتفاق المسلمين سنةً وشيعة على الإيمان بظهور إمام مهدي آخر الزمان، من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من ولد فاطمة عليها السلام، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، وقد تواترت الأحاديث والروايات في هذا الشأن، حتى أفرد عدد من العلماء مصنفات ومؤلفات خاصة لجمعها وبحثها.
وأشار الكاتب إلى الظروف الغامضة لولادة الإمام المهدي عليه السلام وأن والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد اخبر بولادته لأكثر من واحد من ثقاته، وسجل قائمة بأسماء من تحدّث عن وجود الإمام المهدي عليه السلام من علماء الأنساب، وبعض المؤرخين.
وعن منطلقات الشيعة في عقيدتهم بوجود الإمام المهدي، رغم المدة الطويلة الفاصلة بين ولادته وظهوره، استعرض الحقائق التالية:
- ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر الأمة بالتمسك بالثقلين، كتاب الله وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «...وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي».
- روايات أهل البيت عليهم السلام التي تؤكد أن، الأرض لا تخلوا من قائم لله بحجة.
- وكذلك الأحاديث الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أن الخلفاء اثنا عشر، كما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش».
وأشار الكاتب إلى وجود رواياتٍ في المصادر الشيعية، يؤدي العمل بظاهرها إلى انسحاب الشيعة من ساحة الحياة، وغيابهم عن معادلة الواقع، وقد أخذ بعض علماء الشيعة بظاهر تلك النصوص والروايات، وخاصة في العصور السابقة، لكن العلماء المحققين، ناقشوا تلك الروايات وكشفوا عن ضعف بعض أسانيدها، وفسروا ما كان منها صحيح السند، بما لا يؤدي إلى تعطيل قيم الإسلام وأحكامه.
وأكد الشيخ الصفار أنه ينبغي لأتباع أهل البيت عليهم السلام أن يحتذوا حذو أئمتهم عليهم السلام، ويترسموا طريقهم، ويحفظوا نهجهم، حتى يصدق ادعاؤهم في الإتباع والمشايعة، مؤكداً أن أهل البيت عليهم السلام لم يتخلوا عن الدفاع عن قيم الدين، ومصالح الأمة، رغم إبعادهم عن مواقع السلطة والحكم.
وقدّم دعوة صريحة للواعين من أبناء الأمة للتسامي عن الهموم الخاصة والتفكير بعقلية الأمة والعمل من أجل المصلحة العامة ليتحقق بذلك حضور نهج الإمام في زمن الغيبة. مشيراً إلى نماذج من مواقف الأئمة الطاهرين عليهم السلام يتضح من خلالها حرصهم على وحدة الأمة، وإعلاء شأن الدين، وتفويت الفرصة على الأعداء الطامعين، متجاوزين معاناتهم وآلامهم رغم قساوتها وفظاعتها.
وأفرد الكاتب الباب الثاني من كتابه للحديث عن الاحتفاء ليلة النصف من شعبان، مستعرضاً في بداية حديثه أبرز ما تحققه هذه المناسبة في الحياة الاجتماعية، ومنها: تأكيد هوية المجتمع، خدمة تماسك المجتمع عبر التمحور حول توجهات واحدة، والاشتراك في مشاعر موحدة، وما تفرضه برامج الاحتفاء بالمناسبة من تعاون وتفاعل عام، وتجديد حيوية المجتمع، ببعث حالة من الحركة والنشاط الاجتماعي.
وأكد الكاتب أنه لا تكاد تخلو حياة مجتمع بشري من وجود هذه المناسبات، مع تفاوت في منطلقاتها، وبرامج إحيائها، مشيراً إلى بعض نماذج الاحتفاءات عند المجتمعات الغربية.
وأضاف: ومن المناسبات البارزة التي تحتفي بها مجتمعات إسلامية كثيرة، هي ليلة النصف من شعبان، وللاحتفاء بهذه الليلة نوعان من البرامج: برامج تعبدية، كالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، وبرامج اجتماعية كالاحتفالات العامة، وتزيين المنازل والأماكن، وخروج الأطفال مجاميع وزرافات، ينشدون أراجيز خاصة بالمناسبة، ويستقبلهم أرباب المنازل بتوزيع الحلويات والهدايا عليهم.
وسجل آراء بعض علماء المسلمين حول الاحتفاء بليلة النصف من شعبان وعدم إنكارهم لمشروعيتها، كالشيخ محمد شلتوت، والشيخ ابن تيمية الذي اشار إلى العبادة والصلاة في هذه الليلة المباركة.
وأضاف: يبدو أن الاحتفاء بليلة النصف من شعبان لم يحدث من فراغ، وليس مجرد عادة اجتماعية، وموروث شعبي، بل إن له جذوراً دينية يمكن تلمسها عبر النقاط التالية:
- الروايات والأقوال الواردة عن أئمة السلف حول فضل هذه الليلة، حتى أشار أغلب المفسرين عند تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ إلى وجود رأي بأن تلك الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان.
- الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل ليلة النصف من شعبان، وفضل العبادة فيها، ومنها: ما جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: سئل الباقر عليه السلام: عن فضل ليلة النصف من شعبان؟ فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلا الله على نفسه أن لا يرد سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية.
- ذكر عدد من المؤرخين ورواة السيرة النبوية أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان في الخامس عشر من شعبان، في السنة الثانية للهجرة، ويوافق نوفمبر 623م.
- مما اتفق عليه المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر أمته بخروج رجل من ولده من نسل فاطمة الزهراء، آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام والذي يعتقد الشيعة بولادته ليلة النصف من شعبان.
وفي الأوراق الأخيرة للكتاب استعرض الشيخ الصفار ثلاثة ألوانٍ من برامج الاحتفاء بليلة النصف من شعبان تتكامل فيما بينها لاستثمار هذه الليلة المباركة فيما ينفع المجتمع ويفيده:
أولاً- البرامج العبادية، وأبرزها: صلاة جعفر، قراءة دعاء كميل، وزيارة الإمام الحسين عليه السلام.
ثانياً- برامج التوعية والإرشاد، حيث تقام الاحتفالات ومجالس الخطابات والمحاضرات، لتبيين هدي الإسلام، والحديث عن قضية الإمام المهدي عليه السلام، وبشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه، وعرض قصة ولادته وسيرته، ومعالجة قضايا الدين والمجتمع.
ثالثاً- العادات والتقاليد الاجتماعية في إحياء هذه المناسبة..
وحذر الشيخ الصفار مما قد تقوم به بعض العناصر غير المنضبطة من الشباب، من ممارسات طائشة منحرفة في مثل هذه المناسبات الاجتماعية، مؤكداً أنه ينبغي على العوائل تنبيه أبناءها إلى الابتعاد عن مثل هذه التصرفات، ومراعاة الآداب العامة، وأن تلتزم الفتيات بالحجاب الشرعي، والحفاظ على العفة والاحتشام.
التعلیقات