الرجعة لغة واصطلاحاً
شبكة السادة المباركة
منذ 14 سنة
الرجعة لغة واصطلاحاً
أما لغة: فهي المدة في الرجوع ومعناه العود إلى الدنيا بعد الموت.
وأما بحسب الاصطلاح، فقد ورد في معناها عدة أقوال، منها:
القول الأول: رجوع بعض الأموات إلى الدنيا، وخاصة من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً.
القول الثاني: رجوع بعض الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأمير المؤمنين علي والحسين. (عليهما السلام) وربما قيل برجوع النبي (صلّى الله عليه وآله) أيضاً. وهم يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأول في الدنيا من حيث الترتيب، ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً.
القول الثالث: رجوع كل الأئمة (عليهم السلام) بشكل عكسي، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا، فبعد المهدي يظهر أبوه الإمام الحسن العسكري، وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي وهكذا. ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) كان هو دابة الأرض، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.
وقد وقعت هذه المعاني محلاً للنقاش في الفكر الإسلامي.
والمعنيان الأخيران، قائمان على الفهم الإمامي للإسلام كما هو واضح.
وينبغي لنا أولاً أن نسرد بعض الأخبار الدالة على ذلك.
أخرج المجلسي في البحار ج13 ص210 بالإسناد عن محمد بن مسلم قال: سمعت حمران بن أعين، وأبا الخطاب يحدثان جميعاً ـ قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث: ـ أنهما سمعا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول:
أول من تنشق الأرض عنه، ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي. وإن الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة. لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.
وبهذا الإسناد عن بكير بن أعين، قال: قال لي من لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (عليه السلام): ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلياً سيرجعان.
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد أعطيت الست: علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول وإنّي لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلِّم الناس(1).
وفيه عن أبي عبدالله (عليه السلام): والله لا تذهب الأيّام والليالي حتّى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويردّ الحقّ إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه. إلى آخر الحديث(2).
وفيه في تفسير القمّي: انّ للذين ظلموا آل محمّد حقّهم عذاباً دون ذلك قال: عذاب الرجعة بالسيف.
وفيه عن أحمد بن عقبة، عن أبيه عن أبي عبدالله سُئل عن الرجعة أحقّ هي؟
قال: نعم.
فقيل له: من أوّل من يخرج؟
قال: الحسين يخرج على أثر القائم.
قلت: ومعه الناس كلّهم؟
قال: لا، بل كما ذكر الله في كتابه (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)(3) قوم بعد قوم. وعنه: ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران فيدفع إليه القائم الخاتم فيكون الحسين هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته(4).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنة ويزداد تسعاً، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟
قال: تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين (عليه السلام) فيطلب بدمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتّى يخرج أمير المؤمنين(5).
وفي البحار، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطّاب، سمعا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أوّل من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام) وإنّ الرجعة ليست بعامّة وهي خاصّة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً(6).
وفيه، عن أبي عبدالله (عليه السلام): إنّ إبليس قال: أنذرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه، فقال: إنّك من المنذرين إلى يوم الوقت المعلوم، ظهر إبليس (لعنه الله) في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين، فقلت: وإنّها لكرّات؟
قال: نعم، إنّها لكرّات وكرّات، ما من إمام في قرن إلاّ ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات، يقال لها الروحا، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم (يكن) مثله منذ خلق الله عزّ وجلّ العالمين...
وجاء في البحار، عن الباقر (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرّد في وحدانيته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً، ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً (صلّى الله عليه وآله) وخلقني وذريّتي، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا، فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتجّ على خلقه، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف، نعبده ونقدّسه ونسبّحه وذلك قبل أن يخلق الخلق، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا، وذلك قوله عزّ وجلّ: (وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)(7) يعني لتؤمنن بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيّه وسينصرونه جميعاً، وإنّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد (صلّى الله عليه وآله) بالنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمّداً (صلّى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوّه ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والنصرة لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثنّ الله أحياء من آدم إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) كلّ نبي مرسل يضربون بين يديَّ بالسيف...
وفيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لقد أسرى بي ربّي عزّ وجلّ فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى وكلّمني بما كلّم به وكان ممّا كلّمني به أن قال: يا محمّد إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر، سبحان الله عمّا يشركون. إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى، يسبّح له من في السماوات والأرض وأنا العزيز الحكيم. يا محمّد إني أنا الله لا إله إلاّ أنا الأوّل فلا شيء قبلي وأنا الآخر فلا شيء بعدي وأنا الظاهر فلا شيء فوقي وأنا الباطن فلا شيء دوني وأنا الله لا إله إلاّ أنا بكلّ شيء عليم. يا محمّد، علي أوّل من آخذ ميثاقه من الأئمة، يامحمّد، علي آخر من أقبض روحه من الأئمّة، وهو الدابة التي تكلّمهم، يا محمّد، علي أظهره على جميع ما أوحيه إليك، ليس لك أن تكتم منه شيئاً. يا محمّد، أبطنه الذي أسررته إليك؛ فليس ما بيني سرّ دونه. يا محمّد، علي على ما خلقت من حلال وحرام، علي عليم به(8).وفيه، بإسناده إلى حمران بن أعين: الدنيا مئة ألف سنة، لسائر الناس عشرون ألف سنة ولآل محمّد ثمانون ألف سنة(9).
وفيه عن مفضل عن أبي عبدالله (عليه السلام): كأني بسرير من نور قد وضع، وقد ضربت عليه قبّة من ياقوتة حمراء، مكلّلة بالجوهر وكأنّي بالحسين جاثٍ على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبّة خضراء، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه، فيقول الله عزّ وجلّ: أوليائي سلوني فطال ما أُوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم، فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة، فهذه والله الكرامة [التي لا انقضاء لها ولا يدرك منتهاها] (10). ولا يخفى أنّ سؤال الحوائج يدلّ على أنّ هذا في الرجعة إذ هي لا تُسأل في الآخرة(11).
وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) يقول فيها:
فلم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلاّ ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفيه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ لعلي في الأرض كرّة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما، يقبل برايته حتّى ينتقم له من بني اُميّة ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثمّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيلقاهم بصفّين مثل المرّة الاُولى، فيقتلهم ولا يبقى منهم مخبراً، ثمّ يبعثهم الله عزّ وجلّ فيدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون وآل فرعون، ثمّ كرّة اُخرى مع رسول الله حتّى يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمّة عمّاله وحتّى يبعثه الله علانية فتكون عبادته علانية في الأرض كما عبد الله سرّاً ثمّ قال: إي والله، وأضعاف ذلك، ثمّ عقد بيده يعطي الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الناس إلى يوم يفنيها، حتّى ينجز له موعوده في كتابه كما قال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(12).
وفيه قال الصادق (عليه السلام): ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا ويستحلّ متعتنا.
وفي زيارة الجامعة المنسوبة إلى أبي الحسن الثالث: وجعلني ممّن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهداكم ويحشر في زمرتكم ويكرّ في رجعتكم ويملك في دولتكم ويشرف في عافيتكم ويمكّن في أيّامكم وتقرّ عينه غداً برؤيتكم. وفي زيارة الوداع: ومكّنني في دولتكم وأحياني في رجعتكم.
وعن الصادق (عليه السلام) في زيارة الأربعين: وأشهد أنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي(13).
وفي رواية أخرى، عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
إن أول من يرجع لجاركم الحسين (عليه السلام) فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر.
وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
انتهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال: قم يادابة الله. فقال رجل من أصحابه: يارسول الله، أنسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله، ما هو إلا له خاصّة، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)(14). ثم قال: ياعلي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعدائك... إلى أن قال: فقال الرجل لأبي عبدالله (عليه السلام): إن العامّة تزعم أن قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)(15) عنى في القيامة، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ لا. ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(16).
وعن، الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن، ما تقول في الرجعة؟ فقال:
إنها الحق. قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقال (عليه السلام): إذا خرج المهدي من ولدي، نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه.
وقال (عليه السلام): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يارسول الله، ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله.
التعلیقات